انطلاقة جديدة شهدتها عروض الأراجوز بعيدا عن الشكل التقليدي الذي انتقده البعض بسبب عرض صور نمطية لم تعد تعبر عن الواقع، لذا حرصت فرقة ومضة على تقديم نمر جديدة في إطار عصري من حيث المضمون، وفي الوقت نفسه تجمع بين التراث والواقع والعروض القديمة، ليمثل نقلة نوعية في محتوى العروض.
والأراجوز هو أحد الفنون التراثية التي تنتمي لمسرح العرائس، وهو عبارة عن دمية تُلبس في يد من يحركها بأصابعه، ويُصنع رأسها من مادة خفيفة وصلبة كالخشب، وتعلوه قبعة طويلة حمراء، ويُرسم عليه وجه ذو تعابير حادة، في حين ترتدي الدمية جلباباً أحمر طويلاً، وتصنع ذراعاها من الخشب أيضاً.
اختارت الفرقة عنوان “أراجوز 2.0” كعنوان فرعي وإشارة متعارف عليها للانطلاقة الجديدة، مؤكدة بذلك على أن الفنون لا تحيا لانتمائها للتراث فحسب بل لما تلبيه من احتياجات الواقع.
النصوص الدرامية الخاصة بمسرح الأراجوز كانت ما بين النصية والارتجال، فهناك مجموعة من النصوص الدرامية تظل في ذاكرة اللاعبين، ويتوارثونها جيلاً وراء جيل، ولاعباً وراء لاعب، أو من معلم إلى أحد الصبية المساعدين، لكن يظل المصدر مجهولاً، فلا يعرف اللاعب من هو مؤلف هذا النص حتى وإن تناقله مع غيره من اللاعبين.
وتضمنت نمر الأراجوز الجديدة (أراجوز 2.0، وأراجوز السوشيال ميديا، وسلفي مع الأراجوز، والأراجوز والمساعد الذكي. وأراجوز الفيديو جيم، وأراجوز التيك اواي، وأراجوز إنترناشونال، والأراجوز وشكوكو، وباربي والأراجوز، والأراجوز مرشد سياحي، والأراجوز والتعليم عن بعد، وأراجوز ع الموضة، وأراجوز المهرجانات، والأراجوز في الاستاد، ولوركا والأراجوز، وبريخت والأراجوز).
تجسيد للحياة اليومية
وتناولت النمر موضوعات تتعلق بالحياة اليومية المعاشة والتزمت في ذلك أسلوب الكتابة التراثية للأراجوز. والتي دارت حول موضوعات الحياة اليومية ودورة حياة لاعب الأراجوز فوقفت على أثر وسائل التواصل الاجتماعي على الحياة وكيف أنها شكلت العزلة وعدم الرضا ونسجت خليط من الوهم والعزلة الانفصال والإحباط الإنساني.
وعرضت النمر الاتجاه إلى الاستهلاك في كل شيء بداية من الوجبات السريعة والأفكار قصيرة الحياة و”التريند”. من خلال نمرة التيك أواي. كما عرض لسلبيات وفوائد التعليم عن بعد من خلال نمرة الأراجوز والتعليم عن بعد. ووقفت على مخاطر الألعاب الدموية المنتشرة والتي تدرب الأطفال على العنف والدمار، بل وتصنع منهم قتلة على سبيل المجاز.
فيما تناولت نمر سلفي مع الأراجوز والأراجوز في بلاد الله، وأراجوز إنترناشونال، والأراجوز مرشد سياحي مفاهيم الرحلة. وطافت بنا في العديد من المعالم الأثرية. وناقشت النمر في “الأراجوز في الاستاد” التعصب الكروي وخطره الذي يصل للتنمر أحيانا وهي ظواهر غريبة على مجتمعاتنا. أما نمرتي أراجوز ع الموضة وأراجوز ومهرجانات فعرضت للتلوث السمعي والهبوط الفني في نموذج الأغنية المنتشرة الآن.
ووقفت نمرتي لوركا والأراجوز وبريخت والأراجوز على نموذج إبداع لوركا وبريخت فاستفادت الأولى من نص دمى الهرواة للوركا والثانية من أسلوب بريخت في محاولة لتقديم إبداع عالمي بمفردات شعبية مصرية. والتزمت النمر نفس الأسلوب التقليدي من إقصاء العناصر الفاسدة وطردها من السياق، كذلك استفادت من أساليب بناء الفكاهة في النمر التراثية.
