السهولة التي حصلت بها طالبان العائدة من كهوف الجبال على السلطة، في أفغانستان وتسلم مقرات الجيش ومخازن أسلحته  يثير الكثير من الأسئلة ويترك الكثير من علامات التعجب و الاستفهام، فبداية، هل نحن إزاء عملية تسلم وتسليم للسلطة أشبه بتلك التي تجري في بلدان العالم الأول عقب عمليات انتخابية تخضع للمعايير الديمقراطية؟، أم جرف الشعب الحنين إلى حكم طالبان بعد عقدين من المعاناة والفساد في ظل حكومات كارتونية يجري تغييرها بأيدي الأمريكان، فطالبان وإن لم تنجح في فتح أفق الحياة فإنها تسعى لغلق المنافذ في وجه سعير الآخرة، أو هكذا تظن أنها تفعل؟

مشاهد الفرار الكبير في مطار كابول بالأمس، والتعلق بأذيال رحلات الطيران السابحة إلى السماء خارج سطوة السلطة القادمة إلى حيث بلاد الغرب المنحل والكافر من وجهة نظر بعض الفارين، يجعلنا نتساءل إذا كانت طالبان قادمة ومعها الإسلام. فلماذا يفرون منه؟

لماذا لم ينظر بعين الاعتبار لذلك الموقف التاريخي للحركة المسلحة التي عادت إلى كابول فاتحة فأمنت الجميع، في مشهد ربما لم يتكرر منذ عودة النبي محمد وصاحبته المهاجرين فاتحا، قائلا عبارته الشهيرة. اذهبوا فأنتم الطلقاء.
لا شك أن الإسلام الذي تعود به طالبان إلى كابول يختلف عن ذلك الذي عاد به صاحب الدعوة ورفاقه إلى مكة.. الله الذي تعبده طالبان يكاد يكون مختلفا عن ذلك الذي نعبده، إسلام طالبان ثائر محارب دائما لا يهدأ، متقشف باغض للحياة، في صراع دائم مع غيره من الديانات، وإله طالبان غاضب ومتحفز دائما للانتقام من عباده العصاة، إنه يتحين الفرص ليقضي حدوده بقطع أيدي السارق أو رجم خاطئة.

قيادات طالبان في قصر الرئاسة
قيادات طالبان في قصر الرئاسة

المرأة نفسها خُلقت لغرض مختلف، فهي ليست خَلقا متساويا مع الرجل، وإنما هي أداة لمتعته ووسيلة لتصريف كبته وشهواته حتى لا يسقط في براثن المعصية، بالإضافة إلى حفظ جنسه وبقاء نوعه، الإنسان نفسه لم يأت إلى الحياة إلا ليجتاز ذلك الاختبار الصعب في تلافي متع الحياة والفرار منها وإلزام باقي المخلوقات بكلمة التوحيد حتى يحين موعد الانصراف، نحن فقط نخشى أن نسمي الأشياء بمسمياتها ونرجئ الأحكام إلى ما لانهاية حتى اختلط الحابل بالنابل، والأجدى أن نعترف لأنفسنا بأن ثمة منظومة دينية وفقهية بعينها أنتجت تصور مختلف للإسلام وللإله عن ذلك الذي استوعبته الشعوب ذات الميراث الحضاري في مرحلة ما قبل الإسلام.
سؤال آخر يفرض نفسه عن سر الحفاوة الكبيرة التي استقبل بها (الإسلاميون) خبر عودة طالبان لحكم أفغانستان، هل يتعلق الأمر بذلك التصور الساذج عن انتصار جماعة مسلحة لا يتجاوز تعدادها الخمسين ألف على الولايات المتحدة الأمريكية بعد حرب استغرقت عقدين، أم أن البعض يحتفي بعودة تلك الحاضنة القديمة للفارين بطاقات العنف، ورغبات التخريب والتدمير المنبثقة عن اتهامات بالتكفير للحكومات والمجتمعات؟

