تاريخيا تحظى إثيوبيا بدعم دولي من الغرب عموما، يتزايد حاليا بشكل ملفت مع أزمتين مؤثرتين بامتياز على مستقبل الدولة:

الأولى: تتمثل في الصراع الدائر بإقليم تيجراي وما نتج عنه من توسيع رقعة الصراع الإثني بين القوميات على رقعة جغرافية واسعة.

أما الأزمة الثانية: فتتمثل في توتر العلاقات مع السودان، واحتمال أن يتطور تصاعد التوتر بين البلدين إلى حرب مفتوحة مؤثرة على عدد من الدول المجاورة لهما، وربما تكون خطورة هاتين الأزمتين هي ما يفسر دخول تركيا  بشكل مباشر على الخط بين أديس أبابا والخرطوم بوجود رئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد في أنقرة وعقد العديد من الاتفاقات الاقتصادية بين تركيا وإثيوبيا، في خطوة تأتي تالية لوجود الفريق عبد الفتاح البرهان رئيس المجلس الانتقالي السوداني  في العاصمة التركية.

جولة المبعوث الأمريكي للقرن الأفريقي

 

فيليتمان

في نطاق الأزمة الإثيوبية الداخلية فإن جيفري فيليتمان، المبعوث الأمريكي للقرن الأفريقي، يقوم خلال الساعات القادمة بجولة تبدأ من أبو ظبي وصولا إلى عواصم دول القرن جيبوتي وإثيوبيا. وفي سياق مواز هناك دور فعال لكل من الأمم المتحدة التي يهتم أمينها العام أنطونيو غوتيريش بمتابعة الوضع الإنساني في تيجراي، ويمارس ضغوطا منتظمة على أديس أبابا في هذا الملف.

أما على الصعيد الأمريكي المباشر فإن سامنتا باور رئيسة مؤسسة المعونة الأمريكية تمارس جدلا معلنا مع رئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد بشأن دور أديس أبابا في تعويق وصول المساعدات الإنسانية إلى إقليم التيجراي الذي يقطنه ٦ ملايين إثيوبي، وذلك في وقت ترى فيه الحكومة الإثيوبية أن الولايات المتحدة والأمم المتحدة وآخرين ينحازون إلى جانب الجبهة الشعبية لتحرير تيجراي أو يدعمون مقاتليها، كما تعتبر الحكومة أنه لم يتم  التصدي بما يكفي لانتهاكات  يتم ارتكابها من جانب التيجراي في منطقتي أمهرة وعفر.

المشهد الراهن المحيط بإثيوبيا يطرح أسئلة بشأن حدود الدور الدولي في ضمان الاستقرار بكل من إثيوبيا خصوصا ومنطقة القرن الأفريقي عموما، التي يعتبر الغرب أن تحجيم فرص الحرب بين إِثيوبيا والسودان فيها أهم الأهداف مرحليا.

ولعله يكون من المهم هنا بحث فرص وسيناريوهات المجهود الدولي في تطويق الأزمتين، وذلك بما لتسوية هذه الأزمات من أثر إقليمي على مستويات الاستقرار السياسي، وأثر إنساني مهم في تخفيف أثر الحرب الأهلية الإِثيوبية على ملايين البشر الذين تعرض الآلاف منهم للجوع والاغتصاب وغيرهما من مظاهر الانتهاكات ضد الإنسانية .

في هذا السياق، تبدو الجهود الدولية المنطلقة من المنصة التركية لترتيب وساطة بين كل من الخرطوم وأديس أبابا معزولة  بشكل كبير عن التفاعلات العسكرية على الأرض، والتي ستجعل السودان دوما محط شكوك إثيوبية، ذلك أن القوات التيجرانية  قد تحركت بقوة خلال المرحلة السابقة وتمكنت من ملاحقة الوحدات الفيدرالية والإقليمية في منطقة عفار، التي تقع شرق تيجراي، كما نجحت في قطع مؤقت ومتكرر للطريق التجاري الرئيسي من أديس أبابا عبر عفار إلى جيبوتي، والذي يعمل ميناء رئيسيا غير ساحلي لإثيوبيا. كما تقدمت القوات جنوبا وجنوبا غربا، مع قيام آلاف من مقاتلي التيجراي بدفع الطرق الرئيسية باتجاه مدينتي وولدية وجوندار في شمال أمهرة، وسيطروا على عدة بلدات على طول الطريق.

وبطبيعة الحال تبدو الأغراض السياسية وراء هذا التحرك العسكري هي إجبار أديس أبابا على قبول شروط التيجراي التي تتضمن حاليا مطلبًا بـترتيبات انتقالية تشترط عزل رئيس الوزراء آبي أحمد، وكذلك انسحاب كامل للقوات الإريترية وقوات الأمهرة من تيجراي، وذلك بالتوازي مع التوجه نحو منطقة جوندر.

