بعد أيام من إنهاء إجراءات الكفالة المنزلية واصطحاب الطفلة إلى منزلها، شعرت الأم بالتبني بخوف كبير من المسؤولية. لتعدل عن قرارها بعد سلسلة طويلة من إجراءات وأوراق الكفالة لتعيد الطفلة للدار مرة أخرى.
هذه القصة التي تتكرر كثيرا هذه الأيام إما للخوف من تبعات مسؤولية طفل صغير أو لاكتشاف أنها حامل أو رفض المجتمع المحيط بها. ومن بينهم سيدة أعادت الطفلة بعد 3 سنوات من التبني بعدما اكتشفت أنها حامل.
“مسؤولية مش تريند”
هذه الوقائع دفعت عددا من مستخدمي مواقع التواصل الاجتماعي لتدشين وسم “الاحتضان مسؤولية مش تريند” لإعلان الغضب من تلك الوقائع. خوفا على الأطفال وعلى صحتهم النفسية، والتأكيد على أن قرار الاحتضان يجب أن يكون قرارا مدروسا لا عودة فيه.
اشتعلت الأزمة بسبب واقعة السيدة االلتي تخلت عن الطفلة بعد 3 سنوات، حتى أصبحت الطفلة لا تعرف أم سواها. كما أكدت يمنى دحروج مؤسسة مجموعة الاحتضان في مصر. وقالت إن السيدة تراجعت عن قرارها بعد حملها وكأن الطفلة “لعبة”.
وأضافت يمنى بعد أن سالت دموعها: “زوجين احتضنوها وهي طفلة صغيرة بعد معاناة ومجهود وبعدما تعودت على حياة أسرية مستقلة. وبحمل الزوجة جاء قرار التخلي عنها هي وزوجها لدرجة أن البنت صرخت وهي تقول بابا ماتسبنيش”.
وتابعت يمنى “مش قادرة اتخيل إحساس البنت في أول ليلة لها بالدار، وهي في مكان مختلف وتعيش حياة مختلفة”، موضحة أن هذه الفتاة ضحية والديها الحقيقيين ووالديها بالتبني مشيرة إلى حجم الظلم الذي تعرضت له.
وتؤكد يمنى أن تلك الوقائع متكررة فهناك أسر تعدل عن القرار وتعيد الطفل للدار لأنه شعر بالتعب، أو لأنه “لعب شوية زيادة أو طفل شقي”، وترى أن فكرة الكفالة لم تكن فكرة أصيلة لدى هؤلاء لكنهم كانوا يسعون لإكمال صورة الزوج والزوجة والأبناء.
الحديث عن التبني زاد كثيرا بعد عرض مسلسل “ليه لأ” الذي ناقش تلك القصة. لتخرج عقبه وزارة التضامن الاجتماعي وتؤكد أن نسب التبني زادت في مصر. وتعلق يمنى قائلة: “كنت فاكرة المسلسل هيوعي الناس بفكرة الاحتضان الحقيقية وأن الأطفال مكانها البيوت مش مجرد تريند يشعل التواصل الاجتماعي”.
متلازمة التخلي
العواقب النفسية التي تحدث للطفل بعد التخلي عنه عديدة، أهما ما يسمى بمتلازمة التخلي عن الطفل. وهي حالة نفسية سلوكية تصيب الأطفال عند فقدان أحد الوالدين أو فقدان العائلة أو تخلي أحد الوالدين عنهم أو في حالة الانفصال بين الأب والأم أو التخلي عنه.
وأكدت التقارير أن العديد من البلدان بما في ذلك روسيا والصين، يرتفع لديها معدل التخلي عن الأطفال. وذكر تقرير لمنظمة هيومن رايتس ووتش عام 1998 أن اللجنة قد هجرت أكثر من 100,000 طفل سنويا من روسيا. حيث يتم فصل الآباء والأمهات عن أطفالهن لأسباب كثيرة. بما في ذلك مشاكل مع القانون وانعدام الأمن المالي، والتحديات العقلية أو البدنية للطفل وسياسات تحديد النسل. ففي بعض الأحيان يمكن فقدان أحد الوالدين غير الطوعي مثل الطلاق أو الوفاة.
