جماعة “جند الخلافة” في أرض الجزائر واحد من التنظيمات المسلحة التي يثبت مسارها تأكيد مبدأ “التمويل أهم من التبعية والولاء”. فبعد إعلانها تبعيتها لتنظيم القاعدة سرعان ما أعلنت في سبتمبر 2014 عن كسر ذلك الولاء لصالح تنظيم الدولة “داعش”. وتم تغيير اسمها من قبل قائد التنظيم أبو بكر البغدادي لـ”ولاية الجزائر” كي يتناسب مع التوجه الجديد.
وهو واحد من نماذج التحول لصالح داعش بعد سطوع نجمه وسط الحركات المسلحة الكبرى وتضخمه لمستوى جعله ينافس “القاعدة الأم”. بل وسبقها ماليا ودعائيا وأصبح أكثر جذبا للحركات والجماعات الصغرى، ولم تقتصر محطات السيطرة. التي تنافس فيها التنظيمان على الأتباع بل تحولت لحرب علنية حسمتها داعش لصالحها في الكثير من الأحيان نتيجة ترهل “القاعدة”.
التحول من جند الخلافة لولاية الجزائر
جند الخلافة هو فصيل تبع في بدايته تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي، ثم تحول لمبايعة تنظيم الدولة “داعش” في سبتمبر من عام 2014. واستبدل اسمه بولاية الجزائر ليتسق مع مسميات داعش.
وأعلن قائد التنظيم “قوري عبد المالك” المعروف باسم “خالد أبو سليمان” عن كسر ولائه لتنظيم القاعدة في سبتمبر من عام 2014. وأنه أقسم بالولاء لـ”داعش” وزعيمه أبو بكر البغدادي بعد تحقيقه مكاسب ملموسة في العراق وسوريا آنذاك.
وكتب تحول جند الخلافة لولاية الجزائر شهادة ميلاد جديدة له، فلم تمض أيام على إعلان موالاته لداعش. إلا وقام بخطف، إيرفيه غورديل، أحد المواطنين الفرنسيين وبعد مفاوضات استغرقت عدة أيام مع باريس. تم قطع رأسه في فيديو بثه التنظيم وأثار رعب الكثيرين على غرار ما اعتادت داعش القيام به. وتمكنت منذ تلك اللحظة من تصدر وسائل الإعلام وتحقيق جانب دعائي افتقدته خلال سنواتها الأخيرة من تبعيتها “القاعدة”.
ويعتبر فصيل جند الخلافة في أرض الجزائر هو ثاني فصيل ينشق عن القاعدة ويعلن موالاته لداعش بعد “الموقعون بالدماء” الذي يتزعمه مختار بالمختار.
نشاط الجماعة وأهدافها
تنشط جماعة “جند الخلافة” في منطقة اصطلح على تسميتها بمثلث الموت خلال عام 2014. وهي عبارة عن ثلاثة رؤوس أساسية تشمل كلاً من: “بومرداس وتيزي وزو والبويرة”. وارتبط وجودها هناك بتبعيتها لتنظيم القاعدة ثم تشعبت فيما بعد لأماكن أخرى على امتداد الشريط الجبلي بعد موالاة داعش.
واتخذت الحركة من الشعارات الإسلامية الجهادية أهدافا لها على حسب التنظيم الذي تدين له بالولاء. سواء كانت القاعدة أو داعش والتي يأتي على رأسها تطبيق الشريعة الإسلامية والجهاد العابر للحدود في المسار الرامي لتكوين الخلافة الإسلامية.
كما كشفت الحركة من خلال عمليات الخطف والقتل التي تقوم بها عن استهدافها القوات الأجنبية ومنع تدخلاتها في البلاد وبشكل أساسي وفرنسا والولايات المتحدة الأمريكية. بالإضافة إلى تشتيت انتباههم للحيلولة دون استمرار الحرب الطاحنة التي تكاتف المجتمع الدولي خلالها للخلاص من الجماعات المسلحة ومحاصرتها.
وكان أول إعلان عن وجود داعش في الجزائر من خلال هذا التنظيم قبل خطف وذبح السائح الفرنسي في عام 2014. بذات الطرق الوحشية التي اعتادتها داعش في الإعلان عن قدومها لدولة ما.
وتم تدريب عناصر “جند الخلافة” في شمال مالي على يد الإرهابي الذي وصف بأنه الأخطر في العالم مختار بلمختار. ووصف كثير من المحللين انتقال تبعيتهم لصالح داعش بـ “الانتهازية الدعائية”. إلا أن كفة التمويل والبحث عن المكاسب المالية والسيطرة بشكل عام كان هو الهدف الأقرب إلى الواقع من هذا التحول.
