رغم عدم تحقيق الجولات الست الماضية للمحادثات النووية في فيينا، ثمة نتائج، تبدو احتمالات انخراط الرئيس الإيراني، إبراهيم رئيسي، في المحادثات غير المباشرة، أمراً قائماً ومرجحاً، متجاهلا بذلك الانتهاكات العديدة التي تفاقم الأزمات وتعيق المسار التفاوضي.
وتتزايد خروقات إيران للاتفاق النووي، الذي فرض قيوداً حيال حصولها على مواد انشطارية، تمكنها من صنع أسلحة نووية، بشكل واضح، مع اقتراب انعقاد الجولة السابعة من المحادثات، المقرر إجراؤها، الشهر المقبل، إذ كشف التقرير الصادر عن الوكالة الدولية للطاقة الذرية، عن تقدم في عملية تخصيب معدن اليورانيوم، والذي تزعم طهران بأنه “لأغراض بحثية وسلمية”.
وبالتزامن مع تقرير الوكالة الأممية، قال المبعوث الأمريكي الخاص لإيران، روبرت مالي، إن هناك “شكوكاً” جدية بشأن مصير الاتفاق النووي على خلفية ضعف تعاون النظام الإيراني، وقد اعتبر عملية إحياء الاتفاق النووي تواجه “علامة استفهام كبيرة”.
وألمح مالي إلى أن هناك مشكلات جمة في المفاوضات النووية قد تتسبب في إخفاق المسار التفاوضي هذه المرة أيضا، وليس من الطبيعي استمرار المحادثات النووية “للأبد”، مؤكداً أن المفاوضات في فيينا “ليست متروكة لنا تماما”.
وأردف: “هناك سبب لعلامة الاستفهام، لأنه إذا لم نتوصل إلى اتفاق بعد، فهذا يعني أن المفاوضات قد طال أمدها. بغض النظر عن الأعمال الاستفزازية الإيرانية في المنطقة. وإذا استمر التقدم النووي الإيراني واستمرت طهران في اتخاذ إجراءات استفزازية نووية، فإن التوجه سيتغير ولن يكون هناك اتفاق”.
عالم لا تنوي فيه إيران العودة إلى الاتفاق
واعتبر المبعوث الأمريكي أن التشكيك في إمكانية إحياء الاتفاق النووي أمرا منطقيا، قائلا: “يجب أن نستعد لعالم لا تنوي فيه إيران العودة إلى الاتفاق”.
وأضاف المبعوث الأمريكي أن ما تريد إيران فعله أو تجنبه فيما يتعلق بالاتفاق النووي “متغير” و”غير معروف” في المحادثات. كما أن واشنطن “ما كانت لتدخل في المحادثات إذا لم تكن تعتقد أنه من الممكن إحياء الاتفاق النووي”.
ثمة خطط بديلة وسيناريوهات جديدة لمواجهة تشدد إيران، وفشل المفاوضات من جديد، حيث يقوم روبرت مالي وفريقه بإيجاد مقاربات سياسية مغايرة عن المسار الراهن للانفتاح على كافة الاحتمالات. كاشفا أن “أحد الخيارات هو أن تتوصل إيران والولايات المتحدة إلى اتفاق منفصل تماما مع عناصر مختلفة من عناصر الاتفاق النووي”.
أما الخيار المحتمل الآخر سيتمثل في “إطلاق جولة جديدة من الردود العقابية بالتنسيق مع الاتحاد الأوروبي”.
الإدارة الأمريكية كانت “متفائلة أكثر من اللازم”
وإلى ذلك، يشير مركز كارنيغي إلى أن الإدارة الأمريكية كانت “متفائلة أكثر من اللازم” بخصوص المسار التفاوضي في فيينا، حيث إنه بالرعم من التقدم الذي شهدته المفاوضات، والتفاؤل الحذر من النتائج المتوقعة، لكن لم يكن هناك “حل بعد للخلافات الأساسية، ما سيلقي بظلاله على مستقبل المحادثات التي بلغت مرحلة حساسة جداً.
تعتبر إدارة بايدن أن إعادة العمل بالاتفاق على نحو كامل هي الوسيلة الأكثر فعالية دون حيازة إيران أسلحة نووية، وتأمل باستخدام الاتفاق أساساً لمعالجة مسائل أخرى، مثل تهديد إيران للاستقرار الإقليمي، ودعمها للإرهاب، وبرنامجها الصاروخي، وانتهاكاتها لحقوق الإنسان. ولكن في ضوء السلوك الإيراني السابق، يبدو أن الإدارة الأمريكية “متفائلة أكثر من اللازم في هذا الشأن”.
لا يعتقد المركز البحثي أن تقود النزعة التي نلمسها راهناً في المحادثات إلى أي تغيير في البرنامج الصاروخي الإيراني أو في السياسة المضرة التي تنتهجها إيران في المنطقة.
من المفهوم أيضا أن الإدارة الأمريكية الحالية تريد وقف حملة “الضغوط القصوى” على طهران المتوارَثة من إدارة دونالد ترامب، والتي فشلت في دفع إيران للجلوس إلى طاولة المفاوضات لمعالجة برنامجها الصاروخي وممارساتها في المنطقة. ولكن رفع العقوبات التي أعادت الإدارة السابقة فرضها من دون ضمان حدوث تغييرات ملموسة في هذه المسائل قد يؤدّي إلى إخفاقات جديدة”.
