ظلت السياحة المصرية تعتمد في الأعوام الأخيرة. على سائحي الوفود الكبيرة من ذوي الإنفاق المحدود. قبل أن تبنى سياسات تستهدف مرتفعي الإنفاق بأنماط جديدة مثل سياحة اليخوت. أو عبر تعزيز الاستثمارات على قطاع المتاحف الذي يجذب الآسيويين من هواة التاريخ.
وتسعى وزارة السياحة لإزالة العقبات المتراكمة أمام انطلاق سياحة اليخوت في مصر لجذب شريحة من نحو 150 ألف يخت تتحرك في البحرين المتوسط والأحمر. وافتتحت شركة إعمار مصر، أخيرًا، أول ميناء دولي لليخوت «مراسي مارينا ونادي اليخوت» في منطقة الساحل الشمالي. بمساحة إجمالية تقترب من 1.16 مليون متر، وباستثمارات تناهز 24.2 مليار جنيه.
تراهن مصر على الموقع الجغرافي في مراسي الساحل الشمالي في استقطاب سائحين من اليونان وقبرص، وتركيا، وبيروت. والتحول إلى مركز إقليمي لسياحة اليخوت في المنطقة. والدخول إلى حلبة “سياحة الأغنياء” ذوي الإنفاق الكبير سواء في البرامج أو خدمات الصيانة والتزود بالمياه والوقود ومستلزمات الإعاشة.
سياحة الأغنياء
وتعد اليخوت، أعلى أنواع السياحة في الإنفاق. بضمها السائحين شديدي الثراء. فالحد الأدنى لسعر اليخت بعد احتساب الشحن والجمرك يصل لنحو 50 ألف دولار (780 ألف جنيه مصري). ويرتفع بعضها خاصة في منطقة الخليج إلى نحو 380 مليون دولار. بينما تصل التكلفة لنحو مليار دولار. حال تعزيز المركب بمهبط للطائرات المروحية “هليكوبتر”.
ويصل سعر الفئة الأقل حجما من اليخوت الكبيرة (فئة يقل طولها عن 180 مترًا) إلى 2.5 مليون يورو في المتوسط. وتصل تكاليف تشغيلها السنوية نحو 200 ألف يورو. بما فيها رواتب الطاقم والصيانة.
شهدت صناعة اليخوت انطلاقة قوية خلال ٢٠٢١. بعد شراء 208 يخوت فخمة في الخمسة أشهر الأولى من العام الحالي. بمقابل يصل إلى مليار جنيه إسترليني مقابل 131 يختا العام الماضي.
وارتفعت طلبات الشراء التي تلقتها شركة “دامن ياختنج” الهولندية بنحو 800 مليون يورو. مسجلة أكبر طلبات على الإطلاق. بينما أنهت شركة “فيريتي” الإيطالية تسليمات قياسية بلغت 56 يختاً خلال الربع الأول من العام ذاته.
ومن المقرر. أن تضخ الحكومة خلال الشهور القادمة، استثمارات في إنشاء المراسي المجهزة لاستقبال اليخوت. التي لا تتجاوز وفق تقديرات مستقلة حاجز الـ 4 آلاف مرسى. وزيادة حصة مصر من اليخوت المتواجدة في المنطقة التي لا تتجاوز حاجز الـ 6% حاليًا.
خطة تطوير
وتعكف الحكومة حاليًا على تنفيذ خطة لتطوير جميع الموانئ على الصعيد اللوجيستي والبنية التحتية لجعل مصر مركزًا لتجارة الترانزيت وخدمات السفن. ما يؤدي لرفع القيمة المضافة وكذلك تصنيف الموانئ المصرية بالمنطقة الإقليمية والعالمية.
وتتخذ وزارة السياحة خطوات نحو تنويع نوعية السائحين الذين تستهدفهم. وعدم الاعتماد على السياحة الروسية منخفضة الإنفاق في مقاصد جنوب سيناء، وجذب قطاع أكبر من السياحة الخليجية.
