لجأ العديد من القادة والمقاتلين المناهضين لحركة طالبان إلى وادي بانشير. بعد سقوط البلاد في أيدي حركة طالبان. في وقت يتنبأ مراقبون بظهور حركة مقاومة جديدة. تحت قيادة كل من نائب الرئيس الأفغاني أمر الله صالح وأحمد مسعود، نجل القائد العسكري الراحل أحمد شاه مسعود الذي لقب بـ “أسد بانشير“.
ويعتقد أمر الله صالح أنه الرئيس الشرعي للبلاد بعد هروب الرئيس أشرف غني إلى الإمارات. رافضا الاعتراف بسلطة طالبان.
وقال صالح في تغريدة له عبر موقع “تويتر”: وفقاً للدستور الأفغاني، في حال غياب أو هروب أو استقالة أو وفاة الرئيس، يصبح نائب الرئيس هو الرئيس المؤقت. حالياً أنا داخل بلدي وأنا الرئيس الشرعي المؤقت. أتواصل مع جميع القادة لضمان دعمهم واجماعهم”، داعيا الأفغان إلى الانضمام إلى المقاومة
في غضون ذلك قال أحمد مسعود، في مقال رأي كتبه في صحيفة “واشنطن بوست”، بعد سقوط كابل في يد طالبان. إن الآلاف من قوات الكوماندوز وضباط الجيش الأفغاني لجأوا إلى إقليم بانشير صعب التضاريس.
ودعا مسعود، الحلفاء الغربيين خاصة فرنسا الى مساعدته للوقوف في وجه طالبان. كما ذكر أن الجنود الأفغان جلبوا معهم عشرات الآليات العسكرية والمدرعات والطائرات العسكرية.
مسعود الابن وحلم الشمال
وقبل ذلك كان مسعود ألقى بنفسه إلى آتون السياسة بشكل عملي. عندما أبدى اعتراضه على توجهات عملية السلام الأفغانية في عام 2019. التي أعتقد أنها لا تمثل مصالح جميع الأفغان.
وأعلن أحمد عن إنشاء تحالف جديد من قادة المجاهدين على غرار التحالف الشمالي الذي قاوم طالبان في التسعينيات. فأصبح هذا التحالف المعروف بجبهة المقاومة الوطنية الأفغانية. أحد القوات العسكرية المستقلة العديدة التي تم تشكيلها قبل الانسحاب العسكري للولايات المتحدة.
وفي السابق توقع أحمد أن الانسحاب السريع للقوات الأمريكية يمكن أن يؤدي إلى انهيار قوات الأمن الأفغانية. مبررا ذلك بسيادة الفساد وضعف القيادة.
وقال مسعود لصحيفة ستريتس تايمز: للأسف الحكومة غير قادرة على مواصلة القتال ضد طالبان”.
وتستند المجموعة التي أنشاها أحمد إلى الجبهة الوطنية، المعروفة باسم التحالف الشمالي. وهي مجموعة معارضة تشكلت عام 1992 لمحاربة الحكومة الشيوعية. لكن انتهت بحرب أهلية نتيجة محاولة مسعود الأب الانفراد بالسلطة، وفي نهاية المطاف حاربت طالبان من عام 1994 إلى عام 2001.
وهو التحالف الذي ضم أمراء الحرب المناهضين لحكم طالبان. وأبرزهم كان القائد الطاجيكي في أفغانستان، أحمد شاه مسعود. الذي قتل قبيل الإطاحة بطالبان على أيدي تنظيم القاعدة، وعبدالرشيد دوستم، زعيم الأوزبك الأفغان، وإسماعيل خان، أحد زعماء الطاجيك، وبرهان الدين رباني، الذي كان الزعيم الأبرز بعد أحمد شاه مسعود.
أحمد مسعود والفيدرالية
ويمتلك أمر الله ومسعود وجهات نظر متناقضة رغم تحالفهما الحالي. فالأول يسعى لهزيمة طالبان أملا في استرجاع السلطة كاملة بشكلها القديم. بينما الآخر يمشي في ظل أبيه معلنا أن أهدافه تتمثل في إخراج تمرد طالبان وإعادة السلطة للشعب. وفي الوقت نفسه إحياء فكرة الفيدرالية أو الحكم الذاتي.
والفيدرالية أو الأبعد منها أي التقسيم حلم راود التحالف الشمالي في التسعينات. ورفضه حلفائهم من البشتون بضراوة، وقامت من أجله حرب أهلية في أواسط التسعينات.
يجدر الاشارة إلى أن حوالي 60% من المصادر الطبيعية، من نفط وغاز طبيعي ومناطق زراعية خصبة توجد في الشمال. إضافة الى تمركز وحدات القطاع الصناعي السابق في أفغانستان. بعيدا عن تواجد العرق البشتوني في الجنوب، والشرق.
وخلال حوار سابق لمسعود. أكد فشل الحكومة الأفغانية في كسب دعم السكان. نتيجة الفساد وسوء الحكم الناجمين عن النظام شديد المركزية في البلاد. مؤكدا أن المجتمع المتنوع متعدد الأعراق مثل المجتمع الأفغاني يحتاج إلى نظام سياسي وقوات مسلحة لامركزية.
وفي تصريحات أخرى لقناة “سي بي سي” الإخبارية. قال إن تحالفه الجديد يريد تعزيز دولة ذات نظام إسلامي معتدل يدعم العدالة الاجتماعية وأن يكون قادرًا على حل مشاكل البلاد بالوحدة.
