حينما عدل المشرع بالقانون رقم 181 لسنة 2020 المادة الثانية من المرسوم بقانون رقم 99 لسنة 1645 ، الخاص بتنظيم الوضع تحت مراقبة الشرطة، وذلك بقوله: “يعين وزير الداخلية محل تنفيذ عقوبة الوضع تحت مراقبة الشرطة بديوان القسم أو المركز أو نقطة الشرطة أو بمقر العمودية، أو بأي مكان آخر يتخذ كمحل إقامة للمراقب خارج دائرة المحافظة أو المديرية التي وقعت بها الجريمة.
ويجوز لمدير الأمن قبول طلب المحكوم عليه بتنفيذ عقوبة المراقبة في الجهة التي يقيم بها، وذلك بعد التحقق من توافر الضمانات الكافية لتنفيذ العقوبة، وعدم وجود خطر على حياة المحكوم عليه.
لم يكن ذلك التعديل لمسايرة التطورات العقابية أو الإصلاحية الحديثة، والتي بدأت منذ فترة ليست بالقصيرة تنتشر حول العالم في البعد عن العقوبات السالبة للحرية قدر المستطاع، واتخاذ مناهج الإصلاح والتقويم، والتي بدأت بالسجون المفتوحة، ثم تطور الأمر إلى ما هو أبعد من ذلك كثيرا، وذلك لإعادة دمج المحكوم عليهم ببيئتهم الطبيعية جديدة عبر مناهج وسبل اجتماعية وإصلاحية تسعى إلى تطوير سلوك المحكوم عليهم لإبعادهم عن السبل الإجرامية.
بل كان ذلك التعديل منصبا على تلافي ما كان يسمح به النص قبل تعديله من أن الأصل في المراقبة هو ما يطلبه المحكوم عليه من تحديده للمكان الذي يرغب في قضاء المراقبة فيه، وذلك حيث كان نص المادة الثانية قبل تعديله ينص على أن “في غير الأحوال التي تنص فيها القوانين على أن وزير الداخلية هو الذي يعين محل المراقبة، يجب على من يوضع تحت مراقبة البوليس أن يعين لمكتب البوليس الجهة التي يريد اتخاذها محلا لإقامته مدة المراقبة ، ويجوز لوزير الداخلية ألا يوافق على الجهة التي اختارها المراقب إذا كانت في دائرة المحافظة أو المديرية التي وقعت فيها الجريمة التي استوجبت الوضع تحت المراقبة، أ, الجهات المجاورة لها، وفي هذه الحالة يعين المراقب جهة أخرى للمراقبة، فإن لم يعين المراقب محلا آخر لإقامته يعين هذا المحل بأمر من وزير الداخلية”.
المراقبة تتحول بالتالي من إجراء احترازي يهدف إلى حماية المجتمع من عودة المحكوم عليه للجريمة إلى شبه تدمير للحياة اليومية للمراقب ليلًا ونهارًا.
وملخص القول بأنه قد سلب سلطة المحكوم عليه في تحديد المكان محل المراقبة، وجعل الأمر في سلطة مدير الأمن فله الإجازة والرفض. وقد كان ذلك عقب أن قضت محكمة القضاء الإداري بقبول بعض الطعون على تحديد أماكن المراقبة، وكان من أشهرها الحكم رقم 7411 لسنة 40 قضائية والصادر من محكمة القضاء الإداري بالمنصورة، وقد أكدت محكمة القضاء الإداري في هذا الطعن والي كان يخص الناشط / محمد عادل، تعليقا على رفض الجهة الأمنية لطلبه بجعل محل المراقبة هو منزله على أن ” الثابت أن المشرع قد أوجب على من يوضع تحت مراقبة البوليس أولاً أن يحدد هو بذاته سكناً خاصاً له باختياره يصلح كمحل إقامة في بداية الأمر وهو الأصل، وثانياً قد أجاز على سبيل الاستثناء لجهة الإدارة في حالات معينة تعيين ديون القسم أو نقطة البوليس أو مقر العمودية كمحل لإقامته، وكانت وزارة الداخلية قد قامت – مباشرة وبإرادتها المنفردة دون أي مبرر – بتحديد قسم شرطة أجا محلاً لإقامة المدعي وأجبرته على الحضور في كل يوم منذ غروب الشمس وحتى شروقها، وفقا للثابت من الدفتر المرفق بأوراق الدعوى، فإن الوزارة تكون بهذا التصرف قد تغولت على حق المدعي المخول له بحكم القانون في اختيار محل لإقامته متعسفة بذلك في استعمال سلطتها والانحراف بها عن المسلك القانوني السليم.
