قبل أيام، أثار رجل الأعمال نجيب ساويرس حالة من الجدل في مصر بعد أن اقترح عبر حسابه على “تويتر” أن تستقبل مصر عددا من اللاجئين الأفغان الفارين من حكم طالبان.
وسيطرت حركة طالبان على العاصمة الأفغانية كابول في الرابع عشر من الشهر الجاري، لتندلع موجة هائلة من الفرار الجماعي للمعارضين لنظام حكمها، مع عشرات الآلاف من المتعاونين مع القوات الأجنبية التي حكمت أفغانستان لمدة عشرين عاما.
انقسم المعلقون على تغريدة ساويرس بين مؤيد ومعارض للفكرة، التي أشعل التفاعل حولها الأخبار، خاصة أن قطر قد أوقفت استقبالها لرحلات نقل اللاجئين على أراضيها. بعد أن وصلت طاقتها الاستيعابية إلى الحد الأقصى، والأنباء عن سعي الولايات المتحدة للتوصل إلى اتفاقات مع دول أخرى حليفة. لاستقبال أعداد من اللاجئين، وموافقة ألبانيا وكوسوفو ومقدونيا الشمالية وأوغندا على ذلك.
وبانتهاء عملية الانسحاب الأمريكي من أفغانستان اليوم أعلنت القيادة المشتركة أنها نقلت 80 ألف شخص بينهم 6 آلاف أمريكي. و74 ألفا من مواطني الدول الأخرى والمدنيين الأفغان المتعاونين مع قوات الاحتلال مع أسرهم من المؤهلين للحصول على إقامات الهجرة في البلدان الحليفة.
أنهى إعلان الولايات المتحدة انتهاء مهمة الانسحاب والإجلاء من كابول بحلول اليوم وتوقف رحلات الطيران حالة الجدل. كما توقفت الضغوط الأمريكية على الدول المتحالفة معها بعد إعلان بعضها تخصيص وثائق إقامة مؤقتة للاجئين الأفغان. فتعهدت ألمانيا بقبول 33 ألفا منهم، كما منحت اليونان 20 ألف حق الإقامة المؤقتة على أراضيها. بالإضافة إلى المملكة المتحدة التي تعهدت باستقبال 20 ألف منهم بمعدل 5 آلاف كل عام، وبقي السؤال مطروحا: هل تقدم مصر على هذه الخطوة؟
منظمات دعم اللاجئين في مصر
للإجابة على سؤال افتراضي كهذا، علينا أولا أن نلقي نظرة على أوضاع اللاجئين في مصر، وسط تقديرات رسمية بأن عددهم يتجاوز 6 ملايين شخص، ينتمون لجنسيات مختلفة، وتتباين أوضاعهم حسب مواردهم وأنشطتهم.
بشكل عام، تعد مصر من أكثر الدول استقبالا للاجئين على أراضيها، بداية من الفلسطينيين منذ أربعينات القرن الماضي، مرورا بالسودانيين الفارين من جحيم الحرب الأهلية في السودان منذ سبعينات القرن الماضي. والعراقيين الهاربين من الغزو الأمريكي، انتهاءً بالسوريين الذين جاءوا إليها بالآلاف بعد اشتعال الثورة السورية وتحولها إلى حرب أهلية ممتدة منذ عشر سنوات.
وعلى الرغم من ذلك لا يوجد نشاط ملحوظ للمجتمع المدني في مجال اللاجئين في مصر، وأشهر الناشطين في دعم وتأهيل اللاجئين هم مركز دراسات الهجرة واللاجئين بالجامعة الأمريكية. وجمعية كاريتاس التي ينشط قطاع منها في مجال دعم وإغاثة اللاجئين في مصر، ومنظمة تضامن الشعوب الأفرو آسيوية”.
كما تأسس حديثا عدد من منظمات المجتمع المدني منها مؤسسة “أفريقيا والشرق الأوسط للاجئين مساعدة مصر” والتي تنشط في مجال الإغاثة واللاجئين. و”مؤسسة سوريا AI جاد الإغاثة” والتي تنشط في مجالات متعددة منها الإغاثة والدعم والتعليم والصحة للاجئين السوريين في مصر.