نفور للمواطنين من جند الخلافة
النفور الذي وصل إلى حد الكراهية لم يكن قاصراً على جند الخلافة وحدها أو مرتبطا بمرحلة تحولها للجناح الداعشي. بل كان سمة عامة تجاه الجماعات الإسلامية التي اتخذت من السلاح أداة لإجبار المواطنين على تنفيذ تعاليم الشريعة الإسلامية. التي يرونها صحيحة وفق أفكارهم ومعتقداتهم عنها.
وبات العنف هو السمة الغالبة على تحركات الجماعات المسلحة في الجزائر ومنطقة الساحل والصحراء. وارتبط الحديث عن التدين إلى حد كبير بإراقة الدماء وتشريد الأبرياء، وهو ما جعل هناك حالة عامة من البغض لأوجه التدين والتأسلم المختلفة. وخاصة ذات المشهد المتعصب بعيدا عن شكل التنظيم وتبعيته وأفكاره السياسة.
وظل تعداد الحركة في البداية محدودا ولم تستطع جذب مجندين جدد إليها لفترة تجاوزت الـ 30 عاماً وهو ما عجل بانكماشها الذي أشرف على الاندثار في العامين الماضيين. فضلا عن قرب “جند الخلافة” في انتهازيتها من جماعة “الموقعون بالدماء” بسبب هرولتهم نحو النجم الصاعد المنتصر “داعش”. وهو ما شكك الكثيرون في مبادئها وأفكارها ودوافع حروبها وجهادها.
الجزائر ومرحلة الانطلاقة الجديدة للجماعة
لم تتوان الجزائر بجيشها وقوات أمنها لحظة في ملاحقة “جند الخلافة” بعد إعلانهم عن خطف السائح الفرنسي. وسعوا وراء تقويض قوتهم بكل ما أوتوا من قوة وظلت تتبع أفراد الجماعة في كل موطن قدم لهم إلى أن تمكنت من الوصول لزعيمها.
وأعلن الجيش الجزائري في ديسمبر من عام 2014 قتله لزعيم جماعة جند الخلافة ومعه اثنان من المسلحين بمنطقة سيدي داود شرق العاصمة الجزائرية، بعد ثلاثة أشهر من قتلهم للمواطن الفرنسي.
وكان زعيم تلك الجماعة قد ارتبط اسمه بقائد تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي عبد المالك دروكدال. قبل كسره ولاء جماعته للتنظيم وانشقاقه عنه ونسب له ولجماعته الهجوم على مقر الأمم المتحدة هناك خلال عام 2007.
جدير بالذكر أن الجماعات الإسلامية المتشددة وجدت موطأ قدم لها في الجزائر مع الحرب الأهلية عام 1990 والتي راح ضحيتها نحو 200 ألف قتيل على مدار 10 سنوات. وجاءت أول عملية إرهابية في الجزائر في نوفمبر 1991 على حدودها مع ليبيا، وبعد ذلك عانت لسنوات طويلة بسبب تشدد تلك الجماعات. وتحولت لحليف قوي للولايات المتحدة لملاحقة المتطرفين في المنطقة.
وألحقت الجزائر خسائر كبيرة بالمجموعات الإرهابية وارتكزت على تحصين مجموعة من المناطق الجبلية ومنها: “أم البواقي، وسكيكدة، وبتانة، وجيجل”. واتبعت نظام التمشيط الاستباقي وهو ما مكنها من ضبط كميات كبيرة من السلاح وكذلك القبض على مسلحين في مناطق مختلفة.
أعلنت الخارجية الأمريكية عن تراجع الجهاد المسلح والإرهاب في الجزائر التي تمكنت من شل حركتهم. ووصفتها في بيان رسمي قائلة: “تظل الجزائر بيئة عملياتية وعرة على المجموعات المتطرفة المسلحة في المنطقة. وأنها واصلت مجهوداتها الحثيثة للوقاية من النشاطات الإرهابية داخل حدودها حتى نجحت في ذلك”.
وكشف التقرير الصادر عن الخارجية الأمريكية أن الإرهابيين فشلوا منذ عام 2019 في تنفيذ عمليات جديدة. نتيجة التمشيط والهجمات الاستباقية التي يشنها الجيش الجزائري بشكل مستمر.