ربما يظن من يتابع تكتلات جماهير الغناء، أن حالة الاصطفاف حول نجوم الطرب، القدامى منهم والمعاصرين قد تبلورت، وأن الجماعات الشبابية المتعصبة قد توزعت على الأسماء الرنانة في عالم الغناء.. لكن الواقع الجماهيري، يشهد تكتلا جديدا، ينمو وينتشر، ويواجه كل العقبات التي توضع في طريقه.. ففرقة B T S الكورية، التي حققت نجاحات مدوية على المستوى العالمي، صار لها جمهور مصري واسع، لاسيما بين المراهقين والشباب في مقتبل العمر.. وفي كل يوم، يكتشف الآباء والأمهات أن أبناءهم أصبحوا مأخوذين تماما بالفرقة وأخبارها، وهو ما يثير قلقا داخل الأسر، التي تنظر بارتياب إلى سمت الفرقة، وملابس أعضائها، وموضوعات أغنياتها التي تكرس لمعاني التحرر، والفردانية، وإعلاء الذات.
فرقة BTS الكورية الجنوبية
فرقة BTS الكورية الجنوبية، تكونت من سبعة من المراهقين في يونيو عام 2013 .. وحققت نجاحا جماهيريا كبيرا جدا، وطرحت نفسها باعتبارها ممثلا شرعيا جديدا ومتطورا لفرق البوب الكوري KPOP.
https://www.youtube.com/watch?v=H9l6KGKB6H4
استطاعت الفرقة أن تصل إلى قلوب ملايين الشباب حول العالم، بعد أن رفعت راية الدعوة إلى تغيير الحياة لأفضل، وأن يتقبل الشباب أنفسهم كما هي، وأن يحبوا أنفسهم، كي ينجحوا في خطة التغيير، فكان الشعار الرسمي للفرقة Love Yourself .. لكن أكبر نجاحات الفرقة تمثل في قدرتها على تجاوز الحواجز اللغوية، أو بالأحرى تكوين جمهور لا يجد في اللغة الكورية سببا للإعراض عن الفرقة، التي تقدم أعمالها بلغة غير منتشرة في العالم.. وبالرغم من ذلك، نجحت الفرقة في تكوين جيشها الخاص من المعجبين، الذين تعارفوا فيما بينهم على تسمية Adorable Representative M.C for Youth، أي الممثلين الرائعين للشباب، واختصارا ARMY.
تعاون مع اليونيسيف
نجحت BTS في لفت الانتباه حول العالم، وفي عام 2017، غادر أعضاء الفرقة كوريا في رحلة فنية خارجية شملت 12 دولة من بينها اليابان والبرازيل وأستراليا.. وواصلت مبيعات ألبوماتهم الغنائية قفزاتها السريعة حول العالم، وفي نوفمبر من نفس العام، أعلنت إدارة موسوعة جينس، أن BTS كانت أكثر من جرى تداوله على “تويتر”.. ومن اللافت أن الفرقة استطاعت أن تحافظ على هذه الصدارة التويترية 4 سنوات متواصلة.. وفي 2018، باع ألبومهم الجيد قرابة مليوني نسخة، وحقق أعلى المبيعات في الولايات المتحدة الأمريكية.. وفي 2020 اختارت مجلة تايم الأمريكية BTS باعتبارها فنان العام، وقالت المجلة في تغريدة على تويتر، إن الفرقة الكورية أصبحت أهم فرقة فنية في العالم، وأنها صعدت إلى ذروة نجومية البوب من خلال تحطيم كل الأرقام القياسية.
تعاونت الفرقة مع منظمة اليونيسيف، في حملة ضد التنمر والعنف المدرسي، ودعيت أكثر من مرة لزيارة الولايات المتحدة الأمريكية، وألقى أفرادها خطابات محفزة، لدعم الحملة، وتمكنوا من جمع قرابة مليون دولار من التبرعات خلال يومين فقط.. هذا النجاح ساعد الفرقة على أن تطرح نفسها باعتبارها نموذجا للتفوق والإيجابية، وليس مجرد فريق للترفيه وقتل الوقت.. ومن خلال كلمات الأغاني، تعالج الفرقة أهم القضايا التي يعاني منها الطلاب والمراهقون، مثل الاكتئاب، وشعور الوحدة، والرفض المجتمعي لاختيارات الجيل الجديد.