قوات طالبان في كابول
قوات طالبان في كابول

فطالبان على رأس أفغانستان وفرت المناخ الآمن لكل جماعات التكفير التي شهدتها المجتمعات الإسلامية على مدار العقود الخمسة الماضية، ووسط حالة التضييق الكبيرة التي تمر بها جماعة الإخوان المسلمين وشركاؤها من الجماعات الإسلامية، الذين تورطوا في أعمال عنف في منافي السودان وتركيا وإندونيسيا وماليزيا، هل تشكل أفغانستان ملاذا أخيرا لهؤلاء؟ أم أن فكرة العودة والانتصار بعد عشرين عاما من الفرار والمطاردة تبعث في نفوسهم أملا جديدا بإمكانية العودة والوقوف على رأس السلطة في بعض الدول التي سبق وأن لفظتهم؟.. وبالمناسبة، فإن المسافة بين جماعة الإخوان المسلمين والقاعدة وحتى طالبان ليست ببعيدة، فالبدايات كانت دائما عند الإخوان المسلمين، ولطالما وجه زعيم تنظيم القاعدة أيمن الظواهري الإخوان المسلمين على تصديقهم أكاذيب الساسة والانخراط في لعبة الانتخابات الديمقراطية.

سؤال أخير حول مصير تنظيم القاعدة تلك الجماعة التي ظنت نفسها ذات يوم رأس حربة الإسلام في مواجهة الغرب الاستعماري، وأمريكا رأس الشيطان، فبحسب المعلومات المتداولة فإن الاتفاق الذي جرى في الدوحة برعاية قطرية يقضي بمنع القاعدة من ممارسة أنشطتها الإرهابية من خلال الأراضي التي تخضع لحكم لطالبان.

كانت أفغانستان منذ انسحاب القوات السوفيتية التي أنهكت في قتال إرهابي الأرض بدعم غربي غير محدود، قد اتخذت قاعدة للجهاد، صحيح أن خلافا نشب بين فصائل المجاهدين الأفغان من ناحية، وما سمي بـ (الأفغان العرب) وهم المقاتلون العرب الذين اختاروا طوعا أو كرها الفرار إلى بلاد أفغانستان للانضمام لصفوف المجاهدين في مواجهة الروس، اضطر على إثره المجاهدون العرب للانتقال إلى جبال اليمن أو أقيمت لهم معسكرات التدريب في السودان، وعاد بعضهم إلى بلدانهم الأصلية.

لكن ما أن وقع الصدام بين الجهاديين الذين حلموا باستنساخ تجربة الحرب الدائمة في أفغانستان ونقلها إلى مجتمعاتهم الأصلية، والقضاء على ما اعتبروه أنظمة حكم كافرة حتى أضطر أكثرهم للعودة إلى بلاد الأفغان ليقيموا معسكرات تنظيم القاعدة التي ستستقطب الجهاديين من مختلف بقاع الأرض للدخول في حرب مع الأمريكان ستكلل بأحداث الحادي عشر من سبتمبر، من بين هؤلاء كان شاب صغير السن من محافظة الشرقية اسمه عبدالمنعم عز الدين البدوي ، والذي سينتقل بعد عودته من أفغانستان إلى اليمن ، ومن اليمن إلى العراق ليؤسس تنظيم التوحيد والجهاد عام 2003 ثم سرعان ما سيعلن مشروعه في إنشاء دولة الخلافة الإسلامية في العراق والشام (داعش).

فإذا كان الغزو الأمريكي لأفغانستان لم يستطع بأي حال القضاء على التنظيم رغم مرور كل تلك السنوات، الأمر الذي تؤكده العودة القوية لطالبان على مرأى ومسمع وباتفاق سياسي مع الأمريكان وحلفائهم في حلف شمال الأطلسي، فلا شك أن تنظيم القاعدة احتفى بالعودة أمس كما احتفت طالبان، فطالبان هي القاعدة والقاعدة هي طالبان، لقد وصف أيمن الظواهري عند تعيينه في 2016 زعيم طالبان هيبة الله أخوند زاده ب “أمير المؤمنين”
فالأمر كما يقول مايكل روبن المسؤول السابق في البنتاغون والباحث في معهد أميركان إنتربرايز “نحن لا نتحدث عن مجموعتين عسكريتين تقطعان العلاقات انما عن شقيقين، أو نسيبين”، فهل كان الأمريكان في اتفاقهم بهذه السذاجة التي تجعلهم يصدقون أن طالبان ستلتزم بقطع صلاتها، ووقف نشاط القاعدة؟ ربما.