فتح قرار مجلس الوزراء السوداني الانتقالي بتسليم المطلوبين بجرائم دارفور على رأسهم الرئيس المعزول عمر البشير إلى المحكمة الجنئاية الدولية. ملف المتورطين في جرائم الحرب والانتهاكات ضد الانسانية بما فيهم بعض الرموز العسكرية البارزة في السلطة الانتقالية الحالية. وهو الملف الذي ظلت جهات دولية تطالب به طيلة العقد الأخير منذ صدور عقوبات ضد البشير وعدد من معاونيه حتى عزله عقب قيام الثورة السودانية في نهاية 2019 ليصبح تسليمه ومحاكمته دوليا المطلب الأكثر إلحاحا أمام السلطة الانتقالية في السودان.

البشير
البشير

كانت الحكومة الانتقالية في السودان برئاسة عبد الله حمدوك أقرت الموافقة على تسليم البشير للمحكمة الجنائية الدولية. في إطار تعاون الحكومة مع المحكمة الجنائية الدولية لإنفاذ القانون الدولي وتسهيل مهامها لتحقيق العدالة لضحايا حرب دارفور-. حسب ما صرحت به وزيرة الخارجية مريم المهدي. خلال زيارة للمدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية، كريم خان، في الخرطوم نهاية الأسبوع الماضي.

مريم الصادق وكريم خان
مريم الصادق وكريم خان

ويبقى تسليم الرئيس المعزول والأسماء المطلوبة دوليا. رهن موافقة المجلس التشريعي الانتقالي المؤقت الذي يضم مجلسي السيادة والوزراء. من أجل المصادقة على قانون انضمام السودان لميثاق روما الأساسي وامكانية تسريع تلك الخطوات.

كان النزاع في دارفور اندلع منذ عام 2003. وشهدت فيه المنطقة عمليات من الإبادة والانتهاكات المنظمة من قبل قوات تتبع الجيش السوداني وميليشات الجنجويد تسبب في نزوح 2.5 مليون من السكان و300 ألف قتيل وفق تقديرات الأمم المتحدة.

نظام روما الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية

في بداية أغسطس أجاز مجلس الوزراء السوداني نظام الانضمام لنظام روما الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية – حسب بيان لرئيس الوزراء عبد الله حمدوك-. أكد فيه أن مجلس الوزراء وافق على قانون الانضمام بالإجماع تمهيدا لعقد اجتماع مشترك بين مجلسي السيادة والوزراء للمصادقة عليه. حيث أن العدالة والمحاسبة هما الأساس الراسخ للسودان الجديد والملتزم بسيادة حكم القانون.

المحكمة الجنائية الدولية
المحكمة الجنائية الدولية

ووفق بيان مجلس الوزراء، لم يحدد حمدوك إطارا زمنيا لإمكانية المصادقة على القانون من قبل المكون العسكري للمرحلة الانتقالية المتمثل في المجلس العسكري. الذي لا يزال موافقة قيادته شرط أساسي لتمرير القانون ومن ثم الموافقة على تسليم البشير ومحاكمته خارج البلاد من خلال المحكمة الجنائية الدولية. ما يفتح الباب أمام خلاف مجتمل بين المكونين المدني والعسكري حول امكانية تحقيق هذه الخطوات التي بدأتها الحكومة من أجل محاولة تحقيق ما وعدت به من الإصلاحات الديمقراطية ومحاكمة كافة المتورطين في ارتكاب جرائم حرب.

وينص نظام روما الأساسي المنظم للمحكمة الجنائية الدولية التابعة للأمم المتحدة، والمعتمد في 1998 خلال مؤتمر الأمم المتحدة. حيث تقر فيه الدول بأن ملايين الأطفال والنساء وقعوا خلال القرن الحالي كضحايا لفظائع لا يمكن تصورها هزت ضمير الانسانية بقوة. بما يهدد السلم والأمن في العالم بما يثير قلق المجتمع الدولي. وتؤكد الدول الموقعة على النظام ألا تمر الجرائم دون عقاب بضمان مقاضاة مرتكبيها من خلال تدابير تتخذ على الصعيد الوطني من خلال التعاون الدولي حيث تمارس الدول ولايتها القضائية الجنائية على المسئولين عن ارتكاب جرائم دولية.

