أينما كانوا يولون وجههم شطر الخليج، سواء عربًا أو غربيين، عندما يمنح كل هارب من غضبة شعبه أو ملاحق بفساد نفسه دقائق ليقرر: أيٌّ من دول الخليج تتسع لطموحاته، أو على وجه التحديد أيها أحق بأمواله أو مؤيد لمشروعه السياسي الذي سيعكف على إعادة صياغته.

الرئيس الأفغاني أشرف غني الذي استقل طائرته إلى أبو ظبي عندما اقترب مسلحو طالبان من قصره، وسط روايات عن حمله أموالاً ضخمة تسعها طائرته الخاصة، ليس الأخير في سجل القاصدين “جنة الخليج” الحامية من الملاحقات.

تثبت الوقائع التاريخية أن المتهمين بالفساد أو الهاربين من غضبة شعوبهم يقصدون الإمارات وجارتها السعودية، أمّا قطر فتفتح ذراعيها الضيقة لاستيعاب كل من هو إسلاميِّ الهوى، خرج من بلده لأسباب شبيهة بأسباب القاصدين “إمارات الاستثمار في الأموال والبشر”.

من التالي بعد أشرف غني؟ ثمة حضور طاغٍ في المشهد الخليجي الذي بات جنة السياسيين الفارين، ومصنع لإعادة تدوير البشر، حيث يغسل السياسيون هناك سمعتهم ويستغلون ثرواتهم، في مكان هو الأكثر أمنًا المرتحلين سياسيًا.

الإمارات “جنة الفاسدين”

باتت الإمارات العربية المتحدة ملاذاً آمناً للفاسدين والهاربين من ملاحقات قضائية أو شعبية في بلدانهم، فقد استقبلت قبل الرئيس الأفغاني، شخصيات متهمة أو مدانة بالفساد. من بينهم القيادي الفلسطيني محمد دحلان، الذي تحول لاحقًا لأحد أهم أذرع الإمارات الأمنية في المنطقة.

محمد دحلان

محمد دحلان الذي تصفه التقارير بأنه “يد الإمارات الإقليمية”، فتعدى دوره من هارب بأبو ظبي إلى مهندس صفقات وراعي استراتيجية الحاكم الفعلي للإمارات محمد بن زايد. وقالت مجلة فورين بوليسي الأمريكية عن علاقة الاثنين إن محمد دحلان المفصول من حركة فتح الفلسطينية عام 2011 وولي عهد أبوظبي محمد بن زايد، وصلت إلى الحد الذي يخرج فيه الثنائي في وقت الغروب في نزهات ليلية في شوارع أبوظبي الصحراوية السريعة وهم يرددون الأغاني المفضلة.

دحلان برفقة محمد بن زايد في رحلة خارجية
دحلان برفقة محمد بن زايد في رحلة خارجية

وفي العام 1997 نشرت تقارير تفاصيل ما عرف وقتها بـ”فضيحة معبر كارني” عندما كشف عن أن 40% من الضرائب المحصلة عن رسوم المعبر كانت تحول لحساب شخصي لمدير جهاز الأمن الوقائي في حينه محمد دحلان، وبعدها أصدرت اللجنة المركزية لحركة فتح قرار فصل دحلان، وإحالة ملفه إلى القضاء. ومنذ ذلك الوقت توسع نفوذ دحلان إقليميا ودوليًا لدرجة أن تقرير المجلة الأمريكية قال عنه: “يبدو أن الإدارات الأمريكية تقع في حبه، بدءًا من بيل كلينتون، ثم جورج دبليو بوش وترامب”.

عائلة علي عبدالله صالح

وفّرت الإمارات حماية غير محدودة لأسرة الرئيس اليمني الراحل علي عبدالله صالح، وتفيد تقارير بأن أحمد علي عبدالله صالح الذي استقر في أبو ظبي عقب الإطاحة بحكم أبيه في العام 2011، حوّل مليارات الدولارات إلى الإمارات وأنشأ شركات وهمية، وغسل أموالا، وامتلك عقارات باهظة الثمن في جزيرة النخلة في دبي، وأنشأ مدينة كاملة على الطراز اليمني القديم.