بالإضافة إلى الجهود الجماعية لمجتمعات اللاجئين التي استقرت في مصر ونشطت في المجال الاقتصادي وشكلت شبكات من الدعم الذاتي لمواطنيها. هناك أيضا الكثير من الجهود الفردية لنشطاء من المجتمع المدني الذين يقدمون خدمات الدعم خاصة القانونية وتأهيل الملفات للهجرة لأعداد كبيرة من اللاجئين في مصر.
اللاجئون والمنظمات الدولية
تستضيف مصر المقر الإقليمي لـ “المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، وهي الهيئة الدولية الرئيسية لشؤون اللاجئين في العالم. ووفقا لميثاقها الذي أقرته الأمم المتحدة هي: “منظمة عالمية تكرس عملها لإنقاذ الأرواح وحماية الحقوق وبناء مستقبل أفضل للاجئين والمجتمعات النازحة قسرا والأشخاص عديمي الجنسية”.
وتعمل المنظمة مباشرة مع اللاجئين عبر تسجيلهم وتقديم الدعم المادي والنقدي لهم وتجهيز ملفات المؤهلين منهم لتوطينهم في بلدان الإقامة الدائمة عبر العالم. كما تقدم الدعم القانوني وتحشد التمويل الدولي اللازم لتوفير حياة كريمة لهم سواء في بلدان الإقامة المؤقتة أو الدائمة.
كما تنشط في مصر منظمة “غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا)” والتي تختص بتقديم الدعم والإغاثة للاجئين الفلسطينيين في العالم. ويقتصر نشاطها في مصر على جمع التبرعات للاجئين الفلسطينيين المتمركزين في سوريا ولبنان والأردن، وتوفير وثائق الإقامة والسفر لمن يقيم منهم في مصر.
حقائق عن اللاجئين في مصر
لا يوجد حصر دقيق لأعداد اللاجئين في مصر بسبب قدوم الكثير منهم بطريقة رسمية وتأشيرات وإقامات شرعية. فأغلب السوريين الذين لجئوا إلى مصر بسبب الصراع في بلدهم دخلوا مصر بطريقة شرعية عبر اتفاقية الدخول بين مصر وسوريا. والتي كانت تسمح للمصريين بالسفر إلى سوريا بدون تأشيرات وبالمثل للسوريين في مصر. نفس الأمر بالنسبة للسودانيين الذين يمكنهم القدوم إلى مصر دائما بدون تأشيرة دخول.
أما العراقيين فأغلبهم من ذوي القدرة المالية المرتفعة وقدموا للإقامة في مصر عبر تأجير وشراء مقرات إقامتهم وعمل مشروعات تجارية واقتصادية. مكنتهم من إعالة أنفسهم دون الحاجة للتسجيل في مفوضية الأمم المتحدة للاجئين.
وتضم سجلات المفوضية السامية للأمم المتحدة للاجئين في مصر ما يزيد على 250 ألف لاجئ من جنسيات مختلفة، بينهم 130 ألف لاجئ سوري. و49 ألف لاجئ سوداني، بالإضافة إلى 20 ألف لاجئ من جنوب السودان، و19 ألف من إرتريا، و16 ألف اثيوبي، 9 آلاف يمني، و7 آلاف لاجئ صومالي، وما يقارب الألفين من جنسيات أخرى.
تشمل أعداد اللاجئين الفعلية غير المسجلين والتي تصل في بعض التقديرات إلى 6 ملايين شخص حسب تصريح للسفيرة نائلة جبر رئيس اللجنة الوطنية لمكافحة الهجرة غير الشرعية. كما أكد الرقم الرئيس “السيسي” في حديثه لمجلة “دي فيلت” الألمانية قائلا: “إن مصر بها 6 ملايين لاجئ منهم نصف مليون سوري”.