فشل الاتفاق= حرية أكبر لتنفيذ سياستها التوسعية في الشرق الأوسط
فالعقوبات الأحادية الشديدة التي فرضتها واشنطن هي التي دفعت طهران إلى الموافقة على الشروع في مفاوضات غير مباشرة مع الولايات المتحدة من أجل إعادة إحياء الاتفاق النووي، على الرغم من رفضها التفاوض في البداية، وفقاً للمركز الأمريكي، ولذلك “إذا تخلت الولايات المتحدة عن ورقة الضغط هذه، فسوف يتيح ذلك لإيران حرية أكبر لتنفيذ سياستها التوسعية في الشرق الأوسط وزيادة التأثير الذي تمارسه شبكة الوكلاء الإقليميين التابعين لها. وهذا يتيح بدوره للمؤسسة الحاكمة الإيرانية أن ترفض في المستقبل إبرام أي اتفاقات أخرى غير الاتفاق النووي”.
وإلى ذلك، دانت الولايات المتحدة والقوى الغربية سعي إيران المحموم تخصيب معدن اليورانيوم، على خلفية أن “معرفة هذه التكنولوجيا ومعرفة كيفية إنتاجها يمكن أن تستخدم في صنع المادة الرئيسية اللازمة لقنبلة نووية”، حسبما يوضح تقرير الوكالة.
وكانت الدول الأوروبية المنخرطة في الاتفاق النووي (بريطانيا وفرنسا وألمانيا)، قالت في بيان مشترك، إنه “ليس لإيران حاجة مدنية يعتد بها لإنتاج معدن اليورانيوم، وهي خطوة رئيسية على طريق تطوير سلاح نووي”.
انتهاكات الاتفاق النووي.. ورقة الضغط الإيرانية وسياسة الملالي المتخمة بالصراعات الداخلية
إيران ليست لديها أي حاجة فعلية لإنتاج اليورانيوم المعدني
وفي أعقاب صدور تقرير وكالة الطاقة الذرية، ذكرت وزارة الخارجية الأمريكية، أن الولايات المتحدة اطلعت على آخر تقرير أعده أعضاء الوكالة، وتؤكد أن إيران “ليست لديها أي حاجة فعلية لإنتاج اليورانيوم المعدني”.
كما قال المتحدث باسم وزارة الخارجية الأمريكية نيد برايس: “لقد قلنا بوضوح إن التصعيد النووي المستمر، خارج حدود الاتفاق النووي، يؤتي نتائج عكسية ويتعارض مع عودة إلى احترام متبادل لشروط الاتفاق”.
وشدد برايس على “وجوب أن توقف إيران تصعيدها النووي وأن تعود إلى طاولة المفاوضات من أجل أن تنفذ بالكامل وبحسن نية» الاتفاق الدولي”.
خروقات إيرانية
وفي حديثه لـ”مصر 360″ يشير المحلل السياسي والمعارض الإيراني مهيم سرخوس إلى أن النظام الإيراني منذ انسحاب الرئيس السابق دونالد ترامب من الاتفاق النووي وتعمد طهران إلى خرق كافة بنود الاتفاق؛ فزادت من نقاء اليورانيوم إلى 20 في المائة قبل أن تتضاعف النسبة إلى 60 في المائة، كما عطلت العمل بالبروتوكول الإضافي المحلق بمعاهدة حظر الانتشار.
ويلفت سرخوس إلى أن إيران تعمد إلى “المماطلة” و”التسويف” بجانب كل خروقاتها النووية، ناهيك عن استفزازتها البحرية واستهداف الناقلات النفطية في سواحل الخليج، كما حدث، مؤخرا، الأمر المرتبط، على نحو مباشر، بتصعيدها الميداني والعسكري في الإقليم، للوصول إلى طاولة المفاوضات بـ”أوراق ضغط” متفاوتة؛ حيث ستكون القوى الغربية والولايات المتحدة بصدد التفاوض على عدة أمور من بينها وقف نشاط إيران النووي المتزايد والحساس الذي يجعلها قاب قوسين أو أدنى من الحصول على القنبلة النووي، وكذا وقف تهديداتها الإقليمية، بينما يقف المفاوض الإيراني للمطالبة برفع العقوبات.
ويعتقد سرخوس أن انخراط الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي في المفاوضات النووية لا يعد أمرا مباغتا، بل إن حكومته ستذهب إلى فيينا، مجددا، في شهر أيلول (سبتمبر) القادم، حسبما أعلن المبعوث الأوروبي المكلف بملف المفاوضات النووية، إنريكي مورا، والذي شارك في مراسم تنصيب “رئيسي” في طهران.
ويردف: “إذا كانت مسألة رفع العقوبات، والتي تعد أبرز وعود الرئيس الإيراني الحالي، تبدو قضية ضاغطة على النظام ويهدف الوصول لحل بشأنها، فإن ذلك لا يعني بالضرورة تلاشي معوقات إحياء الاتفاق النووي، وهو ما يظهر من تململ الولايات المتحدة التي بدأت مع إسرائيل في البحث عن خطط بديلة لمواجهة تشدد إيران المحتمل”.