يوافق اليوم الاحتفالية الدولية بالعمل الإنساني الذي يتزامن مع الكثير من التحديات والظروف الإنسانية الصعبة التي يمر بها العالم. سواء جائحة كورونا أو التغير المناخي الذي دخل المنطقة الحمراء منذرًا باللاعودة.
ويسلط اليوم العالمي للعمل الإنساني لعام 2021 الضوء على العواقب المباشرة لحالة الطوارئ المناخية على الأشخاص الأضعف في العالم. وضمان التعريف بهم وبمشاكلهم ووضع احتياجاتهم على رأس جدول الأعمال في مؤتمر الأمم المتحدة لتغير المناخ في نوفمبر.
واُحتفل بهذا باليوم للمرة الأولى عام 2009، في ذكرى وفاة 22 عامل إغاثة في بغداد عام 2003. وذلك عندما هاجم انتحاري مجمع الأمم المتحدة هناك.
وتحيي الأمم المتحدة ومنظمات دولية ذكرى أولئك الذين لقوا حتفهم في بغداد في تكريمٍ مؤثر. وكذلك لفت انتباه العالم إلى دور العاملين في المجال الإنساني، وحاجتهم إلى العمل في ظروف آمنة. ورغم أن العمل الإنساني يتسم بالحيادية والنأي عن المواقف السياسية، لكنّ الكثير من العاملين لا يحظون بالحماية الكافية. خاصة الموجودين في بؤر الصراع.
استهداف عمال الإغاثة
على سبيل المثال، شهد عام 2020 هجومًا على 475 عامل إغاثة، منهم 108 قتلى و242 جريحًا و125 مخطوفًا. كما تصاعدت الهجمات على عمال الإغاثة في تيجراي بإثيوبيا خلال عام 2020، وتفاقمت مجرياتها أكثر خلال عام 2021. هذا فضلاً عن أن العاملات في مجال الإغاثة أكثر عُرضة لخطر العنف، خاصة العنف الجنسي، مقارنة بنظرائهم من الرجال، بحسب بيانات الأمم المتحدة.
ومع ذلك، يظل العمل الإنساني مهم بالنسبة لملايين البشر حول العالم. ووفقا للأمم المتحدة وصل معدّل الأشخاص المحتاجين للمساعدات الإنسانية إلى شخص واحد من أصل كل 33 شخصًا حول العالم. وتُعد زيادة كبيرة من معدل واحد إلى كل 45 شخصًا عند إطلاق اللمحة العامة عن العمل الإنساني العالمي لعام 2020. والذي كان في المقام الأول الأعلى منذ عقود.
وتهدف الأمم المتحدة والمنظمات الشريكة إلى مساعدة حوالي 160 مليون شخص في أمس الحاجة للمساعدة بـ56 دولة. ويتطلب ذلك حوالي 35 مليار دولار أمريكي.
“سيكون لدينا نداء قوي وقصير للعمل يُستفاد فيه من المشاركة في الحملة لإخبار قادة العالم أن الوقت قد نفد. وأن الجمهور يطالب باتخاذ إجراءات عاجلة لحماية الناس وإنقاذ الفئات الأضعف من الكوارث المناخية”.. (الأمين العام للأمم المتحدة)
وبحسب الأمم المتحدة، كان العامان الأخيران مختلفين، ففي منتصف النزاع العنيف المستمر وتزايد المجاعات وآثار التغير المناخي، جاءت جائحة “كوفيد-19” لتستمر آثارها خلال عام 2021.
جائجة كورونا وتسارع وتيرة انتشار الفقر
وبناءً عليه تداخلت الآثار الصحية وغير الصحية للجائحة مع الأزمات الأخرى. لذلك عدّلت الأمم المتحدة برامج العمل الإنساني، بما يتناسب مع الأوضاع في ظل تفشي المرض.
وتسببت كورونا في حدوث أكبر ركود عالمي منذ الكساد الكبير في ثلاثينيات القرن الماضي. وأدت إلى انكماش الناتج المحلي الإجمالي العالمي، وبالتبعية انكمشت اقتصادات الأسواق الصاعدة والبلدان النامية.
كما شهد العام الماضي أكبر انهيار في نصيب الفرد من الدخل منذ عام 1870. ويتوقع البنك الدولي تراجع نصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي بحلول نهاية عام 2021. وذلك في الدول الإفريقية جنوب الصحراء الكبرى إلى نفس معدلات عام 2007.
