لا زال هناك خطاب إعلامي يحصر المرأة في صورة نمطيّة لا تُراعي إمكاناتها ولا تعكس دورها كشريكة في التنمية. على الرغم من دور الإعلام الفاعل في تغيير السلوكيات والمعتقدات السلبية. إلا أن الأمر يختلف كثيرا في قضايا الزواج والطلاق التي تعد مادة ثرية للسينما والدراما والإعلام. فعلى الرغم من المساحة التي تخصص لهذه القضايا إلا أن نسب الطلاق في تزايد مستمر.

وتشير آخر إحصائية صادرة عن الجهاز المركزي للتعبئة والإحصاء عن حالات الزواج والطلاق في مصر أن هناك حالة طلاق كل دقيقتين وحالتان زواج كل دقيقة.

حضور قوي في السبعينيات

 بدأ يظهر تأثير وسائل الإعلام في النهوض بحقوق النساء عام 1975 مع إنتاج فيلم “أريد حلا”. لبطلته الفنانة فاتن حمامة حيث ناقش الفيلم طول فترة التقاضي في قضايا الطلاق والتي تنتهي برفض الدعوى. حيث تدخل البطلة في متاهات المحاكم وتتعرض لسلسلة من المشاكل والعقبات وتتعقد الأمور. عندما يأتي الزوج بشهود زور يشهدون ضدها في جلسة سرية وتخسر قضيتها بعد مرور أكثر من أربع سنوات.

وفيلم “أريد حلا” قصة حسن شاه، سيناريو وحوار سعد الدين وهبة، إخراج سعيد مرزوق. وإنتاج صلاح ذو الفقار وبطولة رشدي أباظة، أمينة رزق، ليلى طاهر، وسيد زيان، وقد تم عرضه في مارس عام 1975.

“أريد حلا” لم يكن الفيلم الأول من نوعه فهناك أفلام أخرى ناقشت قضايا المرأة واستطاعت لفت الانتباه لهذه القضايا. لكن فيلم أريد حلا كان سببا في تغيير قانون الأحوال الشخصية المصري آنذاك. على الرغم من إثارته جدلاً واسعًا، وتعرضه لحملة دعائية من الإخوان المسلمين عبر مجلتهم “الدعوة”. وتم تصوير الأمر وكأنه مؤامرة ضد الشريعة، لكن تأثيره كان واضحا.

فيلم أريد حلا
فيلم أريد حلا

فاتن حمامة آمنت بقضايا المرأة فقررت أن تتبناها من خلال أفلامها وهو ما جعلها تصر على خروج فيلم “أريد حلا” للنور. وأقنعت صلاح ذو الفقار بإنتاجه. بعد رفض عدد من المنتجين للفيلم. من هنا ظهرت قوة وسائل الإعلام في طرح قضايا المرأة وتغيير واقع النساء. واستمر دور السينما والدراما في إبراز بعض القضايا التي تهم المرأة مثل الحرية الفكرية والسياسية والشخصية ومشكلة التحرش ومشكلة الخلع وغيرها حتى تسعينيات القرن الماضي.

كما تطرقت حسن شاه في فيلم “امرأة مطلقة” من إخراج أشرف فهمي، عام 1986. إلى ثغرات القانون في التعامل مع السيدات بعد وقوع الطلاق. إضافة إلى أعمال أخرى ناقشت نفس القضية منها “الضائعة” إخراج عاطف سالم، عام 1986. و”امرأة تدفع الثمن” عام 1993، وهي الأعمال التي خلقت جدلاً ونقاشا واسعاً عند عرضها.

وهناك عدد من الأعمال ناقشت قضايا الزواج والطلاق وفقا للقانون المصري من بينها “عفوا أيها القانون” إخراج إيناس الدغيدي. و”الجلسة سرية” إخراج محمد عبد العزيز، إضافة إلى أعمال تطرقت لذلك بشكل كوميدي منها “الشقة من حق الزوجة” إخراج عمر عبد العزيز. و”آسفة أرفض هذا الطلاق” للمخرجة إنعام محمد علي والكاتبة نادية رشاد التي دأبت على مناقشة قضايا المرأة، و”أريد خلعاً” للمخرج أحمد عواض، والذي تطرق لأول سيدة ترفع قضية خلع على زوجها.

كانت هذه التجارب تتم بمبادرات شخصية ولم تشكل اتجاها في المجتمع ورغم أنها نجحت في لفت الانتباه وتكوين رأي عام مجتمعي في سبعينيات وثمانينيات القرن الماضي، بل ساهمت في تغيير الوضع بشكل كبير. إلا أنها لم تستمر على نفس الوتيرة.