وكشف لتقرير لمنظمة السياحة العالمية َعن ارتفاع نفقات السياحة الخارجية لدول مجلس التعاون الخليجي إلى 60 مليار دولار في 2017، مقابل 40 مليارا في 2010، ما يجعلها مصدرا مهما للدخل.
تتواجد مراسي اليخوت في مصر بعدة أماكن في مقدمتها مارينا الغردقة التي تستوعب 188 يختاً في آن واحد. ومارينا البحر الأبيض المتوسط التي تتسع لـ 1400 يخت وهو أول ميناء لتلك النوعية من المراكب في أفريقيا. ومارينا مرتفعات طابا التي تتسع لـ 50 يختًا. مع خدمات إعادة التزويد بالوقود ومرافق الإصلاح.
كما تضم الموانئ المصرية أيضًا مراسي: أبو تيج في الجونة، و”مارينا نعمة” بشرم الشيخ. ومارينا بورت غالب الدولي، و”سوما باي” بالبحر الأحمر، ووادي الدوم بالعين السخنة.
منافسة شرسة
ولا يتناسب عدد المراسي في مصر مع مساحة الشواطئ البحرية التي تضمها أو المنافسين في الشرق الأوسط. فإسبانيا على سبيل المثال تمتلك أكثر من 227 ألف مكان لرسو اليخوت مهما كان حجمها. وفرنسا لديها 110 آلاف مرسى، وإيطاليا أكثر من 127 ألفًا، وتركيا نحو 25 ألفًا.
ويرى كثير من الخبراء أن سياحة اليخوت تصطدم بتكلفة الرسوم التي تفرضها الموانئ. بجانب قصر الترخيص على هيئة التفتيش البحري بالإسكندرية التي تعتبر الجهة الوحيدة المسئولة عن منح تراخيصها. علاوة على إجراءات دخول المياه الإقليمية.
اقترحت هيئة التنمية السياحية قبل سنوات إنشاء مراكز لليخوت في بورسعيد وشلاتين كل منهما قادر على استقبال 5 آلاف مركب. مع توفير مكان واحد لتسهيل كل الإجراءات الخاصة بالدخول.
وقررت الحكومة، أخيرًا، إطلاق منصة “النافذة” الواحدة لسياحة اليخوت، تمثل فيها جميع الجهات المعنية على أن تكون وزارة النقل المسئولة عن التنسيق مع جميع الجهات، لإصدار جميع التراخيص وتحصيل الرسوم.
ووفقًا للدكتور عاطف عبداللطيف، عضو جمعيتي مستثمري مرسى علم وجنوب سيناء. فإن سياحة اليخوت تجذب شرائح مرتفعة الإنفاق ما يجعلها موردا اقتصاديا هاما لمصر، خاصة إذا ما تم استغلالها محليا بالترويح لبرنامج متكامل لليخوت تتحرك فيه بين أكثر من ميناء سواء محليا أو مع موانئ في بلاد أخرى.
تبلغ القدرة الاستيعابية لميناء «مراسي مارينا ونادي اليخوت»، الذي تم افتتاحه أخيرًا، نحو 267 يختا كبيرا بطول بأرواح بين من 12 و155 مترا.
رهان كبير
يبدو الرهان الحكومي حاليًا على السياحة الخليجية لعدة عوامل في مقدمتها القرب من مصر. وامتلاك الخليجيين أعدادا كبيرة من اليخوت الفاخرة عالميًا. لكن الأمر مرهون بتوفير مراسي قادرة على استقبال اليخوت الضخمة التي تملك طواقم كاملة.
وطالب خبراء سياحة منذ سنوات بتقليل رسوم عبور اليخوت في قناة السويس. والتوقف عن ازدواجية تحصيل الرسوم علي اليخت الواحد حينما تنقل بين ميناء لأخر داخل الحدود المصرية التي كانت سببا في تجنب بعض اليخوت الدخول للموانئ المحلية.
