بين ليلة وضحاها تبدل وضع النساء في أفغانستان وتجددت مخاوفهن بعودة حركة طالبان، بعدما أحكمت الحركة سيطرتها على أفغانستان خلال الساعات الأخيرة. إذ سيطر مقاتلوها على العاصمة كابول، وانهارت الحكومة الأفغانية وفر الرئيس أشرف غني للخارج. وانزلقت كابول في حالة من الفوضى، شهدت محاولات فرار للسكان المحليون والأجانب.
عودة طالبان بعد ما يقرب من 20 عاما بمثابة عودة لعهود الظلام والقيود الصارمة التي تفرض على النساء. وفي تقرير نشرته جريدة “تليجراف” للصحفي كامبل ماكديارميد، تحت عنوان “لا يوجد ضوء في نهاية النفق: طالبان تعيد فرض قيود صارمة على النساء”. أوضح خلاله أن المتمردين يعيدون فرض قيود صارمة على النساء. ما يمحو أي تقدم تم إحرازه في مجال الحقوق والتعليم منذ الإطاحة بهذه الجماعة الدينية من السلطة قبل عقدين.
عودة للخلف
تلك العودة تمثل عودة للوراء أيضا، وفقا لما وصفته العديد من السيدات اللاتي عشن هذه التجربة من قبل، وحاولن التحرر من قيودها لتعود هذه القيود من جديد. ومنهن فريشته فوروغ، امرأة أفغانية تعيش في الولايات المتحدة أسست برنامج “كود تو إنسباير”. لتعليم الفتيات برمجة الكمبيوتر في هرات، والتي قالت إنها تشعر بالحزن لأن كل ما حققوه من مكاسب اختفى بين يوم وليلة. كما أن الفتيات اللواتي التحقن بالمدرسة أصبحن خائفات ويائسات، بعد أن اجتاح مقاتلو طالبان المدينة الغربية الخميس. وكان بعض الطلاب قد فروا بالفعل.
ويبدو أن الجماعة لم تعدل عن تفكيرها المتشدد، فأمرت النساء بعدم التواجد في الأماكن العامة دون برقع أو مرافقة ذكر. مما يدل أن النهج الماضي سيعود، وسيمنعون الفتيات من الدراسة أو تعلم الموسيقى.
ووفقا للكاتب سعى قادة طالبان إلى ممارسة الزواج القسري للفتيات، حيث قال رجل محلي في تخار إنه تلقى أوامر بتقديم ابنته البالغة من العمر 15 عاما للزواج من أحد مقاتلي طالبان. بعد أن اجتاح المتمردون المقاطعة الشمالية في يونيو، ليخرج متحدث طالبان وينفي تلك الوقائع. مشيرا إلى أنها مخالفة للشريعة الإسلامية التي يسعون لتطبيقها.
النساء في أفغانستان استطعن تحقيق عدة مكاسب منذ 2001، منها إتاحة فرص العمل للنساء والتعليم، والمشاركة في الرعاية الصحية. وقام الكاتب بإجراء عدة مقابلات مع نساء من أفغانستان قالت إحداهن إنها استطاعت أن تتعلم اللغة الإنجليزية بنفسها. والتحقت بالعمل في أحد البنوك، ولكنها الأن تسعى لإيجاد مكان جديد. إلا أن هذه النجاحات أصبحت في مهب رياح طالبان.
ووفق مفوض الأمم المتحدة السامي لحقوق الإنسان، تعرضت النساء اللواتي يعصين القواعد الصارمة للجماعة للجلد علنا وحتى للقتل. وعلى الرغم من أن معدل معرفة القراءة والكتابة لدى النساء في أفغانستان لا يزال منخفضا (أقل من 30 في المائة منذ عام 2001). إلا أن ملايين الفتيات على الأقل حصلن على قدر من التعليم لم يكن ليحصلن عليه في ظل حكم طالبان.
وقالت باشتانا دوراني، المدافعة عن حقوق المرأة من قندهار: “لا يوجد مأوى ولا طعام ولا مياه نظيفة ولا وصول إلى الأدوية ولا وصول للرعاية الصحية من أي نوع. ويهرب الناس يسارا ويمينا ولا يوجد استقرار أو مكان يذهبون إليه”. مشيرة إلى أن أي مكاسب قد تم تحقيقها منذ عام 2001 قد ضاعت الآن.
النساء تحت حكم طالبان
خلال حكم طالبان كانت النساء ممنوعات من أمور عدة، فمن سن الثامنة لم يكن مسموحا للنساء أن يقمن بأي اتصال مباشر مع الرجال. باستثناء أقرب الأقارب أو الزوج (محرم)، كما لا ينبغي على النساء السير في الشوارع من دون وضع البرقع أو النقاب، فيما يمنع على النساء ارتداء أحذية ذات كعب عال، كما يمنع سماع الرجال خطواتهن “خشية الفتنة”.
