ظهر فيروس كورونا لأول مرة في مدينة ووهان الصينية أواخر عام 2019 بدايات عام 2020، ومنذ تلك اللحظة ويبحث العالم حول أسباب الظهور وكيفية تفشيه وتحوله إلى جائحة، في وقت تأخذ الأزمة طابعا أكثر سخونة بين الصين وأمريكا، اللتان تبادلتا الاتهامات حول منشأ الفيروس.

أمس، رفضت السفارة الصينية في واشنطن، تقريرا أمريكا “استخباراتيا” حول منشأ فيروس كورونا واصفة إياه بـ”المفبرك من جانب الاستحبارات” و”غير الموثوق علميا”.

وبعد 90 يوما من التحقيقات بأمر من الرئيس جو بايدن، توصلت أمريكا إلى إلى تقييم غير جازم ترك احتمالية أن يكون الفيروس قد تسرب من مختبر في مدنية ووهان الصينية مفتوحة وكذلك الحال أيضا بالنسبة لاحتمالية انتقاله من الحيوان للإنسان، وهو ما اعتبرته بكين محاولة لتشويه سمعتها عبر اتهامها بعدم الوضوح بكشف المعلومات حول منشأ المرض.

وخلال العام الماضي تصاعد الجدل حول فكرة ظهور فيروس كورونا وخروجه من مختبر ووهان، وطرحت التساؤلات حول مصدر الفيروس التاجي، ذهب البعض إلى أنه انتقل من حيوان إلى بشر، فيما دعم البعض نظرية المؤامرة بأنه تم تخليقه داخل المختبر وتسرب منه عبر أحد العاملين وبدأت الجائحة، بينما تسعى الصين لتمرير رواية أخرى أن الفيروس منبعه مختبر تابع للجيش الأمريكي في فورت ديتريك، فكيف بدأت القصة؟

الشائعات التي أحاطت بأسباب تفشي فيروس كورونا دفعت منظمة الصحة العالمية إلى تكوين لجنة تحقيق والسفر إلى الصين من أجل تقصي الحقائق وراء أسباب تفشي الجائحة.

رفضت بكين في البداية السماح لخبراء منظمة الصحة العالمية بدخول ووهان لأكثر من عام، ثم قدمت وصولًا محدودًا فقط. وقلل التقرير النهائي لفريق منظمة الصحة العالمية، الذي كتبه وفحصه باحثون صينيون، من احتمال حدوث تسرب في المختبر.

ترامب: الفيروس الصيني

غذى افتقار الصين للشفافية منذ الأيام الأولى لتفشي المرض الشكوك التي تبنتها الولايات المتحدة.

وفي مارس 2020 شن الرئيس الأمريكي دونالد ترمب، هجوما عنيفا على الصين قائلا: “بمجرد التوقيع على اتفاق تجاري، فوجئ العالم بوباء مصدره الصين”، ما اعتبره البعض إشارة إلى ضلوع الصين في نشر فيروس كورونا بشكل متعمد.

وأضاف ترامب عبر حسابه الرسمي على موقع “تويتر”: “أكدت مرارا على أن التعامل مع الصين أمر مكلف جدا، لا يمكن لمئة اتفاق تجاري أن تعوض أرواح الأبرياء”.

ترامب
ترامب

وتعمد ترامب خلال فترة ولايته توصيف فيروس كورونا بالفيروس الصيني، وهو ما أثار استياء القيادة الصينية.

وخرج مسؤولون صينيون ليدعموا نظرية انتشار الفيروس ربما عبر خفاش، وأعطت بعض المصداقية للنظرية الصينية المفضلة القائلة بإمكانية نقله عن طريق الطعام المجمد.

في النهاية، أدى الخلاف السياسي بين الولايات المتحدة الأمريكية والصين إلى تحويل السعي للكشف عن أصول الفيروس إلى حقل ألغام جيوسياسي.

بايدن يفتح الملف المسكوت عنه

منذ بداية جائحة فيروس كورونا، وشكك الولايات المتحدة في سلامة المختبر وزعمت أن علماءها متورطون في مكاسب مالية ضخمة للتلاعب بالفيروسات بطريقة تجعلها أكثر خطورة.

وعلى إثره دعا الكثيرون إلى إجراء تحقيق أعمق في الفرضية القائلة بأن الفيروس ظهر من معهد ووهان لعلم الفيروسات (WIV) ، الموجود في المدينة الصينية حيث تم الإبلاغ عن أول حالات COVID-19.

وفي شهر مايو الماضي، أعطى بايدن الوكالات الاستخبارية الأمريكية مهلة 90 يوما لتقييم البيانات وإعداد تقرير “يمكن أن يقربنا من استنتاج نهائي” بشأن منشأ الفيروس.

ويقال إن ما دفع بايدن إلى اتخاذ قراره، هو المعلومات الاستخباراتية التي تفيد بأن العديد من الباحثين في مختبر ووهان، تم إدخالهم إلى المستشفى في نوفمبر الثاني 2019، فضلا عن رفض الصين السماح بإجراء تحقيق شامل في نظرية المختبر.

وعلى الرغم من ذلك، قلّلت مديرة الاستخبارات الوطنية الأمريكية، آفريل هينز، في يونيو الماضي، من الآمال في التوصل إلى نتيجة، قائلة: “نأمل في العثور على دليل دامغ، لكن هذا قد لا يحدث”.

ويعتقد العديد من العلماء، أن الأمر قد يستغرق سنوات من البحث قبل التوصل إلى نتيجة نهائية حول منشأ وأصل الفيروس.