ربع مليون لاجئ
وقال المحامي والباحث في شؤون اللاجئين، أشرف ميلاد، إن مصر تستقبل اللاجئين منذ عام 1951 من 38 دولة حول العالم. وأعداد المسجلين منهم تقدر بنحو 250 ألف لاجئ من بينهم 140 ألف سوري.
وأكد ميلاد في تصريح خاص لمصر 360 أن اللاجئين السودانيين كانوا يمثلون نحو 75% من جملة الأعداد حتى عام 2005. وزيادة أعداد العراقيين بعد عامين من الغزو الأمريكي لدولتهم مما جعل نسبة السودانيين تتراجع لنحو 55%. حيث تغير الوضع تماما بحلول عام 2011 بفعل الإقبال الكثيف للاجئين السوريين الذين غيروا المشهد تماما وأصبحوا يشكلون نحو 60% من جملة الأعداد.
واعتبر ميلاد أن الحديث حول أعداد اللاجئين وبلوغهم الـ6 مليون شخص يبعد كثيرا عن الواقع فهناك نحو 3 مليون سوداني في مصر. ولهم وضع خاص فهم قبل عام 1995 كانوا يعاملون معاملة المصريين ومن عاش منهم داخل مصر ولم يخرج لا تطلب منه إقامة. حتى جاءت محاولة اغتيال الرئيس الأسبق محمد حسني مبارك في أديس أبابا حينما أصبح الدخول للبلاد يستلزم الحصول على تأشيرة. ويمكن وصف هؤلاء بالمهاجرين لأنهم رغبوا في مواصلة حياتهم في مصر بدلا من العودة لبلادهم وليسوا لاجئين.
ولفت ميلاد إلى أن هناك مبالغات من بعض الدول في تقدير أعداد اللاجئين لما يقدم لهم من دعم. حتى وإن كان غير مباشر عن طريق الخدمات أو المدارس والمشروعات أو غيرها من أدوات الرعاية التي يستفيد منها اللاجئون والسكان المحليون أيضا.
أوضاع اللاجئين في مصر
تتميز أوضاع اللاجئين في مصر عن غيرها من البلدان بعدم وجود معسكرات أو مناطق للإيواء مخصصة لهم. فأغلب اللاجئين في مصر يعيشون داخل المجتمع المصري وموزعين على المحافظات بصورة طبيعية. ورغم تركز بعضهم في مناطق محددة مثل ضواحي القاهرة والمدن الجديدة. إلا أن توجههم للسكن في هذه المناطق يتعلق بتوفر أماكن السكن ووجود مواطنين من دولهم في نفس الأماكن مما يسهل من تلقيهم لبعض الرعاية والدعم عبر شبكات التكافل بين مواطني كل بلد.
وتقدم مصر التعليم الأساسي المجاني والرعاية الصحية للاجئين على أراضيها، حتى أن مشروع 100 مليون صحة الذي أطلقه رئيس الجمهورية “عبد الفتاح السيسي” قد شمل كل المقيمين على أرض مصر. وسمح لهم بالتسجيل وتلقي لقاح كورونا وفق نفس القواعد المعمول بها للمواطنين المصريين.
كما عدلت مصر قانون “مكافحة الهجرة غير المشروعة وتهريب المهاجرين لمصر” والمعروف بالقانون رقم 82 لسنة 2016. لإلغاء تجريم المهاجر الذي يتم تهريبه لمصر أو المتاجر به، واعتبره القانون ضحية، قاصرا العقوبة على المهربين والمتاجرين بالبشر الذين يخططون وينفذون عمليات الهجرة غير الشرعية سواء إلى مصر أو من مصر لدول أخرى.
رغم ذلك، يعتبر ميلاد أن أوضاع اللاجئين في مصر متردية للغاية. مشيرا إلى أن تقرير الأمم المتحدة الصادر في فبراير 2019 كشف أن 80% من اللاجئين في مصر يعيشون في فقر مدقع.
