“ساعدوني أخد حقي وأحمي نفسي وبيتي”. بتلك الكلمات بدأت ياسمين أحد الشاكيات من واقعة تحرش استغاثتها. التي تداولها مستخدمو مواقع التواصل الاجتماعي، متسائلين عن قانون حماية بيانات الشاكية.
وطالبت ياسمين من خلال استغاثتها. النيابة والشرطة المصرية بحمايتها من أهل المتحرش الذي اعتدى عليها، وحماية سرية بياناتها. مثلما التزمت بحماية هوية “المتحرش”. حسبما طلب منها عدم نشر صورته أو أرقام سيارته لحين الحصول على حكم.
تعرضت ياسمين لواقعة تحرش. واتخذت الإجراءات القانونية. لتفاجئ بعد تحويل الملف للنيابة وتحويل المحضر إلى قضية هتك عرض. بتردد أهل المتحرش على منزلها، ما يكشف عن تداول بياناتها.
وأنهت ياسمين تدوينتها: “بطالب من كل المنظمات والجهات المعنية بحمايتي كما طلب مني حماية بيانات وهوية الجاني. أنا بجد حاسة إني مشلولة ومكشوفة ومتعرية”.
قانون حماية بيانات الشاكيات
قبل نحو عام مضى. وافق مجلس الوزراء على مشروع قانون بتعديل بعض أحكام قانون الإجراءات الجنائية.
وجاءت التعديلات تنص على أن يكون لقاضي التحقيق لظرف يُقدره. عدم إثبات بيانات المجني عليه في أي من الجرائم المنصوص عليها في الباب الرابع من الكتاب الثالث من قانون العقوبات. أو في المادتين 306 مكرر أ أو 306 مكررا ب، من ذات القانون. أو في المادة 96 من قانون الطفل الصادر بالقانون رقم 12 لسنة 1996. وينشأ في الحالة المشار إليها، ملف فرعي يضمن سرية بيانات المجني عليه كاملة، يُعرض على المحكمة والمتهم والدفاع كلما طُلب ذلك.
وفي قضايا التحرش والاغتصاب والاعتداء الجنسي. وافقت الحكومة برئاسة الدكتور مصطفى مدبولي رئيس مجلس الوزراء. على مشروع مقدم من وزارة العدل للحفاظ على سرية أقوال المجني عليها.
نصت العقوبة على الحبس مدة لا تزيد على 6 أشهر أو بغرامة لا تتجاوز 500 جنيه مصري، لكل من أفشى أمور خاصة ببيانات وأقوال المجني عليهن.
المادة 113 مكرر
الناشطة أسماء دعبس، تقول، إنه في أغسطس 2020 تم إضافة مادة جديدة “رقم 113 مكرر” إلى قانون الإجراءات الجنائية. تحظر الإفصاح عن بيانات المجني عليهن في جرائم التحرش الجنسي وهتك العرض وإفساد الأخلاق إلا لذوي الشأن. وهم المتهمون ومحاموهم. مالم يتم وضع ضوابط قانونية له، فيما يخص محامي الخصم في التعامل مع بيانات المبلغة وللمتهم وأسرته. لتفادي ما حدث من محامي الخصم مع فتاة المنصورة الذي سرب بيناتها.
وأشارت، إلى إنه لابد من وجود إطار عقوبة قانوني. لتفادي تلك الخروقات، ومنع المحامين والجناة من استخدام البيانات لأي غرض خارج القضية.
وأضافت: لابد من وجود نظام محدد لإعطاء بعض المعلومات لمحامين الخصوم وليس بأكملها. لحماية المبلغات وأسرهم من الاستهداف والملاحقة سواء من المجني عليه أو أهله أو الإعلام.
دعبس أكدت على ضرورة أن يكون هناك عقاب لمن يفصح هوية المبلغات تلقائيا دون أن تلجأ المبلغة لاتخاذ إجراء قانوني. بمعني وجود رقابة شديدة وضوابط صارمة تحمي المبلغات.
وبغياب تلك الضوابط، تخشى دعبس، من عزوف الفتيات بشكل كبير عن الإبلاغ واستخدام القانون لأخذ حقوقهن.
وترى الناشطة النسوية، أنه حتى يتم تفعيل القانون بشكل صارم. لابد من وجود مواد حمائية وضبط تنفيذ القوانين، وكذلك طرحه بشكل أوسع للنقاش مع المؤسسات النسوية ويتم الالتفات للمقترحات المقدمة من جانبهم.
قوانين اختيارية
إلهام عيداروس باحثة نسوية، تقول، إن القانون الذي صدر كان اختياري وليس أساسي. لافتة إلى احتياج المجتمع لقانون معني بحماية الشهود والمبلغين متكامل.
