في نظرة سريعة لحسابات تّتبع حركات وتنظيمات جهادية في أفريقيا، وكلمات مصورة تم بثها على مواقع التواصل الاجتماعي. منذ الإعلان عن سيطرة حركة طالبان على العاصمة الأفغانية كابول وقصر الرئاسة. وفرار رئيس البلاد أشرف غني الأسبوع الماضي. يمكن رصد حالة من الاحتفاء بما تم اعتباره انتصارا لحركة طالبان وخطوة نحو تعزيز قدرة الجماعات الإسلامية في الوصول إلى الحكم وتطبيق الشريعة الاسلامية في أنحاء مختلفة من العالم.

ففي أول رد فعل وبعد غياب طويل عن المشهد. نشر إياد غالي زعيم جماعة نصرة الإسلام والمسلمين الناشطة في منطقة الساحل الإفريقي. تصريحات مصورة هنأ فيها حركة طالبان على انتصارها. مشيرا إلى البيعة السابقة لجماعته لتنظيم القاعدة وحركة طالبان. وتطلع جماعته، وهي التنظيم الأكثر قوة في الساحل الأفريقي لتحقيق ما يسمى بالإمارة الإسلامية. بعد تجربة طالبان التي حققت مرادها بعد عشرين عاما من المعارك.

زعيم جماعة نصرة الإسلام والمسلمين إياد غالي
زعيم جماعة نصرة الإسلام والمسلمين إياد غالي

وهو الترحيب الذي تشابه أيضا مع تعقيب فرع تنظيم القاعدة في شبه الجزيرة العربية. الذي وصف ما حدث بأنه نصر مبارك بعد عقدين من الجهاد الصمود ضد قوى الكفر العالمية. متعهدا بطرد المحتلين من أراضي المسلمين.

أوجه التشابه بين أفغانستان والساحل الأفريقي 

ويأتي انسحاب القوات الأمريكية والناتو من أفغانستان مشابها للوضع الأمني والعسكري في معظم دول الساحل الأفريقي. التي تسيطر عليها جماعات تتبع تنظيم القاعدة أو داعش. بعد انسحاب القوات الفرنسية من الساحل الأفريقي. خاصة تشاد ومالي والنيجر. وضعف أدوات الأنظمة الحكومية في تقويض تحركاتها أو احكام السيطرة على مناطق نفوذها.

تتجه التوقعات لأن تكون سيطرة طالبان بمثابة دفعة معنوية للجهادين والجماعات الإسلامية، خاصة التي كانت تبايع تنظيم القاعدة وطالبان خلال فترات سابقة. في مواجهة القوات الغربية. بل وإمكانية ايجاد معقل وملاذ أمن لهذه الحركات للانطلاق من الأراضي الأفغانية بعد الهزائم المتكررة في الشرق الأوسط.

هل تكون أفغانستان ملاذ الجماعات الإسلامية

تقاربت ردود الفعل الدولية الأولية فور سيطرة طالبان على العاصمة الأفغانية حول التحذير والتخوف. من أن تتحول أفغانستان لملاذ آمن للجماعات الإرهابية الدولية مجددا. بعد أن اتخذت القاعدة مقرا لها طوال حربها ضد القوى الغربية من الأراضي الأفغانية. ما أشار إليه رئيس الوزراء البريطاني، بوريس جونسون، مطالبا باتحاد الدول الغربية لمنع الوقوع في هذا المأزق مجددا.

قد يكون الشاهد من تصريحات ممثلي طالبان خلال الأسبوع الماضي. أنها تحاول طمأنة المجتمع الدولي بعدم الإقدام على أي أعمال تضر أي من الدول عبر الأراضي الأفغانية. ما قد يشير إلى رغبة فعلية من حكومة طالبان الجديدة بالاندماج بشكل مختلف في المجتمع الدولي وكبح جماح التحركات الإرهابية. إلا أنه لا يزال هناك العديد من المداخل والثغرات الأمنية داخل أفغانستان التي يمكن أن تستثمرها الجماعات الإرهابية من خلالها تمرير أنشطتها تحت مظلة الحكومة الإسلامية.

