بلغت العلاقات بين الجزائر والمغرب مستوى عال من التوتر، حيث قررت الجزائر قطع علاقاتها مع الأخيرة. وفقا لما جاء على لسان “رمطان لعمامرة” وزير الخارجية الجزائرية “قررت الجزائر قطع العلاقات الدبلوماسية مع المملكة المغربية ابتداءً من الثلاثاء الماضي”.

وفي سبيل الدفع بالأسباب التي أدت إلى هذا القرار، أضاف لعمامرة “ثبت تاريخيا أن المملكة المغربية لم تتوقف يوما عن الأعمال العدائية ضد الجزائر.. السلطات المغربية منحت موطئ قدم لقوات عسكرية أجنبية في المنطقة المغاربية. وهو ما ينتهك المادة 5 من معاهدة حسن الجوار المبرمة بين البلدين”.

هذه ليست المرة الأولى التي ترتفع فيها حدة التوتر بين البلدين إلى هذه الدرجة. حيث إن كلا منهما لديه مواقف مختلفة ومصالح متباينة تجاه عدد من الملفات المشتركة. ورغم توقيع البيان المشترك الجزائري-المغربي الصادر في مايو 1988، والذي كان بمثابة الأساس لاستئناف العلاقات الدبلوماسية بين البلدين. إلا أنه لم يستطع حلحلة الخلافات بين الدولتين، ويأتي قطع العلاقات الأخير مدفوعا بعدة أسباب.

قضايا الخلاف

يعتبر قرار قطع العلاقات بين الدولتين ليس مفاجئا، إذ يشعل التوترات المستمرة بين البلدين عدة ملفات. والتي كانت سببا رئيسيا في الخلافات التي شهدتها المنطقة منذ الستينيات، وتتمثل في:  

ملف الصحراء الغربية

يحمل ملف الصحراء الغربية الرصيد الأكبر من النزاع الممتد بين الجزائر والمغرب. وبلغت الأمور أقصاها، حينما اعترف الرئيس الأمريكي الأسبق “دونالد ترامب” في نهاية 2020 بتبعية الصحراء الغربية إلى المغرب. مما رفع من حجم التوتر بين الطرفين، حيث وصفته الجزائر بأنه ليس له أثر قانوني. ويقوض من جهود خفض التصعيد التي بذلت على جميع الأصعدة من أجل تهيئة الطريق لإطلاق مسار سياسي حقيقي وإقناع طرفي النزاع.

جبهة تحرير الساقية الحمراء ووادي الذهب (بوليساريو)
جبهة تحرير الساقية الحمراء ووادي الذهب (بوليساريو)

وتدعم الجزائر جبهة تحرير الساقية الحمراء ووادي الذهب (بوليساريو) -التي تطالب باستقلال الصحراء الغربية- في مواجهة الحكومة المغربية. ويرجع تاريخ الخلاف إلى وقت خروج القوات الإسبانية من الصحراء، إذ تصاعد التوتر بين البوليساريو والقوات المغربية. وقامت الجزائر بإيواء اللاجئين الصحراويين -الذين فروا إلى غرب الجزائر للإقامة بمخيمات قرب بلدة تندوف-. ومن هناك أعلن قيام الجمهورية العربية الصحراوية الديمقراطية في 1975، الذي آل إلى قطع العلاقات بين المغرب والجزائر في المرة الأولى.

وتبلغ مساحة الصحراء الغربية 252 ألف كيلومتر، تقع في الجهة الشمالية الغربية للقارة، ويبلغ تعداد سكانها 567 ألف نسمة. وتسيطر المغرب على 80% من أراضي الإقليم، وسمحت المغرب بحصول الإقليم على الحكم الذاتي على أن يظل تحت السيادة المغربية. فيما تصر “البوليساريو” على استقلال الصحراء الغربية وحق سكانها في تقرير مصيرهم.

منطقة القبائل

أطلت أزمة منطقة القبائل برأسها خلال الفترة الأخيرة لتضيف إلى قائمة الخلافات بين الجزائر والمغرب، ففي يوليو 2020. دعا سفير المغرب لدى الأمم المتحدة “عمر هلال” أثناء الاجتماع الأخير لوزراء خارجية دول حركة عدم الانحياز في العاصمة الأذربيجانية “باكو”. لمعالجة ما وصفه بـ”تصفية الاستعمار في منطقة القبائل” في الجزائر، ومنحها الحق في تقرير المصير. واعتبرت الجزائر أن ذلك الإجراء يمثل انحراف خطير يتعارض بصفة مباشرة مع المبادئ والاتفاقيات التي تهيكل وتلهم العلاقات الجزائرية المغربية، فضلا عن كونه يتعارض بصفة صارخة مع القانون الدولي والقانون التأسيسي للاتحاد الأفريقي.

بوليساريو
بوليساريو

ويأتي الموقف المغربي ردا على تطرق الجزائر لموضوع قضية الصحراء المغربية في الاجتماع ذاته.

