تختلف تقاليد الزواج من مدينة لأخرى، فيما يخص قائمة المنقولات أو المهر والشبكة وغيرها من الأمور الخاصة بالزواج. والتي لا ترتبط في العديد من الأحيان بمستوى دخل الأسرة، فهناك أسر تلجأ للاقتراض لشراء أجهزة مكررة. فيما تعزف أسر غنية عن هذا التقليد الذي لا يرتبط بالحالة المادية، ولكن يرتبط بالعرف الزائد الذي قد يسبب فشل الزيجة.
الزواج في صعيد مصر كان يتم في الماضي من خلال بحث الأم أو العمة أو الخالة عن الزوجة المناسبة والتي تكون فتاة طيبة السمعة والأصل. وهي الطريقة التي لم تختلف كثيرا عن الماضي. ويتم التعارف في “قعدة الرجالة” كما يطلق عليها، وهي جلسة تجمع الأسرتين وكبار العائلتين. وبعد الاتفاق يتم قراءة الفاتحة وتحديد موعد عقد القران والزفاف ولا يختلف الميعاد كثيرا عما اتفقت عليه النساء.
صينية الفاتحة وموكب شراء الفاكهة
في صعيد مصر تظهر المغالاة في المهور بداية من الخطبة ووصولا للزواج، فتبدأ بشبكة تصل لمئات الآلاف من الجنيهات. ودائما ما تتطلع الأسر لمجابهة باقي العائلات والسير على خطاهم في هذا الأمر. فعلى الخاطب وضع مبلغ مالي على صينية المشروبات التي تقدمها له خطيبته في اللقاء الأول والتي تسمى “صينية الفاتحة”. ومن الممكن أن تكون جنيهات ذهبية أو خاتم من الذهب، أو وضع مبلغ نقدي يتجاوز حاجز الألف جنيه.
وتأتي عقب تلك الصينية “موكب شراء الشبكة”، والتي لا تقل عن 30 ألف جنيها في رحلة من القرية للمدينة يتباهى خلالها أهل العروسين بالذهب. ويعقب شراء الذهب شراء مستلزمات العروس من ملابس وزينه وغيرها.
في الخطبة اعتاد أهل العروس على إعداد وليمة لأهل العريس، تتضمن أصناف مختلفة من المأكولات، وخاتم من الذهب ترسله والدة العروس لوالدة العريس، لترد أهل العريس تلك الوليمة بوليمة مماثلة لأهل العروس. ويبدأ الحديث عن قائمة المنقولات التي تتراوح ما بين 250 لـ300 ألف جنيها كعرف سائد.
ويستوجب على العريس ذبح عجل أو أكثر أو شراء لحوم، وطهيها في ليلة الحنة التي تسبق حفل الزفاف. ودعوة كافة الأهل والأقارب لتناول الغذاء، ويحضر في تلك الليلة أحد القراء أو المداحين لإحيائها. أو المزمار البلدي والدي جي، وتصل تكلفة تلك الليلة إلى 50 ألف جنيه.
موكب نقل العفش هو مشهد يتكرر في العديد من المحافظات والتي تشترك فيه أيضا صعيد مصر. فتسير السيارات التي تصل عددها لعشر سيارات تحمل العفش. وتجوب القرية وصولا لمنزل العروسين، وبعد إتمام مراسم الزواج، وفي الصباحية ترسل والدة العروس صينية تحمل 30 جوزا من الحمام للعروسين.
3 غسالات و”تابلت”
في قرى ومحافظات الدلتا التباهي سمة مراسم الزفاف، ولكن يظهر بشكل أكبر في شراء الأجهزة الكهربائية. فكما قال عمدة أحد القرى، يشتري أهل العروس 3 غسالات (أوتوماتيك ونصف أوتوماتيك وعادية). بجانب ثلاجتين واحدة توضع في المطبخ والأخرى توضع في أي غرفة قريبة للضيوف، وأيضا 2 جهاز تليفزيون ولاب توب، وتابلت. ولا يرتبط الأمر بمدى قدرة الأسرة على شراء تلك الأجهزة، ولكن تلجأ الأسر للاقتراض والديون لشراء تلك الأجهزة المكررة. التي لا يحتاجها العروسين في بداية حياتهما الزوجية رافعين شعار “الناس تاكل وشنا”.
