تلين القلوب بالمحبة، إلا أنها استثمار عائده باق، وثماره تؤتي خيرها في كل حين وكل أرض، المحبة التي تُعيننا لتمرير الوجع والانكسار، وتدعمنا لاستكمال الطرق الوعرة، ألا قلت لكم أن هذا الزمن قد يكون أكثر الأوقات التي انتشرت فيها المحبة الزائفة؟
هؤلاء الذين يرسمون أمامنا ابتسامات ويطلقون تصريحات المحبة والعشق، بينما يدبرون المكائد ويغرسون السوء، فتأتي الانكسارات حادة مؤلمة، هؤلاء يتركون أسئلة معلقة حائرة كيف فعل/ت هذا.
في كل يوم على مواقع التواصل الاجتماعي نقرأ مئات التعليقات بين المفرطة المحبة، والمتوسطة، المُجاملة والصادقة، وكلمات معلبة، وردود جاهزة فترت من كثرة الاستهلاك، تطرح كل هذه المناسبات والتعليقات عليها سؤالًا هامًا لماذا يقدم أحدهم على مجاملة وهو لا يُحب ذلك؟
فبرغم أن الكلمة صامتة، لكنها تنبئ عن مشاعر أصحابها، نستطيع أن نشعر بصدق التهنئة أو زيفها.
أفهم أن يُشارك الجميع في واجب العزاء، أتفهم سلوكياتنا كمصريين في دعم الآخرين في حالات العزاء، فالموت له قدسية، يغب الخلافات، ويمحو أية أحقاد، لكن الأحداث السعيدة غير ذلك، تتكاثر التعليقات عند أصحاب المصالح، والمشاهير، وتخفت كلما كان صاحب(ة) المنشور شخص عادي أو شهرته متوسطة، وغير ذي نفوذ.
حسابات المجاملة
الجماعة الشعبية فطنت لعديد من التفاصيل والمواقف فورثنا المثل الشعبي “اللي ماتحتاجش وشه النهاردة بكرة تحتاج قفاه” وهو معنى مقارب للحديث الشريف” عن أبي هريرة رضي الله عنه قال رسول الله صلى الله عليه وسلم” أحبب حبيبك هونا ما عسى أن يكون بغيضك يوما ما وأبغض بغيضك هونا ما عسى أن يكون حبيبك يوما ما “رواه الترمذي”.
وإن كان الحديث الشريف يوجهنا الرسول صلوات الله وسلامه عليه إلى عدم المغالاة في المشاعر، حتى إذا تقلبت القلوب استطعنا العبور إلى الجانب الآخر، بينما تحرص الجماعة الشعبية على إبقاء الصلة بغرض الاحتياج الذي ربما يظهر ذات لحظة.
في حسابات المصلحة نتحمل المجاملات لناس لا نحبهم أو لدينا تجاههم مواقف وندوب لكننا نحافظ على مساحة المجاملة والود الزائف، ربما ربطنا بالشخص مصلحة أو عمل مستقبلًا، هذا السلوك مربك قليلًا، ولكنه مفهوم في ظل مجتمع يسير أغلب من فيه بالحب والراحة وأهل الثقة وليس أهل الخبرة، لكن المبالغات في إظهار المحبة غير الحقيقية تأثيره أسوأ من حالة الحياد، للمحبة طاقة يشعر بها الآخرون، فلا يعتقد أحدنا أنه حين يدعي المحبة أنه بالضرورة يُصدقه الآخر، بل إن الأمر يتحول إلى مادة للسخرية والنميمة فيما بعد، لأن ذلك يُكتشف بسهولة.
في ظل الضغوط الاقتصادية العالمية، واحتياجات الإنسان بشكل عام، تظل احتياجاتنا للعمل والمصالح أولوية لا يمكن أن نغفل النظر عنها، ولا نحتاج مزيد من الضغوط بتصنيفات مضافة، وفق استراتيجيات مواقع التواصل التي باتت توثيقًا لمن جامل في الفرح والعزاء، الأمر مُربك كثيرًا، لكن حله في عدم المبالغة، المبالغة في وصف المحبة تكشف زيفها أو صدقها، الإفراط في إظهار مشاعر لا تعتمد أسس حقيقية تورط صاحبها في الوقوع في فخ الكذب، الذي يتم اكتشافه بسهولة.
خير الأمور الوسط
شريعة الكون الاختلاف والتنوع، نحن مختلفون في كل شيء، في قدرتنا على التحمل، وطريقتنا في التعبير عن المشاعر، ومواجهتنا للمشاكل والضغوط، بيننا المبالغ والمفرط في التعامل مع كل شيء، وبيننا أيضًا الصامت الذي لا يعبر عما يشعر به، فى الحب تكون لكل منا طريقته.
المؤكد أن الصدق يصل، حتى تلك الحروف الباهتة في التعليقات تكشف عن النوايا، بيننا أيضًا من يمكنه قراءة المشاعر وسط صمت الكلمات وصخبها، لو أن كل صاحب/ة كلمة أدرك أن الآخر يشعر بما يستتر خلف التعليقات، لتجنبنا كثير من الضغائن الدفينة، وصفت نفوسنا، الصدق يستلزمه البساطة، وكلما بالغ أحدهم أدرك الآخر زيف المحبة المفتعلة.
نحن نسير نحو الزيف بخطوات سريعة وواسعة، حتى تاه الصدق بيننا، وتغلفت كثير من القلوب أمام الكذب والادعاء، توسطوا ولا تغالوا، فإن الحب يظهر والكذب يظهر.