ومن جانبها، تتهم الجزائر المغرب بدعم حركة استقلال منطقة القبائل “ماك”، التي تصنف كجماعة إرهابية.

كما دعا عضو اللجنة الدائمة التي تمثل المغرب في الأمم المتحدة “عمر ربيع”، إلى مساعدة منطقة القبائل الجزائرية. للحصول على حق تقرير المصير والحكم الذاتي في نوفمبر 2015، وتشكل تلك الدعوة الثانية له لدى الأمم المتحدة التي تطالب بمنح الحكم الذاتي لمنطقة القبائل.

وأعلنت “ماك” عن نفسها في فرنسا على يد فرحات مهنا، بعد أحداث “الربيع الأسود” في عام 2001. للمطالبة بالحكم الذاتي لمنطقة القبائل، وفي 2010، أعلنت من باريس عن تشكيل حكومة مؤقتة لمنطقة القبائل. ومؤخرا صنفتها الحكومة الجزائرية كجماعة إرهابية، كما حظرت مختلف أنشطتها باعتبارها حركة انفصالية وعنصرية.

أحداث حرائق الغابات

اجتاحت الجزائر موجة من حرائق الغابات التي امتدت إلى ما يقرب من 20 ولاية، مما أسفر عن وفاة حوالي 90 شخص. في عدة محافظات خاصة تيزي وزو، وبجاية في منطقة القبائل شرقي العاصمة. وإتلاف أكثر من 5 آلاف هكتار من الأشجار المثمرة غالبيتها من أشجار الزيتون في تيزي وزو. إضافة إلى 20 ألف رأس من الحيوانات، والذي أعقبه توترات داخلية عصفت بالسلم العام في البلاد.

وعلى أثر هذه الحرائق، أقرت السلطات الجزائرية ضلوع المنظمتين الإرهابيتين المدعوتين “ماك” و”رشاد” بالتعاون مع المغرب وإسرائيل في افتعال حرائق الغابات. وفقا لبيان الخارجية “وعلى صعيد الأمن الإقليمي، فإن قيام السلطات المغربية بمنح موطئ قدم لقوة عسكرية أجنبية في المنطقة المغاربية. وتحريض ممثلها على الإدلاء بتصريحات كاذبة وكيدية ضد دولة جارة.. تشمل هذه الأعمال العدائية أيضا التعاون البارز والموثق للمملكة المغربية مع المنظمتين الإرهابيتين المدعوتين “ماك” و”رشاد” اللتين ثبت ضلوعهما في الجرائم الشنيعة المرتبطة بالحرائق المهولة التي شهدتها عديد ولايات الجمهورية مؤخرا”.

بيجاسوس الإسرائيلي

كشف تقرير صادر عن المنظمتين “فوربيدن ستوريز” والعفو الدولية، قيام الأجهزة المغربية بالتجسس على الهواتف الخاصة ببعض المسئولين في الجزائر. باستخدام برنامج “بيجاسوس” الإسرائيلي، وهو ما تبعه تحقيق موسع من جانب نيابة الجمهورية لدى محكمة سيدي أمحمد الجزائرية. كلفت به مصالح الضبطية القضائية المختصة في مكافحة الجرائم السيبرانية والمعلوماتية لكون هذه الوقائع تندرج تحت جناية جمع معلومات. بغرض تسليمها لدولة أجنبية يؤدي جمعها واستغلالها للإضرار بمصالح الدفاع الوطني وجنحة الدخول عن طريق الغشّ أو بطرق غير مشروعة في انتهاك سرّية الاتّصالات.

الجزائر تقرر قطع العلاقات الدبلوماسية مع المملكة المغربية
الجزائر تقرر قطع العلاقات الدبلوماسية مع المملكة المغربية

وقد أثار هذا التقرير سخطا واسعا في الجزائر، كما أعربت الخارجية الجزائرية عن قلقها العميق ونددت في بيان “بقيام سلطات بعض الدول، وعلى وجه الخصوص المملكة المغربية. باستخدام واسع النطاق لبرنامج التجسس المسمى بيغاسوس ضد مسؤولين ومواطنين جزائريين”. مما دفع المغرب لرفع دعوى تشهير أمام المحكمة الجنائية في باريس ضد منظمتي “فوربيدن ستوريز” والعفو الدولية.

العلاقات بين المغرب وإسرائيل

تقع العلاقات بين المغرب وإسرائيل في الفترة الأخيرة بمثابة حجر عثرة في التعاون بين المغرب والجزائر. إذ جاء في البيان الأخير للخارجية الجزائرية أن الجزائر تتهم المغرب بالتآمر ضدها مع إسرائيل. “لقد جعلت المملكة المغربية من ترابها الوطني قاعدة خلفية ورأس حربة لتخطيط وتنظيم ودعم سلسلة من الاعتداءات الخطيرة والممنهجة ضد الجزائر. آخر هذه الأعمال العدائية تمثل في الاتهامات الباطلة والتهديدات الضمنية التي أطلقها وزير الخارجية الإسرائيلي خلال زيارته الرسمية للمغرب. بحضور نظيره المغربي، الذي من الواضح أنه كان المحرض الرئيسي لمثل هذه التصريحات غير المبررة”.

