قال رجل الأعمال المصري نجيب ساويرس قبل أيام إن الذهب يعد أفضل استثمار في الوقت الذي يشعر فيه العالم بالقلق من التضخم. ونصح بتخصيص 20 إلى 30% من محفظة المستثمر للاستثمار في الذهب. في الوقت الذي تتجه الحكومة لمضاعفة عمليات التنقيب عن المعدن الثمين عبر إسناد مناطق امتياز جديدة إلى شركات البحث العالمية ومن ثم توجيه استثماراتها إلى قطاع الثروة المعدنية.
وبالرغم من الاحتياطيات الوفيرة وتاريخ التعدين الغني الذي يحتوي على احتياطات ذهبية ضخمة. إلا أن مصر لديها منجم ذهب تجاري واحد فقط قيد التشغيل وهو منجم السكري. وتعتمد الدولة الآن على ارتفاع أسعار الذهب وقوانين التعدين المعدلة، لجذب اهتمام الشركات القائمة على التنقيب عن الذهب.
الصحراء الشرقية وحيازة الذهب
تاريخيًا، تُعد مصر واحدة من الدول الغنية بالثروة المعدنية وخاصة الذهب. وتعد الصحراء الشرقية المنطقة الرئيسية لاستخراجه. فضلاً عن بعض المناجم في جنوب سيناء وأسوان. وقد احتلت مصر المرتبة السابعة على الصعيد العربي، بحيازة 77.4 طن من الذهب أي نحو 6.8% لجميع احتياطاتها. بينما جاءت في المركز رقم 40 على المستوى العالمي عام 2018، وفقًا لموقع الهيئة العامة للاستعلامات.
بداية القرن العشرين، بدأ العمل في بعض مناجم الذهب في نفس المواقع التي اكتشفت بواسطة الفراعنة. وبينها مناجم البرامية الواقعة بين مرسى علم وإدفو ومناجم الفواخير الواقعة بين سفاجا وقنا. إلا أن ذلك كان يتم على فترات متقطعة، وفي الفترة من 1902 إلى 1927 تم تشغيل 10 مناجم توقفت جميعها في 1928. قبل أن تعود لتشغيل 6 منها عام 1948 ثم توقفت مجددًا بعد 10 أعوام. وعلى مدار تلك الفترة بأكملها تم استخراج نحو 7 أطنان من الذهب الخالص.
وفي التسعينيات عاد الاهتمام بالمناجم القديمة، إذ تم توقيع اتفاقيتين للبحث عن الذهب واستغلاله. إحداها تمت بين هيئة المساحة الجيولوجية والشركة الفرعونية الأسترالية في مناطق السكري، البرامية، وأبو مروات 1995. وفي عام 2001 تم إعلان الاكتشاف التجاري من منطقة جبل السكري، وتوقف العمل لوجود مشاكل تعوق الإنتاج. بينما استأنفت الشركة نشاطها التعديني في عام 2005، وتم إنشاء شركة السكري لمناجم الذهب.
مخاطر السوق
الاستثمار في الذهب الذي بات محط أنظار عدد من كبرى شركات التنقيب العالمية قد يجعلها في معزل عن مخاطر السوق بعد الأزمات التي ضربت الأسواق المختلفة الفترات الماضية. وبالتالي فإنه في حال حدوث انهيار في سوق الأسهم لسبب أو لآخر، سيكون مستثمرو الذهب في منأى عن تقلبات الأسواق. وفق تصريحات حمدي زاهر الرئيس السابق للمجلس التصديري للصناعات التعدينية لـ “مصر 360”.
من هنا فإن شركات التنقيب التي مُنحت مساحات محددة في الصحراء الشرقية بمصر. ستبدأ قريبًا في التنقيب عن الذهب بموجب الإصلاح التشريعي الهادف للوصول إلى موارد معدنية ضخمة غير مكتشفة. تحقق التنمية المستهدفة وترفع نسب مساهمة قطاع التعدين في الناتج المحلي للدولة يواصل حمدي زاهر.
ولفرض مزيد من الطمأنينة لدى المستثمرين فإن فلسفة تعديل قانون الثروة المعدنية. جعل قطاع التعدين أكثر جذبا للاستثمارات المحلية والأجنبية في مجال البحث والاستكشاف عن المعدن الثمين.
المتحدث باسم وزارة البترول والثروة المعدنية حمدي عبدالعزيز، يقول إن الوزارة وضعت برنامجًا طموحًا لتطوير قطاع التعدين في مصر. لاستغلال إمكانياتها الواعدة من المعادن ومنها الذهب على الوجه الأمثل، ووضع البلاد على خريطة التعدين العالمي. وبالتالي فإن الاستثمار بالذهب يُعد ضمانة للاستثمار حاليًا ضد تقلبات الأسواق بسبب الأوضاع الاقتصادية المتأرجحة منذ أزمة كورونا.
