عاد برنامج الطروحات الحكومية للواجهة مرة أخرة، بعد ثلاث سنوات من التأجيل، بسبب ركود الأسواق المحلية والعالمية، جراء الجائحة. ويستهدف البرنامج دعم البورصة المصرية، التي تمثل الشركات المقيدة فيها نحو ١٣% فقط من الناتج المحلي الإجمالي. بالإضافة إلى توفير تمويل بعيدًا عن الفوائد، وتمكين الملكية الشعبية وتعزيز التخارج الحكومي كإحدى الآليات البديلة عن الخصخصة.

وأعلن الرئيس عبدالفتاح السيسي عن مخطط لطرح شركة العاصمة الإدارية بالبورصة، والتي تمتلك نحو 100 مليار جنيه أموالاً سائلة. بجانب أصول تتراوح بين 3 و4 تريليونات جنيه.

يستهدف برنامج الطروحات الحكومية تنشيط البورصة، ورفع نسبة التداول بها، وتوسيع قاعدة الملكية. مع تحقيق قدر أكبر من الحوكمة في إدارة تلك الشركات، بجانب الاستغلال الأمثل للأصول.

تجعل تلك الأهداف برنامج الطروحات الجديد بعيدًا عن الخصخصة الذي أنتجته الدولة في التسعينيات. فالطرح في البورصة لا يعني استحواذ مساهم واحد على الشركة ويفتحه أمام جمع الراغبين في الشراء. كما يضمن تقييمًا عادلا ونزيها لقيمة السهم.

واستقبلت البورصة ملف شركة العاصمة الإدارية للتنمية العمرانية بارتفاع كبير لمؤشراتها. فالطرح المزمع من المتوقع أن يحظى باهتمام قطاع كبير من المستثمرين الأجانب خاصة الخليجيين. الذين يمثل القطاع العقاري أحد المناطق المحببة لهم في بلد كثيف النمو السكاني ويعاني فجوة، تناهز 600 ألف وحدة سكنية.

تسمح الطروحات في البورصة بدرجات مرتفعة من الشفافية. إذ تقتضي قواعد القيد إفصاح الشركات عن أي أحداث جوهرية تمر بها أو أي قرارات استراتيجية لمجلس إدارتها

لم يتضح بعدُ تفاصيل الطرح وموعده، لكن من المرجح تنفيذه بنهاية العام مع افتتاح المرحلة الأولى للعاصمة بنهاية أغسطس الحالي. وحصر محفظة الأراضي لديها، بعد تعيين مستشار مالي قريبًا.

وتسمح الطروحات في البورصة بدرجات مرتفعة من الشفافية. إذ تقتضي قواعد القيد إفصاح الشركات عن أي أحداث جوهرية تمر بها أو أي قرارات استراتيجية لمجلس إدارتها. ودعوة جمعيتها العمومية للانعقاد بصورة دورية عادية أو غير عادية “طارئة”، حسبما تقتضي الحاجة.

كما يسمح القيد في البورصة للمساهمين بسحب الثقة من مجالس الإدارة حال فشلها في تحقيق أهدافها. والإعلان عن نتائج الأعمال تفصيليًا، فيما يتعلق بالإيرادات والمصروفات وصافي الأرباح أو الخسائر كل ثلاثة أشهر.

دعم البورصة وتوفير سيولة تمويلية

تأسست شركة العاصمة الإدارية كمؤسسة مساهمة لإدارة مشروع العاصمة الإدارية الجديدة برأسمال يقدر بـ6 مليارات جنيه. وتتكون من مساهمين كبار في مقدمتهم هيئة المجتمعات العمرانية، وهي الشركة المسؤولة عن 97% من أراضي العاصمة الإدارية.

وفى مايو 2016، عقدت الجمعية التأسيسية وتشكل مجلس إدارتها من 13 عضوًا. بينهم 3 أعضاء من ممثلي هيئة المجتمعات العمرانية و6 أعضاء من ذوى الخبرة. واستهدفت الشركة تحقيق عوائد من بيع أراضى المرحلة الأولى بمشروع العاصمة الإدارية بنحو 50 مليار جنيه.

يتوقع أن تصل القيمة الإجمالية للأسهم المطروحة ضمن البرنامج في البورصة، دون احتساب العاصمة الإدارية، بين 80 و100 مليار جنيه. بما يرفع القيمة السوقية للشركات المطروحة لنحو 430 مليار جنيه

حددت الحكومة أكثر من موعد لبرنامج الطروحات الحكومية أولها في2018/2019. وهدفت وزارة المالية من ورائه حينها تحقيق حصيلة 10 مليارات جنيه، لكن جرى تأجيلها باستمرار.