ويرى عبداللطيف أن الاهتمام بسياحة اليخوت يتماشي مع حركة تنمية مدن الساحل الشمالي الغربي مثل مرسى مطروح والعلمين. باعتبار أن البحر المتوسط الأكثر استقبالاً لليخوت، مطالبا بامتيازات لليخوت والمراكب السياحية التي ترسو بالموانئ المصرية حتى تعود مجًددا تتعلق في المقام الأول بتكلفة الرسوم وخدمات الصيانة.
ويمكن أن تحقق سياحة اليخوت عائدًا مرتفعًا حال تكاملها مع سياحة اليوم الواحد للسفن السياحية العملاقة ذات الوفود كبيرة العدد، التي تتوقف في الموانئ المحلية للدول التي تمر بها لساعات للقيام بأعمال تسوق أو زيارات سريعة لبعض المعالم الأثرية.
ودعا الخبير السياحي السيد العاصي الحكومة المصرية الإعلان عن تخفيضات رسوم دخول اليخوت مصر عبر قناة السويس. أو أي من الموانئ المصرية لأن تركيا استغلت الفرصة في منح تخفيضات للزائرين فحصلت علي نصيبها الأكبر من الكعكة السياحية.
ويمكن لمصر تعزيز دورها في سياحة اليخوت عبر إنشاء خط ملاحية مباشرة بين جنوب أوروبا بين مرسى مطروح وجنوب إيطاليا، من خلال تنظيم برامج سياحية لزيارة مطروح والاستمتاع بشواطئها، خاصة أن الأخيرة مؤهلة لاستقبال اليخوت والمراكب السياحية بشكل كبير.
وقال العاصي إن قيمة سياحة اليخوت في منطقة البحر المتوسط تبلغ نحو 300 مليار دولار سنويًا وفقا للتقديرات العالمية، وتستحوذ الدول الأوروبية المطلة على سواحل البحر المتوسط على 50% من إجمالي المبالغ المحققة منها.
عائد كبير
ويتوقع الخبير السياحي زيادة العائد لمصر بنسبة تتراوح بين 30 و40% من إجمالي الدخل الكلي للسياحة، على اعتبار أن سياحة اليخوت الأكثر إنفاقا حول العالم وسيعد نمطا سياحيا جديدا لمصر تسعي لتسويقه عالمية للفئة المستهدفة عن طريق مكاتب هيئة تنشيط السياحة والسفارات في دول العالم.
وتتضمن الشواطئ المصرية مدن غارقة يمكن أن تتكامل مع سياحة اليخوت والغوص، مثل مدينة كانوب الغارقة في أبو قير، والتي تقع على مسافة 22.2 كم بالقرب من فرع مندثر للنيل، وكذلك مدينة Antirhodos في الإسكندرية التي تم اكتشافها عام 1996.
وجذبت مدينة هيراكليون الغارقة بخليج أبي قير بالإسكندرية أنظار السائحين حول العالم، أخيرًا، بعدما اكتشفت البعثة الأثرية المصرية الفرنسية التابعة للمعهد الأوروبي للآثار الغارقة، والعاملة حطام سفينة حربية من العصر البطلمي، وبقايا منطقة جنائزية إغريقية تعود لبداية القرن الرابع قبل الميلاد، لتعيد الأذهان إلى أهمية الاهتمام بسياحة المدن الغارقة بمصر.
تحتاج سياحة اليخوت لاستثمارات وتنظيم دقيق لتحقيق جدواها الاقتصادية الكاملة دون تأثير علي البيئة المحلية أو إزعاج باقي السائحين بالضجيج والزحام، مع تطعيمها باستثمارات فندقية وترفيهية حتى تنعكس جدواها على العمالة المحلية أيضًا.