فقد كان يتوجب على الوزارة اتخاذ قراراها بتعيين المحل الذي اختاره المدعي لمراقبته بمجرد طلبه ذلك طالما أن هذا المكان لا يخل بالشروط المطلوبة فيه. ونوهت المحكمة إلى خلو الأوراق مما يفيد أن هناك سببا ما لرفض المكان الذي عينه المدعي، الأمر الذي يتوجب القضاء بإلزام وزارة الداخلية بتعيين مسكن المدعي الخاص به، محلاً لتنفيذ العقوبة التبعية المحكوم بها عليه في القضية المشار إليها بدلا من تعيين قسم شرطة أجا كمحلاً للمراقبة “. وفي الأصل فإن الوضع تحت مراقبة الشرطة هي عقوبة وقائية يُحكم بها في بعض الحالات خاصة تلك المتعلقة بالاعتياد على ارتكاب الجريمة، ولذا نجد أنه يجوز الحكم بها حال العودة إلى ارتكاب جنح السرقة والنصب وكذلك من ارتكب جرائم الدعارة والتي في أغلبها متعلق بالاعتياد على الفعل، وأن الهدف الأساسي من هذه العقوبة هو التقييد على الأشخاص الذين يشير ماضيهم الجنائي امتهانهم الجريمة وارتفاع فرص عودتهم لها مجددًا، وبالتالي يصبح الغرض منها حماية المجتمع. وهنا يجب طرح التساؤل حول تطبيق هذه العقوبة على الناشطين السياسيين وخصوا فيما يتعلق بالقضايا ذات الطابع السياسي أو المتعلقة بحرية الرأي.
في الأصل فإن الوضع تحت مراقبة الشرطة هي عقوبة وقائية يُحكم بها في بعض الحالات خاصة تلك المتعلقة بالاعتياد على ارتكاب الجريمة.
ومع هذا التعديل للقانون فإن المراقبة تتحول بالتالي من إجراء احترازي يهدف إلى حماية المجتمع من عودة المحكوم عليه للجريمة إلى شبه تدمير للحياة اليومية للمراقب ليلًا ونهارًا، فلا يستطيع أن يحصل على الحد الأدنى من النوم اليومي وينعكس ذلك على مدى قدرته على العمل أو التعليم نهارًا كما يؤثر بالسلب على حالته الصحية، وهو الأمر الذي يتعارض مع الهدف الإصلاحي المفترض في المراقبة سواء تم اعتبارها على أنها عقوبة تكميلية، أم أنها إجراء يهدف إلى تقويم سلوك المتهم وإدماجه في المجتمع، كما يخالف قانون المراقبة ذاته الذي يشجع في أكثر من مادة على تخفيف وتحسين ظروف المراقبة على من يعمل أو يتعلم.
ومع النظر للتطورات العقابية الحديثة، واستحداث سبل جديدة للتعاطي مع إعادة تقويم المتهم مثل السوار الإلكتروني، والإلزام بعمل مجتمعي نافع وما إلى ذلك من سبل يتم تطبيقها في معظم دول العالم، تهدف في النهاية إلى البعد عن القسوة المفرطة في العقاب، واتخاذ المناهج الاجتماعية كوسيلة إصلاحية.
إلا أن الأمر عندنا وخصوصا في القضايا ذات المنحى السياسي فإن المشرع المصري قد اتخذ منهج التغليظ والقسوة في العقوبة وهجر أي نظريات مجتمعية حديثة في سبل العقوبة، وهو ما يتضح جليا مع تعديل ذلك القانون المذكور في بداية ذلك المقال، وذلك بجعل أمر مكان المراقبة مرهوناً فقط بإرادة وزارة الداخلية، على عكس القانون السابق، كما أن التعديل قد جعل من طلب المحكوم عليه أمراً أيضا خاضعا لتقدير وزارة الداخلية، إن شأت أجازت، وإن شأت رفضت، وهو ما يعكس رغبة واضعي القانون في التشدد العقابي حتى في المراقبة، والبعد عن أصلها أو توجهها الحقيقي.