ويتوقع أن تصل القيمة الإجمالية للأسهم المطروحة ضمن البرنامج في البورصة، دون احتساب العاصمة الإدارية، بين 80 و100 مليار جنيه. بما يرفع القيمة السوقية للشركات المطروحة لنحو 430 مليار جنيه.

ووضعت الحكومة خطة لطرح حصص خلال المرحلة الأولى من البرنامج في 20 شركة و3 بنوك في 7 مجالات. وتتراوح النسبة المطروحة من الشركات ما بين 15% و30%، إلا إذا كانت حصة المال العام تقل عن ذلك.

تتوقع البورصة دخول رأسمال جديد مع الطروحات الحكومية إضافة إلى زيادة المستثمرين الحاليين لمحفظة استثماراتهم. كما قد تكون محفزًا للشركات الخاصة للقيد بالبورصة؛ بحثًا عن توفير سيولة لتمويل توسعات حالية أو مستقبلية.

تمثل الشركات المقيدة في البورصة نحو ١٣% فقط من الناتج المحلي الإجمالي. وهي نسبة أقل كثيرا من المتوسط المحدد بـ٦٠%، بما يجعل البورصة مرآة أكثر انعكاسًا للاقتصاد.

برامج معلقة.. وتشجيع الشركات الصغيرة والمتوسطة

استهدفت الحكومة من برنامج الطروحات قبل عامين شركات ثقيلة الحجم لجذب المستثمرين وتضمنت القائمة حينها: الشركة الهندسية للصناعات البترولية والكيماوية “إنبي”، والحفر المصرية، وميدور، وأسيوط لتكرير البترول، والإسكندرية للزيوت المعدنية “اموك”، وسيدي كرير للبتروكيماويات. والمصرية للإنتاج الايثلين “أيثيدكو”، وأبو قير للأسمدة، الوادي للصناعات الفوسفاتية والأسمدة،  المصرية “ميثانكس” للإنتاج الميثانول.

وأجرت هيئة الرقابة المالية عدة تعديلات خلال السنوات الأخيرة على قواعد قيد وشطب الأوراق المالية لزيادة نسبة الأسهم المطروحة. بالإضافة إلى تحسين مستويات الإفصاح والشفافية فى السوق، وتطبيق قواعد الحوكمة، وزيادة مستويات الحماية المقررة للأقلية.

تضمنت التعديلات نسب الطرح للشركات الجديدة، ونسب الأسهم، والحد الأدنى للأسهم حرة التداول
تضمنت التعديلات نسب الطرح للشركات الجديدة، ونسب الأسهم، والحد الأدنى للأسهم حرة التداول

تضمنت التعديلات نسب الطرح للشركات الجديدة، ونسب الأسهم، والحد الأدنى للأسهم حرة التداول. من خلال زيادة النسبة المطلوبة لقيد أسهم الشركات الجديدة بالبورصة لتصبح 25% من أسهم الشركة أو الربع في الألف من رأس المال السوقي حر التداول، بما لا يقل عن 10% من أسهم الشركة.

أما نسبة الأسهم “حرة التداول” الواجبة على الشركات، فلا تقل عن 10% من رأسمال الشركة. أو 8/1 فى الألف من رأس المال السوقي حر التداول بما لا يقل عن 5% من أسهم الشركة.

كما شملت التعديلات تشجيع الشركات الصغيرة والمتوسطة على القيد بالبورصة من خلال تعديل التعريف الخاص بالشركات الصغيرة والمتوسطة. وذلك بألا يقل رأسمالها المصدر والمدفوع عن 100 مليون جنيه عند تقديم طلب القيد لأول مرة. و200 مليون جنيه (بدلاً من 100 مليون حالياً) كحد أقصى.

 العاصمة الإدارية تغيّر خريطة الطروحات

ويُغيّر طرح العاصمة الإدارية خريطة الطروحات، خاصة بنك القاهرة، الذي خطط لطرح ٣٠% من أسهمه بنهاية العام الجاري. وذلك بعد عدة تأجيلات بسبب جائحة كورونا وتداعياتها. كما أعلنت الشركة المتحدة للخدمات الإعلامية، في مايو الماضي أيضًا، عن طرح الشركة في البورصة المصرية، والإعلان عن خططها المستقبلية.

يقول خبراء إن الطرح الجديد سيختار موعدًا تتحسن فيه البورصات العالمية من تداعيات كورونا. مثلما حدث مع بنك القاهرة الذي تتولى إدارة طرحه المجموعة المالية هيرميس. وبنك “إتش إس بي سي” بجانب “بيكر آند ماكينزي” للاستشارات القانونية.