الشباب العربي
ولم يكن شباب العالم العربي بعيدا عن الجمهور المفتون بفرقة BTS، فانضم كثيرون إلى الـ ARMY، وبدأت أشكال التنسيق بينهم تتصاعد، ومنها حملات تدعو الفرقة لإقامة حفلات لها في الدول العربية، وهو ما توج فعليا، بزيارة الفرقة للمملكة العربية السعودية، حيث أقامت حفلا ضخما بالعاصمة الرياض، في أكتوبر 2019، ويومها اشتعل ملعب الملك فهد بتجاوب الحضور الذين تجاوزوا 60 ألفا، وليحقق الحفل إيرادا تخطى 50 مليون دولار.. ومما زاد في التفاف الجمهور العربي حول الفرقة، الانطباع الذي تعطيه BTS باحترام الخصوصية الثقافية والدينية للشعوب، وفي حفل الرياض مثلا، أوقفت الفرقة فقرات الحفل وقت انطلاق أذان الصلاة، كما احتفلوا بعيد ميلاد زميلهم بارك جيمين باللغة العربية، وكل ذلك ساعد على ترسيخ جماهيرية الفرقة في العالم العربي، وطبعا ساعدها على نشر رسالتها بين قطاعات أوسع من الشباب.
ولأن كثيرا من متابعي نشاط الفرقة، شعروا بالفعل بأن حياتهم تغيرت للأفضل، وأصبحت قدرتهم أكبر على قبول النفس والرضا بالذات بعيوبها قبل مميزاتها، أصبح محبو الفرقة في جميع أنحاء العالم على تواصل دائم.. وعبر المنصات الإليكترونية، يتجمع محبو الفرقة في العالم العربي، كما يتجمع محبوها داخل القطر الواحد.
وفي مصر مثلا، انتقل التعارف بين عشاق BTS من العالم الافتراضي إلى أرض الواقع، فينظم الـ ARMY المصري العديد من الرحلات والحفلات الفنية ولقاءات التعارف الفعلي.. ويساند هؤلاء الأعضاء بعضهم بعضا على مواجهة ما يعتبرونه استهزاء واستخفافا باهتماماتهم، لأن كثيرا من أهالي هؤلاء الشباب لم يستطيعوا بعد استيعاب أن يهتم أبناؤهم اهتماما كبيرا بفرقة غنائية، لا تتحدث العربية، وتنتمي إلى هوية دينية وثقافية مغايرة، وهو ما يُترجم إلى حالة من القلق والرفض واللوم المستمر للأبناء، ومحاولة منعهم من متابعة الفرقة أو الاستماع إلى أغانيها.. أو السخرية من ملابس أعضاء الفرقة وقطع الحلي التي يستخدمونها.. والحقيقة أن أكثر أولياء الأمور يتخذون موقف الرفض من “النظرة الأولى”، ومن خلال تقييمهم لهيئة الفرقة وملابسها.
تجمعات ARMY
تجمعات ARMY في مصر والدول العربية، تحاول أن تُكسب كل عضو فيها شعورا بأنه إنسان فعال إيجابي، له نشاطه الاجتماعي أو الخيري.. ففي سوريا مثلا، شارك الأعضاء بالتبرع ضمن حملة “شتاء دافئ”، وفي الجزائر وبمناسبة الاحتفال بعيد ميلاد عضوين من أعضاء BTS تبرع الآرمي الجزائريون بكميات من الملابس الجديدة لدار الأيتام ضمن حملة بعنوان “ملائكة الشتاء”.
ولابد لمن يرصد الاتجاهات الفنية للجماهير المصرية والعربية أن يتوقف طويلا أمام ظاهرة الـ ARMY وكيف استطاعت فرقة مكونة من بضع أفراد من الشباب الكوري الجنوبي أن تشكل مصدر إلهام، ودافعا قويا للتغيير، وسببا مهما للثقة بالنفس، عند مئات الآلاف وربما ملايين الشباب حول العالم، وأن تكون هذه الفرقة سببا لاهتمام الشباب العربي باللغة الكورية، والثقافة الكورية، ودراسات التاريخ والجغرافيا التي تتناول كوريا الجنوبية، وسبل نهضتها والتحاقها بالعالم الأول.. كما كانت الفرقة سببا لزيادة أعداد الراغبين في الابتعاث الدراسي إلى الجامعات الكورية.
مواجهة القلق الأسري
ولأن الفرقة تثير القلق لدى كثيرين من أولياء الأمور، بسبب اختلاف اللغة والثقافة والمظهر، فإن الـ ARMY المصري يتعانون فيما بينهم لمواجهة ما يعتبرونه موقفا أسريا سلطويا غير مبرر.. وبالطبع كان لوسائل التواصل الاجتماعي دورها الكبير في تعاون المعجبين المصريين، بل والتقائهم، وممارستهم بعض الأنشطة الجماعية الترفيهية والخيرية.. فالعمل الخيري، والتبرع للمستشفيات، يمثل جزءا مهما من نشاط الـ ARMY حول العالم.. لكن عشاق الفرقة في مصر والبلاد العربية، يعتبرون هذه الأنشطة الخيرية، وسيلة من وسائل انتزاع حقهم في اختيار لون فني يمثلهم، ويعبر تعبيرا صادقا عن حالتهم النفسية والمزاجية.. فالحق فن الفن، كالحق في الحياة.