انضم مستشار الأمن القومي الأمريكي السابق، هنري كيسنجر، إلى قائمة المنتقدين الغربيين لقرار الولايات المتحدة بالانسحاب من أفغانستان، بعد سيطرة استمرت 20 عاما، ما خلف انفلات أمنيا كبيرا لم يرض حلفاء أمريكا أنفسهم، ووسع بشكل كبير دائرة الشك في جهودها كدولة رائدة في ملف مكافحة الإرهاب حول العالم.

كيسنجر وصف ما حدث في كابول بعد سيطرة سريعة من حركة طالبان المتشددة بأنه انتكاسة أمريكية طوعية، وجدت فيها الولايات المتحدة نفسها تتحرك للانسحاب، دون التشاور مع الحلفاء.

أمريكا جهزت لهذا الانسحاب منذ الصفقة التي عقدتها مع حركة الطالبان في العام 2019، لكن السرعة التي دخلت بها الحركة المتشددة المقاطعات الأفغانية وصولا إلى العاصمة كابول، وما تبعها من مشاهد هرولة المواطنين لمغادرة البلاد يائسين قلبت الأمور ضد أمريكا، وعرض إداراته لانتقادت واسعة، حتى من اقرب حلفائها في هذه العملية.

ضريبة التخلي عن أفغانستان

مثلا، وجه رئيس الوزراء البريطاني الأسبق توني بلير لوما شديدا للدول الغربية بسبب “تخليها” عن أفغانستان، معتبرا أنه قرار خطير وغير ضروري، قائلا: “لم نكن في حاجة إلى ذلك، بل اخترنا القيام به”.

ومن المعروف عن بلير دعمه القوي للعمل العسكري الذي تقوده الولايات المتحدة في أفغانستان والعراق، لذا لم ير الانحساب إلا من هذه الزاوية، مؤكدا أن الاستراتيجية الحالية للحلفاء الغربيين ستضر بهم على المدى الطويل.

بالعودة إلى كيسنجر الذي كشف عن وجهة نظره في مقال نشره في مجلة “الإيكونوميست” البريطانية، طارحا تساؤل: “لماذا تم تصور التحدي الأساس في أفغانستان وتقديمه للجمهور كخيار بين السيطرة الكاملة على أفغانستان أو الانسحاب الكامل؟.

هنري كيسنجر

برأي مستشار الأمن القومي الأمريكي السابق، الأهداف العسكرية كانت مطلقة للغاية وغير قابلة للتحقيق، فيما كانت الأهداف السياسية مجردة للغاية ومراوغة، وقد أدى الفشل في ربطها ببعضها بعضا إلى إشراك أمريكا في صراعات دون نقاط نهائية محددة، ودفع أمريكا داخليا في مستنقع من الخلافات المحلية.

وحاول الرجل الأمني شرح ما حدث بتسلسل زمني: “دخلنا أفغانستان وسط دعم شعبي واسع ردا على هجوم تنظيم القاعدة على أمريكا وهو الذي انطلق من أفغانستان الخاضعة لسيطرة طالبان. مضت الحملة العسكرية الأولية بفاعلية كبيرة. نجت حركة طالبان بشكل أساس في الملاذات الباكستانية، حيث نفذت تمردا في أفغانستان بمساعدة بعض السلطات الباكستانية”.

واعترف في مقاله بفقدان الولايات المتحدة التركيز الاستراتيجي: “لقد أقنعنا أنفسنا أنه في نهاية المطاف، لا يمكن منع إعادة إنشاء القواعد الإرهابية إلا من خلال تحويل أفغانستان إلى دولة حديثة ذات مؤسسات ديمقراطية وحكومة تحكم دستوريا.

لكن مثل هذا المشروع لا يمكن أن يكون له جدول زمني قابل للتوافق مع العمليات السياسية الأمريكية، وهو ما استدعى الاتفاق مع طالبان على إجلاء القوات العسكرية مقابل عدم السماح لأي تنظيم إرهابي باستخدام مناطق سيطرتها لاستهداف القواعد الأمريكية، حسبما يقول.

اقرأ أيضا:

وكلاء أمريكا الفاشلون.. تمكين الفساد مقابل تحقيق المصالح

“لا توجد أي خطوة استراتيجية دراماتيكية متاحة في المستقبل القريب”

كيسنجر طالب المجتمع الأمريكي الذي حمل إدارته الأزمة الإنسانية في كابول، بأن يدرك أنه لا توجد أي خطوة استراتيجية دراماتيكية متاحة في المستقبل القريب لتعويض هذه الانتكاسة الذاتية، مثل تقديم التزامات رسمية جديدة في مناطق أخرى، فالاندفاع الأمريكي من شأنه أن يفاقم خيبة الأمل بين الحلفاء ويشجع الخصوم، ويزرع الارتباك.

كما رفض الإيمان بأي حلول تفرض على أمريكا الهروب من كونها مكونًا رئيسيًا في النظام الدولي بسبب قدراتها وقيمها التاريخية، فلا يمكن تجنب هذا بالانسحاب.

ولم يغلق المستشار الأمني الباب تماما أمام بايدن، قائلا إنها لاتزال في مراحلها الأولى، ويجب أن تتاح لها الفرصة لتطوير وإدامة استراتيجية شاملة متوافقة مع الضرورات المحلية والدولية.

جو بايدن

عدم كفاءة بايدن!

انتكاسة أمريكا الذاتية وخذلان الحلفاء كلمات رقيقة بالنسبة للانتقادات العنيفة التي تعرض لها بايدن من الجمهوريين، إذ انتقده زعيم الأقلية الجمهورية فى مجلس الشيوخ ميتش ماكونيل، واصفا ما حدث بالخروج الفاشل.

وقال ماكونيل فى بيان: “خروج إدارة بايدن الفاشل من أفغانستان بما فى ذلك الإجلاء المحموم للأمريكيين والأفغان المستضعفين من كابول هو فشل مخجل للقيادة الأمريكية”، محملا الرئيس مسؤولية الانهيار الهائل لكابول.

الأمر وصل أيضا إلى اتهام الرئيس الديمقراطي بعدم الكفاءة، حيث علق النائب الجمهورى ستيف سكاليس، فى تدوينة له: “عدم كفاءة بايدن تسببت فى هذا الفشل التام”. مؤكدا أن كان بايدن مخطئا أيضا عندما أخبر الشعب الأمريكى أن طالبان لا يمكنها الإطاحة بأفغانستان وأنه لن يتم إخلاء سفارتنا بطائرة هليكوبتر.

كان جو بايدن دافع عن الانسحاب من أفغانستان بأنه يستكمل الاتفاق الذي قطعه سلفه الجمهوري دونالد ترامب، مبررا بأن أمريكا لم تكن ستحارب إلى الأبد، وأن هدفها تحقق بدحر تنظيم القاعدة والقضاء على بن لادن في 2011، نافيا أن تكون المهمة ذات يوم بناء دولة حديثة.

ولم تكن توقعات بايدن في محلها بخصوص توقف العمليات العسكرية، إذ كان يعتقد أن قوة طالبان التي يبلغ قوامها حوالي 75 ألف مقاتل لا تضاهي 300 ألف من قوات الأمن الأفغانية، لكن حدث ما لم يحمد عقباه، انسحب الجيش وهرب الرئيس أشرف غني قبل وصول الحركة المتشددة أطراف العاصمة كابول، والآن يعاين العالم، بحسرة، على شاشة الأخبار، نتائج الخطة الأمريكية.