غيرت سيطرة حركة طالبان على السلطة في أفغانستان الكثير من أوجه الحياة في كابول والمقاطعات التي سيطر عليها مقاتلو الحركة، فخرجت البنوك من الخدمة، وأوصدت الهيئات الحكومية أبوابها في وجه موظفيها، في انتظار تشكيل الحركة للحكومة.

البنوك مغلقة

أبلغ السكان المحليون أن البنوك في كابول مغلقة، فلا يستطيع أحد سحب أمواله. وشهدت البنوك اصطفاف العديد من السكان أمامها لسحب مدخراتهم بعد سيطرة الحركة ليصبح المشهد متاجر خالية من المواطنين. وبنوكا يصطف أمامها كثيرون ممن يريدون أموالهم.

“الخوف أصبح صديقا لجميع الأسر مع مشهد ضبابي، رجال لا يبرحون المنازل. ونساء لا يستطعن ممارسة عملهن، ومخاوف مستمرة تزداد مع الوقت، وإحساس بظلام سيسيطر” يقول أحد المواطنين معبرا عن توقف عجلة الحياة في بلاده.

كانت فترة حكم طالبان حاضنة قوية للتنظيمات الإرهابية
كانت فترة حكم طالبان حاضنة قوية للتنظيمات الإرهابية

95% من المحلات التجارية والمتاجر الصغيرة مغلقة، أيضا المدارس والبنوك والهيئات الحكومية مغلقة بشكل عام. في الوقت الذي لا تترك النساء والأطفال والشباب المنزل، تلك الأوضاع يعيشها سكان المدينة الأصليون وأيضا أشخاص من جنسيات أخرى.

فاطمة شابة روسية تعيش مع زوجها في أفغانستان لم تستطع مغادرة المدينة كما حاول البعض في مشاهد نقلتها الصور لتكدس المطار بهاربين بعدما وصفوا الوضع بالجحيم.

قالت فاطمة إن أصوات إطلاق النيران لم تتوقف بالشوارع.. “قبل سيطرة طالبان كنت أستطيع العودة للمنزل في وقت متأخر. لكن حاليا أصبح هناك أشخاص يضايقون المارة في الشوارع، وبطبيعة الحال لا تتعرض النساء لذلك لأنهن لا يخرجن من المنازل”.

محاولات التعايش

“اليوم الأول من الجحيم” هكذا وصف وليد أحد سكان المدينة اليوم الأول بعد السيطرة على العاصمة قائلا: “سمعنا أن الطائرات تحمل 20 ألف راكب إلى كندا.. الناس تركوا عائلاتهم وهرعوا إلى المطار بدون أمتعة ووثائق. لا يزال هناك فوضى”، لم تنته بعد الفوضى التي يتحدث عنها وليد. والتي ظهرت مع اليوم الأول للسيطرة على العاصمة.

الآن يحاول المواطنون العودة إلى العمل وفقا لحديث وليد الذي أوضح أن هناك محاولات للتعايش مع الوضع الجديد. قائلا: “السيارات تسير في الشوارع ويستعيد الناس رشدهم ويحاولون أن يعيشوا حياة طبيعية. بعد إعلان طالبان أنه بإمكان الطلاب العودة للمدارس، والأطباء والمعلمين العودة لعملهم، ويمكن للمرأة أن تمارس العمل بالحجاب”.

خريطة إعلامية جديدة في أفغانستان

بين ليلة وضحاها، تغيرت ملامح الخريطة الإعلامية في أفغانستان، فأصبحت قناة “تولو تي في” تذيع برنامجًا منتظمًا على الشبكات الاجتماعية. فيما تحتل الأخبار مساحة أقل بكثير، واستمرت قناة أريانا التلفزيونية أيضًا في إذاعة أخبار وتقارير حول آخر الأحداث، ولكن بصورة نادرة جدًا، فين حين تبث قناة ملي الحكومية تلاوة القرآن الكريم على شاشة التلفزيون طوال الوقت.