ملاذ للقاعدة 

كان تقرير مقدم للكونجرس الأمريكي من خلال البنتاجون الأسبوع قبل الماضي. كشف عن أن حركة طالبان وفرت ملاذا لتنظيم القاعدة الإرهابي في أراضي أفغانستان في الفترة من أبريل إلى نهاية يونيو عام 2021. حيث لا تزال طالبان تحافظ على العلاقات مع القاعدة. ما يأتي في الوقت الذي أكد فيه المتحدث باسم طالبان سهيل شاهين إن الحركة لن تسمح للقاعدة وغيرها من الجماعات الإرهابية بالعمل في أفغانستان.

حكمت حركة طالبان أفغانستان في الفترة من 1996 حتى 2001. لكنها ظلت دولة منبوذة طيلة هذه الفترة. إذ قطعت أغلب دول العالم علاقاتها الدبلوماسية فيما عدا ثلاثة دول اعترفت بشرعية حكم الحركة هي السعودية وباكستان والإمارات. حتى وقوع أحداث 11 سبتمبر 2001. وبدء الحرب الدولية على الإرهاب ومواجهة التنظيمات المتطرفة.

الحرب الدولية على الإرهاب 

حتى عام 2001 لم تكن الحرب الدولية على الإرهاب تستهدف دولا أفريقية. حيث لم يسجل التاريخ الأفريقي نشأة جماعات تنتهج العنف لأسباب تتعلق بالدين أو نشر الشريعة الإسلامية.

وكانت الاضطرابات الأمنية والمشاكل الاجتماعية والاقتصادية والإثنية أساس التطرف. إلا أن التدخل العسكري الإثيوبي المدعوم من أمريكا في 2006 كان بداية نشأة حركة شباب المجاهدين في الصومال. التي تحولت من حركة معارضة للحكومة الصومالية إلى جماعة إرهابية منذ إعلانها الانتماء إلى تنظيم القاعدة. والبدء في تنفيذ هجمات متتالية في شرق أفريقيا بين أوغندا وكينيا.

 

كما بدأت حركات وتنظيمات مماثلة في الانتشار في الساحل والصحراء الأفريقية بعد تدهور الأوضاع الأمنية في ليبيا، حتى إقليم وسط أفريقيا.

وفق تقارير استخباراتية. فإن ما يقدر بنحو 20 ألف مجند من جميع أنحاء العالم تدربوا في معسكرات تدريب القاعدة. وتعلموا المهارات القتالية ثم انتشروا عائدين إلى بلدانهم. وهي المعلومات التي تم التوصل لها بعد عدد من الهجمات الدموية شملت دول أفريقيا بخاصة عقب مقتل أسامة بن لادن في غارة أمريكية في 2011.

أسامة بن لادن
أسامة بن لادن

وتتجه بعد التقديرات إلى أن انتشار سطوة الجماعات التي تبايع تنظيم القاعدة وتعزيز وجودها في أفريقيا منذ 2011. كان بسبب الضربات التي تلقاها التنظيم في أفغانستان ومقتل وتصفية القيادات البارزة في التنظيم في إيران واليمن وسوريا وأفغانستان. ما أعطى قوة نوعية للتنظيم الذي تمدد في مناطق الساحل وغرب ووسط أفريقيا بتوسيع نطاق العمليات في السنوات الأخيرة.

حيث تمدد الإرهاب في مناطق جديدة في بنين وكوت ديفوار. بعد أن وضع قادة القاعدة خطة توسعية في خليج غينيا حتى بروز نجم الجماعات التابعة لتنظيم الدولة الإسلامية داعش. الذي رغم تطور عملياته في المنطقة ومبايعة عدد من الحركات المحلية له مثل بوكو حرام. إلا أنه لم يطغ حتى الآن على وجود القاعدة في أفريقيا.

دول الساحل الأفريقي المرشح الأقوى للتأثر بانتصار طالبان

قد تكون منطقة الساحل الأفريقي الأكثر عرضه للتأثر من انتصار حركة طالبان في أفغانستان. خاصة بالنظر إلى تصريحات قادة التنظيم في المنطقة التي تعكس حالة من نشوة الانتصار. ما قد يعطيها الشجاعة للتمدد ومحاولة تحقيق إنجازات أشبه بما حققته طالبان.

