فجرت عودة طالبان بركانا سياسيا على عدة مستويات لعل أهمها التكهنات حول منح قبلة الحياة للتنظيمات الأصولية.

على مستوى آخر كان لعودة طالبان أثر مختلف عند عشاق الأدب الذين عادت ذاكرتهم لروايات وقصص قدمت صورا وتاريخا لأفغانستان، تلك البلاد الجبلية الغريبة.

موت الشمس

فور الإعلان عن عودة طالبان للسيطرة على أفغانستان. ترجم ماهر جمو قصيدة موت الشمس للشاعرة الأفغانية (پروین پژواک) لتسجل الحدث بالشعر. وتقول كلمات القصيدة.

بردت الشمس

وسقطت النجوم على الأرض

مُخلّفةً حفراً عميقةً

يخرجُ منها دويُّ الفراغ المرعب.

والآن

هنا ظلامٌ

هنا ترحلُ أوراقُ الأمنيات مع الريح،

هنا ترحلُ طاقاتٌ حزينة،

هنا قطعوا رؤوس الطيور وأكلوها،

هنا أحرقوا الكتب لتدفئة الغرف،

هنا اقتُلعت شجيراتٌ من الجذور

لمعاقبة الأطفال

هنا، بسبب الخوف،

لم تغادر الأفكارُ جدران الذِّهن الأربعة.

يا من لم تقطفوا من شجرة الأمنيات حتى ورقةً،

ألن تشيِّدوا فوق بحر الظلام

جسراً يمتدُّ نحو النّور؟

يا سجناء سجن النفس

ألن تهرعوا نحو النُّور؟

هذه القصيدة سبقتها روايات شهيرة أسهبت في وصف الواقع الأفغاني. تحت حكم طالبان خاصة روايات الكاتب الأمريكي الأفغاني الأصل خالد حسيني. وأشهرها عداء الطائرة الورقية وألف شمس مشرقة.

الكاتب علي عراقي يقول قبل فترة قرأت رواية “ألف شمس مشرقة” للكاتب الأمريكي من أصل أفغاني “خالد حسيني”.

ألف شمس مشرقة 

وبنهاية هذه الرواية يشعر القارئ أن كاتب الرواية كان يتمنى بداية عصر جديد من الازدهار لبلده الأم مع سقوط حركة طالبان بعد دخول القوات الأمريكية لأفغانستان في سنة ٢٠٠١.

وبحسب “العراقي”. ترجم هذه الأمنية على لسان بطلة الرواية التي كانت تتوقع أن زمن الحركات الظلامية المتطرفة انتهى الى غير رجعة. وأن تاريخ ما بعد حركة طالبان سيعني البناء والتعليم وجهود يبذلها جميع من يؤمن بالتجدد والإعمار من أجل دخول عالم الحضارة من أوسع الأبواب.

وتابع: المحزن أني قرأت الرواية في زمن كانت نشرات الأخبار تتحدث عن العودة السريعة لحركة طالبان بعد انسحاب القوات الأمريكية من البلاد، فكنت أشعر وكأني صرت شاهد على تحطم أمنيات من كان يحلم بعالم جديد في ذلك البلد.

رواية ألف شمس مشرقة
رواية ألف شمس مشرقة

واعتبر أن مشاهد أفغانستان، تمثل درسا يخص العراقيين أيضا الذين يريدون الخلاص من وضعهم الحالي على الطريقة السريعة. قائلا: حتى لو حدث ما يتمنون بقدرة قادر فالموضوع الأخطر هو وجود نسخة فكرية في عقول الأغلبية هنا وهو يتجسد من جديد في زمن آخر بنفس سمات المرحلة الحالية.

وأكد أن الخلاص الحقيقي لهذه المجتمعات لا يتمثل بزوال هذا الديكتاتور أو المنظمة الإرهابية لكنه يزول بزوال التطرف والفكر القبلي المتخلف من عقول الناس ليبدأ بالفعل عصر جديد من الازدهار والحضارة. .

الناقد أحمد غانم عبد الجليل يشير إلى أن رواية “ألف شمس مشرقة”. تمثل ملحمة إنسانية متكاملة. تبدأ في أواخر الحقبة الملكية ومن ثم إعلان الجمهورية إثر انتقال سلمي للسلطة، في تلك السنوات.

يتناول الناقد، شخصيات الرواية، خاصة الشخصية المحورية الأولى (مريم). التي تعيش في كوخ متطرف عن إحدى المدن الأفغانية البعيدة عن كابول، منشأ عزلتها عن العالم الخارجي، كونها ابنة غير شرعية لشخصية ثرية ومعروفة.

ويشير الناقد، إلى تمرد مريم على تلك الوصمة الذي قادها إلى العاصمة. حيث تشهد حياة مختلفة بكل أجوائها وتفاصيلها، لا يغيب عنها التسلط الذكوري. بل يزداد هيمنة على أقدارها التي ترضخ لها طويلاً مع كل ما تشهده البلاد من صراعات وانقلابات، لا تنتهي مرحلة منها حتى تبدأ أخرى أكثر شراسة، من الشيوعية وما يرافقها من اجتياح الاتحاد السوفيتي للبلاد حتى تناحر الجماعات الإسلامية “لوردات الحروب” فيما بينها للسيطرة على عموم البلاد، ممهدة الطريق لظهور ومن ثم سيادة حكم حركة طالبان وسندها الأقوى تنظيم القاعدة، بينما كانت أمريكا ـ سيدة العالم الجديد ـ تجهز مناهضي السوفييت بالسلاح وتسمح للمقاتلين من كل حدب وصوب بالانضمام إليهم، غير عابئة بوطن اسمه أفغانستان.