عروض عصرية
اعتبر الدكتور نبيل بهجت أن النمر الجديدة خطوة لإنتاج عروض عصرية في إطار الوعي بتكنيك الفن. قائلا: “الكتابة لمسرح الأراجوز تتطلب ممارسة له ومعايشة للفنانين الشعبين. لذا كان مشروع أراجوز 2.0 ثمرة لممارسة ومعايشة استمرت عشرات السنين تمرس خلالها أعضاء ومضة على أيدي الكنوز البشرية الحية التي رافقت الفرقة طوال رحلتها”.
ويقول بهجت إن فرقة ومضة سعت منذ وقت مبكر لتقديم مضمون جديد للأراجوز من خلال عروضها الكثيرة. فقدمت عروض خلو بالكم وأراجوز دوت كوم وهكذا تكلم الأراجوز وحكايات الأراجوز وحكمة الأراجوز، وغيرها من العروض.
وأضاف بهجت “عملت الفرقة على توظيف النمر المسرحية داخل سياقاتها المسرحية وانطلقت لتقدم الأراجوز بخيال الظل والتمثيل البشري في أكثر من عرض في محاولة للاستفادة من إمكانياته التراثية بأشكال متعددة”.
وتحتل عروض الأراجوز فقرة ثابتة بحفلات المدارس وأعياد الميلاد والموالد، فالأراجوز هو القائد الرئيسي لمسارح العرائس في مصر. إذ لا يخلو مسرح منه، لاهتمامه بالأمور الحياتية اليومية التي تواجه البسطاء، بشكل فكاهي ساخر يدفع جماهيره للضحك على همومهم.
والأراجوز أو القراقوز كما ذكر الدكتور نبيل بهجت، في كتابه “الأراجوز المصري”، هي كلمة ذات أصل تركي. وتتكون من مقطعين: “قره” أي الأسود و”قوز” أي العين، وتعني “ذو العين السوداء”، وذلك بسبب نظرته إلى الحياة، والتي توصف “بالسوداوية”. مع التحفظ على المصطلح، والذي يقدّمها من خلال الكوميديا الساخرة التي تعتمد على مواضيع مؤلمة للفرد الذي يحكيها، لكنها تقدّم بقالب ساخر وفكاهي.
الأراجوز تاريخيا
ووفق الدكتور أحمد مرسي، أستاذ الأدب الشعبي بجامعة القاهرة فإن تاريخ ظهور هذا الفن لم يتم التعرف عليه. لكن الوثائق تشير إلى أن اليونانيين عرفوه في القرن الخامس قبل الميلاد. فيما عرفت أوروبا الأراجوز في نهاية القرن السادس عشر واستمر حوالي قرنين من الزمان.
وتطور هذا الفن تدريجياً في عهد الدولة الأيوبية، وسجل المؤرخ الأسعد بن مماتي، سخرية من الحاكم المملوكي بهاء الدين قراقوش. على شكل عرض أراجوز بعنوان “الحانوت والنصاب”، وتطور لبس الأراجوز بتطور لبس المصريين باختلاف العصور.
بينما يقول نبيل بهجت عن أصل فن الأراجوز إنه يعود إلى الفراعنة، وتعني كلمة أراجوز في المصرية القديمة صانع الحكايات. واهتم المصريون بتشكيل الدمى، حتى أن عرائس “الماريونت” وجدت داخل إحدى المقابر الفرعونية.
تفنن المصريين في تقديم هذا الفن وصبغوه بالروح المصرية وبرعوا في أداء عروضه التي اعتمدت بشكل كبير على لاعب رئيسي يؤدي كل الشخصيات. وأحياناً يعتمد على مساعد يطلق عليه “الملاغي”، وهو أحد صبيان اللاعب أو زوجته.
وتقول الدكتورة نهلة إمام، أستاذة العادات والتقاليد بالمعهد العالي للفنون الشعبية بأكاديمية الفنون إن فن الأراجوز مؤثر في حياة الناس بشكل كبير لأنه مستمر ومتوارث حتى الآن. وبالتالي كان هناك ضرورة لتغيير القصص بما يتناسب مع العصر لأن الصورة التي قدمتها العروض القديمة حملت نظرة عنصرية تجاه اللون والجنس في بعض العروض.
وتم إدراج الأراجوز المصري ضمن قوائم التراث الثقافي العالمي غير المادي بعد موافقة منظمة اليونسكو في نوفمبر 2018.