يقول الطبيب النفسي محمد عدنان، إن الأطفال المصابين بهذه الحالة يعانون من أعراض عدة. تكون شديدة في مرحلة الطفولة، منها عدم القدرة على التعبير جيدا من خلال الكلام، مع مشاكل في النوم وتناول الطعام. ويظهر الأمر لدى الأطفال الصغار في تباطؤ النمو الحركي.
طرق العلاج
يوضح عدنان أنه عند التخلي عن الطفل من قبل أحد الأبوين، يظل الطفل متمسكا بالطرف الآخر. أما عند التخلي عنه من قبل الطرفين مثل حالات التبني، فيكون الأمر أشد قسوة في أعراضه وأيضا علاجه. موضحا أن الطفل يشعر بأنه غير مرغوب فيه، ولو كان كبيرا في السن ويعلم أنه محتضن يزداد هذا الشعور. ويستمر الأمر لتكون تلك الأعراض مصاحبة للطفل عند الكبر، حتى عند رعايته مجددا من قبل أسرة جديدة في حالات التبني، فيصعد الطفل ليكون شخصا غير سوي الشخصية.
ولعلاج متلازمة التخلي يشير عدنان إلى أن العلاج ينقسم لشقين نفسي وعضوي، من خلال أدوية يصفها الطبيب عند الحاجة بعد الحديث مع الطفل. وأيضا من خلال دعم نفسي للطفل يقدم من خلال القائمين على رعايته وإحساسه بأنه مرغوب فيه وهناك من يحبه ويحتاجه وينتظره. وهي مهمة ليست بالسهلة، خاصة بعد تعرض الطفل لتلك الصدمة.
محمد عدنان: متلازمة لا تصيب فقط الأطفال المتخلى عنهم في دور الرعاية، لكنها من الممكن أن تصيب الأطفال مع الوالدين عند تخليهم عنهم. فهناك أسر تبدو من الخارج أنها متكاملة، لكن من الداخل يكون الأبوين أو أحدهما متخليان عن الطفل، ليعاني من هذه الأعراض التي تحتاج لدعم وعلاج.
آباء حقيقيون
وفي المقابل هناك العديد من الحالات والأسر، منها أسرة كريمة شريف، التي احتضنت طفلتها منذ 4 أعوام. وهي في عمر الخمسة أشهر، وبعد عامين من الاحتضان حملت ولم تتخلى عن الطفلة، وتقول: “وقتها حسيت إن الحمل هدية ربنا لأني وفرت بيت وأسرة ودفا وحب لبنتي واتعلقت بيها أكتر. وحاليا هي وأخوها كل حياتي”.
لم تتخل كريمة عن طفلتها بعد حملها، أما شيرين عوض الله، فاحتضنت طفلها صاحب الخمسة أعوام. ليصبح شقيقا لابنتها البالغة من العمر 8 سنوات، حيث تقول: “حسيت إن ابني محتاج أخت ليه، فقلت ليه ما اختارش من الأطفال دي لأن مكانها البيوت مش دور الرعاية”.
وكان الهدف من وسم “الاحتضان مسؤولية مش تريند” الذي انتشر عبر مواقع التواصل. هو التوعية بضرورة عدم التخلي عن طفل التبني لأي سبب. فاحتضان طفل قرار لا يمكن العدول عنه أو العودة فيه، لذا يجب قبل اتخاذه التفكير جيدا. خاصة أن التبني يمنح حياة مستقرة وآمنة لأي طفل ولا يمكن سلبه تلك الحياة بأي شكل من الأشكال، وفق حديث يمنى دحروج مؤسسة مجموعة الاحتضان في مصر.
بدأت يمنى مبادرة الاحتضان في مصر ديسمبر عام 2018، لنشر فكرة الكفالة والتأكيد على أنها ليست ضد الشرع أو الدين. وإيمانا منها أن الأطفال في دور الرعاية يستحقون التواجد وسط أسر وعائلات لاحتضانهم. ومع الوقت أصبح الاحتضان أمرا أقل تعقيدا في شروطه عن الماضي لإتاحة حياة كريمة للأطفال.