عداء الطائرة الورقية 

ورغم شهرة وانتشار روايات خالد إلا أن هناك أيضا آراء نقدية وقفت ضدها بالمرصاد. فالكاتب الكاتب السوري خليل صويلح يقول: الذين يستعيدون رواية الأفغاني خالد حسيني “عدّاء الطائرة الورقية” يتجاهلون أنه لم يكتب سطراً واحداً في الرواية ضد الغزو الأمريكي لبلاده. مكتفياً بهجاء الغزو السوفيتي وطالبان، لسبب بسيط يتعلّق بإقامته في أمريكا. حتى أن هوليوود استخدمت الرواية في فيلم! بمعنى أنه يبيع وهماً مغلّفا بالسيلوفان.

عداء الطائرة الورقية
عداء الطائرة الورقية

وعلي هذا المنوال يقول الكاتب شادي لويس بطرس “عداء الطائرة الورقية”. ومعاها “ألف شمس ساطعة”، اعتبرهما البعض مدخلين لفهم أفغانستان. ما يؤكد وجه النظر التي تقول إن الأدب والفنون عموما لها ثقل سياسي هائل ودور مركزي في تشكيل الوعي.

وتابع: مشكلة روايات خالد حسيني أنها روايات أمريكاني. ليس فقط لأنها مكتوبة لجمهور أمريكاني وصادرة عن دار نشر أمريكاني ومكتوبة بحسب قواعد التحرير الأمريكية وحسب ذائقة القارئ الأمريكي لكنها أيضا الدليل الحي على الدور الامريكي كوسيط ثقافي مهيمن.

لاجئو بيشاور

الكتابة عن أفغانستان أمر شاق، خاضه أيضا الدكتور محمد طعان. الذي يكتب بالفرنسية في روايته الضخمة ” لاجئو بيشاور”. حيث نسجها بقلم رشيق وبأسلوب سلس، ربط بين أحداث متخيلة وتوثيق يتعلق بشخصيات حقيقية لعبت دورا كبيرا في الواقع بين أفغانستان وباكستان والسعودية.

وتنقل بقلمه بمهارة فائقة بين مدن عديدة منها كابول وجلال آباد ولاهور. لتدور ملحمة عنيفة تحمل بصمات الدم وسخونة الأحداث وأوجاع الاسئلة التي مازالت بلا إجابات لأنها تبحث عن مبررات للكراهية والقتل وضياع الإنسانية.

لاجئو بيشاور
لاجئو بيشاور

الرواية قدمت في الجانب التوثيقي معلومات قيمة حول نشأة الحركة الوهابية. وحياة وأفكار مؤسسها محمد بن عبد الوهاب ومدرسة ابن تيمية الفقهية. وكذلك حياة وفكر أسامة بن لادن وتنظيم القاعدة وصولا لحركة طالبان.

منحت الرواية القارئ فهم  لحقبة تاريخية ساخنة مازالت شظاياها قائمة في أفغانستان متمثلة في حركة طالبان.

تسلل قلم الكاتب لهذا المجتمع المتشدد الفكر الذي تنمو فيه بسرعة مذهلة الجماعات الأصولية المختلفة من حركات الإسلام السياسي. لكن هذا التوثيق أعاق التشويق خاصة للقارئ باللغة العربية الذي يعرف الكثير عن هذه الشخصيات والأفكار والحركات.

الشيخ “عبدول” 

وفي الجانب الإبداعي نجد حرب من نوع آخر تدور رحاها حول الشيخ الأصولي “عبدول”. الذي جمع في شخصيته كل معاني الانتهازية الدينية المتمثلة في الفتاوي الجاهزة لخدمة مصالحه الخاصة وأفكاره المدمرة فهو يفتي ويحلل تجارة المخدرات التي تقوم عليها الحركات الإرهابية وتعد مصدر تمويلها الأول بحجة أن المخدرات هنا يتم تصديرها لتدمير الشباب الأوروبي فتصبح بذلك نوعا من الجهاد.

وتظهر بشاعة الشيخ “عبدول” في زواجه من طفلة معاقة ذهنيا يستخدمها بعد ذلك في عملية انتحارية معتبرا أن محاولة علاجها أمر حرام شرعا لأنه يخالف الصورة التي خلقها الله عليها.

كما يستغل شقيقها في عملية انتحارية آخري أراد بها قتل عدوته اللدود طوال أحداث الرواية وهي السيدة “ستريب” الموظفة في مكتب الامم المتحدة التي تحكمها إنسانيتها في التعامل مع اللاجئين وضحايا الحرب والجماعات الإرهابية.

الرواية في أحداثها المتعددة ترصد العديد من مظاهر الفساد في المجتمع الأفغاني وكيفية نشأة طالبان للتصدي لهذا الفساد، ويتداخل هذا بخلفية الصراع الأمريكي في مواجهة الروس ثم العمل مع الجماعات الجهادية ومحاولة مكتب مكافحة المخدرات التصدي لعمليات التهريب.