جاءت التفجيرات حول مطار العاصمة الأفغانية كابول، من قبل ما يعرف بتنظيم “داعش خراسان” لتسلط الضوء مجددا على تلك الجماعة التي تعتبر فرعا داعشيا ينشط في كل من باكستان وأفغانستان.. التفجيرات التي خلفت عشرات القتلى وقعت بعد ساعات محدودة من المعلومات التي سربها مسؤولو البانتجون. وأشارت إلى وجود تهديدات جدية، باستهداف بوابات المطار، وعرقلة عملية الإجلاء الكبرى التي تقودها الولايات المتحدة، لنقل الرعايا الأمريكيين، والمواطنين الأفغان، سواء منهم المتعاونون مع الجيش الأمريكي خلال فترة هيمنته على الأراضي الأفغانية، أو هؤلاء الذين يرغبون في الفرار من حكم طالبان وإجراءاتها القمعية.

في يناير من عام 2015، أعلن تنظيم داعش عن إنشاء فرعه المسمى ولاية خراسان، الذي تكون من بعض المجموعات المنفصلة عن حركة طالبان مع مجموعات أخرى من حركة أوزبكستان الإسلامية.. واعتبر مراقبون هذا الفرع واحدا من أقوى فروع تنظيم داعش، لما يتمتع به من قدرة على الانتشار والتمدد. خاصة في المناطق القبلية الباكستانية وولاية “ننجرهار”، وبعض مناطق ولاية “كونر”.

تحت القصف الأمريكي

وبعد عام من ولادة الفرع، وتحديدا في يناير 2016، أعلنت الولايات المتحدة الأمريكية ولاية خراسان منظمة إرهابية.. وبينما اقتصرت الحرب الأمريكية ضد داعش على ما يعرف بتنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام. واتسمت علاقة أمريكا بأغلب فروع “داعش” بقدر من الاستقرار والهدوء، استمر البنتاجون في هجماته وبشكل مستمر في استهداف قادة “ولاية خراسان”. وكان من أهم مظاهر هذا الاستهداف غارة 10 أغسطس 2017 التي أسفرت عن مقتل القيادي “عبد الرحمن”، أمير إقليم “كونار”، شرق أفغانستان. إضافة إلى ثلاثة آخرين من قادة التنظيم.. وفى 26 أغسطس 2018، أعلن عن مقتل زعيم الفرع، أبو سعد أرحبي، خلال عملية مشتركة نفذتها القوات الأفغانية والأمريكية على معاقل التنظيم في إقليم ننجرهار.

لكن رغم الملاحقة الأمريكية، استطاع فرع “داعش خراسان” بسط سيطرته على عدد من المناطق. وفرض فيها قوانينه الصارمة، وهو ما ظهر من خلال إصداره المرئي “الحياة في ظل الشريعة”، الذي نشره في فبراير 2017.. وحتى المناطق التي لا يحكم قبضته عليها، مثل “هلمند” و”فراه” وغيرها. تمكن التنظيم من التواجد فيها، من خلال بعض المجموعات التابعة له، حيث يستفيد من انتشار الفكر المتشدد في تلك المناطق في تجنيد عناصر جديدة.

خبرة عسكرية وتنظيمية

ومنذ الإعلان عن إنشاء الفرع، بدا أن أعضاءه يمتلكون خبرة عسكرية وتنظيمية كبيرة، مكنتهم من تنفيذ عمليات نوعية مؤثرة. كان من أهمها استهداف السفارة العراقية في أفغانستان في نهاية يوليو 2017. وسبقتها عمليات أخرى أكثر دموية، من أشهرها الهجوم على المستشفى العسكري في العاصمة كابول في 8 مارس 2017، مما أدى إلى مقتل 49 شخصًا. وكذلك استهدافه المحكمة العليا، مما أسفر عن مقتل 21 شخصًا على الأقل، في فبراير 2017.. واشتهر التنظيم باستهداف أبناء الطائفة الشيعية من الهزارة، بصورة تكاد تكون مستمرة. وعبر هجمات انتحارية. من أهمها: الهجوم الذي استهدف مسجدًا للشيعة في مدينة هرات غربي أفغانستان، مطلع أغسطس 2017. وهو ما أسفر عن مقتل ما يقرب من 30 شخصًا، وإصابة العشرات بجراح.

