الأم تيريزا أيقونة العمل الخيري التي قضت حياتها في مساعدة الفقراء، ولكن على طريقتها، أعلنتها الكنيسة الكاثوليكية قديسة منذ أعوام. بعد الاعتراف بمعجزاتها في شفاء المرضى.
ولدت الأم تيريزا في أغسطس 1910 في عائلة ألبانية متدينة جدا من كوسوفو، عاصمة مقدونيا. كما أن أبيها كان رجل أعمال متدين، ويشارك في العمل السياسي.
في عام 1919 وعندما كان عُمرها ثمانية أعوامٍ فقط، مَرِضَ والدها فجأةً ثُمَّ تُوفِّيَ. لأسباب مجهولة، إلا أن الكثير من التوقعات تُشير إلى أن أعداءه السياسيين قتلوه بالسُّم.
بعد وفاة والدها، تعلَّقت أجنيس بوالدتها بشدة، والتي كانت امرأة مُتَدَيّنة وعطوفة. وغرست في ابنتها الالتزام العميق تجاه الأعمال الخيرية.
التحقت بالرهبنة في سن الثامنة عشر، إذ دخلت إلى دير راهبات سيدة لوريت في دبلن حيث اختارت اسمها تيمنا بالقديسة تيريز دو ليزيو. في حين أن اسمها الحقيقي هو أجنيس جونكسا بوجاكسيو.
الأم تيريزا.. التزام حياة الفقراء
أرسلت إلى كالكوتا في الهند حيث درست الجغرافيا على مدى 20 عاما في مدرسة فتيات ينتمين إلى طبقات ميسورة. قبل أن تحصل على إذن بأن تبذل مجهوداتها في خدمة الرب من أجل الفقراء.
في 24 مايو، 1937، اتخذت العهد الأخير للالتزام بحياة الفقر والعفة والطاعة. وكما هي العادة لراهبات لوريتو، فقد مُنِحَت لقب “الأم” بعد اتخاذها العهد الأخير، ومِن ثَمَّ عُرِفَت باسم “الأم تيريزا”. واصلت الأم تيريزا التدريس بمدرسة القديسة ماري، وفي عام 1944 أصبحت مديرة المدرسة.
في سن السابعة والثلاثين ارتدت رداء أهل الهند من الساري الأبيض المطرز باللون الأزرق. وانتقلت للإقامة في مدينة صفيح في كالكوتا، حيث راحت تدرس وتوفر خدمات عناية أساسية. وأسست جمعية “مرسلات المحبة”.
وفي العام 1952، دفعها لقاء مع امرأة تصارع الموت على رصيف شارع في كالكوتا إلى الضغط على سلطات المدينة للحصول على مبنى قديم لتستقبل فيه من هم على فراش الموت وترفض المستشفيات استقبالهم.
توسع أنشطتها الخيرية
بدأ يعرفها العالم منذ الستينات وتوسعت في أنشطتها فافتتحت دور للأيتام، ومراكز للمصابين بالجذام، والمصابين بأمراض عقلية. والأمهات العازبات ومرضى الإيدز.
في عام 1971، سافرت الأم تيريزا إلى مدينة نيويورك لافتتاح أول دار خيرية لها في أمريكا. وفي صيف 1982، سافرت سرًا إلى بيروت بلبنان، حيث ساعدت الأطفال المسيحيين والمسلمين خلال الحرب.
وفي عام 1985، عادت الأم تيريزا إلى نيويورك وألقت كلمة خلال الاحتفال بالذكرى الأربعين لإنشاء الأمم المتحدة. أثناء تواجدها هناك، افتتحت دارًا لرعاية مصابي الإيدز.
تيريزا المتشددة
كان لها طريقتها الخاصة في الوصول إلى أهدافها لذلك رغم حب الكثيرين لها انتقدها البعض. خاصة حين نالت في العام 1979 جائزة نوبل للسلام.
بعد أن صدمت الراهبة النحيلة البنية في كلمتها لدى تسلمها الجائزة. الحضور بتنديدها بالإجهاض “على أنه أكبر قوة مدمرة للسلام اليوم” واصفة الامر بجريمة قتل مباشرة من الأم نفسها.