تراجع مجتمعي

ورغم أن السينما كانت تهتم بمناقشة قضايا المرأة في تسعينيات القرن الماضي وبداية الألفية الجديدة. إلا أن وسائل الإعلام المسموعة والمرئية (تلفاز، إذاعة، صحف) لم تضع قضايا المرأة ضمن أولوياتها. بما فيها الصحف الحزبية والخاصة، وكان المحررين يجدون صعوبة في إقناع رؤسائهم بطرح قضايا المرأة على صفحاتهم.

وفي نفس الوقت عانت البرامج نقصا شديدا في المواد المتعلقة بالمرأة واقتصر ذكرها على الأزياء والموضة وتربية الأبناء وحصرها في الأدوار التقليدية. وبطبيعة الحال تراجعت مناقشة قضايا الزواج والطلاق أيضا.

 

عودة قوية

قيام ثورة 25 يناير قلب الموازين وأفسح الطريق أمام النساء مرة أخرى باحتلال مكانة أكبر في المجتمع وحظيت بمساحة أكبر في وسائل الإعلام المختلفة. فلا يوجد قناة فضائية أو غير فضائية إلا وخصصت برنامج لمناقشة قضايا المرأة. وأسست الصحف والمواقع الالكترونية أقسام متخصصة في شؤون المرأة وكل هذه البرامج والأقسام تفتح نقاش جاد وحقيقي عن المشكلات التي تعاني منها النساء.

الدراما والسينما والإعلام فتحت الباب على مصراعيه لمناقشة قضايا هامة وعلى رأسها الطلاق والعلاقات الزوجية. إلا أن القضية لا تتوقف فقط عن المساحة المخصصة لها على الشاشات ولكن تنسحب على طبيعة الطرح والنقاش الدائر. والوصول لحلول فعالة فيما يخص ارتفاع نسب الطلاق أو الصراعات الزوجية.

وتقول الناشطة النسوية مي صالح لـ”مصر 360″. للأسف مناقشة قضايا المرأة على طريقة رضوى الشربيني لن تحرز تقدما. فيما يخص قضايا النساء ومعظم البرامج تحولت إلى جلسات فضفضة دون حلول حقيقية لهذه القضايا التي تفاقمت في المجتمع المصري. وأشارت إلى أن الأمر ينسحب على السينما التي تطرح القضايا وتعكسها كما هي في الواقع.

ورأت صالح أن الحلول دائما تكون من القيادة السياسية بتعديل قوانين امتثالا لرغبة المجتمع أو المنظمات الحقوقية النسائية، مؤكدة أن قوانين الأحوال الشخصية بحاجة إلى تعديل ومراجعة بما يضمن حقوق الطرفين.

فيلم آسفة أرفض هذا الطلاق
فيلم آسفة أرفض هذا الطلاق

وتتفق الحقوقية منى عزت مع مي فيما يتعلق بدور السينما التي تعرض القضية وتلقي الضوء عليها فقط. موضحة السينما لن تجد حلولا لارتفاع نسب الطلاق أو زيادة العنف الزوجي وغيرها من القضايا. مشيرة إلى ضرورة وجود دور قوي ومهم للدولة والمجلس القومي للمرأة والبرلمان في تعديل القوانين ووضع حد للعنف الأسري الذي يسبب الطلاق.

وأضافت عزت أن بعض البرامج لها تأثير سلبي وخطير في المجتمع نتيجة تصدير صورة سلبية أو استخدام اسلوب التحريض في بعض الأحيان. هذه البرامج لن تؤثر بشكل حقيقي في المجتمع لكنها أحيانا تزيد الصراع. ولا ينسحب الأمر على كل البرامج.

دور التواصل الاجتماعي

وسائل التواصل الاجتماعي وسيلةً فعّالةً تُساعد على جذب انتباه العالم نحو قضايا المرأة. حيث ساعد الاستخدام الهائل لوسائل التواصل الاجتماعي وخصوصا من قِبل النساء على دعم قضايا وحقوق المرأة. وجعلها من أهم القضايا التي تنال اهتمام وسائل الإعلام التقليدية التي تعيد إذاعة وطرح ما ينقل على التواصل الاجتماعي.

زادت جروبات الفضفضة على فيسبوك بين النساء اللاتي شاركن قضاياهن ومشاكلهن الشخصية بتدوينات حظي بعضها بتفاعل كبير. ولكن نرى جميعا أن هذه الوسائل لا تخضع لأي ضوابط وبالتالي لا تعد أكثر من كونها وسيلة للفضفضة أو التحريض على التمرد على الرجال أو الانفصال أحيانا وهو تكرار لمناقشة القضايا على طريقة رضوى الشربيني