الرمال السوداء واحدة من ثروات مصر التي تم إهمالها لفترات طويلة رغم امتلاكها لأكبر احتياطي منها على مستوى العالم. إلا أن الدولة بدأت خلال السنوات الخمس الأخيرة منحها قبلة الحياة من خلال العمل على توفير الإمكانيات اللازمة لاستخراج معادنها. التي تدخل في نحو 41 صناعة وهو ما يجعلها ذات تأثير كبير على الاقتصاد المحلي.
وقام مجلس دعم اتخاذ القرار التابع لمجلس الوزراء باستعراض الهدف من الاهتمام بالرمال السوداء. مؤكداً أنها متوفرة في نحو 11 موقعا وأن المعادن التي يتم فصلها منها تدخل في عدة صناعات منها “هياكل الطائرات والسيارات والوقود النووي وغيرها من المنتجات الهامة”.
ما هي الرمال السوداء؟
الرمال السوداء “المشعة” عبارة عن الرواسب الثقيلة التي تحملها المياه من مصب النهر ويتم تراكمها على الشواطئ. وتأتي في لونين أحدهما قاتم “أسود” وهو الذي يحتوي على المعادن بكميات كبيرة تتراوح من 70 لـ 90% والآخر رمادي لاحتوائه على كمية لا تزيد عن الـ 40% من المعادن.
وتتكون من حبات معدنية ملونة وثقيلة، في شكل مجموعة من الطبقات داخل التربة ويتحكم بشكل أساسي في حجمها ارتفاع أو انخفاض منطقة تواجدها ومدى قربها من الماء الجاري فضلا عن حركة الرياح.
وتم تسمية الرمال السوداء بـ “المشعة” لاحتوائها على اليورانيوم والثوريوم ورغم أن نسبة وجودهما ليست كبيرة مقارنة بباقي المعادن. إلا أنها نسبت لهما في المسمى ربما لأهمية النسبة التي تم استخراجها منهم وحيويتها في ضوء التوجه العالمي نحو الاهتمام بالطاقة النووية على وجه التحديد.
وكشفت هيئة المواد النووية في بيان صادر عنها بعد سح جوي أجرته أن الرمال السوداء تتركز على طول الساحل من رشيد حتى العريش. وتتوزع على 4 مناطق يبلغ حجم ما يتوفر لديهم من رمال التقديرات التالية: “600 مليون متر مكعب في مدينة رشيد ونحو 300 مليون متر مكعب في دمياط. ونحو 200 مليون متر مكعب في بلطيم، و200 مليون متر مكعب في شمال سيناء”.
قيمة الرمال السوداء الاقتصادية
الرمال السوداء واحدة من الثروات التي يمكن استغلالها لمواكبة التوجه العالمي نحو إنتاج الطاقة النووية بفضل وجود بعض العناصر المشعة بها من جهة ووفرتها في الكثير من المواقع من جانب آخر.
وتدخل مكونات الرمال السوداء في إنتاج نحو 41 صناعة منها الزجاج النقي عالي الجودة. فضلا عن هياكل الطائرات والسيارات واليورانيوم والأسنان التعويضية وأنابيب البترول والدهانات وأغلفة الوقود النووي.
ومن أبرز المعادن المتوفرة في الرمال السوداء “الزركون” الذي يستخرج منه عنصر “الزركومنيوم” المستخدم في العديد من الصناعات النووية. و”الزوركون” هو المعدن ذاته المستخدم في تصنيع الأسنان التعويضية والخزف والسيراميك، وكذلك “الألمنيت والروتيل” المستخدم في تصنيع البويات و”المونازيت المشع”. وهو مصدر لليورانيوم ويستخدم في الصناعات التقنية المعتمدة على الإلكترونيات، وكذلك “الماجنتيت” الذي يدخل في تغليف أنابيب البترول.
خطة حكومية لاستغلال رمالها السوداء
وضعت الحكومة في الفترة الأخيرة خطة محكمة للتعامل مع الرمال المشعة “السوداء” في مراحل التصنيع المختلفة. لتوجيه استغلالها بالشكل الأمثل خلال الفترة المقبلة بداية من التعامل مع المادة الخام وصولا لطرح المنتج في السوق وفتح المجال أمامها.
وبدأت الحكومة المصرية في العمل على فصل المعادن من خلال مشروعين الأول بخبرة مصرية أسترالية في شرق البرلس. على مساحة تقدر بنحو 80 فدانا والثاني بخبرة صينية في شمال البرلس على مساحة تقدر بنحو 35 فدان.
هذا المشروع تم اتخاذ خطواته التنفيذية الجدية له بداية من عام 2016 ومن المرتقب أن يؤتي ثماره مع حلول عام 2023. ويتم في هذا المشروع الوصول بالرمال السوداء الخام لمادة تدخل في التصنيع أو يتم تصديرها للخارج.
وتم استقدام “كراكة هولندية” لاستخدامها في المشروع بما لها من دور رئيسي في التعامل مع الخام سواء بالتنقيب في عمق أكبر أو بمعالجتها لمراحل التصنيع المختلفة من ترشيح وتنقية وغيرها.
ويأتي العمل على المشروع من خلال الشركة المصرية للرمال السوداء وهي التي استقدمت “كراكة تحيا مصر”. والتي تستهدف نحو 41 مشتق معدني من المادة الخام خلال الفترة المقبلة.
ويشارك في المشروع عدد من الجهات والمؤسسات منها هيئة المواد النووية والشركة المصرية للثروات التعدينية. وجهاز مشروعات الخدمة النووية وبنك الاستثمار القومي ومحافظة كفر الشيخ.
ومن المتوقع أن يضيف مصنع الرمال السوداء مجموعة من العوائد الملموسة اقتصادياً خاصة بعد الاعلان عن معدلات إنتاجه المبدئية، التي قد تتخطى الـ 3 مليار جنيه سنوياً، واسهام هذا القطاع في توفير نحو 20 ألف فرصة عمل للشباب.
محاولات قديمة
أولت مصر اهتمامها للرمال السوداء في مستهل خمسينيات القرن الماضي وتحديداً خلال عام 1956. حينما قررت إنشاء شركة تعمل على تنقيتها واستغلالها على النحو الأمثل. بما يساهم في دعم الاقتصاد المحلي وقطاع التعدين على وجه التحديد.
خلال عام 1961 تم تأميم الشركة التي تعمل على اعادة استغلال الرمال السوداء تحت اسم “الشركة المصرية لمنتجات الرمال السوداء”. ولم يكن أمر التأميم مؤثر إلى حد كبير فالشركة بالفعل تعثرت نتيجة الزحف العمراني وبعد مرور نحو 8 سنوات وتحديداً في عام 1969 تم تصفيتها.
وعادت وزارة الكهرباء لتتعامل مع ملف الرمال السوداء مرة أخرى عام 1995 في محاولة لإحياء المشروع المتوقف من قبل الدولة. فأنشأت مصنع لهذا الغرض في محافظة كفر الشيخ بتكلفة قدرت آنذاك بنحو 20 مليون جنيه ولم يخرج المشروع للنور.
وفي عام 2014 تم الاعلان عن انشاء شركة مساهمة مصرية حملت اسم “المصرية للرمال السوداء”، وخرجت الشركة للنور في عام 2016 ليتم فتح الملف ويكلل مؤخراً. بما كشف عنه مجلس الوزراء المصري من نتائج ترتبط بمستقبل الكنز الاستثماري المدفون واستقدام “كراكة هولندية”. لتكون أداة الدولة في تنفيذ خطتها الرامية لاستخراج نحو 41 مشتق تعديني منها خلال الفترة المقبلة.