وتابعت: “نحن لسنا عاملين اجتماعيين، قد نقوم بنظر الناس بعمل اجتماعي إلا أننا في الواقع نتأمل في قلب العالم”. ومع ذلك طلبت تحويل الأموال المخصصة لعشاء تكريمها إلى فقراء مدينة كالكوتا.
وكانت الأم تريزا معارضة بشدة لمنع الحمل والإجهاض. وقالت في مؤتمر بأوكسفورد عام 1988 إنها لن تسمح أبدا بانتقال طفل تحت رعايتها إلى امرأة تستخدم وسائل منع الحمل أو قامت بإجهاض لأنها لا تثق في هكذا امرأة “فمثلها لا تستطيع أن تحب”.
ولكن وبالرغم من قصور وجهة نظرها خاصة بالنسبة للنسويات فإن الأمر بحسب العديد من المراقبين يرجع لسياق وعصر مختلف. كانت الكنيسة فيه تتشدد فيما يخص مسألة الإجهاض ومع ذلك وصفها البعض بالإمبريالية المتشددة.
وكان موقفها المحافظ من الإجهاض ووسائل منع الحمل لاقى ترحيبا من البابا يوحنا بولص الثاني المحافظ بدوره. والذي استخدمها كمتحدثة باسمه في القضايا البابوية.
وتروي ماري جونسون، وهي أمريكية كانت ضمن جمعية “مرسلات المحبة” لمدة عشرين عاما. “في كل مرة كانت ترى فيها فقيرا يعاني كانت ترى يسوع المتروك في هذا الشخص. وكانت تنسى أحيانا الشخص الموجود فعلا أمامها”.
الأم تيريزا.. الفقر أم الفقراء
ومع ذلك اعتبرها البعض محبة للفقر لا الفقراء، وعن ذلك كتب المؤلف كريستوفر هيتشنز في كتابه “وضعية المبشّر: الأم تيريزا بين النظرية والتطبيق”. بأن الأم تريزا كانت تحبّ الفقر، فقد صرّحت أن المعاناة هديّة من عند الله، وكانت ترفض إعطاء المسكّنات للمرضى الذين على شفير الموت.
ومن طرقها العملية التي لاقت نقدا أيضا هي طريقة جمعها للتبرعات، وفقًا للكتاب، كانت تتلقّى الدعم المالي من أسوأ أغنياء العالم، كعائلة دوفالييه الحاكمة في هاييتي. المعروفة ببطشها وفسادها، وشارلز كيتنج رئيس شركة لينكولن سايفنجز الّذي يُعتبر أحد أكبر النصّابين في مجال الاستثمارات الماليّة. وقد تمّت محاكمته بسبب جرائمه، وقد عمدت تيريزا إلى إرسال رسالةٍ الى المحكمة، راجيةً من القاضي أن يرأف به لكونه يتبرّع للمؤسسات الخيريّة.
وكانت وجهة نظر الأم تريزا أنه لو قدم أحد إحسانا للفقراء فلابد من قبوله بصرف النظر عن شخصية مصدر المال. كما طرحت علاقاتها بالمشاهير، مثل الليدي ديانا، والصور التي ظهرت فيها معهم سؤالا حول مدى إيمانها بالتواضع.
معاناة روحية
كانت الأم تيريزا تعاني مشكلات روحية أيضا، فعلى مدى عقود شعرت بفراغ في الصلاة، إلى حد أنها شككت بوجود الله.
وكتبت في العام 1957 إلى أسقف كالكوتا تقول “لا معنى للجنة بالنسبة لي، تبدو لي فارغة. إلا أن الرغبة بلقاء الرب تعذبني. أرجوك أن تصلي من أجلي لكي أستمر بالابتسام له رغم كل شيء”.
وبالرغم من كل هذا تبقى الحقيقة الدامغة أنها لم تكن تملك طوال حياتها سوى دلوا وثوبين من الساري. فلم تملك يوما حسابا في أي بنك، أو تلبست بأي مظهر من مظاهر الرفاهية.
توفيت الأم تيريزا في الخامس من سبتمبر 1997 في مقر جمعيتها في كالكوتا حيث ترقد في قبر تزينه الراهبات يوميا بالورود.