وفي الدقهلية “عشا الحماة” تقليد لا غنى عنه بجانب نفس المنقولات التي لا تختلف كثيرا عن المحافظات الأخرى. حيث يذهب العشاء في اليوم السابق للزفاف، أو في يوم الزفاف، وهناك العديد من الأسر تلجأ لذبح عجل خصيصا لهذا العشاء. وأسر أخرى تشتري أجهزة كهربائية كهدية لوالدة العريس.
قرى عدة تشتهر بهجرة أبنائهم لبلاد أوربية بطرق غير شرعية، للبحث عن مصدر للمال في محاولات للبحث عن مصدر رزق. وسعيا لتلبية احتياجات البنات للسير على نفس العادات التي تحملهم فوق طاقتهم، ولكنهم لا يمكنهم التخلف عنها.
قائمة المنقولات تصل لنصف مليون جنيها في تلك القرى، بجانب الطقس الثابت والمكرر “زفة العفش”. الذي يجوب القرية مع تشغيل الأغاني ومكبرات الصوت، على عكس ما يتم في القاهرة التي تتبع نهجا مختلفا. فيه يتقاسم الأسرتين المنقولات، وهناك أسر تشتري فقط ما يحتاجه العروسان في بداية الحياة، حتى لو كانت الإمكانيات المادية تساعدهم على شراء المزيد.
مشكلة الغارمات
الرئيس عبد الفتاح السيسي في احتفالية تكريم المرأة المصرية والأم المثالية، عن مشكلة الغارمات، مؤكدًا أن الدولة دائما ما تنظر لحل هذه القضية. وعلى الرغم من مبادرات الدولة للوقوف بجانب الأسر المحتاجة، إلا أن أعداد الغارمات في تزايد. وأكد الرئيس خلال كلمته، أن تجهيز العرائس بشكل مبالغ فيه هو سبب تزايد أعداد الغارمات. قائلا: “فيه أسر في الريف تصر على أن تشترى تليفزيونين وثلاجتين و10 بطاطين لتجهيز العروسة”.
الدكتورة رحاب العوضى أستاذ علم النفس السلوكي، قالت إن المغالاة في المهور لا ترتبط بمدى ثراء الأسر. ففي المدن نجد أسر ذات دخول عالية ولكنها لا تتبع التقاليد التي تتبع في القرى والصعيد. وتضع مسؤوليات كبيرة إضافية على كاهل الأسرة، وربما تؤدي لفشل الزيجة.
تؤكد العوضي أن تلك التقاليد موروث ثقافي قديم يجب التصدي له من خلال جلسات الحوار مع المقبلين على الزواج. ودورات تدريبية يمكن أن تقام في المدارس أو المساجد والجامعات، كما أن السوشيال ميديا والحديث والتباهي عليها بتلك العادات والتقاليد يؤثر كثيرا. والتي تظهر من خلال الصور أو مقاطع الفيديو التي يرفعها الأسر عبر قنوات التواصل الاجتماعي فتؤكد على الموروث الذي نسعى للتخلص منه.
وقالت العوضي إننا يجب ان نعمل على تأكيد أهمية ثقة الفتاة في نفسها، وبحث الرجل أو الشاب عن فتاة لها شخصية مميزة تتفق معه، وهي أمور تقام عليها الزيجة الناجحة، التي لا تقام على عدد الأجهزة الكهربائية أو المفروشات.
مبادرات لوقف المغالاة في المهور
تواجه تلك الصور من المغالاة في المهور، مبادرات للدعوة لوقفها، خاصة وأن هناك العديد من الزيجات تفشل بسبب عدم قدرة الأسرة الوفاء بتلك العادات باهظة التكاليف. فخرت بالعديد من المحافظات وصعيد مصر مبادرات عدة لوقفها، منها على سبيل المثال 3 مبادرات محلية دشنها أهالي القليوبية لمواجهة عادات الزواج المكلفة وباهظة التكاليف.