اقرأ أيضًا| اليمن المنهوب.. كيف سُرقت أموال اليمنيين؟

وتضمن تقرير، نشرته “مصر 360” في السابق بعنوان: “اليمن المنهوب.. كيف سُرقت أموال اليمنيين؟”، دلائل على توفير الإمارات حمايةً لخالد علي عبدالله صالح، الذي أنشأ حسابًا بنكيًا خاملاً لغسل 84 مليون دولار في غضون ثلاثة أسابيع في ديسمبر 2014، بالإضافة إلى وقائع أخرى لغسل الأموال.

برويز مشرف

وتضم القائمة أيضًا رئيس الحكومة الباكستاني الأسبق، برويز مشرف، الذي هرب إلى دبي عام 2016 بعد توجيه اتهامات له في قضايا فساد، وهو أحد أبرز الشخصيات الباكستانية المثيرة للجدل، وحكم عليه سابقًا بالإعدام بتهمة الخيانة العظمى، بعدها ظهر في مقطع فيديو من داخل إحدى مستشفيات دبي يقول إن الحكم ضده “ثأر شخصي”.

برويز مشرف
برويز مشرف

برويز مشرف، وهو الحليف المهم للولايات المتحدة الأمريكية، وصل إلى الحكم عقب الإطاحة برئيس الوزراء نواز شريف في انقلاب في أكتوبر 1999، قبل أن يعلن نفسه رئيسا في يونيو 2001 ويفوز في أبريل 2002 في استفتاء مثير للجدل.

خوان كارلوس  

ملك إسبانيا السابق خوان كارلوس، الذي قالت شبكة “بس بي سي” إنه مقرب من ولي عهد أبوظبي محمد بن زايد آل نهيان، هرب إلى العاصمة الإماراتية العام الماضي 2020 بعد ملاحقته بتهم فساد؛ واحدة من التهم الموجهة إلى كارلوس الذي سلّم العرش لنجله، تتمثل في دفع رشا غير مشروعة في إطار صفقة لتشييد خط قطار سريع في السعودية، كما تشير تقارير إلى أن ملك إسبانيا السابق يقيم علاقات وثيقة مع دول خليجية، وتلقى عدة رشا، من بينها 100 مليون دولار من السعودية عام  2008.

خوان كارلوس ومحمد بن زايد
خوان كارلوس ومحمد بن زايد

ينجلوك شيناواترا

أما رئيسة الوزراء التايلاندية السابقة ينجلوك شيناواترا، فهربت إلى دبي عام 2017، خشية سجنها في قضية تتعلق ببرنامج لدعم الأرز بلغت قيمة خسائره مليارات الدولارات، وقتها ذكرت تقارير أنها فرت إلى دبي حيث يملك شقيقها رئيس الوزراء السابق تاكسين شيناواترا منزلا.

“لو تيك جو” وفضيحة الصندوق السيادي الماليزي

في العام 2019، تفجّرت في ماليزيا واحدة من أكبر فضائح الفساد في تاريخ البلد، والتي عرفت إعلاميًا بـ”فضيحة الصندوق السيادي الماليزي“، والمتهم فيها رئيس الوزراء السابق، نجيب عبد الرزاق، وهو أحد أهم السياسيين المدعومين من الإمارات.

عراب صفقات الفساد في ماليزيا “لو تيك جو“، كان المتهم الرئيسي في القضية وقضايا أخرى تتعلق بالفساد ونهب صندوق سيادي ماليزي، حصل على لجوء سياسي في الإمارات، وأعلنت ماليزيا وأطراف أخرى متأثرة بالقضية غضبها من حماية أبوظبي لرجل الفساد الأول في ماليزيا وطالبت بتسليمه، لكنه لم يحدث.

عائلة “جوبتا”

أما “عائلة جوبتا” ذات الأصول الهندية التي تحكمت في جنوب أفريقيا، فلم تجد أفضل من الإمارات وجهة للعيش فيها، بعدما حاصرتها أغلب دول العالم والمنظمات باعتبارها واحدة من أكبر شبكات العالم. ويعيش الأخوة “أجاي وأتول وراجيش غوبتا” في دبي منذ مغادرة جنوب أفريقيا عندما استقال الرئيس السابق جاكوب زوما عام 2018.

وارتبط اسم عائلة “جوبتا” بواحدة من أكبر الفضائح السياسية والمالية في جنوب أفريقيا، بعدما هاجرت من الهند إلى الدولة السمراء فسيطرت على مفاصل الدولة. ووصل الأمر إلى اختيارها الوزراء الجدد والحصول على عقود حكومية ضخمة وتلقي رشاوى وعمليات نهب واسعة النطاق بفضل صداقتها الطويلة مع الرئيس السابق جاكوب زوما. ووضعت وزارة الخزانة الأمريكية الإخوة غوبتا الثلاثة على قائمة العقوبات في عام 2019، بتهمة انتمائهم “لشبكة فساد كبيرة”.