وفيما يتعلق بقانون حماية البيانات، أوضحت عيداروس. أن هذا القانون يختص بحماية بيانات الشاكيات من الإعلام وليس من المتهم، وتقول: “فنحن نحتاج إلى قانون جديد لحجب المعلومات عن المتهم”.
قانون يفتقر للآليات
“القانون نافذ بمجرد نشره في الجريدة الرسمية، ولكننا مازلنا أمام الآليات في كيفية تطبيقها”. يقول المحامي الحقوقي ياسر سعد.
وفي حالة تسريب بيانات المجني عليهن أو الشاكيات خاصة في قضايا العنف والتحرش. أوضح سعد إن المجني عليهن يقدمن بطلب لجهات التحقيق بعدم الإدلاء ببيانتها أو حجب بياناتها ومنع تداولها.
وفي حالة عدم الالتزام وتعريض بيانتهن للتشهير، يتقدمن ببلاغ عن الواقعة وتفاصيلها، وهنا تكييف الجريمة وتحديد المتهمين من اختصاص النيابة والمباحث. يضيف سعد.
وأوضح، إن تعديلات القانون تحمل قصور. وهي إرجاء عقوبة إفشاء سرية بيانات المجني عليهن والشهود لنص المادة 310 من قانون الإجراءات الجنائية، والتي تنص على الحبس 6 أشهر أو غرامة 500 جنيه لإفشاء البيانات.
وأكد، أن القضاة في هذه الحالة يميلون أكثر للغرامة وليس الحبس، وبالتالي من الأوقع والأفضل أن يتم تغليظ العقوبة حتى نتأكد من عدم ارتكاب جريمة إفشاء سرية البيانات للمجني عليهن.
مطالبات وأمل مؤجل
ويرجع المحامي والحقوقي، إنه منذ فترة طويلة وهناك مطالبات بضرورة حماية الشهود والمجني عليهن في قضايا العنف، وكان لدينا أمل أن يتم هذا من خلال تعديلات قانون الإجراءات الجنائية في المرة الأولى، أو من خلال إصدار قانون العنف ضد النساء، لكن هذا لم يحدث، وتم التعديل بالشكل السريع نظرا لتعدد الضحايا والذي ظهر بقوة على مواقع التواصل الاجتماعي.
مع تصاعد وتيرة الإبلاغ عن جرائم العنف الجنسي ضد النساء كالتحرش الجنسي والاغتصاب، كان هناك تصاعد أيضا في إرهاب المبلغين والشهود بل وتوجيه التهم لهم في عدة قضايا. كما وقع في قضية منة عبد العزيز والتي تم حبسها احتياطيا على ذمة التحقيقات رغم كونها المجني عليها.
المبادرة المصرية للحقوق الشخصية كشفت، عن أن ما حدث في قضية الاعتداء على منة عبد العزيز، لن يتكرر في قضايا مستقبلية، وأن النيابة ستتبع وتعلن سياسة عامة جديدة تضمن حماية المبلغات والشهود في قضايا العنف الجنسي؛ تحميهم ليس فقط من انتقام وتهديد الجناة، ولكن أيضًا من توجيه الاتهامات الأخلاقية الفضفاضة لهم من قبل النيابة.
ففي ثلاث قضايا في عام 2020 فقط وجهت النيابة للمجني عليهن أو للشهود اتهامات غير متصلة بموضوع التحقيق، أو استخدم المتهمون ذلك النهج لتهديد الضحايا، مما أثار حالة من الفزع بين النساء في حالة التبليغ، وقلل من إمكانية المشاركة المتعاونة لكل الشهود في التحقيقات، بحسب المبادرة.
مقترحات لحماية الشاكيات
وفي نفس السياق أعدت مؤسسة قضايا المرأة في 2015. مقترح قانون لحماية الشهود والمبلغين. يتضمن 36 مادة تشمل موادًا تؤكد على ضرورة حماية الشهود. كما نص في مادته السادسة على “تعتبر بيانات المشمول بالحماية وأسرته وذويه ممن يحتمل تعرضهم للخطر سرية طوال مدة شموله بالحماية وحتى رفع الحماية عنه نهائيا لأي سبب من الأسباب”.
وحدد مقترح القانون اللجان العامة المختصة بحماية الشهود والمبلغين. وتتكون من ممثلين عن المجلس الأعلى للقضاء لا تقل درجته الوظيفية عن رئيس محكمة استئناف، وعن وزارة الداخلية، والمجلس القومي لحقوق الأنسان، والنيابة العامة، وممثل عن المجلس القومي للمرأة، والمجلس القومي للأمومة والطفولة، وممثلين عن منظمات المجتمع المدني ذات الصلة.
وفيما يتعلق بالأحكام العقابية، حددت المؤسسة في المقترح، بأن يعاقب بالحبس مدة لا تقل عن سنة، والغرامة التي لا تقل عن 20 ألف جنيه ولا تزيد عن 200 ألف جنيه، كل من أفشى البيانات.