وأشار إلى أن الخطة تستهدف زيادة إنتاج الذهب في مصر وجذب استثمارات ضخمة في هذا القطاع الواعد. وهو ما تجلى مؤخرا في الكشف الجديد الذي تحقق في الصحراء الشرقية باحتياطي يصل إلى مليون أوقية وبنسبة استخلاص 95% كحد أدنى. وأكد أن هذا الكشف سيحقق استثمارات تتجاوز مليار دولار في السوق المصري خلال السنوات العشر المقبلة.
كيف يستثمر في الذهب؟
خلال الآونة الأخيرة شهدت مصر تحولات كبيرة في صناعة الذهب بفضل التوسع في الاستكشافات عن مناجم جديدة للذهب. وطرح مزايدات عالمية أمام كبرى الشركات الأجنبية والمحلية للمنافسة على التنقيب في مناطق واعدة.
عدة مسارات اتخذتها الحكومة لإنعاش مجال الاستثمار في الذهب. وجاء على رأسها إجراء تعديلات تشريعية بقانون الثروة التعدينية تشجع المستثمرين على ضخ استثمارات ضخمة في مجال الاستكشاف وإزالة المعوقات. التي تهدد العائد على هذه الاستثمارات التي تتسم أساسا بالمخاطرة المرتفعة. وبالتوازي عكفت الحكومة المصرية على التوسع في الاستكشاف وطرح مناطق جديدة واعدة أمام الشركات.
وفي اجتماع ضم مجموعة من الوزراء مساء الإثنين، وجه الرئيس عبدالفتاح السيسي بتعزيز جهود تطوير قطاع التعدين في مصر بالتكامل مع الرؤية الاستراتيجية التنموية للدولة. وحوكمة المنظومة بالكامل إدارياً ومالياً، بما في ذلك التعاقدات مع الشركاء الأجانب. بهدف الاستغلال الأمثل لثروات مصر الطبيعية وحسن إدارتها حفاظا على حقوق الدولة.
الاستثمار في الذهب ومعدلات التنمية
ويقول عمر طعيمة رئيس هيئة الثروة المعدنية الأسبق لـ “مصر 360″، إن الدولة بدأت في الاعتماد على قطاع التعدين كركيزة لرفع معدلات التنمية الاقتصادية. وزيادة نسب مساهمته في الناتج القومي للدولة بنسبة تصل لـ 5% خلال السنوات القادمة بدلًا من أقل من 1% حاليًا. وفي سبيل ذلك بدأت في توجيه استثمارات ورؤوس أموال الشركات الأجنبية للبحث عن المعدن الثمين داخل مناطق الامتياز بالصحراء الشرقية الغنية بالاحتياطات الضخمة.
عمر طعيمة:يمكن لمصر أن تصبح واحدة من بؤر صناعة الذهب المحورية في القارة إذا حقق عدد من الشركات والمستثمرين اكتشافات ذات جدوى اقتصادية. على غرار منجم السكري الداعم الأكبر للموازنة العامة للدولة حاليًا.
وعلى صعيد دعم الشركات المحلية، يقول رمضان أبو العلا أستاذ هندسة الطاقة بجامعة فاروس لـ “مصر 360”. إن الحكومة المصرية اتجهت مؤخرًا لإنشاء شركة “شلاتين” للبحث والتنقيب عن الذهب. وتقنين أوضاع المنقبين العشوائيين. وعلى إثر ذلك جرى تخصيص 91 فدانًا لإنشاء أكبر منطقة صناعية لورش وكسارات الذهب في جنوب مصر.
وفي نوفمبر 2012، أصدرت الحكومة قرارًا رسميًا بإنشاء شركة شلاتين كشركة مساهمة مصرية بين الهيئة المصرية للثروة المعدنية. وبنك الاستثمار القومي، والشركة المصرية للثروات المعدنية. ذلك برأس مال مرخص به بقيمة 10 ملايين جنيه.
أضاف أبو العلا أن الغرض من تأسيس الشركة جاء لزيادة الاستثمارات والقيام بأعمال البحث والاستغلال للخامات التعدينية في الصحراء الشرقية بمدينة شلاتين والبحر الأحمر. بما في ذلك إعادة استغلال مناجم الذهب القديمة الموجودة بالمنطقة إلى جانب تقنين أوضاع الاستغلال العشوائي للذهب الموجود بالرواسب الوديانية.
البحث عن الذهب
مصادر بوزارة البترول، ترى أن مصر بدأت جني ثمار إصلاحات واسعة أجريت في مجال التعدين. بعد أن أقرت الحكومة المصرية تعديلات على قانون الثروة المعدنية، فتحت آفاقًا أكثر رحابة للاستثمار في مجال الثروة المعدنية.
وتطرقت المصادر إلى التعديلات الأخيرة في قانون الثروة المعدنية واللائحة التنفيذية التي أخذت في حسبانها آخر المستجدات في صناعة التعدين على مستوى العالم. وهو ما تم من خلاله تغيير النظم المالية، وأسلوب الطرح، كما تم فصل نشاط البحث عن الذهب عن نشاط الاستغلال.