يرجع الأوضاع المتردية للاجئين إلى تحفظها على 5 عناصر من الاتفاقية ومنها الحق في العمل. حيث تتم معاملة اللاجئ على أنه شخص أجنبي وبالتالي يجد صعوبة كبيرة في العمل، والتعليم. والتوزيع المقنن “سلة السلع” التي كانت مخصصة للسوريين في البداية ثم تمت إتاحتها لباقي الجنسيات على استحياء، والتأمين الاجتماعي.
وأضاف ميلاد أن هناك سوء معاملة “شعبية” واضحة للاجئين في مصر واستغلالهم سواء في مجال العمل أو المعاملات الإنسانية. وهو ما يضطر الكثيرين منهم للجوء إلى التعليم في المدارس المقامة من الجمعيات الأهلية ودراسة المنهج السوداني هربا من سوء المعاملة في المدارس المصرية. ورغم الفارق بين تكلفة الطفل في هذه المدارس التي تتراوح من 200 لـ 3000 جنيه وبين ما يتم تقديمه من مساعدة للطفل اللاجئ والتي تتراوح من 1000 لـ 1500 جنيه. إلا أن أغلب اللاجئين يفضلون تحملها حماية لأطفالهم من التنمر وسوء المعاملة.
حق الاعتراض على استقبال اللاجئين
تخضع أوضاع اللاجئين في العالم لاتفاقية عام 1951 الخاصة بوضع اللاجئ وبروتوكولها لعام 1967. وهما الوثيقتان القانونيتان الأساسيتان اللتان تشكلان وضع اللاجئين في البلدان التي يتم اللجوء إليها. بالإضافة إلى تحديد الاتفاقية لتعريف اللاجئ تلزم الدول الأعضاء بعدم الإعادة القسرية للاجئين إلى بلدانهم. وتؤكد على أنه لا ينبغي إعادة اللاجئ إلى بلد يمكن أن يواجه فيه تهديدا خطيرا لحياته أو حريته.
واقع السياسة الدولية الآن يؤكد أن الكثير من البلدان تغلق حدودها في وجه دخول اللاجئين. كما يقوم بعضها بإعادة اللاجئين إلى بلدانهم مرة أخرى أو إلى بلدان أخرى تربطها حدود مشتركة معهم.
ويخضع الالتزام بالاتفاقيات والمعاهدات الدولية يخضع دائما لقانون القوة والمصالح بين البلدان المختلفة. وتحدد قوة البلدان ونفوذها في العالم قدرتها على تحدي التزاماتها الدولية دون الخشية من العقاب أو دفع ثمن تجاوزاتها تجاه حقوق الشعوب والدول الأخرى.
وعن حق البلاد في رفض قبول اللاجئين يضعنا الباحث في شؤون اللاجئين أشرف ميلاد في عمق المشهد بتأكيده أن العرف الدولي جرى على قبول أي لاجئ. فكل من يعبر الحدود داخل البلاد يتم تحديد مقابلة له من الدولة التي قصدها والتوقيع على الاتفاقية ليس المعيار فلبنان على سبيل المثال غير موقعة. ومع ذلك بها مليون و250 ألف لاجئ سوري، وفي حال ثبوت ضلوع الشخص في أعمال ضد الإنسانية يتم قبول أسرته باعتبارها ليست طرفا في الأمر ثم تُخاطب المفوضية بالبحث له عن دولة أخرى.
أشرف ميلاد: إن مبدأ التعامل الدولي مع اللاجئين يحمل شعارا يمكن اختصاره في “عدم الرد وعدم الطرد” ولا يجوز إعادة اللاجئ قسرا إلى دولته.
جدير بالذكر أن هناك عددا من الدول الأوروبية ومنها اليونان وألبانيا وبولندا ورومانيا بل وحتى الولايات المتحدة الأمريكية بنت أسوارا على حدودها لمنع تدفق المهاجرين واللاجئين إلى أراضيها. دون أن يتحرك المجتمع الدولي لتجريم أو أدانة مثل هذه الإجراءات التي تخل بالتزامات تلك الدول وفقا لاتفاقية “أوضاع اللاجئين في العالم لعام 1951”.