نشرت مجلة “بوليتكو” الأمريكية تقريرا عن كواليس بدء انسحاب القوات الأمريكية من أفغانستان. خلال الخمسة أيام الأولى للقرار. استندت فيه إلى مجموعة من المسؤولين والمشرعين الأمريكيين.

 

وأثارت الفوضى التي صاحبت قرار بايدن بسحب آخر جندي أميركي من أفغانستان بحلول 31 أغسطس الجاري انتقادات واسعة. لا سيما أمام سقوط أفغانستان المدوي بوقت قصير بيد طالبان، وصور الانتصار الذي حققته الحركة.

سقوط كابول في يد طالبان
سقوط كابول في يد طالبان

 

وحول كواليس الأيام الخمسة الأولى لبدء الانسحاب وعمليات الإجلاء. تقول المجلة الامريكية كان الرئيس جو بايدن ودائرته الداخلية في حالة معنوية عالية. بعد نجاح كتلته في اقتناص الموافقة على عدد من التشريعات المحلية التي كان وعد بها أثناء حملته الانتخابية.

 

وبينما كان بايدن يتطلع إلى إجازته الصيفية المقرر أن تبدأ في غضون أيام قليلة. بما في ذلك بعض التوقف في كامب ديفيد وفي منزله القريب من الشاطئ. كانت هناك كارثة تلوح في الأفق على الجانب الآخر من العالم في أفغانستان.

 

أما ما حدث بعد ذلك فهي رواية توثق فيها المجلة خمسة أيام فوضوية من أيام أغسطس. تستند فيها إلى مقابلات مع 33 مسؤولاً ومشرعاً أمريكياً. تحدث العديد منهم بشرط عدم الكشف عن هويتهم لوصف المناقشات الداخلية الحساسة التي جرت ليلة سقوط كابول.

 

ليلة سقوط كابول.. مفاجأة غير سارة

 

في اليوم الأول ومع تزامن بدء الانسحاب الكامل للقوات الأمريكية. بدت الحكومة الأفغانية التي دعمتها واشنطن عبر سنوات. بالغة الهشاشة فتفككت بسرعة غير متوقعة في مواجهة هجوم سريع لطالبان.

حركة طالبان في القصر الرئاسي
حركة طالبان في القصر الرئاسي

وكانت الجماعة المسلحة استولت على العاصمة الإقليمية زرنج. قبل أيام قليلة من الأربعاء 12 أغسطس في حرب خاطفة أذهلت المسؤولين الأمريكيين بسرعتها وضراوتها. ومع ذلك كان معظم كبار الدبلوماسيين والجنرالات الأمريكيين يؤمنون أن هناك متسع من الوقت لسيطرة طالبان على البلاد تصل لبضع سنوات.

 

وقبل ساعات من السقوط فقط. أعرب بايدن علنًا عن أمله في أن يسيطر الجيش الأفغاني على طالبان. كما اعتبر أن استيلاء طالبان الكامل على السلطة “أمر مستبعد للغاية”.

 

حتى جاء الأربعاء. وبدأت قوات الأمن الأفغانية التخلي عن عدد من المقاطعات. كان من الواضح أن الوتيرة تتسارع وخارج الحسابات المتوقعة.

 

في الكواليس لا يزال بايدن وكبار مساعديه يعقدون اجتماعًا كان مقررا. ولكن مع تدفق أنباء الوضع المتدهور إلى المكتب البيضاوي في ذلك الصباح. أمر الرئيس  بأن يركز الاجتماع المسائي المبكر على أفغانستان.

 

في الاجتماع تجمع كبار مساعدي بايدن. نائبته كامالا هاريس، ووزير الدفاع لويد أوستن. كما شارك وزير الخارجية أنتوني بلينكين في الاجتماع عبر الهاتف.

 

كانت الأحداث تتفاقم لدرجة أن الرئيس أمر وزير دفاعه بإعداد خطة لنشر قوات إضافية في المنطقة. وفي غرفة العمليات وجه بايدن أيضًا وزارة الخارجية لتوسيع إجلاء الحلفاء الأفغان الذين عملوا مع الأمريكيين.