العاصمة الإدارية
العاصمة الإدارية

تقول حنان رمسيس، خبير أسواق المال، إن طرح شركة العاصمة الإدارية يعطي دلالة بأن الدولة تتخارج من إدارتها للاقتصاد. وتعمل على تغيير الثقافة الشعبية الخاصة بوضع الأموال في البنوك، لصالح استثمارها بأسواق المال.

وتترقب السوق أيضًا طرح أول شركتين مملوكتين لجهاز الخدمة الوطنية (صافي/ الوطنية للبترول). وذلك من أصل خمس شركات، يتوقع طرحها في البورصة خلال العام المقبل. ما يمكن الاستثمار الأجنبي والمحلي من تملك حصة حاكمة من رأسمال هذه الشركات، والمساهمة في إدارتها.

كانت الحكومة قد أعلنت، في وقت سابق، عن طرح 100% من أسهم “صافي” للمياه المعدنية، و”الوطنية للبترول” أمام المستثمرين. وهو ما يفتح فرصًا متنوعة ما بين اقتناص حصة المساهم الرئيسي الذي يملك 10% فأكثر من أسهم رأسمال الشركة المطروحة. سواء بصورة مباشرة أو غير مباشرة، من خلال المجموعات والأطراف المرتبطة، أو رفع النسبة إلى (51%) لتكون حاكمة.

تمويل دون أعباء مستقبلية

وأضافت “رمسيس” أن الطرح يعمل أيضًا على تنمية موارد الدولة عبر الاستخدام الأمثل للأصول، ودعم سوق المال باستقطاب شرائح وفئات جديدة من المستثمرين. وأشارت إلى أن الطروحات الحكومية تُعزز تنوع الأسهم الموجودة بالسوق، مع تمثيل كل منها قطاعا مختلفا ما يُعزز السيولة، وقدرة السوق على التأقلم مع  المتغيرات الاقتصادية.

ويري خبراء أن الطروحات تفتح أمام الحكومة مجالاً للقيام بدورها الأساسي في الرقابة على الأسواق وعدم مزاحمة القطاع الخاص.  كما توفر الطروحات سيولة للشركات عبر زيادة رأس المال التي تسمح لها بالحصول على أموال من البورصة دون تحميلها أعباء الفائدة حال تعاملها مع البنوك أو بمعنى آخر تمويل دون أعباء مستقبلية.

توفر الطروحات سيولة للشركات عبر زيادة رأس المال التي تسمح لها بالحصول على أموال من البورصة دون تحميلها أعباء الفائدة حال تعاملها مع البنوك أو بمعنى آخر تمويل دون أعباء مستقبلية

ويقول المحلل المالي نادي عزام إن الطروحات تجذب قطاعا من المستثمرين الأجانب الباحثين عن فرص شراء أسهم وبيعها بسعر أعلى. وهو ما يُحدِث انتعاشا بالسوق وتعميق حركة التداول، وارتفاع الاحتياطي النقدي مع دخول تدفقات استثمارية بالعملة الصعبة.

لكن “نادي” يتوقع أن يكون طرح العاصمة الإدارية 20% فقط، بسبب ضخامة حجم الشركة. وطرح نسب أخرى تباعًا ودون الإخلال ببقاء الإدارة (51% فيما أعلى) في يد الحكومة لضمان تطوير المشروع بالكامل. وذلك وفقا للخطة الموضوعة وتوقيتاتها الزمنية.

منح البنوك حق الوساطة المالية

ويرجح المحلل المالي أيضًا ألا يتجاوز السعر الموضوع لسهم الشركة في الاكتتاب 20 جنيهًا رغم ضخامة الشركة. في ظل سعي الدولة لتعزيز الملكية الشعبية وإشراك جميع المصريين في المشروعات القومية الكبرى. خاصة أن شراء أسهم الشركة سيكون مربحًا، في ظل الأرباح الكبيرة المتوقعة، علاوة على ارتفاع سعر السهم في المستقبل.

ويطالب نادي عزام بتهيئة السوق لذلك الطرح العملاق بمنح البنوك ترخيصًا للعمل في الوساطة، مثل دول الخليج. وهو ما يسهل على العملاء التحويل من حساباتهم الاستثمارية البنكية إلى محافظ استثمارية في البورصة. بجانب إلغاء الحدود في عملية الشراء والبيع في ذات اليوم التي تقلص من حرية المستثمرين في الشراء والبيع.