والبشتون هم العرق الأفغاني “الهندو-أوروبي” ويمثلون 41% من سكان البلاد. وهم الذين تنتمي لهم حركة طالبان، بينما يمثل التحالف الجديد عددا من الأعراق على رأسهم الطاجيك والاوزبك.
وينتمي كل من أحمد مسعود وأمر الله صالح للأقلية الطاجيكية التي تمثل نحو 27 % من سكان البلاد، كما ان الأخير هو أحد مساعدي قائد تحالف الشمال الراحل أحمد شاه مسعود.
ولكن تكمن الازمة الحقيقية في أن الشخصيات المطروحة كمقاومة تفتقد جميعها لظهير بشتوني حقيقي. وهو العرق الغالب على البلاد. الذي بدونه يصعب مجابهة طالبان على الأرض، وخلق مقاومة شعبية حقيقية، لا تقتصر على بانشير وإنما تمتد إلى سائر البلاد.
أفغانستان بين الابن والأب
من جانب آخر يأمل أحمد في مواصلة مهمة أبيه في مجابهة الحركة المتطرفة، حيث كان لمسعود الأب دور فعال في تشكيل تحالف الشمال الذي سلحته دول مثل الهند وإيران وروسيا، والذي نجح في طرد طالبان.
ولكن يشكك البعض في نجاحه في حال غياب حلفاء خارجيين يمدونه بالسلاح، والعتاد، كما كان الحال مع أبيه، وبالرغم من وجود ذخيرة بالمنطقة إلا أنها على أفضل الأحوال تصلح لحماية بانشير فقط.
في المقابل قال أحمد في مقال رأي نُشر في صحيفة واشنطن بوست، أنه يسير على خطى والده لمواجهة طالبان. جنبا إلى جنب مع صالح. فيما يتحصن كلاهما في بانشير، مشيرا إلى أن جبهة المقاومة الوطنية لا تمتلك ذخيرة كبيرة فحسب ، بل تمتلك أيضًا عددًا كبيرًا من الجنود الذين لا يوافقون على استسلام قادتهم.
ولكن الاستعانة بهؤلاء الجنود يحتاج إلى دعم مادي غير قليل لدفع رواتبهم، التي عجزت الحكومة المركزية قبيل سقوطها عن دفعها.
واستخدم أحمد ماضي طالبان المتطرف وما يشكله من تهديد خارج الحدود قائلا: “ستصبح أفغانستان بلا شك نقطة الصفر للإرهاب الإسلامي الراديكالي ؛ وسوف تفقس المؤامرات ضد الديمقراطيات هنا مرة أخرى”، لافتا في الوقت نفسه إلى حاجته للمساعدة الامريكية.
وحتى الآن لم تواجه تلك المقاومة معركة حقيقية لاختبار قوتها، ربما هذا ما دفع وزير الخارجية الروسي سيرجي لافروف إلى القول بأن طالبان لا تسيطر على وادي بانشير الواقع شمال شرق كابول، لكن هذا لا يعني بالضرورة أن معارك تجري فيه.
كما أن المحللين يعتقدون أن بانشير مجرد معركة مؤجلة من قبل طالبان، فمن ناحية لا تريد الحركة الدخول في مواجهات عنيفة لا تتوافق مع التغيير المعلن في سياستها، ومن ناحية أخرى فإن حصار الولاية من قبل الحركة ربما هو خطوة كافية لضمان تقويض التحالف الناشئ هناك.
أفغانستان واحتمالات المصالحة
بالتوازي، تجري مفاوضات سياسية هادئة يقودها رئيس الوزراء السابق عبدالله عبدالله بالنيابة عن سكان بانشير إلى جانب، أعمام مسعود الذين يتفاوضون في باكستان.
وقد تكون المقاومة المسلحة مرحلة انتقالية للاندماج لاحقا في مصالحة شاملة تضم جميع الفرقاء.
وقبيل استيلاء طالبان على الحكم بأسابيع كان أحمد مسعود صرح لموقع “أتلانتيك كونسل” أنه على استعداد للتفاوض مع الحركة المتطرفة.
وقال مسعود “أنا مستعد للتسامح عن دماء والدي من أجل السلام في أفغانستان والأمن والاستقرار في أفغانستان”، مؤكدا أن الأفغان ليسوا على استعداد للاستسلام “لإرادة الإرهاب”.
ويعتقد مسعود أن الطريقة الوحيدة التي يمكن لطالبان أن تلعب بها دورًا في مستقبل أفغانستان هي أن توقف أفرادها عن القتال. وهي رسالة يقول إن على القوى الإقليمية المساعدة في إيصالها، معلقا “إن (طالبان) هم من ينثرون النار ، وليس نحن”.
ومع ذلك يعتبر مسعود أن التفاوض على ذلك مع طالبان بمثابة المهمة الشاقة، وفي تصريح له قال “إن طالبان اليوم أكثر تطرفإ من آبائهم الذين قاتلوا في التسعينيات” بفضل صلاتهم بالجماعات الجهادية الحديثة مثل داعش والقاعدة”.
وعلى كل الأحوال تكمن أهمية الجبهة المقاومة في الضغط على طالبان، كما أنها قد تكون مرجعا مهما لحلفاء أجانب يجدون فيها نقطة انطلاق للقضاء على قيام نظام راديكالي في المنطقة، وهو ما بدأ بشائره تهل من خلال تلمحيات روسية بأنها مستعدة لفتح حوار مع أي حركات لا تستخدم العنف في أفغانستان. لكن جميعها احتمالات لا تحسمها إلا وحدة الموقف.