 

وكان الرئيس خضع بالفعل لانتقادات من الكونجرس بسبب بطء وتيرة عمليات الإجلاء للأفغان الذين عملوا كمترجمين للجيش الأمريكي خلال الصراع المستمر منذ 20 عامًا.

 

ليلة سقوط كابول.. اليوم الثاني

 

مع شروق شمس الخميس كانت غرفة العمليات تعج بالنشاط مرة أخرى. بينما بدا الجميع مرهقا بحسب أحد المسؤولين.

وبدأ اجتماع المسؤولين ببيان استخباري خلص إلى أن الوضع كان “مائعًا”. لدرجة أن مقر السلطة في الحكومة الأفغانية في كابول قد ينهار “في غضون أسابيع أو أيام”. كما أشار المسؤول نفسه.

 

كان ذلك بعيدًا كل البعد عن التقييمات التي كان المسؤولون يعتمدون عليها قبل أيام فقط. التي قدّرت أن استيلاء طالبان على السلطة سيستغرق شهورًا، أو حتى عامين. بعد انسحاب القوات الأمريكية وقوات الناتو.

 

ولكن في 8 أغسطس. أرسل الجنرال فرانك ماكنزي تقديرًا جديدًا أكثر تشاؤمًا لأوستن. أقر فيه أنه يمكن عزل كابول في غضون 30 يومًا.

 

وبحلول صباح يوم الخميس في واشنطن. كان المزيد من المناطق تتساقط في يد طالبان. ما دعا أوستن يقرر اخلاء السفارة وحماية المطار الدولي الرئيسي في كابول.

 

كان الكونجرس قلقًا بشكل متزايد من تدهور الوضع. حينها قال النائب الجمهوري مايكل والتز. إن القوات الأفغانية تعتقد أن بإمكانها تغيير الوضع طالما استمرت الولايات المتحدة في تقديم الدعم الجوي.

لنائب الجمهوري مايكل والتز
لنائب الجمهوري مايكل والتز

قبل أسابيع كان بايدن وافق على جميع توصيات أوستن بوضع التجهيزات العسكرية اللازمة في المنطقة في حالة الإخلاء. بما في ذلك حاملة طائرات وثلاث كتائب مشاة، لكن مع أول درس عملي، اتضح أن ذلك لن يكون كافيًا.

 

وبالتوازي تلقى أحد العسكريين ويدعى براد إسرائيل. رسالة إلكترونية مساء الخميس من مترجمه الأفغاني السابق. إذ أجبر على الفرار من قندهار بعد أن أحرقت طالبان منزله. بما في ذلك تدمير الدليل الوثائقي لطلبه للحصول على اللجوء في الولايات المتحدة، وأعدموا شقيقه.

 

بدورها أرسلت إسرائيل إلى موقع وزارة الخارجية على الإنترنت لمعرفة كيف يمكن لصديقها إعادة تقديم طلب التأشيرة الخاص به. لتفاجأ بارتداد الرسالة إليها برسالة مفادها: “صندوق بريد المستلم ممتلئ ولا يمكنه قبول الرسائل الآن”. كما لم يرد متحدث باسم وزارة الخارجية على طلب لتوضيح السبب.

 

تداعي الجهود الأمريكية للانسحاب

 

بالتزامن كانت الجهود الدبلوماسية الأمريكية لإدارة انسحاب منظم من أفغانستان تتداعى أيضًا. وعليه خلص مسؤولون في السفارة الأمريكية في كابول يوم الجمعة إلى أنه ليس لديهم خيار سوى إغلاق الموقع الدبلوماسي الأمريكي. كما وجهوا الموظفين للبدء على الفور في “التدمير الطارئ” لجميع الوثائق والمواد الحساسة.

 

وبحسب المسؤول شمل ذلك حرق الأعلام الأمريكية التي يمكن إساءة استخدامها في جهود الدعاية.