وبحسب بيانات الأمم المتحدة، تتسارع وتيرة انتشار الفقر المدقع لأول مرة منذ عام 1998. ومن المحتمل أن يسقط ما بين 88 مليونًا و115 مليون شخص مرة أخرى في براثن الفقر المُدقع؛ بسبب جائحة كوفيد-19. مع توقع أعداد إضافية تتراوح بين 23 مليونًا و35 مليون شخص في عام 2021. وكذلك ارتفاع أعداد الأشخاص الجدد الذين يعيشون في فقر مدقع إلى ما بين 110 ملايين و150 مليونًا.
جغرافيًا، يتوقع حدوث أكبر زيادة في الفقر المدقع في جنوب آسيا والدول الإفريقية جنوب الصحراء الكبرى، وغياب الحلول السياسية السريعة. كما يمكن أن يصل معدل الفقر العالمي إلى 7% عام 2030، وذلك مقارنةً بتوقعات ما قبل حدوث الجائحة التي كانت تبلغ 3%.
بالتوازي تتزايد البطالة بمعدلات مرتفعة؛ وذلك مقارنة بمستويات ما قبل الجائحة. وفي العام الماضي خسر الملايين حول العالم وظائفهم، وكذلك إغلاق أماكن العمل على نطاق واسع.
وعلى مستوى القطاع غير الرسمي، فقد أضرت الجائحة بملايين الأسر وألقت بهم إلى الفقر المدقع. كما يعمل الكثير في القطاعات الأكثر تضررًا، مثل خدمات الإقامة والطعام، والتصنيع والتجارة بالتجزئة، والنساء أكثر من الذكور.
تحدي التغيرات المناخية
وعلى الجانب الآخر، لا تزال التغيرات المناخية تُشكل تحديًا خطيرًا لجهود الاستجابة الإنسانية. إذ تدفع حالات الطقس القاسية والمتزايدة، وارتفاع أعداد الكوارث الطبيعية إلى تدهور أحوال ملايين الأسر حول العالم.
كما يؤثر تغير المناخ بشكل أكبر في الفقراء والضعفاء؛ إذ يُشكل الأطفال ما يقرب من نصف المتضررين من الكوارث. وغالبًا ما تفتقر النساء والفتيات إلى الحصول على الموارد والأصول اللازمة لمواجهة الكوارث.
وبحسب الأمم المتحدة، يتعرض الأشخاص الذين يعيشون بين براثن الفقر، والسكان الأصليون، وصغار الملاك للخطر بصورة متزايدة. وذلك بسبب ارتفاع مستوى اعتماد الدخل على الزراعة، وصيد الأسماك، والنظم البيئية.
وكانت اللجنة المعنية بالتغيرات المناخية، قالت إن نطاق التغيرات الأخيرة في جوانب النظام المناخي ككل، غير مسبوقة منذ قرون أو عدة آلاف من السنين.
ويقول العلماء إن لديهم “ثقة عالية” بأن تركيزات ثاني أكسيد الكربون في الغلاف الجوي كانت أعلى في عام 2019. مقارنة بما كانت عليه في أي مرحلة خلال مليوني عام على الأقل، بحسب تقرير اللجنة.
اختبار “إنسانية” البلدان المتقدمة
وفي نوفمبر المقبل، سيجتمع قادة العالم في المؤتمر السادس والعشرون للأمم المتحدة بشأن تغيّر المناخ لتسريع العمل المناخي. وتطالب الأمم المتحدة البلدان المتقدمة بالوفعاء بالتعهد الذي قطعته منذ عقد من الزمن، بمبلغ 100 مليار دولار سنويًا من أجل العمل المناخي في البلدان النامية.
وفي ظل ذلك، أصبحت المساعدة الإنمائية الرسمية ذات أهمية متزايدة. لكن الركود الاقتصادي طويل الأجل قد يؤدي لانخفاضٍ حادٍ في مستويات المساعدة الإنمائية الرسمية العالمية.
وتشرح بيانات الأمم المتحدة أن حماية 10% من أضعف الناس في العالم، من أسوأ تداعيات الجائحة كلفها 90 مليار دولار.
أما في حال عدم الحصول على النسبة المطلوبة من المساعدات الكافية لجهود الإغاثة والإنعاش؛ فإن تكلفة التقاعس عن العمل في مجالات الصحة العامة، والتغذية، والفقر، والرعاية الاجتماعية، ستزداد أضعافًا مُضاعفة.