من داخل أحد الأحياء الشعبية المترامية الأطراف في محافظة القاهرة، كان الطفل صاحب الأربع سنوات لا يفارق كرة القدم التي يشارك ملكيتها مع أشقائه التسعة. في الصباح الباكر يستيقظ حاضنا الكرة، يلقي بعض المياه على وجهه ذو الملامح الجافة. وينطلق إلى الشارع ليلعب الكرة معشوقته الأولى والأخيرة.

في سن الخامسة التفت والده إلى موهبة نجله وتعلقه بـ«كرة القدم»، بالرغم من أعباء الحياة وأعباء أشقائه التسعة، إلا أن الأب رأى في نجله استثمارا يستحق المحاولة.

في مركز شباب المرج عام 1989، عندما بلغ الطفل محمد، خمس سنوات، اصطحبه والده. ليبدأ مسيرته حيث الحياة وسط الحرافيش والازدهار كنبتة في قلب الأرض تتفتح رويدا رويدا.

وبعد نحو 20 عاما على أول خطوة له داخل عالم الساحرة المستديرة، تدور الأيام ويتحول الطفل إلى قائد صامت. لا يعرف عن كرة القدم سوى الأداء داخل الملعب، كبر الطفل وكبرت أحلامه وأصبح قائد فريق الزمالك أحد قطبي كرة القدم المصرية.

36 عاما بلا مناوشات

محمد عبد الشافي «شيفو» لاعب منتخب مصر وقائد فريق الزمالك الحالي، يبلغ 36 عام. قضى منها قرابة الـ 30 عاما داخل الملعب الأخضر، لم يصدر عنه تصرفا خارجا. لا أزمات لا خلافات لا مناوشات هنا أو هناك، أداء يقترب إلى الموظف الحكومي الهادئ. المعتاد على الاستيقاظ في السابعة صباحا يذهب إلى عمله ومن ثم يعود إلى منزله، لا شيء أكثر، لا شيء أقل.

مسيرته المتقلبة لم تؤثر على شخصيته الساكنة الهادئة، في سن السابعة ذهب به والده إلى اختبارات نادي الزمالك. الاختيار الأمثل لعائلة زملكاوي أبا عن جد، نجح الولد في الاختبار منذ اللحظة الأولى، قضى نحو 5 سنوات داخل أسوار النادي الأبيض. ليتم الاستغناء عنه دون إنذار.

لم يكن «شيفو» من هؤلاء الذين يفقدوا طاقتهم في المناوشات، لم يبك على اللبن المسكوب. وجد خطوته الثانية في نادي إنبي، هناك بدأ تحد خاص، سأعود إلى نادي الزمالك من جديد.

سنوات تقترب من الخمس قضاها «شيفو» في نادي أنبي، توهج نجمه، وكانت الخطوة التي تفصله بين العودة للفارس الأبيض 4 مواسم قضاها داخل فريق غزل المحلة. وهناك تحسس خطواته الحقيقية نحو الاحتراف في أعلى المستويات. ليخطف أنظار عديد الأندية وعلى رأسهم «الزمالك» الذي نجح في ضمه عام 2009.

ميراث من الإنسانية

بين جيل يشار إلى أنه أحد أعظم الأجيال التي مرت على كرة القدم المصرية، إن لم يكن أعظمهم. أبو تريكة وعماد متعب وعمرو زكي ومحمد شوقي ووائل جمعة وآخرون صنعوا إرثا لا غبار عليه. كان وسط هؤلاء محمد عبد الشافي، بملامح ثابتة لا تتغير في الفرح أو الحزن. تشعر كأنه أحد هؤلاء الذين يعيشون حولنا لا يبدون رأيهم فيما لا يعنيهم، لا تغريهم المغريات. لا ينجرفون نحو الصراعات، يؤدون دورهم ويذهبون لقضاء ما تبقى من حياتهم بين عائلاتهم.

شارك شيفو في ولايته الأولى مع الزمالك في 158 مباراة بجميع البطولات، وحصل مع نادي الزمالك على بطولة الدوري المصري 2014/2015. بجانب بطولة كأس مصر مرتين، فضلا عن اختياره أفضل لاعب في بطولة كأس مصر 2012/2013.

في سبتمبر 2014، كان الزمالك في مواجهة ضد تليفونات بني سويف في بطولة كأس مصر. كان شيفو في أوج عطائه، في وسط الملعب تسلم الكرة وراوغ لاعب تليفونات بني سويف بشكل سريع لتنحني قدم اللاعب ويسقط على الأرض مصابا بـ«قطع رباط صليبي». حينها انهمر عبد الشافي بالبكاء، لم يمس لاعب بني سويف فقط راوغه، لكنه أدرك أن مسيرة لاعب انتهت اليوم بتلك المراوغة.

عندما اشتدت الأزمة، وغابت كرة القدم عن نادي الزمالك وسط حالة من الفوضى والصراعات على رئاسة النادي. فضل «شيفو» أن ينطلق في مسيرة احترافية حتى تهدأ الأجواء، فهو لا يعرف من كرة القدم سوى اللعب لا الصراعات.

https://www.youtube.com/watch?v=Oz273kAnU00

مسيرة حافلة

في 06 يوليو 2015، وقع شيفو عقدا رسميا ​مع نادي الأهلي السعودي​ لمدة ثلاث سنوات مع أفضلية التوقيع لسنة رابعة، خلال 3 مواسم لعب 113 مباراة.

وفي عام 2018، خاض محمد عبد الشافي فترة إعارة ضمن صفوف فريق الفتح السعودي عام 2018. شارك خلالها في 10 مباريات، ليعود مرة أخرى إلى الأهلي السعودي وينهي مسيرته الاحترافية 2019.

عبدالشافي

ظن البعض أن مسيرة عبد الشافي اقتربت من نهايتها، وعودته إلى الزمالك في عام 2019. ليست إلا تكريم لمسيرة أحد أبناء الفارس الأبيض، لكن «شيفو» كان يحمل مفاجأة أخرى.

وجد عبد الشافي لنفسه موقعا بين شباب الفريق، صاحب الـ 34 عاما، لم يخش أن يجلس على الدكة لصالح عبدالله جمعة أو الناشئ الموهوب أحمد فتوح. حينها ظن الجميع أن شيفو لن يستطيع أن يصمد بدنيا على الأقل أمام إمكانياتهما، لكنه اختار طريق الاجتهاد الذي يعرفه جيدا، ليعود إلى الأضواء من جديد، ويتوهج نجمه رويدا رويدا. ويكون أحد أصحاب الفضل في حسم بطولة الدوري المصري الغائبة عن الزمالك منذ 2015، بتسجيله هدفا مؤثرا كتب به الفوز على الاتحاد السكندري في سباق الأمتار الأخيرة.

التزامه وتفانيه دفعا حسام البدري مدرب المنتخب الوطني لأن يضمه إلى قائمة المنتخب في تصفيات كأس العالم وهو في عمر الـ 36 عاما، رغم اعتماد البدري سياسة النزول بالأعمار منذ توليه تدريب الفراعنة.

لم يخسر عبد الشافي الذي يحظى بحب جماهير قطبي الكرة المصرية، رهانه الأول والأخير. لا يعرف عن كرة القدم سوى التفاني والاجتهاد لآخر قطرة عرق.