خلال الشهر الحالي، أصدرت محكمة تابعة للحرس الثوري الإيراني حكما قضائيا بسجن اثنين من أصل إيراني، أحدهما يحمل الجنسية الألمانية والأخرى البريطانية، لأكثر من 10 أعوام، وذلك على خلفية تهم تتصل بتهديدات للأمن القومي. 

وغرد الحقوقي مصطفى نيلي على تويتر: “الفرع 26 من المحكمة الثورية حكم بسجن السيدة ناهد تقوي، والسيد مهران رؤوف 10 أعوام للمشاركة في إدارة جماعة غير قانونية، وبالسجن 8 أشهر لممارسة أنشطة دعائية ضد النظام”.

وبحسب منظمة العفو الدولية، فإن مهران رؤوف تخضع، منذ فبراير العام الحالي، إلى “الحبس الانفرادي المطول في انتهاك للحظر التام للتعذيب وغيره من أشكال سوء المعاملة”.

ليست هذه الواقعة الأولى، إذ يحفل سجل النظام الإيراني بوقائع عديدة تجاه مزودجي وثنائيى الجنسية. كما أنه يعمد إلى توظيفهم في أغراض سياسية وإقليمية خلال علاقته المأزومة مع الغرب وواشنطن منذ سنوات طويلة.

وفي ظل تأزم المحادثات النووية في فيينا التي تهدف إلى إحياء الاتفاق النووي بين الولايات المتحدة وإيران، برز التصعيد الذي يقوم به النظام الإيراني ضد مزدوجي الجنسية. الأمر الذي يفاقم من التعقيدات السياسية بين طهران والغرب وكذا الولايات المتحدة. 

مطالبات حقوقية بوقف محاكمات الأجانب في إيران

وأوضحت مديرة قسم الشرق الأوسط في هيومن رايتس ووتش، سارة ليا ويتسن، بأن “محاكمات السلطات الإيرانية الجائرة وسوء المعاملة أثناء الاحتجاز لا تقتصر على المواطنين الإيرانيين، بل تمتد للأجانب”، وطالبت بضرورة “تتوقف إيران عن استخدام الاعتقال التعسفي وسوء معاملة الرعايا الأجانب كجزء من سياستها الخارجية، ومعاملة كل مواطن إيراني وأجنبي على حد سواء، واحترام حقوق الإنسان الأساسية”.

ووفقاً للمنظمة الحقوقية، فإن الأجهزة الأمنية الإيرانية صعدت استهدافها لمواطنين إيرانيين ثنائيي الجنسية ومواطنين أجانب، ترى أن لهم صلات مع مؤسسات أكاديمية واقتصادية وثقافية غربية. كما وثقت حالات 14 مواطناً ثنائي الجنسية اعتقلتهم مخابرات “الحرس الثوري الإيراني” منذ عام 2014، حيث اتهمتهم المحاكم في حالات كثيرة بالتعاون مع “دولة معادية” دون الكشف عن أي دليل.

 وبحسب تقارير حقوقية أممية، يتراوح عدد المقبوض عليهم في إيران من مزدوجي الجنسية بين 30و 50 شخصا، وتلاحقهم اتهامات “التجسس”.

وقام زوج البريطانية الإيرانية نازانين زاغاري راتكليف، بتقديم طلب خاص للأمم المتحدة، مؤخرا، للضغط على إيران لتحرير زوجته (نازلين زاغري)، وذلك بعد فشل مفاوضات الحكومة البريطانية.

زاغري الناشطة في مؤسسة “توماس رويترز” الخيرية تقبع في سجون الحرس الثوري الإيراني، منذ عام 2016، حيث وصف وزير الخارجية البريطاني، دومينيك راب، بأنه احتجاز “غير قانوني” ويرقى إلى أن يكون عملية “تعذيب”.

قال راب: “زاغري محتجزة بشكل غير قانوني من وجهة نظري، ووفق القانون الدولي، وأعتقد أنها تعامل بالطريقة الأكثر تعسفا وإساءة”، وتابع: “أعتقد أن الطريقة التي تعامل بها ترقى إلى التعذيب، والإيرانيون ملزمون، بشكل واضح، وبلا لبس، الإفراج عنها”.

لعبة القط والفأر

كما اعتبر وزير الخارجية البريطاني أن احتجاز زاغري، في عام 2016، أثناء مغادرتها طهران، وتوقيفها في المطار على خلفية مذكرة اعتقال تتهمهما بـ”التجسس”، يدخل في إطار الصراع السياسي بين البلدين، موضحا أنه جزء “لعبة القط والفأر التي يلجأ إليها الإيرانيون، أو بالتأكيد جزء من النظام الإيراني، ويحاولون استخدامها للضغط على المملكة المتحدة”.