اتهامات دولية

تعددت التقارير الدولية التي قدمت دلائل على تورط الإمارات في عمليات غسل أموال، وصنّفتها منظمة الشفافية الدولية على قائمة “الملاذات الضريبية”. وأدرجها الاتحاد الأوروبي ضمن القائمة نفسها عام 2019.

أما دبي التي كان لافتًا هجرة أثرياء العالم إليها،فلفتت صحيفة “نيويورك تايمز” الأمريكية التي نشرت تقريرًا عام 2018، أحصت خلاله لجوء 5 آلاف من المليونيرات لدبي، بعضهم تلاحقه اتهامات بفساد أو غسل أموال أو كسب غير مشروع. وكانت العقارات في دبي، باهظة الثمن، واحدة من الملاذات الآمنة لغسل الأموال والمهربين. وفق تقرير لمركز الدراسات الدفاعية المتقدمة، ومقره واشنطن، تقريراً في يونيو 2019.

الدوحة.. قِبلة الإسلاميين

على غرار جارتها الإمارات، باتت قطر قِبلة الإسلاميين الهاربين من بلدانهم، جراء صراعات على السلطة، أو ملاحقات قضائية أو اتهامات بفساد، وغيرها من الأسباب التي جعلت الدوحة جامعة لشتات “إسلاميي الهوى”.

طالبان.. الإمارة الإسلامية

أما وجود طالبان في قطر، فهي واحدة من أكثر التجارب غرابة، حيث بدأت بمقر لا يحمل لافتة يحتوي على مكاتب يجلس عليها ممثلو الحركة ومفاوضين أمريكيين، حتى سمته الحركة “إمارة أفغانستان الإسلامية”، ورفعت علمها على المبنى.

في العام 2013 فتحت الحركة مكتبًا سياسيًا في الدوحة بمباركة واشنطن مع احتدام الصراع، بهدف استئناف محادثات ترمي لإنهاء الحرب، وبينما كان من المفترض أن يكون المكتب مركزًا لمفاوضي طالبان، لكنه ضم لاحقًا مقاتلون متّهمون بجرائم.

متحدث باسم طالبان في قطر
متحدث باسم طالبان في قطر

مع تواجد مكثف للحركة في الدوحة استضافت قطر بعض قادة طالبان الذين أطلق سراحهم من غوانتانامو، ثم أصبح مكتب طالبان جزءًا من استراتيجية الولايات المتحدة للتفاوض على الانسحاب من أفغانستان.

حماس.. محور المقاومة

في “قمة الدوحة” عام 2009، دعت قطر القيادي في حماس خالد مشعل، لحضور الفاعلية، وجلس للمرة الأولى بجانب رؤساء عرب وإقليميين، ثم لم تمر ثلاث سنوات حتى غادرت الحركة سوريا، وولت وجهها شطر الدوحة التي وفرت لها دعمًا وثقلاً سياسيا وماليًا غير مسبوق.

كما استقر قادة الحركة، من بينهم خالد مشعل وإسماعيل هنية، في العاصمة القطرية الدوحة، ومن هناك وفرت الدولة الخليجية العمق الإقليمي للحركة. ولم يكن المال الذي يحمله السفير القطري إلى غزة لتوزيعه بنفسه من قبيل أن قطر “جمعية خيرية”، لكن وضعت الدوحة بثقلها في عمق القضية الفلسطينية، وهو ما أدركته الدول ذات التأثير التاريخي كمصر التي سحبت مؤخرًا البساط من الدوحة عندما أحدثت اختراقات في ملف المصالحة والعلاقة مع إسرائيل.

إخوان مصر.. رهان وبراغماتية في الدوحة

رأت قطر في جماعة الإخوان المسلمين، التي صعدت إلى السلطة عقب ثورة يناير، فرصة سياسية للرهان عليها، وقتها كان للإخوان حضور طاغ في تونس وليبيا والمغرب والسودان، وعلى هذا الأساس راهنت الدوحة على تلك القوى، وأتاحت للجماعة مساحة واسعة من الاستضافة والدعم والتمويل.

