وسط مؤشرات ورسائل إيجابية لعودة التعاون بين الحركة الإسلامية حماس والسعودية. جاءت الأحكام القضائية الأخيرة بحق مجموعة من المعتقلين الفلسطينيين والأردنيين، لتعود بتلك العلاقات إلى المربع صفر.

وقضت المحكمة الجزائية السعودية بالسجن 15 عاما بحق الممثل السابق لحركة “حماس” في المملكة، محمد الخضري؛ ضمن أحكام بحق 69 أردنيا وفلسطينيا. تراوحت بين البراءة والسجن 22 عاما.

وكان من اللافت تقديم السلطات السعودية موعد جلسات النطق بالحكم ضد المعتقلين الفلسطينيين والأردنيين. وفقا لحساب “معتقلي الرأي” على موقع “تويتر”، الذي يتابع ملف المعتقلين السياسيين في المملكة بشكل عام. والتعجيل بالمحاكمة على الرغم من محاولات الوساطة لحلحلة الملف.

وبحسب” معتقلي الرأي”، فإن هذه الجلسات كانت مجدولة سابقا في شهر أكتوبر المقبل، وأنه جرى تقديمها إلى شهر أغسطس الجاري.

محمد الخضري
محمد الخضري

وبدأت السعودية منذ العام 2019 باعتقال عشرات الفلسطينيين والأردنيين، ومنهم ممثل حركة حماس السابق في الرياض، محمد الخضري الذي يبلغ من العمر 82 عاما. ويعاني من مرض السرطان، وهو طبيب وسياسي متقاعد يقيم في السعودية، منذ ما يقرب من 30 عاما، كما تم اعتقال نجله هاني.

وكانت حركة حماس، أعلنت في 9 سبتمبر 2019، اعتقال “الخضري” ونجله، وقالت إنه كان مسؤولا عن إدارة “العلاقة مع المملكة على مدى عقدين من الزمان، كما تقلّد مواقع قيادية عُليا في الحركة”.

وأضافت أنّ اعتقاله يأتي ضمن حملة طالت العديد من أبناء الشعب الفلسطيني المقيمين في السعودية. دون مزيد من الإيضاحات على أمل حل المشكلة وديا.

وترافق اعتقال هؤلاء مع بروز نجم بن سلمان بعد توليه منصب ولي العهد. وإعلانه الحرب على التنظيمات الدينية السياسية، وإعلان تغيير توجهات المملكة السياسية التي تقوم منذ نشأتها على الحكم الديني.

ولم تصدر الرياض أي تعليق منذ بدء الحديث عن القضية قبل أكثر من عامين، وحتى اليوم. لكنها عادة ما تصدر بيانات روتينية بحق الموقوفين لديها بشكل عام مشيرة إلى تمتعهم بكافة حقوقهم.

رسائل ايجابية وأحكام غير متوقعة

مطلع الشهر الماضي تداولت عددا من وسائل الإعلام رسائل رسمية إيجابية متبادلة بين حركة “حماس” وقيادة المملكة، بشأن رأب الصدع بين الجانبين. ووصفت الحالة آنذاك بالإيجابية خاصة من جانب الرياض.

كما تلقفت وسائل إعلام تلك الرسائل التي أشارت إلى نقلها عبر مصر ومسؤولين خليجيين. وكانت تلك الرسائل تشير إلى خطوة جديدة على صعيد إزالة الخلافات بين المملكة وحماس.

أعقب ذلك ظهور رئيس المكتب في الخارج خالد مشعل على قناة العربية السعودية لأول مرة. وثناؤه على الدور السعودي في دعم القضية الفلسطينية.

كما دعا مشعل، السعودية لفتح أبواب العلاقة مع الحركة. مشيدا بالدور التاريخي للمملكة في دعم الفلسطينيين. وداعيا إياها لاستضافة قيادة حماس على أراضيها.

مشعل أكد أن حماس لم ولن تنتمي إلى محور بعينه في المنطقة، لأنها تحتاج دعم الجميع، وأنها انفتحت على جميع الدول منذ انطلاقتها، لافتا إلى أن إيران دعمت حماس بالسلاح. نافيا أن يكون ذلك اتفاقا معها في سياساتها الإقليمية أو الدولية.

“حماس”.. العلاقات مع إيران وانتقام “إسرائيل”

عبر مشعل خلال اللقاء المتلفز عن اندهاشه. من دعوات تطالب حماس بقطع العلاقة مع إيران. مؤكدا أن حماس لن تتراجع عن أي علاقة تفيد الشعب الفلسطيني. ولا تقبل أي اعتداء على دولنا العربية والإسلامية. في إشارة الى هجمات الحوثيين على السعودية.

جاء مفاجئا أن يظهر مشعل على هذه القناة التلفزيونية السعودية. بعد غياب امتد لأكثر من عشر سنوات. بعد أن تراجعت علاقة الحركة بالمملكة، وتفاءل المراقبون بشأن عودة العلاقات، ولكنها في الوقت نفسه جاءت بالتزامن مع تعكر المياه مع الحليف الإماراتي.

وحازت مقابلة مشعل مع “العربية” على اهتمام واسع بوسائل الإعلام وشبكات التواصل الاجتماعي. بسبب إطلالته الأولى عليها، والمحتوى “الجريء” الذي قدمه عن استمرار العلاقة بإيران. ودعوته للمملكة لاستضافة قيادة حماس.

لكن القناة حذفت مقطع يضم دعوته لإطلاق سراح عشرات من المعتقلين الفلسطينيين لديها من أنصار حماس، ولم تعلق الحركة على حذف المقطع، على أمل عودة المياه إلى مجاريها بين الطرفين.