كما دعت أستراليا والاتحاد الأوروبي واليابان إلى إجراء تحقيق قوي حول أسباب انتشار فيروس كورونا في الصين.

اللقاح الصيني

لم تكشف منظمة الصحة العالمية بعد عن المرحلة التالية من تحقيقها. لكن الصين طلبت من التحقيق فحص دول أخرى. هذا التحفظ ، وحقيقة أن الصين قد حجبت المعلومات في الماضي ، قد أجج الشكوك حول “تسرب المختبر”. على سبيل المثال ، قام مسؤولو الحكومة الصينية بقمع بيانات الصحة العامة الهامة في بداية جائحة COVID-19 ، وخلال وباء متلازمة الالتهاب التنفسي الحاد الوخيم (السارس) 2002-2004 ، وفقًا لتقارير رفيعة المستوى 1،2.

لكن نظر الرئيس الأمريكي جو بايدن في الفكرة – التي رفضها الكثيرون سابقًا على أنها نظرية مؤامرة ترمبية – هو الذي منحها شرعية جديدة. دعا بايدن وكالات الاستخبارات الأمريكية الشهر الماضي إلى مضاعفة جهودها لاستئصال نشأة Covid-19 بعد أن زعم ​​تقرير سابق ، كشفت عنه صحيفة وول ستريت جورنال، أن ثلاثة باحثين من المختبر تم نقلهم إلى المستشفى بأعراض تشبه أعراض الأنفلونزا في نوفمبر 2019.

لا دليل للاتهامات

لا يملك العلماء أدلة كافية حول أصول فيروس كورونا لاستبعاد فرضية تسرب المختبر، أو لإثبات البديل – أن الفيروس له أصل طبيعي.

وفي مارس الماضي، نشرت مجموعة من العلماء رسالة مفتوحة في صحيفة نيويورك تايمز تدعو إلى إجراء تحقيق مستقل على أساس أن منظمة الصحة العالمية “لم يكن لديها التفويض أو الاستقلالية أو الوصول الضروري لإجراء فحص كامل في جميع فرضيات منشأ فيروس  كورونا”.

وفي وقت لاحق، أعربت حكومات 14 دولة عن قلقها من أن منظمة الصحة العالمية “تفتقر إلى الوصول إلى البيانات والعينات الأصلية الكاملة”.

ويتفق العديد من باحثي الأمراض المعدية على أن السيناريو الأكثر احتمالا هو أن الفيروس تطور بشكل طبيعي وانتشر من الخفافيش إما مباشرة إلى الإنسان أو من خلال حيوان وسيط، حيث تبدأ معظم الأمراض المعدية الناشئة بالانتشار من الطبيعة، كما شوهد مع فيروس نقص المناعة البشرية، وأوبئة الأنفلونزا، وتفشي الإيبولا، وفيروسات كورونا التي تسببت في وباء السارس بداية من عام 2002، وبدء تفشي متلازمة الشرق الأوسط التنفسية (MERS) في عام 2012.

ومع ذلك، لا يزال هناك احتمال أن يكون كوفيد ١٩ قد خرج من المختبر.

على الرغم من أن التسريبات المعملية لم تتسبب أبدًا في حدوث وباء ، إلا أنها أدت إلى حدوث فاشيات صغيرة تشمل فيروسات موثقة جيدًا. حدث مثال ذو صلة في عام 2004 ، عندما أصيب باحثان بشكل مستقل بالفيروس المسبب للسارس في مختبر علم الفيروسات في بكين الذي درس المرض. قاموا بنشر العدوى إلى سبعة آخرين قبل احتواء تفشي المرض.

شهادة العالمة الأجنبية الوحيدة في مختبر ووهان

قدمت عالمة الفيروسات دانييل أندرسون التي سبق أن عملت في مختبر ووهان في الصين شهادتها حول طبيعة العمل في المختبر.

تقول أندرسون: “يتميز المبنى الخرساني المصمم على طراز القبو بأعلى تصنيف للسلامة البيولوجية، ويتطلب ترشيح الهواء والماء والنفايات وتعقيمها قبل مغادرته المنشأة، كما أن هناك بروتوكولات ومتطلبات صارمة تهدف إلى احتواء مسببات الأمراض قيد الدراسة”. لافتة إلى أن الباحثين خضعوا لما يقرب من 45 ساعة من التدريب للحصول على شهادة للعمل بشكل مستقل في المختبر.

وتابعت: “هذه القواعد إلزامية عبر مختبرات BSL-4، على الرغم من أن أندرسون لاحظت وجود اختلافات مقارنة بالمنشآت المماثلة في أوروبا وسنغافورة وأستراليا التي عملت فيها. يستخدم مختبر ووهان طريقة مخصصة لصنع ومراقبة المطهرات يوميًا”.

اعتبر العديد حول العالم أن شهادة عالمة الفيروسات الاسترالية تقضي على نظرية المؤامرة القائلة إن الفيروس تم تسريبه من المختبر دون قصد إذ يتمتع بأعلى درجات الأمانة والمراقبة الصارمة.

الصين ترد الهجوم

لكن وزير وزير الخارجية الصيني اتهم الولايات المتحدة بنشر “مؤامرات وأكاذيب” بشأن فيروس كورونا، مما أدى إلى تصعيد التوترات بين البلدين.

قال وانغ يي: “إن الولايات المتحدة أصيبت بـ “فيروس سياسي” يجبر بعض السياسيين على مهاجمة الصين بشكل متكرر”. وحث الولايات المتحدة على “التوقف عن إضاعة الوقت والتوقف عن إهدار الأرواح الثمينة” في استجابتها لتفشي Covid-19.