وألمح وزير الخارجية البريطاني إلى أنه النظام الإيراني يوظف قضية مزدوجي الجنسية في صراعاته الخارجية، ومثلما يضغط بها على الولايات المتحدة في إطار المفاوضات النووية بفيينا، فإنه يجدد استخدامها مع بريطانيا، في سياق تفاوضي آخر، يخص مطالبات طهران بالدين التاريخي لها لدى بريطانيا، والذي يرجع للعام 1976، بينما تبلغ قيمته نحو 400 مليون جنيه إسترليني، وذلك بالرغم من أن المبلغ يتصل بصفقة سلاح أبرمت بين الحكومة البريطانية ونظام الشاه قبل سقوطه، وقد تم تجميد الصفقة بعد إعلان الجمهورية الإسلامية، عام 1979.

ولذلك قام راتكليف بـ”تقديم طلب إجراء عاجل وشكوى فردية”، نيابة عن زاغاري، مطالبا مجموعة العمل التابعة للأمم المتحدة المعنية بالاحتجاز التعسفي بالتحدث مع الحكومتين لإطلاق سراحها.

ومن جانبها، قالت منظمة “هيومان رايتس ووتش”: “تستمر السلطات الإيرانية في قمع شعبها. أجهزة الأمن والاستخبارات في البلاد، بالشراكة مع النظام القضائي الإيراني، تقمع المعارضة بشدة، بما في ذلك من خلال استخدام القوة المفرطة القاتلة ضد المتظاهرين”. 

وتشير المنظمة الأممية المعنية بحقوق الإنسان إلى أن “محاكمات السلطات الإيرانية الجائرة وسوء المعاملة أثناء الاحتجاز لا تقتصر على المواطنين الإيرانيين، بل تمتد للأجانب”، وشددت على ضرورة أن “تتوقف إيران عن استخدام الاعتقال التعسفي وسوء معاملة الرعايا الأجانب كجزء من سياستها الخارجية، ومعاملة كلّ مواطن إيراني وأجنبي على حدّ سواء، واحترام حقوق الإنسان الأساسية”.

ويلفت معهد واشنطن أن توسيع دائرة الاشتباه والعداء ضد الأجانب ومزدوجي الجنسية في إيرن، تضاعف عقب اغتيال قاسم سليماني، مطلع العام الماضي، بواسطة طائرة مسيرة أمريكية لدى وصوله مطار بغداد، حيث تم اقتراح مشروع قانون يحظر أي “تعاون فعال” بين المواطنين الإيرانيين والحكومة الأمريكية والمنظمات الأخرى، باستثناء الأنشطة الثقافية والتعليمية المصرح بها والتي من شأنها تعزيز مصالح النظام.

وبموجب قانون “مكافحة الأنشطة الإرهابية الأمريكية المتهورة في المنطقة” الصادر في صيف عام 2017، سيتم محاكمة الأفراد المتهمين بمثل هذه الأعمال بتهم التجسس. وعند تعذر اعتقال المتهمين في إيران، ستدرجهم الحكومة على لائحة الإرهاب (المادة 1.6). ويمكن أن يسهل هذا البند استهداف المنشقين الإيرانيين في دول أخرى وكذلك الموظفين الأمريكيين-الإيرانيين مزدوجي الجنسية الذين يعملون لصالح الحكومة الأمريكية أو المنظمات غير الحكومية. 

وبالتزامن مع هذا الإجراء التشريعي، تحركت دوائر بالبرلمان الإيراني، لإقرار قانون يمنع تعيين مزدوجي الجنسية في إيران، وعدم وصولهم إلى أي مناصب، حيث كشف متحدث لجنة التعليم في البرلمان أحمد حسين فلاحي، عن إقرار اللجنة “مشروع منع تعيين المسؤولين والمدراء من مزدوجي الجنسية والمرتبطين بالدول الأجنبية، بعد إجراء التعديلات عليه”.

وتابع فلاحي: “ت تخصيص الاجتماع، لبحث النظام الأساسي للشركة الوطنية للغاز بإيران، وتمت المصادقة عليها من قبل الأعضاء»، وأضاف: “كان من ضمن جدول أعمال اللجنة مناقشة لائحة الضرائب على الدخل وواردات الناشطين الاقتصاديين في المناطق الحُرّة التجارية – الصناعية، وتم إقرار التعديلات”.

كما ذكر النائب في البرلمان أنه تم إقرار مشروع منع تعيين المسؤولين والمدراء من مزدوجي الجنسية والمرتبطين بالدول الأجنبية بعد إجراء التعديلات عليه، وقال أيضًا: «تمَّت إعادة لائحة تحديد مهام وصلاحيات وزارة التعاون إلى مركز البحوث، لمزيدٍ من البحث والدراسة”.