وبينما تتقرب السعودية إلى إيران، توصد الأبواب في وجه حركة المقاومة الإسلامية حماس، التي طالما لعبت دور الوساطة بين الرياض وطهران للتقريب بينهما.

ورغم حضور وفد سعودي حفل تنصيب الرئيس الإيراني الجديد إبراهيم رئيسي. إلا أن بعض المحللين اعتبروا أن حضور وفدا من حماس لنفس الحفل عكر صفو العلاقات مرة أخرى بين حماس، والرياض.

وفد سعودي في حفل تنصيب الرئيس الإيراني
وفد سعودي في حفل تنصيب الرئيس الإيراني

وفضلا عن أن الجمع بين إيران والسعودية كحليفين لحماس أمر صعب. فإن المحاولات “الإسرائيلية” لتحجيم حركة المقاومة خاصة بعد مشاركتها الفاعلة في القدس لا تنتهي. خاصة أن الرياض وبشكل تاريخي ترى في طهران عدوا أخطر من الاحتلال الإسرائيلي.

ويبدو ان “حماس” راهنت على المصالحة الخليجية، لاسيما في أعقاب شعبيتها التي ارتفعت خلال انتفاضة القدس. في التغلب على علاقات الاحتلال الإسرائيلي الآخذة في التحسن مع الخليج. خاصة في أعقاب تطبيع عدد من الدول العربية معه. ما تنفيه تلك الأحكام المشددة.

حقوقيون: محاكمة جائرة وإهمال طبي

على المستوى الجماهيري والحقوقي. أثارت تلك الاحكام الغضب خاصة في ظل ما تمثله الحركة للقضية الفلسطينية.

مركز القسط لحقوق الإنسان، اعتبر أن المحاكمة لا تستوفي أيًّا من الضمانات الدولية للمحاكمة العادلة، فلم يسمح لذوي المعتقلين أو للمراقبين الدوليين من السفارات بحضور الجلسات، ولم يسمح لهم بتوكيل محامين مستقلين.

وتتمحور أغلب التهم حول الانضمام لحركة حماس، وربطها بالإخوان المسلمين وجمع التبرعات لفلسطين، واستخدام الشبكة العنكبوتية في الكتابة حول حركة الإخوان المسلمين. وجاءت الأحكام على خلفية دعاوى وجهها الادعاء العام استنادًا إلى نظامي مكافحة الإرهاب والجرائم المعلوماتية. رغم أن لائحة الدعاوى لا تتضمن أفعالًا أو ممارسات يمكن وصفها بالعنف أو الإرهاب، بحسب مركز القسط.

مثلت المجموعة أمام القضائية المتخصصة لأول مرة في 8 مارس 2020 في جلسة جماعية لا تستوفي أيًّا من الضمانات الدولية للمحاكمة العادلة،

وتشير القسط إلى تعرض المتهمين إلى عدد من الانتهاكات أثناء اعتقالهم الجماعي في مطلع 2019، منها الإخفاء القسري لعدة أشهر، ومدد طويلة في الحجز الانفرادي، والتعذيب.

حالات صحية حرجة

كما يعاني العديد منهم من حالات صحية حرجة، مثل محمد صالح الخضري الذي كان يتلقى علاجًا للسرطان ما بعد الجراحة وقت اعتقاله في أبريل 2019، وقد حرم من الرعاية الصحية اللائقة في السجن.

وأعربت عائلة الخضري عن قلقها على وضعه وتعتقد أن حياته في خطر بسبب الإهمال الطبي الذي سبق وأن عانى منه عدد من المعتقلين داخل سجون السلطات السعودية.

وبحسب القسط أيضا يعاني نجل الخضري، من حصوة في المرارة تتطلب تدخل جراحي عاجل قبل أن تسوء حالته الصحية، وقبل أن ينتشر المرض وينتقل إلى الحالب، وغيره من المعتقلين الذين يعانون من حالات مزمنة مثل التهاب الكبد، والسكري، وارتفاع ضغط الدم، والتهاب المفاصل دون أن يتلقوا الرعاية الصحية الضرورية.

وفي السياق ذاته علق المدير التنفيذي المكلف للقسط نبهان الحنشي: “لقد صدرت هذه الأحكام في محاكمة جماعية مخزية. بتهم من الواضح جدا أنها ذات دوافع سياسية. لقد وضعت السلطات السعودية هؤلاء الضحايا تحت محنة السجن القاسية لأكثر من عامين. وتجاهلوا بطريقة فجّة وضعهم الصحّي والنفسي في المعتقل. من الضروري أن تُسقط عنهم التهم ويطلق سراحهم فوراً”.

الحوثيون يتهمون السعودية بمجاملة الاحتلال

على الهامش عرض زعيم الحوثيين عبد الملك الحوثي، زعيم جماعة “أنصار الله” اليمنية. على المملكة العربية السعودية إطلاق سراح “أسرى سعوديين” لدى الحوثيين في اليمن مقابل الإفراج عن معتقلين من أعضاء حركة حماس في السعودية.

وقال الحوثي إن النظام السعودي يتودد للعدو الإسرائيلي بأحكامه الجائرة بحق المختطفين الفلسطينيين. ونؤكد من جديد عرضنا للنظام السعودي لتبادل ضباطه الأسرى لدينا مقابل الإفراج عن المختطفين الفلسطينيين. وفقا لما نقلته وكالة الأنباء اليمنية “سبأ” التي يسيطر عليها الحوثيون.

وأضاف الحوثي أن تجريم دعم المقاومة يمثل انحرافا خطيرا وارتدادا عن مبادئ إسلامية عظيمة. وتابع: “سنرحب بموقف النظام السعودي لو وقف إلى جانب المقاومة الفلسطينية، ونتمنى أن يتنافس الجميع للوقوف إلى جانب الشعب الفلسطيني”.