وفي حالة مخالفة قوانين طالبان يتم جلد النساء بالسياط ولا تهاون في ذلك، حيث يمنع على النساء التحدث بصوت عال في العلن، فلا ينبغي أن يسمع رجل غريب صوتها. وكل نوافذ الطوابق الأرضية والطوابق الأولى في المنازل لابد أن يتم طلائها أو سترها منعا لرؤية أي امرأة من خلالها. كما تم منع ظهور النساء من شرفات منازلهن، وتصوير النساء فوتوغرافيا أو سينمائيا كان ممنوعا. وتمنع عرض صور للنساء في الصحف أو المجلات أو الكتب أو المنازل، مع تعديل أي اسم من أسماء الأماكن التي تتضمن أسماء لنساء.
وعلى سبيل المثال تم تغيير مسمى “حديقة النساء” إلى “حديقة الربيع، ومنع ظهور أو حضور المرأة في الإذاعة والتلفزيون أو أي تجمع آخر. ولم يكن مسموحا للنساء أن يتم معالجتهن من قبل أطباء ذكور، مالم يكن لديهن مرافق ذكر (محرم). ما تسبب في عدم تلقي الكثيرات العلاج. كما واجهن الجلد بالسياط علنا والإعدام العلني في حالة مخالفة قوانين طالبان.
تلك القيود تبعها أحكام عنيفة ضد السيدات فقد تم قطع أصبع امرأة لأنها كانت تضع طلاء الأظافر. كما أعلنت إذاعة الشريعة أن 225 من نساء كابول قد عوقبن لخرقهن قوانين الشريعة بشأن الملبس، وذلك بقرارات من قبل المحكمة. وتم جلد النساء على ظهورهن وأرجلهن عقابا على جنحتهن.
كل هذه الأوضاع المتعنتة انتهت وبدأت المرأة تحقق مكاسب بعد القضاء على الحركة في 2001، في مجالات عدة منها الصحة والتعليم وغيرها.
القضاء على طالبان ثم عودتها
سقطت طالبان في عام 2001، حين شن الرئيس الأمريكي حينها جورج بوش “حربه على الإرهاب”. ردا على اعتداءات 11 سبتمبر التي أوقعت نحو ثلاثة آلاف قتيل في نيويورك وواشنطن وبنسلفانيا مع غارات جوية على أفغانستان في السابع من أكتوبر 2001. وعقب هذه الأحداث وفرت حكومة طالبان ملجأ آمنا لأسامة بن لادن وحركته تنظيم القاعدة التي خططت ونفذت الاعتداءات. وسرعان ما فرت طالبان التي كانت في السلطة منذ العام 1996 من كابول في السادس من ديسمبر.
وألقت سيدة أمريكا الأولى آنذاك لورا بوش خطاباً إذاعياً في 17 نوفمبر 2001. قالت فيه “إن الحرب على الإرهاب هي حرب من أجل تحرير نساء أفغانستان” وبعد يومين من ذلك الخطاب صرحت شيري بلير. زوجة توني بلير، رئيس الوزراء بريطانيا آنذاك، بتصريحات مشابهة. قالت فيها إن هذه الحرب هي من أجل إنقاذ المرأة. واعتبر البعض أن قضية المرأة الأفغانية مجرد غطاء سياسي للحرب على أفغانستان ولكسب الرأي العام وجذب التعاطف مع الحرب.
وتعتبر الدكتورة ليلى أبو لغد، أستاذة علم الاجتماع في جامعة كولومبيا الأمريكية والتي تؤيد الحركة النسوية التي تدعو لمساواة المرأة بالرجل في كل شيء. أن لورا بوش لا تهتم حقيقة بتحرير المرأة في أفغانستان لأنها هي وزوجها جورج بوش الابن، بحكم انتمائهما إلى الحزب الجمهوري. بريئان من دعم النساء وبقية الاتجاهات التقدمية، لأنهما في يمين الحزب ولا يتحمسان لـ “تحرير” المرأة الاميركية ناهيك عن المرأة المسلمة.
وأعلنت حركة طالبان، خلال شهر يونيو الماضي، الاستيلاء على عدة مقاطعات في الشمال، بما في ذلك تخار وفرياب وبدخشان. حيث أجبروا الجيش على التراجع الاستراتيجي ومعه المؤسسات الديمقراطية. وكان معظم الجنود الأمريكيين البالغ عددهم 2500 جندي قد غادروا بحلول هذا الوقت على الرغم من بقاء حفنة منهم في العاصمة كابول.