ولما أطيح بالرئيس الراحل محمد مرسي، اعتقدت قطر أن أنصار الجماعة ورقة يمكن المساومة بها، فوفرت لهم مكانًا ووسائل إعلام ومنصات إخبارية وجماهيرية، ثم لما قاطعتها دول خليجية ومصر تراجعت الدوحة وأعلنت أنها ستتخلى عن الجماعة، وطالبت أنصارها بمغادرة البلاد وأغلقت وسائل إعلام.

يوسف القرضاوي

لهذه العلاقة امتداد عن طريق الداعية الإسلامي يوسف القرضاوي، الذي سجل حضورًا طاغيًا في قطر التي منحته الجنسية، كما أتاحت له إطلالة على قناة الجزيرة عبر برنامج “الشريعة والحياة”، عندما أصبح واحدًا من رموز الجماعات الإسلامية والمُنظِّر لجماعة الإخوان المسملين، وامتلك علاقة وثيقة مع حاكم قطر حتى عام 2013، الشيخ حمد بن خليفة آل ثاني.

الصادق الغرياني

على غرار القرضاوي، استضافت قطر واحدًا من أكثر المشايخ الليبيين المثيرين للجدل، والذي وصف بـ”مفتي الحرب”، وهو الصادق الغرياني، الذي كان يشغل منصب المفتي العام للديار الليبية، وهو أحد منظري جماعة الإخوان المسلمين في ليبيا.

من الدوحة كان الغرياني يطل على المجتمع الليبي بفتاوى تجيز محاربة قوات القيادة العامة التي يقودها المشير خليفة حفتر بالمنطقة الشرقية، والتي خاضت مواجهات طويلة مع الجماعات الإسلامية في طرابلس ومصراتة.

عبد الحكيم بلحاج

ليبي آخر أتاحت قطر له مساحة للتحرك بحرية على أراضيها، وهو أمير الجماعة الإسلامية الليبية المقاتلة، وأحد أبرز عناصر تنظيم القاعدة، عبد الحكيم بلحاج، الذي أسس لاحقًا حزبًا سماه “الوطن الإسلامي”، وبلحاج الذي خرج من السجن بعد سقوط نظام القذافي، تحوّل إلى واحد من أكبر أثرياء ليبيا.

عبد الحكيم بلحاج
عبد الحكيم بلحاج

وعبر شركة الطيران التي يمتلكها “طيران الأجنحة”، تشير تقارير إلى أنها نقلت آلاف المقاتلين السوريين إلى غرب ليبيا لقتال قوات الجيش خلال فترة الحرب التي شنتها قوات خليفة حفتر، واتهمت تركيا وقطر بدعم الإسلاميين في المنطقة الغربية.

قادة الجماعة الإسلامية.. قاتلو السادات

بعد سقوط نظام الإخوان المسلمين في مصر، استضافت قطر قادة من الجماعة الإسلامين الذين نشطوا بعد ثورة يناير، بعضهم أدين سابقًا في واقعة اغتيال الرئيس المصري الأسبق محمد أنور السادات، ومنهم طارق الزمر، وعاصم عبد الماجد، محمد الإسلامبولي.

السعودية.. “مِنْ كل حدبٍ يَنْسِلون”

أما مسرح السعودية لاستضافة الفارين ذو صبغة جديدة، مفادها أنها فتحت أبوابها للقادمين العرب والأفارقة والآسيويين، هاربين من مناطق نزاعات، أو ملاحقين بملفات فساد أو حتى ذي خلفيات دينية، وجد الجميع أرضًا خصبة تتسع لطموحاتهم.

جيران المملكة

كان لليمن نصيب غير قليل من مساحة السعودية المتاحة لاستيعاب الفارين من النزاع في الدولة الجارة، أغلبهم يديرون استثمارات مليارية، اقتطعوها من نصيب شعب هو من ضمن الأفقر بالمنطقة.

عائلة الرئيس الراحل علي عبدالله صالح التي سرقت من أموال اليمنيين حوالي 60 مليار دولار، يعادل ذلك المبلغ خمسة أضعاف موازنةَ اليمن، وجدت باب المملكة مشرّعا لاستقبالهم، وعندما أصيب “صالح” جراء قصف القصر الرئاسي هرع إلى المملكة وعاد بوجه جديد، وقد تماسك وبات أكثر قوة وأشد صلابة في ميدان الحرب.