ووفقا ً للقانون المؤسس للمحكمة الجنائية الدولية. لا يمكن اعتبار تدخلها لمقاضاة مرتكبي الجرائم الدولية تدخل في الشئون الداخلية لأي دولة. فالمحكمة تتمتع بالاستقلالية وفق منظومة الأمم المتحدة. حيث تبقى المحكمة مكملة للاختصاصات القضائية الجنائية الوطنية بما يضمن احترام العدالة الدولية وتحقيقها، والنظر في جرائم الإبادة الجماعية وحرب والعدوان.

بانضمام السودان للميثاق المنظم لعمل المحكمة الجنائية الدولية. الذي سيكون خطوة تجاه انخراط السودان في المجتمع الدولي تدريجيا بعد الحظر المفروض عليها من قبل الولايات المتحدة الأمريكية خلال حكم الرئيس المعزول عمر البشير. وبذلك يكون على السلطات السودانية التعاون من أجل تحقيق بنود الميثاق المتعلقة بتسليم كل من ثبت عليه التورط في ارتكاب جرائم الحرب والإبادة الجماعية في دارفور.

ضغوط دولية

منذ شهرين زارت المدعية العامة للمحكمة الجنائية الدولية فاتو بنسودة الخرطوم ودارفور. من أجل مطالبة السلطة السودانية الانتقالية بتسليم المشتبه بهم والمطلوبين في جرائم الحرب والإبادة الجماعية في نزاع دارفور.

وحددت المدعية العامة للمحكمة بعض المتهمين المطلوبين منهم أحمد هارون وزير الداخلية السابق. وهو أحد المطلوبين الأوائل لارتباط قضيته بقضية علي كوشيب القيادي في مليشيا الجنجويد، حيث بدأت سلسلة جديدة من التحقيقات.

أحمد هارون
أحمد هارون

وخلال الأسبوع الماضي استكمل المدعي العام الجديد للمحكمة الجنائية الدولية كريم أسد خان التحقيقات خلال زيارة للخرطوم. التي جاءت بعد مصادقة الحكومة الانتقالية على قانون يجيز انضمام السودان لنظام روما الأساسي. حيث بحث مع الحكومة أليات تعزيز وتكثيف التعاون حول ملف التحقيق المفتوح منذ 2005 .

كانت النيابة العامة السودانية أصدرت بيانا نهاية 2019. كشفت فيه عن مطالب أوروبية بتسليم البشير وتعاون الحكومة الانتقالية مع المحكمة الجنائية الدولية بشأن الأحداث التي تمت خلال 30 عاماً إضافة إلى أحداث فض اعتصام القيادة.

المطلوبين للعدالة الدولية

إضافة إلى المطلب الدولي بتسليم الرئيس المعزول، عمر البشير. المحتجز في سجن كوبر بالعاصمة الخرطوم، أصدرت جهات تحقيق دولية قائمة تضم 51 شخصاً تشميل قيادات عسكرية وسياسية تتضمن مدير المخابرات سابقا صلاح عبدالله “قوش”. ورئيس الاستخبارات ووزير الدفاع سابقا عوض بن عوف، ومساعد البشير، نافع علي نافع، وعبدالحميد موسى كاشا، وأحمد هارون، الذي شغل منصب وزير الداخلية خلال حرب دارفور. وعلي كوشيب أحد زعماء الميليشيات، الذي وجهت له تهم القتل والاغتصاب والنهب خلال سنوات الحرب بإقليم دارفور غربي السودان.

وتتضمن القائمة الزعيم القبلي موسى هلال، والقيادات الإخوانية عبدالله صافي النور ومطرف صديق وحاكم ولاية شمال دارفور سابقا عثمان محمد يوسف كبر. ورئيس دائرة الاستخبارات سابقاً عبدالكريم عبدالله، وقائد مليشيا الدفاع الشعبي والأمين العام الحالي للحركة الإسلامية السياسية حاليا علي أحمد كرتي.

وتأتي هذه القائمة وفق نتائج عمل لجنة التحقيق الدولية التي كلفها الأمين العام للأمم المتحدة الأسبق كوفي عنان. برئاسة القاضي الإيطالي أنطونيو كاسيوس. بتوجيه من مجلس الأمن الدولي لإجراء تحقيق حول جرائم الحرب في دارفور. حيث أجريت التحقيقات مع الناجين في مخيمات النزوح واللاجئين في دارفور كشهود عيان لما تم ارتكابه في الإقليم. حيث وضع مجلس الأمن تقرير اللجنة أمام الادعاء الجنائي بالمحكمة الجنائية الدولية.