وتعتبر الجزائر من أشد الدول العربية المعارضة للتطبيع مع إسرائيل، كما أدانت اتفاقية أبراهام المبرمة بين إسرائيل وبعض الدول العربية. كذلك رفضت دخول إسرائيل للاتحاد الأفريقي بصفة مراقب، ومسبقا علق وزير الاتصالات الجزائري “عمار بلحيمر” على تطبيع العلاقات بين المغرب وإسرائيل. قائلا إن “مقايضة التزكيات بين المحتلين لا جدوى منها ولن تصمد أمام إرادة الشعوب”. وكذلك مارست إسرائيل بعض الضغوط على الجزائر حيث أيدت السلطة المغربية على البوليساريو على غرار قرار الولايات المتحدة.

كما ندد وزير الخارجية الإسرائيلي “يائير لابيد” بالعلاقة بين الجزائر وإيران في زيارته الأخيرة للمغرب. “نتشارك بعض القلق بشأن دور دولة الجزائر في المنطقة، التي باتت أكثر قربا من إيران”.

مشروع خط الغاز المغربي

يمثل مشروع خط الغاز بين المغرب ونيجيريا بمثابة صفعة مباشرة على وجه العلاقات بين المغرب والجزائر. إذ إنه يهمش من قيمة النفط والغاز الجزائري في القارة بشكل عام وبالنسبة لحاجيات المغرب بشكل خاص. كما سيسمح للمغرب بالريادة في منطقة غرب أفريقيا، كما سيمحنها فرصة تنويع مصادر الطاقة بدلا من الاعتماد على الجزائر. وبالتالي تهميش مكانة الجزائر الاستراتيجية كدولة مصدرة للنفط والغاز إلى أوروبا. وبالتالي بتحول موازين القوى في القارة، حيث جاءت عناوين الصحف “هكذا فاز المغرب بكعكة الغاز النيجيري وصد احتكار الجزائر”.

وهو أنبوب غاز سيمتد على طول 5660 كيلومترا بين نيجيريا والمغرب، وسيمر هذا الأنبوب بكل من بينين وتوجو وغانا وساحل العاج وليبيريا وسيراليون وغينيا وغينيا بيساو وغامبيا والسنغال وموريتانيا. تتوزع خطة تشييده على عدة مراحل بهدف تغطية الحاجات المتزايدة للدول من الطاقة خلال الـ 25 سنة القادمة.

أبرز محطات الخلاف

لا يمكن وصف العلاقات بين الدولتين الشقيقتين بالمستقرة، إذ إنه على مدار القرن الماضي. مرت بمراحل اختلاف وبعض فترات وفاق، وبالتركيز على فترات الخلاف:

بداية من عام 1956 –أي قبل حصولهما على الاستقلال- حيث اتهمت السلطات المغربية الجزائر باختطاف طائرة تقل مسؤولين جزائريين بالتآمر مع فرنسا. ثم في عام 1963 وقعت “حرب الرمال” التي شنتها القوات المسلحة المغربية ضد الجزائر، وخلفت ما لا يقل عن 850 مواطن جزائري. ثم انتهت بوساطة الجامعة العربية ومنظمة الوحدة الأفريقية، من خلال إرساء اتفاقية وقف نهائي لإطلاق النار في فبراير 1964.

ثم أحداث “المسيرة السوداء” التي شملت تهجيرا قسريا لحوالي 45 ألف عائلة مغربية مقيمة في الجزائر. مما أدى إلى تدهور العلاقات بين البلدين، وأعقبها قطع المغرب العلاقات الدبلوماسية مع الجزائر بعد اعترافها بـ”الجمهورية الصحراوية” في مارس 1976.

ثم توترت العلاقات مرة أخرى في أغسطس 1994، حيث فرض المغرب -من خلال تصرف أحادي- على الجزائر ضرورة الحصول على تأشيرة لدخول أراضيه، مما دفع الجزائر لإغلاق حدودها مع المغرب. وفي 2017 عقب تصريحات وزير الخارجية الجزائرية “عبد القادر مساهل”، باتهام البنوك المغربية بتبييض أموال الحشيش في أفريقيا. استدعت المغرب القائم بالأعمال بسفارة الجزائر في الرباط، ووصفتها بأنها تصريحات صبيانية.

ومؤخرا، استدعت الجزائر سفيرها لدى المغرب في يوليو 2021 على خلفية ملف الصحراء الغربية. وفي 18 أغسطس، أعلنت الجزائر أنها قرّرت إعادة النظر في علاقاتها مع المغرب على خلفية مزاعم تورطها في حرائق الغابات الأخيرة. التي انتهت بقطع العلاقات الدبلوماسية مع المغرب في 24 أغسطس.