كما يقيم إمبراطور النفط والاختلاس في اليمن أحمد العيسي، في الرياض، التي وفرت له حماية واسعة لإدارة تجارته من هناك، حتى بات أحد أبرز تجار الحرب في اليمن، فضلاً عن استضافة السعودية الحكومة اليمنية التي تحول أغلب أطرافها لسماسرة في حرب اليمن.

أما لبنان، فثمة تاريخ ضارب بجذوره بين البلدين، باعتبار أن المملكة اخترقت في كثير من الأوقات الأزمة هناك، دعّمت أطرافا على حساب آخرين، وفتحت أراضيها وفنادقها لسياسيين، بعضهم أحاطته لاحقا اتهامات بالفساد، منهم محمد الصفدي، وحتى أسرة الحريري.

زين العابدين بن علي

أما الرئيس التونسي زين العابدين بن علي، فهو الزعيم الوحيد الذي انحنى أمام عاصفة “الربيع العربي” مختارا الرحيل إلى السعودية في يناير 2011، بعد أن رفضت فرنسا استقباله أو منحه اللجوء السياسي، ظل بن علي متواريًا عن الأنظار، حتى وافته المنية في سبتمبر 2019.

باسم عوض الله

وعندما ضاقت الأردن بالسياسي ذو الأصول الفلسطينية، باسم عوض الله، ولى وجهه شطر المملكة العربية السعودية، بعدما غادر بلده مثقلاً بحمل كبير من اتهامات بالفساد وتورط في الإتجار بالبشر، لكنه مرتبط في الوقت نفسه بدول إقليمية وملفات حساسة وتدور حوله شبهات أمنية، وهي الأدوار الشبيهة بمحمد دحلان في الإمارات.

اقرأ أيضًا| وجه الشبه بين “باسم عوض الله السعودية” و”دحلان الإمارات”

وأثيرت شبهات فساد حول ثروة عوض الله في الأردن إبان فترة تقلده مناصب حكومية، وتقول وثيقة مسربة إن السفير الأمريكي دافع عن عوض الله وقال إن استثماراته خارج الأردن. بعدها انتقل إلى السعودية وصار اسم عوض الله ملازمًا لولي العهد محمد بن سلمان، وعمل مستشارًا له في السنوات الأخيرة، وكان العقل المدبر وراء خطط خصخصة شركة أرامكو مؤخراً، وغيرها من الأفكار الاقتصادية، وفق تقارير عديدة، قبل أن يتورط في القضية الشهيرة التي سمتها السلطات الأردنية بـ”قضية الفتنة”، وحكم عليه فيها بـ15 عامًا.

باسم عوض الله إلى جوار محمد بن سلمان
باسم عوض الله إلى جوار محمد بن سلمان

آخرون

لم تكن حقبة “الربيع العربي” الوحيدة التي فتحت خلالها المملكة أبوابها للفارين من بلدانهم، لكنها استضافت في أوقات سابقة زعماء وشخصيات سياسية، منهم الوزير العراقي رشيد علي الكيلاني في العام 1958، ومحمد البدر آخر حكام المملكة المتوكلية اليمنية، وذلك في أعقاب ثورة سبتمبر ضد المملكة المتوكلية عام 1962، وانتهت بسقوط الملكية وهروب الإمام محمد البدر حميد الدين إلى السعودية.

ومن القارة السمراء، لجأ الديكتاتور الأوغندي عيدي أمين إلى المملكة إثر سقوطه في العام 1979، وتوفي فيها في العام 2003، وعندما نفذ الجنرال الباكستاني برويز مشرف انقلابًا عسكريًا سنة 1999 لجأ رئيس الوزراء آنذاك نواز شريف إلى السعودية فأقام فيها سبع سنوات.

لماذا الخليج وجهة الفارين؟

تمثل منطقة الخليج بالنسبة للسياسيين أو الإسلاميين الفارين من بلدانهم مصدر ثقة وأمنًا على أرواحهم وأموالهم بسبب عدة عوامل هي:

– القبضة الأمنية وأنظمة المراقبة المنتشرة في كل مكان وزاوية، تحميهم من أي خطر يهدد حياتهم، فهم يعيشون حياة آمنة ومعزولة ومترفة في آن معًا

– القوانين التي لا تمنع وصولهم برفقة الأموال، فتستوعبهم بلدان الخليج وتفتح لهم مجالات لغسلها