ووفقًا للنائب الديمقراطي آندي كيم. فإن جوازات سفر المواطنين الأفغان الذين تقدموا بطلبات للحصول على تأشيرات أمريكية كانت من بين الوثائق المحروقة. ما جعل من المستحيل تقريبًا التعرف عليهم أثناء سعيهم لمغادرة البلاد في الأيام التالية.

 

وقبل أسابيع من ذلك. تخلى الجيش الأمريكي عن قاعدة باجرام الجوية. التي كانت لفترة طويلة القلب النابض للعمليات الأمريكية في أفغانستان. ولكن اتخذ مسؤولو البنتاجون قرارًا بأنهم لا يستطيعون الحفاظ على المنشأة المترامية الأطراف آمنة أثناء الدفاع عن السفارة ومطار كابول.

 

وفي وسط صدمة لم يفق منها العسكريون الأمريكيون بحسب المصادر تم استخدام طائرات الهليكوبتر لنقل الأمريكيين من مجمع السفارة في وسط كابول إلى مطار حامد كرزاي الدولي. على بعد أميال قليلة. بدلاً من المخاطرة بالتعثر أو التعرض لكمين في حركة المرور المزدحمة بالعاصمة الأفغانية.

 

واشنطن تخذل الحلفاء الأفغان

 

“بحلول ظهر يوم الجمعة. كان من الواضح أننا نفقد بسرعة السيطرة على الوضع في العاصمة ، في المطار ، وأن عملية الإجلاء كانت في خطر” بحسب النائب الديمقراطي جسون كرو.

 

كما قيل له إن البنتاجون “سيكثف بسرعة عمليات الإجلاء من حيث عدد الأشخاص. وكذلك الأشخاص الذين كانوا يبحثون عن الإجلاء أيضًا”.

فرار حلفاء أمريكا
فرار حلفاء أمريكا

 

في الوقت نفسه لم يكن لدى البنتاجون قائمة شاملة بالأفغان الذين عملوا إلى جانب الولايات المتحدة خلال الحرب. وأصبحت الأولوية للأمريكان والحلفاء الغربيين.

 

حدث ذلك بالرغم من التحذيرات المتكررة. بما في ذلك نداء من الحزبين الجمهوري والديمقراطي إلى بايدن في أوائل شهر يونيو للتعبير عن القلق المتزايد. من أنك لم توجه بعد وزارة الدفاع إلى التعبئة كجزء من خطة حكومية كاملة وقابلة للتطبيق لحماية شركائنا الأفغان. ”

 

في هذه الأثناء وعلى الأرض في أفغانستان. كان العديد من المسؤولين على اتصال مع الرئيس الأفغاني أشرف غني وموظفيه كل يوم تقريبًا، الذي لم يشر أبدا إلى رغبته في مغادرة البلاد، وعن ذلك قال مسؤول في وزارة الدفاع: “لقد قدم نفسه على أنه مستعد للبقاء والقتال”، ولكن ثبت أن هذا الوعد لم يدم طويلاً.

 

خطأ لا يمكن تداركه

 

بحلول يوم السبت. كانت آخر قطعة دومينو سقطت في يد طالبان هي المركز التجاري الشمالي. وعليه أصبح الهدف التالي هي كابول العاصمة.

 

كان مسؤولو البنتاجون يدركون. ولكن متأخرا أن طالبان استفادت من الديناميكيات القبلية لبناء علاقات مع شيوخ القرية والوجهاء. فضلا عن حملتها العسكرية، وفي المقابل. كان لدى الجيش الأمريكي أقل من 2500 جندي متبقي ما ساهم في انهيار الروح المعنوية للجيش الوطني الأفغاني.

 

في ضوء الوضع المتدهور. وافق بايدن في ذلك الصباح على توصية أوستن بإرسال 1000 جندي آخر من الفرقة 82 المحمولة جواً للمساعدة في إجلاء الأفراد من كابول. كما كانت هناك كتيبتان أخريان موجودين في الكويت كاحتياطي جاهز.

 

في هذا اليوم حاول بايدن الدفاع عن قرار انسحابه وقال: “كنت رابع رئيس يترأس وجود القوات الأمريكية في أفغانستان، جمهوريان وديمقراطيان”. “لن أمرر هذه الحرب إلى حرب خامسة”.