في قرية قرنفيل بمركز القناطر الخيرية تم تدشين مبادرة لمواجهة غلاء المهور وارتفاع تكاليف الزواج. تضمنت إلغاء الشبكة أو جعلها اختيارية والنيش بمشتملاته. وشراء الضروري من الأجهزة الكهربائية والمنزلية وإلغاء العشاء يوم الحنة عند العريس وتقليل فرش عدد الحجرات قدر المستطاع. لتخفيف الأعباء على الشباب والمقبلين على الزواج، كما قال منسقها شريف عزازي.
كما شهدت قرية كفر حمزة مركز الخانكة مبادرة لتخفيض نفقات الزواج وتم صياغة اتفاق مبادئ بين الأهالي. جرى توزيعه على الأسر وعلى شباب وبنات القرية والعائلات بمضمون نفقات ومتطلبات الزواج. وفي قرية السيفا بطوخ بمحافظة القليوبية دشن الأهالي مبادرة تيسير الزواج بين شباب القرية للحد من النفقات. في ظل الأوضاع الاقتصادية الراهنة وتخفيف العبء على العريس والعروس في الشبكة والمنقولات والفرح وغيرها من المتطلبات.
تقاليد قبلية وأشهر مفضلة للزواج
ومن التقاليد المرتبطة بالعرف ولمنقولات والعفش، ننتقل للتقاليد القبلية التي تتبعها مدن مثل حلايب وشلاتين أو النوبة. ففي النوبة يختار العريس العروس التي لا تتجاوز عمرها الـ 17 عامًا، ويتم الزواج لقريبة العريس التي تكون في أغلب الأحيان ابنة عمه. وإن لم يكن له ابنة عم فيلجأ لبنات الخال أو الخالة، وعند تقدم شخص من خارج العائلة يسأل الأب باقي الأقارب لمعرفة رأيهم. فلا تتم الزيجة دون موافقتهم.
وفي ليلة الزفاف يرتدي العريس زيا تقليديا مكونا من جلابية بيضاء من القطن. أما العروس فترتدي جلابية من قماش مشجر وتوضع على رأسها ثلاثة أنواع من الغطاء. ويقام حفل الزفاف على أنغام الأغاني النوبية، ويصف خلالها الرجال خلف العريس والنساء حول العروس وبين رقصة الكف من تشكيل نصف دائرة ويقف المغنون في المنتصف. ويستقبل أهل العروس كل أهل القرية ويقدم للجميع أطباق الفشار والحلوى والفول السوداني ثم الشاي والبسكويت.
الزواج في حلايب وشلاتين
أما في حلايب وشلاتين فيبحث العريس عن زوجة من أبناء عمومته، فالزواج هناك لا يتم إلا من بنات القبيلة. وعقب الاتفاق على الزواج يتم عزل الزوجة لمدة شهر داخل منزل والدها لا يراها العريس حتى يشتاق لها. ويتم وضع شارة بيضاء من القماش فوق المنزل الذي يتم بداخله حفل الزفاف وذلك يدل على وجود زفاف وذلك بمجرد دعوة الجميع للزفاف
وبعد الموافقة على الزواج تحمل السيدات “السنكواب” وهو عبارة عن زعف جريد النخل مربوط بخيط من الصوف الأسود. وعندما يقتربن من المكان تتعالى زغاريدهن، ويقتضي العرف أن تطوف والدة العريس حول منزل الزوجة على بعيرها. وهي ومن معها يزغردن إعلانًا للفرح والابتهاج، ثم يحدد مكان إقامة المنزل، ويشهر العريس سيفه ويطوف حول المكان المحدد لإقامة المنزل. معلنا حمايته لبيته ولزوجته، وبعد ذلك تذبح الذبائح ويعد الطعام.
وهناك شهور معينة ومفضلة للزواج عند قبائل حلايب وشلاتين، هي ربيع أول وربيع ثاني، وجماد أول وجماد ثاني. وإذا لم يتمكنوا من إتمام العقد في هذه الشهور ينتظرون حتى يحل عليهم ذو الحجة فيعقدون زواجهم فيه ولا يفضلون العقد والزواج في شهري محرم وصفر.