وقال صحفي أفغاني إن معظم القنوات التلفزيونية، بعد وصول طالبان، غيرت أجندتها واستبعدت الصحفيات عن شاشاتها. فلم تعد هناك أي مساحة مخصصة للموسيقى على العديد من القنوات التلفزيونية كعادة كل صباح. فذهبت طالبان لمكتب تحرير قناة “تولو” لعرض برامج إسلامية وعرض المسلسل التلفزيوني التركي عثمان. كما تكرر القناة الأخبار القديمة برامجها، ولم يعد هناك إعلانات تلفزيونية جديدة بها.

يحدث كل ذلك رغم تطمينات بثتها منظمة “مراسلون بلا حدود”، الناشطة في الدفاع عن حرية الصحافة ومقرها باريس. حيث أوردت في بيان لها تطمينات بشأن العمل الصحفي، وتعهّد المتحدّث باسم طالبان ذبيح الله مجاهد بعدم اضطهاد الحركة للصحافيين في أفغانستان والسماح للنساء بمواصلة عملهن في وسائل الإعلام.

وإبان حكم طالبان لأفغانستان بين عامي 1996 و2001 تم حظر كل وسائل الإعلام باستثناء محطة “صوت الشريعة” الإذاعية. “التي اقتصر بثها على الدعاية السياسية والبرامج الدينية” وفق ما ذكرت “مراسلون بلا حدود” في بيان لها. واعتبرت المنظمة أن الوقت وحده كفيل لبيان مدى جدية تصريحات المتحدث باسم طالبان. مشيرة إلى توقف نحو مئة وسيلة إعلامية عن العمل منذ الحملة الخاطفة التي شنّتها طالبان في البلاد.

كان المتحدث باسم طالبان في أفغانستان، ذبيح الله مجاهد، أدلى بتصريحات في أول مؤتمر صحفي عقدته الحركة في العاصمة الأفغانية كابول بعد سقوط البلاد في أيدي مقاتليها. تضمن تطمينات وتعهدات باحترام حرية الصحافة وبعدم اضطهاد الصحافيين. كما أكد أن النساء سيسمح لهن بمواصلة عملهن شرط وضعهن الحجاب أو غطاء للشعر وأعلن نهاية الحرب العفو عن جميع الخصوم.

طالبان تأمر النساء بعدم التواجد في الأماكن العامة دون برقع أو مرافقة ذكر
طالبان تأمر النساء بعدم التواجد في الأماكن العامة دون برقع أو مرافقة ذكر

كما قال المتحدث باسم المكتب السياسي للجماعة في الدوحة سهيل شاهين إن ارتداء المرأة للبرقع بات اختياريا. لكن على المرأة أن ترتدي الحجاب على الأقل. ويأتي ذلك في إطار محاولة الحركة التقرب من المجتمع الدولي والحصول على اعتراف بشرعيتها في الحكم.

تلك التصريحات ربما تعطي تطمينات للمرأة، ولكنها ليست بالشكل الكافي وفقا لما أكدته واحدة من الناشطات التي تحفظت على ذكر اسمها. موضحة أن تاريخ الحركة مقيدا لحركة النساء، وشهد محاولات سابقة لمنعها من العمل أو التعليم “التصريحات تبدو أنها مطمئنة. ولكن يجب الانتظار حتى تحقيقها فعليا، لأن المخاوف كثيرة، وإذا كان علينا التعايش مع تلك الأزمة يجب الانتظار حتى تطبيق تلك التصريحات بشكل فعلي”.

وقال المتحدث باسم المكتب السياسي للجماعة في الدوحة سهيل شاهين، إن ارتداء البرقع لن يكون إلزاميا. كما كان الحال حين حكمت الحركة المتطرفة أفغانستان قبل أكثر من عقدين، لكن على المرأة وضع حجاب. وتابع “البرقع ليس الحجاب الوحيد الذي (يمكن) الالتزام به، فهناك أنواع مختلفة من الحجاب”. ولم يحدّد شاهين نوع الحجاب الذي سيتوجّب على المرأة الالتزام به.