إشكالية إقليم أمهرة

وطبقا للتقديرات العسكرية المتداولة فإن إخراج حكومة إقليم أمهرة من أجزاء من غرب تيجراي التي احتلتها عندما بدأ التدخل الفيدرالي أوائل نوفمبر 2020 وارد بالتأكيد، وعليه فإن قوات التيجراي ستفتح خطوط الإمداد الى السودان المجاور، حيث ستخفف المواد الغذائية والسلع الأساسية القادمة من السودان الأزمة الإنسانية داخل تيغراي، لكنها ستؤدي إلى تقويض فرص التقدم على صعيد العلاقات السودانية الإثيوبية، حيث اعتبرت أديس أبابا أن السودان طرفا غير قادر على الوساطة بين آبي أحمد والتيجراي، وذلك رغم الطلب الأمريكي المباشر للسودان، للقيام بهذا الدور، وربما هذا ما قد يدفع السودان إلى التقليل من أثر الضغوط الأمريكية على أديس أبابا، حيث أكد كل من عبد الفتاح البرهان وعبد الله حمدوك رئيس الوزراء السوداني في عيد الجيش السوداني على ضرورة استعادة باقي أراضي الفشقة بكافة الوسائل، وكانت هذه التصريحات من ولاية القضارف أي من مناطق الحدود السودانية الإثيوبية.

 النزاع بين إثيوبيا والسودان

ضعف الرهان السوداني على الضغوط الأمريكية على أديس أبابا ينسحب بالتأكيد على إمكانية أن تلعب أبوظبي دورا في تقريب وجهات النظر بين الطرفين رغم أنها تملك استثمارات مؤثرة في كلا البلدين، وذلك لأسباب أهمها: السيولة السياسية الموجودة في السودان والتي تجعل قوى الحكومة الانتقالية مضغوطة وغير حرة الحركة في تفاعلاتها الإيجابية مع أبو ظبي، وعلى الصعيد الإثيوبي فإن المرونة السياسية تبدو مفتقدة لدى رئيس الوزراء بدليل انخراطه في حربه ضد التيجراي وهي الحرب المعروف مدى خطورتها بكل المقاييس العسكرية والسياسية تحت مظلة المعادلات الإثيوبية الحرجة.

الحروب الإثنية الإثيوبية

على صعيد الحروب الإثنية الإثيوبية يبدو لنا أن الإعلان الرسمي عن تحالف عسكري بين جبهة التجراي وجماعة جبهة تحرير أرومو المسلحة بقيادة (كومسا ديريبا)، والذي أكد أن تحالفه مع تيجراي ليس عسكريا فقط ولكنه أيضا تحالف سياسي، مشيرا إلى وجود حوارات حاليا بين مجموعات أخرى في أثيوبيا منخرطة في مناقشات مماثلة بهذا الصدد، الأمر الذي يؤشر أن التحالفات ضد نظام آبي أحمد قيد الاتساع، بدليل أن عيد عيدي حسن قد أعلن مؤخرا  عن انضمام جبهة تحرير الصومال إلى المقاتلين ضد آبي أحمد، وأن التواصل بين الأمين العام للأمم المتحدة ود. دبرصيون زعيم إقليم تيجراي لم يبلور بعد معادلات تهدئة بين الأطراف الإثيوبية.

في هذه البيئة حادة التوتر تبدو تقديرات الموقف المتناقضة بين الأطراف الدولية وأديس أبابا غير قابلة للحل حتى اللحظة الراهنة، فبينما يقدم آبي أحمد الاعتبارات الأمنية للدولة على الاعتبارات الإنسانية، كما رد على سامنثا باور رئيسة المعونة الأمريكية مؤخرا، معتبرا أن إثيوبيا لا يمكن أن تكون دولة موحدة وقوية إلا بالانتصار المؤثر على جبهة التيجراي، فإن الإدارة الأمريكية ترى أن زوال جبهة التيجراي ليس بالممكن في ضوء المعطيات الواقعية خصوصا الديمغرافية منها، وطبقا لهذا التقدير الأمريكي فإن الحوار السياسي بين الأطراف الذي يضمن وزنا للتجراي هو الطريق الوحيد لاستقرار الدولة الإثيوبية، المنوط بها تقليديا أن يكون لها تأثير في المعادلات الأفريقية لصالح الاستراتيجيات الغربية.

هذه المسافة بين الرؤيتين قد تجعل واشنطن مضطرة إلى تطبيق قانون ماغنيتسكي للمعاقبة على انتهاكات حقوق الإنسان، وإلى إصدار أوامر تنفيذية بشأن هذه العقوبات ربما تكون بقرارات من مجلس الأمن تحت ولاية البند السابع، وصولا إلى فرض تدابير أكثر تقييدا بشأن المساعدات الاقتصادية والمنح المالية، بما يجعل إثيوبيا محرومة من دعم المؤسسات المالية الدولية كما جرى للسودان على مدى ٢٧ عاما، وكلها سياقات تم اختبارها وتطبيقها في أزمة دارفور من قبل، وجعلت الرئيس المخلوع عمر البشير مطلوبا باعتباره متهما دوليا، ويبدو أن مصير آبي أحمد قد يكون في أفضل حالاته هو إنهاء حياته السياسية، بينما الأسوأ أن يلقى نفس مصير البشير.