بحلول يوم الأحد 15 أغسطس. علم وزير الدفاع الأمريكي أن حليفًا رئيسيًا لغني. وهو نائب رئيس البرلمان الأفغاني. انشق ليصبح قائد شرطة طالبان في كابول.

 

عندها حذر الوزير المسؤولين أن صعود حركة طالبان. يسهل لجماعات القاعدة وداعش مهاجمة الولايات المتحدة من الأراضي الأفغانية.

 

في غضون ذلك. سمح أوستن لكتيبتين أخريين من الفرقة 82 المحمولة جواً بالتوجه مباشرة إلى كابول بدلاً من الانطلاق من الكويت. ما رفع العدد الإجمالي المطلوب بالتدفق إلى العاصمة إلى حوالي 6 آلاف جندي.

 

ولكن من نواح كثيرة كان الوقت قد فات. حيث كان مقاتلو طالبان قد استولوا بالفعل على مدينة جلال أباد الشرقية دون قتال، وحاصروا كابول بشكل فعال، وبدأوا في دخول العاصمة دون مقاومة تذكر.

 

الرئيس يهرب.. اليأس الحي

 

يوم الأحد، فر غني من البلاد. ودخل مقاتلو طالبان القصر الرئاسي ووقفوا لالتقاط صور سيلفي في مكتبه. كما تحول المطار بسرعة إلى مخيم للاجئين. اجتاحه الآلاف من الأفغان المحمومون الذين يطالبون بالفرار.

 

حتى أن البعض منهم على استعداد للتشبث بالطائرات التي تسير على المدرج. وأظهرت صور الأقمار الصناعية نقاطًا صغيرة متجمعة حول المدرج تمثل رموزا حية لليأس.

 

وبحلول نهاية اليوم. لم يعد العلم الأمريكي يرفرف فوق سفارة الولايات المتحدة.

 

جدير بالذكر أن أعضاء حكومة بايدن ونوابه قاموا بعقد نحو 36 اجتماعا بعد إعلان الرئيس في أبريل الانسحاب في أغسطس. ناقشوا فيه تأمين السفارة الأمريكية والتعامل مع اللاجئين الأفغان.

 

ومع ذلك عمت الفوضى المشهد فالاستعدادات جميعا تعرضت للانهيار التام، في غضون أيام. وبدت جهود أمريكا في دعم الحكومة الأفغانية التي امتدت لعقدين من الزمان، وتبلغ قيمتها 2 تريليون دولار، ذهبت هباء.

 

ومنذ سنوات تحذر التقارير المراقبة للوضع من أن الجيش الأفغاني مليء بالفساد وانخفاض الروح المعنوية والقيادة السيئة،

 

بالتوازي أجرى أوستن تدريبًا في مركز قيادة البنتاجون للتدريب على الخطوات المختلفة للانسحاب، بما في ذلك إمكانية إجلاء غير المقاتلين، لكن الجيش فوجئ بالسرعة التي استولت بها طالبان على العاصمة.

 

وقال الوزير للصحفيين “لم يكن هناك شيء رأيته أنا أو أي شخص آخر يشير إلى انهيار هذا الجيش وهذه الحكومة في 11 يوما”.

 

ودافع الوزير عن قرار الجيش بإغلاق باجرام ، التي لها مدرجان لمطار كابول لكنها تبعد حوالي 40 ميلا عن السفارة، وقال إنه مع بقاء أقل من 2500 جندي على الأرض في ذلك الوقت ، فقد كان على المسؤولين الاختيار بين تأمين باجرام والمطار التجاري.

 

أما بايدن فقد دافع بشدة عن قراره قائلا: “بعد 20 عامًا ، تعلمت بالطريقة الصعبة أنه لم يكن هناك وقت مناسب لسحب القوات الأمريكية”.

 

كما تعهد الجمهوريون والديمقراطيون الغاضبون في الكونجرس بإجراء سلسلة من جلسات الاستماع، ومراجعة الإخفاقات الاستخباراتية المحتملة والتقييمات السابقة لقدرات الجيش الأفغاني.