قد يكون أبرز أوجه التشابه بين الحالة الأفغانية وأفريقيا. هو انسحاب القوات الأجنبية. فقد كان انسحاب أمريكا وما خلفه من سيطرة مباشرة لطالبان على العاصمة الأفغانية مشابها إلى حد كبير لقرار الدول المحاربة للإرهاب لإجلاء قوتها في أفريقيا كانسحاب فرنسا من الساحل الأفريقي في 2013 بعد الخسائر في الأرواح والمال.

ولا تزال تعاني منطقة الساحل الأفريقي من عدم الاستقرار منذ انسحاب القوات الفرنسية. ما يجعلها الأكثر عرضه للتهديد. ما يسهل استثمار نجاح طالبان في تعزيز قوة الجماعات التي تنتهج نفس منهجها بعد الفشل الأجنبي والغربي في وأد التوجه الأيديولوجي لهذه الجماعات التي باتت تسيطر على مجموعات واسعة من الشباب الأفريقي. بالتوازي مع فشل الحكومات المحلية من تحقيق العدالة الاجتماعية للمواطنين المحرومين.

تنظيم القاعدة في مالي
تنظيم القاعدة في مالي

وتتجه تقديرات المراقبين إلى زيادة وتيرة الانقلابات في صفوف الجيش والتوتر السياسي وتجاهل مطالب الإصلاحات الجزئية ستكون الأسباب الرئيسية لإضفاء القوة وتمكين الجماعات الإسلامية من بسط سيطرتها حيث إن دولتي مالي وتشاد قد تأتي في مقدمة الدول المتأثرة بزيادة نشاط القاعدة بخاصة وأن استيلاء الجيش على الحكم وترك الساحة في الشمال والوسط إلى الجماعات المسلحة، فضلا عن مقتل رئيس تشاد إدريس ديبي قبل 4 أشهر على أيدي الجماعات الإسلامية واستمرار المعارضة المسلحة بقيادة بوكو حرام ضد نجله الرئيس المؤقت، فضلا عن الانقسامات والمشاكل السياسية في بوركينافاسو وساحل العاج ونيجيريا والكاميرون.

أفريقيا.. إضافة اقتصادية وسياسية للقاعدة وطالبان

منذ دخول القاعدة إلى أفريقيا. كان اهتمام قيادتها منصبا على الاستفادة من المزايا الاقتصادية النوعية في القارة. حيث كان نشاط جماعة نصرة الإسلام والمسلمين في السنغال بالقرب من مناجم الذهب محاولة لجني مكاسب اقتصادية واستراتيجية. حيث استطاعت بسط وجودها وإنشاء مناطق لدعم قواتها في مالي باستغلال الفراغات الأمنية في الحدود بين مالي والسنغال.

مناجم الذهب في السنغال
مناجم الذهب في السنغال

ولعل الموقع الجغرافي لأفريقيا يكون سببا رئيسيا لتنافس ضار بين القوى الدولية. للاستفادة من المزايا الاقتصادية والجيوسياسية للقارة في تعزيز النفوذ السياسي أو القدرات الاقتصادية. ليس بعيدا عن أعين طالبان التي تتحسس من جديد وضعها في مجتمع دولي بدت عليه علامات الاستهجان والرفض للاعتراف الفوري بوجودها.

ولا يعني بالضرورة أن سيطرة مجموعات أو جماعات تبايع تنظيم القاعدة وحركة طالبان على مناطق واسعة في الساحل والعمق الأفريقي. يحقق مكاسب سياسية مباشرة لطالبان. إذ لا يزال وجود هذه الحركات منبوذا بين المنظمات الإقليمية الأفريقية كالاتحاد الأفريقي. الذي يضع برامج نوعية للقضاء على سيطرة الجماعات الإسلامية المدرجة على قائمة الإرهاب في الدول الأفريقية بخاصة في منطقتي القرن الأفريقي والساحل والصحراء.