إلا أن الادعاء الجنائي بالمحكمة الجنائية الدولية ثبت وقوع جرائم وانتهاكات علي قائد مليشيا الجنجويد علي كوشيب ووزير الدفاع عبد الرحيم محمد حسين ووزير الداخلية أنذاك أحمد هارون، حيث تم اعتماد 31 تهمة عليهم تتصل بالقتل والاغتصاب وارتكاب انتهاكات جسيمة ضد الانسانية.

قيود سياسية وتخوفات أمنية تقيد تسليم البشير

في تصريح تداولته صحف ووسائل إعلام سودانية رحب الرئيس المعزول، عمر البشير من داخل محبسه في سجن كوبر. بتسليمة للجنائية الدولية. قائلا: ظروف احتجازه في لاهاي ستكون أفضل من سجن كوبر. وهو الترحيب الذي يأتي عكس عدم اعترافه بالمحكمة الدولية خلال وجوده في السلطة. واتهامها دائما بأنها أداة استعمارية للسيطرة على الدول. إلا أن معظم الآراء تتجه إلى أن محاكمة البشير دوليا قد تفتح الباب لسيل من الاتهامات قد تطال مسئولين عسكريين في السلطة الانتقالية الحالية. كانوا بمثابة معاونين للبشير، منهم قادة قوات الدعم السريع. حيث اعتبر مراقبون ترحيب البشير لانتقال محاكمته على المستوى الدولي بمثابة تهديد لفتح النيران على قيادات حالية.

قائمة الـ 51

وتبقى قائمة الـ51 المتورطين في جرائم الحرب بدارفور. محل جدل وتخوف من التسبب في عدم الاستقرار> جراء الكشف عن تورط أسماء جديدة تتولي مناصب حالية. ما قد يتسبب في زعزعة الاستقرار النسبي الذي وصلت له السودان حاليا خلال فترة الحكم الانتقالي. ما يؤكده تصريحات المدعية الجنائية الدولية السابقة فاتو بنسودا. بأنه لا يعني حصر الاتهام في المطلوبين الخمسة الرئيسين عدم تورط أخرين. بل ستمتد الأوامر متى ما توفرت أدلة وبيانات جديدة بحق كل ما تورط في جرائم الحرب في دارفور خلال التحقيقات الجارية.

كان المجلس العسكري في السودان، رفض تسليم البشير. باعتبار أنه سيلقى محاكمة عادلة أمام القضاء السوداني بتهم تتعلق بالفساد. في بداية المرحلة الانتقالية في 2019. بينما لم يدون القضاء المحلي في مواجهة البشير أي اتهامات بشأن دارفور. واقتصرت التهم في حيازة نقد أجنبي والثراء غير المشروع. حيث أكد مندوب السودان لدى الأمم المتحدة أن البشير سيقدم لمحاكمة عادلة أمام القضاء السوداني الذي يعمل بمهنية واستقلال لتحقيق العدالة.

إلا أن تطور الأمور وتزايد المطالب المحلية والضغوط الدولية من أجل انضمام السودان للمحكمة الجنائية الدولية وميثاق روما. باعتبار أن الوجود في القضاء العالمي مسألة مهمة لضمان عدم تكرار ما حدث من فظاعات وانتهاكات لحقوق الإنسان في البلاد. وضع القادة العسكريين في السودان أمام مأزق جديد في إمكانية تمرير تسليم البشير من دون التأثير على حالة السلم والاستقرار في السودان.

ويتبنى خبراء وكتاب رأي سودانيون بعض الأفكار عن إمكانية تكوين محكمة مختلطة من القضاء المحلي ومشاركة قضاه من المحكمة الجنائية الدولية لمحاكمة البشير. لتخطي العقبات الداخلية المتمثلة أيضا في استمرار محاكمة البشير في قضايا داخلية أخرى تتعلق بالفساد واستغلال السلطة. وتجاوز المخاوف من زعزعة الاستقرار في حال ثبوت اتهامات على قيادات عسكرية حالية.