اشتهر التنظيم باستهداف أبناء الطائفة الشيعية من الهزارة، بصورة تكاد تكون مستمرة. وعبر هجمات انتحارية، من أهمها: الهجوم الذي استهدف مسجدًا للشيعة في مدينة هرات غربي أفغانستان

يمتلك تنظيم ولاية خراسان منظومة دعوية غير تقليدية. فإلى جانب الوسائل المعتادة، عمل الفرع على إنشاء “إذاعات محلية”، مثل “إذاعة الخلافة” التي كانت تبث باللغتين العربية والبشتونية. ثم أضافت الفارسية، قبل أن يدمرها الطيران الأمريكي في يوليو 2016. هذا إلى جانب امتلاكه مصادر متعددة للتمويل، من أهمها فرض الضرائب بمناطق النفوذ. وفرض الإتاوات والرسوم على المهربين والمزارعين والتجار.. وكل هذا النفوذ، دفع الجنرال جون نيكلسون، قائد القوات الأمريكية في أفغانستان، في أغسطس 2017 إلى “التوعد بإبادة تنظيم داعش خراسان.

ومع الهزائم المتلاحقة والتراجع الذي عانت منه “داعش” في العراق وسوريا. قرر كثير من أعضاء التنظيم الالتحاق بفرع خراسان، والانتقال إلى أفغانستان، طلبًا للأمن والحماية. واستعدادا لمواجهات منتظرة مع القوات الأمريكية. وأيضًا لاستهداف قوات الجيش والشرطة الأفغانية، باعتبارهم موالين للاحتلال.

“داعش خراسان” و”طالبان”

مرحليا، التقت أهداف “داعش خراسان” بأهداف حركة طالبان. لكن ظلت الخلافات بين الطرفين تتفاقم كل يوم، وأخذت حالة التنافس على النفوذ في الاتساع.. ولعل ما فاقم العداوة بين التنظيمين، أن داعش خراسان نجح في استقطاب عدد كبير من أعضاء طالبان. وبدا أنه يعمل على هدم الحركة الأفغانية ليحل محلها في السيطرة والنفوذ، وقيادة المواجهة ضد الولايات المتحدة.. وفي هذا السياق، تبادل الطرفان الاتهامات، فبينما اعتبرت طالبان الفرع تنظيما متطرفا يريد أن يفرض رؤاه السياسية والفقهية وتصوراته عن الدولة الإسلامية على الشعب الأفغاني، اعتبر الفرع حركة طالبان حركة ضالة، ابتعدت عن طريق الشريعة، وقبلت بالتواصل مع القوى الدولية الكافرة.. وخلال عام 2020، صعد التنظيم هجماته ضد قوات طالبان، وكذلك ضد قوات الجيش الأفغاني، والشرطة المحلية، واعتبرته طالبان عدوا أساسيا تجب مواجهته.

النجاحات الأخيرة التي حققتها حركة طالبان، لا تصب في صالح فرع ولاية خراسان.. ولأن الضوء الإعلامي العالمي مسلط كله على عمليات الإجلاء في مطار كابول، قرر التنظيم أن يذكر العالم بوجوده

ولا ريب أن النجاحات الأخيرة التي حققتها حركة طالبان، لا تصب في صالح فرع ولاية خراسان.. ولأن الضوء الإعلامي العالمي مسلط كله على عمليات الإجلاء في مطار كابول، قرر التنظيم أن يذكر العالم بوجوده، وأن يقول للقوى المؤثرة محليا وإقليميا ودوليا: أنا هنا، فاختار استهداف المطار، وتجمعات المحتشدين عند بواباته، وقوات المارينز الأمريكية، التي يعني سقوط قتلى بين صفوفها قدرة التنظيم على جمع المعلومات الاستخباراتية، وامتلاكه أعينا وآذانا في قلب الأماكن ذات الحساسية العسكرية.. أصبح التنظيم الآن خبرا أول في وسائل إعلام العالم، وتراجع –للمرة الأولى- خبر سيطرة طالبان على العاصمة الأفغانية.