وانتقد الأفغان الانسحاب الدولي ووصفوه بأنه متسرع للغاية. ويجادل البعض بأن محادثات السلام على مدى العامين الماضيين بين الأمريكيين وطالبان عززت فقط شرعية طالبان وطموحاتها وعمليات التجنيد التي تقوم بها. ولم يكن إنهاء الصراع المستمر منذ الغزو الذي قادته الولايات المتحدة والذي أنهى نصف عقد من حكم طالبان قبل حوالي 20 عاما، وشيكاً.
دولة معادية للنساء
أسماء دعيبس مديرة مؤسسة بنت النيل، ترى أن عودة طالبان تمثل عودة للوراء أيضا فيما يخص السيدات. مدللة على ذلك بظهور العديد من مقاطع الفيديو التي تظهر بها السيدات وهي تردد أنهن سيعودن لمنازلهن ويبتعدن عن الشارع. معتبرة أفغانستان من الدول القاسية والمعادية للسيدات.
أسماء دعيبس: طالبان سمحت وشجعت على زواج الفتيات القاصرات تحت سن 16 سنة. حيث تتم 80 بالمائة من الزيجات قصرا. فالانتهاكات ضد النساء لا حصر لها، وما تشهده النساء في المستقبل مرعب ومخيف.
وتابعت دعيبس “عندما كانت طالبان في السلطة كان لها سمعة دولية سيئة في معاملة النساء. وكان هدفها المعلن خلق بيئة آمنة للحفاظ على كرامة وطهارة النساء، وتم إجبار السيدات على ارتداء البرقع. وهو ملبس تقليدي أفغاني السيدات كانت ترتديه منذ عقود، وبرر هذا الأمر الناطق باسم طالبان بأن وجه المرأة مصدر لفساد الرجال”.
وقالت إنه لا يسمح للسيدات بالعمل، أو التعليم بعد سن الثامنة، وغير مسموح لهن سوى بتعلم قراءة القرآن فقط.
وأوضحت مديرة مؤسسة بنت النيل أن طالبان سمحت وشجعت على زواج الفتيات القاصرات تحت سن 16 سنة. وفي تقرير لمنظمة العفو الدولية ذكر أن 80 بالمائة من الزيجات في أفغانستان كانت تتم قصرا. مشيرة إلى أن الانتهاكات ضد النساء لا حصر لها، متوقعة أن ما تشهده النساء في المستقبل مرعب ومخيف.
الدعوة لعلاقات سلمية
وأعلن محمد نعيم المتحدث باسم المكتب السياسي لحركة طالبان في مقابلة مع قناة الجزيرة الأحد انتهاء الحرب في أفغانستان، ودعا إلى علاقات سلمية مع المجتمع الدولي. ولفت المتحدث إلى أن طالبان لا تريد أن تعيش في عزلة وأن نوع الحكم وشكل النظام سيتضح قريبا. وتابع أن الحركة تحترم حقوق المرأة والأقليات وحرية التعبير” في إطار الشريعة الإسلامية.”
ولفت نعيم إلى أن الحركة ترغب في إقامة علاقات سلمية وأنها تتطلع إلى تطوير قنوات اتصال عديدة فتحتها بالفعل مع دول أجنبية. وأضاف “ندعو كل الدول والكيانات إلى الجلوس معنا لتسوية أي مشكلات”.
كما شدد على أن الحركة لم تستهدف أي هيئة أو مقر دبلوماسي وأنها ستوفر الأمن للمواطنين والبعثات الدبلوماسية. واستغرب المتحدث فرار الرئيس أشرف غني “الذي لم يكن في الحسبان وحتى المقربين منه لم يتوقعوا ذلك”. وقال نعيم “نحن مستعدون للحوار مع جميع الشخصيات الأفغانية وسنكفل لهم الحماية الضرورية”.
وكتب غني على فيسبوك “واجهت خيارًا صعبًا، الوقوف لمواجهة مسلحي طالبان الذين أرادوا دخول القصر أو مغادرة البلد الغالي. الذي كرست حياتي لحمايته بالسنوات العشرين الماضية.. كانوا سيواجهون الدمار في مدينة كابول ولكانت النتيجة كارثة بشرية كبيرة في هذه المدينة. التي يبلغ عدد سكانها 6 ملايين. لقد نجح طالبان في إقصائي، وهم هنا لمهاجمة كل كابول وشعب كابول. من أجل تجنب فيضان الدم، اعتقدت أن من الأفضل الخروج”.