وتشير المصادر إلى أن تعديلات القانون تمثل دفعة جيدة لمستقبل صناعة التعدين في مصر. وتلفت إلى أن هذه الخطوة جذبت كبرى الشركات العالمية والمصرية بأول مزايدة للتنقيب عن الذهب. إذ تستهدف استراتيجية الوزارة حتى عام 2035 مساهمة الثروة المعدنية بنسبة 5% من الدخل القومي مقارنة بنصف في المائة حاليًا، وفق المصادر.
بعد سنوات من عزوف الشركات الكبرى عن التنقيب، بسبب نظام اقتسام الإنتاج الذي كان معمولاً به في الماضي. تحول الأمر إلى نظام الضرائب التي تصل إلى 22.5%، والإتاوة التي لا تقل نسبتها عن 5%. إضافة إلى نسبة مشاركة مجانية لا يقل حدها الأدنى عن 15%، وفقًا للتعديلات الجديدة للقانون واللائحة التنفيذية.
وقد فازت 11 شركة بأول مزايدة للتنقيب عن الذهب في مصر بعد التعديلات الأخيرة، منها 7 شركات أجنبية و4 شركات مصرية. في حين قُدرت مساحة المناطق المطروحة بـ 56 ألف كيلومتر مربع. تم تقسيمها إلى 320 قطاعًا في الصحراء الشرقية والبحر الأحمر. على أن تكون مساحة كل قطاع حوالي 170 كم مربع.
مدينة الذهب
مخطط جديد، يدعم منظومة صناعة الذهب في مصر، كشف عنه الفترة الماضية علي المصيلحي، وزير التموين. إذ أعلن عن سعي الدولة لإنشاء مدينة خاصة بصناعة الذهب في منطقة العبور. وأوضح أنها ستتضمن حسب المخطط المعلن إنشاء 400 ورشة فنية لإنتاج الذهب، و150 ورشة أخرى تعليمية، ومدرسة تعليمية كبيرة.
أضاف الوزير أيضًا أن المدينة ستضم معرضًا دائمًا طوال العام مختص بصناعة الذهب. إلى جانب وجود عرض مساحات خاصة لتجار الذهب بمصر، مؤكدًا الانتهاء من الدراسة، التي تضمن تكلفة المشروع ومصادر تمويله. على أن تبدأ الخطوات التنفيذية للمشروع عقب توفير وزارة الإسكان لقطعة الأرض المناسبة.
الامتيازات وفرص الاستثمار
العديد من المستثمرين أشادوا بتعديلات قانون الثروة المعدنية التي أقرت عام 2019. والتي قوبلت بالترحيب لوضعها شروطا أكثر ملائمة ولإنهائها نظام تقاسم الإنتاج لصالح نظام الرسوم والإيجارات والإتاوات الأكثر جذبا بالنسبة للمستثمرين.
وتشير مصادر بالمجلس التصديري للصناعات التعدينية، إلى أن الاستمرار في منح الامتيازات عن طريق المزايدات يحد من فرص تحقيق طفرات في مجال الذهب. وأن الدول “المزدهرة في التعدين” تمنح الامتيازات على أساس الأسبقية في التقديم.
لفتت المصادر إلى أن تلك الدول وضعت إطارًا تنظيميًا بمعايير التأهيل وحقوق المستثمرين، وهو ما يتدفق المستثمرون بناء عليه، لمحاولة اقتناص مناطق امتياز جديدة للبحث عن المعدن الثمين.
إنتاج الذهب بين النمو والإخفاق
على الرغم من جائحة فيروس كورونا، إلا أن إنتاج الذهب والحلي والأحجار الكريمة سجل طفرة في عام 2020. وكشف مجلس الذهب العالمي عن دخول مصر للسوق العالمية، من حيث عمليات الإنتاج.
وقال المجلس في يوليو الماضي، إن إنتاج الذهب في مصر زاد خلال 2020، وبلغ نحو 14.1 طن. وتضم قائمة كبار المنتجين 43 دولة، واحتلت مصر المرتبة 36 على مستوى العالم بين تلك الدول.
لكن الوضع لم يستمر كثيرًا وشهدت صادرات مصر من الذهب والحلي والأحجار الكريمة تراجعًا حادًا خلال الـ 5 أشهر الأولى من 2021. لتبلغ 412 مليون دولارًا مقابل 1.398 مليار دولار، خلال نفس الفترة من 2020 بتراجع 71%.
ونهاية يوليو الماضي، أوضح تقرير صادر عن المجلس التصديري لمواد البناء. أنه تم تصدير الذهب والحلي والأحجار الكريمة لنحو 21 دولة من بينهم 6 دول لم يتم التصدير لها خلال نفس الفترة من 2020. تضمنت (بريطانيا وشمال ايرلندا، غيانا الفرنسية، اسرائيل، الاردن، كينيا، كوريا الجنوبية).
واستحوذت كندا على نحو 45% من إجمالي صادرات مصر من الذهب والحلي والأحجار الكريمة لتحتل المرتبة الأولى بقائمة المستوردين. بقيمة 185 مليون دولار في مقابل 288 مليون دولار بتراجع 36%.