– تؤدي دول خليجية خاصة الإمارات أدوارًا لإعادة غسل وتدوير الشخصيات السياسية التي يعود بعضها إلى أوطانهم لممارسة اللعبة السياسية

– ثمة حسابات سياسية وأيديولوجية إزاء حالات قبول الفارين إلى الخليج، بعضها يتعلق بهوية إسلامية كما في قطر، وبعضها الآخر يتعلق بمشروعات توسعية كما تعاملت السعودية مع ملفي اليمن ولبنان

– تبقى دول الخليج واحدة من أفضل الملاذات المفضلة لغاسلي الأموال

– تلعب دول الخليج بورقة السياسيين الفارين إليها في معركة كسب النفوذ الإقليمي، فاستقبال الإمارات أشرف غني يمكن أن يكون مرتبطًا في جزء منه بتوجيه إنذار لقطر وهي منافسة أبو ظبي في ملفات إقليمية وراعية اتفاق الانسحاب الأمريكي.

صد اللاجئين.. لماذا لا يستقبل الخليج الفقراء؟

المفارقة إزاء ما سبق، أن دول الخليج العربية أوصدت الباب في وجه اللاجئين والفارين من جحيم الحروب من الأسر العربية بمناطق النزاع في الشرق الأوسط، كما أنها تهربت من الاتفاقات العالمية الرئيسية التي تحدد وضع اللاجئين.

ووجهت عدة منظمات دولية انتقادات مستمرة لدول الخليج، سواء من خلال بيانات أو نقاشات مفتوحة، بسبب تجاهل تلك الدول إعادة توطين اللاجئين السوريين على وجه التحديد منذ بدء الأزمة ما كشف فَجاجَة الأكذوبة التي ترددها وهي تستقبل الأثرياء الفارين من بلدانهم بأنها تتبع سياسة حماية اللاجئين وطالبي الحماية.

كما لاحظت تقارير دولية هذه المفارقة بين تعامل دول الخليج مع الأثرياء والفقراء الفارين من دولهم، حيث وضعت وكالة “فرانس برس عنوانًا يلمس جرحًا خليجيًا: أزمة اللاجئين تشعر بعض سكان دول الخليج الغنية بالخجل، كانت المفارقة في ذلك أن الحكومات باتت أقل خجلاً في تلك المسألة لكن كيف للمواطنين أن يواجهوا فضاءً إلكترونيًا مفتوحًا يتساءل بشكل دوري لماذا حكوماتكم لا تقبل اللاجئين الفارين من الموت؟ هذا سؤال مفسد للأفراح.

اقرأ أيضًا| العمالة الأفريقية بالخليج.. حينما تصبح السخرة والانتهاكات لغة حوار

ورغم أن الوافدين ساهموا سابقًا في تعزيز اقتصاد دول الخليج، بل المشاركة في تأسيس الدول الحديثة كالإمارات، فإن تلك الدول تغلق الأبواب أمام اللاجئين لخوفها من آرائهم السياسية في مجتمع لا يقبل رأيًا آخر، وجرى العرف فيه ألا يشارك أفراده في السياسة.

العدوى السياسية

لذلك، منذ العام 2011 تبنت الدول الخليجية نهجًا أكثر تشددًا بشأن قبول دخول الفلسطينيين والسوريين والشيعة في علامة على مدى قلق هذه الدول من استيراد العدوى السياسية، فضلاً عن أن دول مجلس التعاون تتبع نظام الكفالة في جلب الأيدي العاملة الأجنبية، وهو ما يبرز الفرق بين أن تكون لاجئًا في تلك البلاد وأن تكون مقيمًا ضمن برنامج كفالة العمل، فلا يسمح برنامج كفالة العمل مثلا للوافدين بتغيير عملهم أو مغادرة البلاد دون إذن من صاحب العمل.

علاوة على ذلك، فإن دول الخليج تتخوف من حدوث تغييرات ديمغرافية لديها؛ كما تخشى أن يرفع اللاجئون سقف مطالبهم في المستقبل ويطالبون بحقوق معينة بعد أن يستقروا في تلك الدول. كما أن ثمة عاملا اقتصاديا آخر وراء رفض استقبال اللاجئين، يتمثل في تسعى دول الخليج لتقليص أعداد العمالة الأجنبية لديها، على غرار برنامج “سعودة الوظائف” في السعودية وتقليل نسبة العاملة بالمؤسسات الإماراتية.