من وهم الحلم الأوروبي للموت غرقا. أو الاستقرار بين أسماك البحر المتوسط. مصير آل إليه الكثيرون في محاولاتهم لتحقيق حلم الهجرة بطرق غير رسمية. هربا من أوضاع اقتصادية غير ملائمة. في مقابل وفرة نسبية في الموارد لبلدان الغرب الغني.
مأساة قديمة ومتكررة تبدأ بحلم
تحسين المستوى المعيشي. ودفع تحويشة العمر للحصول على مقعد في مركب متهالك. وطريق سفر شديد المخاطر. فينجح في الوصول فقط ما نسبته 3%. بحسب مدير إدارة الهجرة غير الشرعية بوزارة الهجرة وائل حسن فراج.
منذ أيام تلقت قرية تلبانة مركز المنصورة في الدقهلية. خبرا حزينا عقب الإعلان عن غرق مركب كان يقل نحو 70 من أبناء القرية، في رحلة هجرة غير شرعية. ووفاة 11 شخصًا من شباب وأطفال القرية، الذين كانوا ضمن الرحلة، فيما لم يعرف مصير الآخرين.
https://www.youtube.com/watch?v=e0ES1FTpJoU
وكان أحد سماسرة الهجرة غير الشرعية المقيم في ليبيا. أعلن عبر الفسسبوك. عن وفاة 11 شابًا وطفلًا من أبناء القرية. تتراوح أعمارهم بين 14 و19 سنة. وخرج بعضهم دون علم أهله متجهين إلى ليبيا.
ورصدت وسائل الإعلام حالة من الحزن والغضب بين الأهالي. وتلقت العديد من الأسر العزاء في فقد أبناءهم. بينما يعيش العشرات من الأهالي الحيرة والخوف على ذويهم الذين لم يعرف مصيرهم حتى الآن.
في الوقت نفسه أعلنت وزارة الداخلية ضبط السمسار المتورط وشقيق أبوسمرة. الذين أبلغ الأهالي باسمه، كما تم ضبط 4 أشخاص على صلة بالرحلة المفقودة. وجارٍ التحقيق معهم للكشف عن ملابسات الواقعة وطريقة تسفيرهم إلى ليبيا.
قامت بعض الأسر بتسفير أطفالها. إلى إيطاليا بحجة أنهم صغار السن، على أمل أن تتبناهم السلطات الإيطالية، وتلحقهم بالمدارس هناك بعد وصولهم إلى الشواطئ الإيطالية.
وظهرت لبعض الناجين مقاطع مصورة على وسائل إعلام ليبية، من بينهم أطفال، ظهروا غاية في الانهاك، والضعف، يروون ما لاقوه من مخاطر. عبر المركب الصغير المتهالك، الذي لم يتحمل العدد الزائد.
الهجرة بطرق غير رسمية.. عودة الظاهرة
اللافت أن ظاهرة الهجرة بطرق غير رسمية انخفضت في مصر تحديدا خلال السنوات الأخيرة. حتى وصلت لأدناها، خاصة في ظل جهود خفر السواحل المصرية. والتشديد الأمني على المناطق الحدودية، ثم عادت الظاهرة للبروز خاصة خلال وباء كورونا.
غير أن الوباء كسبب ليس هو الوحيد. فمن ناحية ارتفعت النسب مرة أخرى فيما قبل الوباء بقليل. ولكن تغيرت الطرق بشكل واضح في ظل ابتكار المهربين طرق وحيل جديدة. وحتى استغلالهم لعدم استقرار الأمني لبعض البلاد المجاورة مثل ليبيا، دورا مهما في عودة الظاهرة للبروز على السطح.
وعادة وبحسب شهود العيان. يصل المهاجرون إلى السلوم أو جنوب سيوة. ومن هناك يوجد من 10 إلى 12 درب صحراوي. حيث يتواجد مع المجموعة مرشد خبير بالطرق الصحراوية، ومسافاتها وأمنها، خاصة مع وجود ألغام كثيرة على الحدود بين مصر وليبيا.
وفي الحادث الأخير روى والد أحد الضحايا لوسائل الإعلام أن نجله سافر يوم 26 يونيو الماضي، إلى ليبيا. عن طريق محمد أبوسمرة وشقيقه لطفي، اللذين حصلا منه على 23 ألفًا و350 جنيهًا، بخلاف 2500 جنيه “حلاوة وصوله”. وفي السلوم التقى نجله مع شخص اسمه الديب، حيث كان المسؤول عن دخوله ليبيا.
بعدها وصل ليبيا، وأقام في مكان يدعى “التخزين” يختبئ فيه العديد من المهاجرين، وهو تابع لأبوسمرة. من يوم 30 يوليو حتى يوم 21 أغسطس. ثم التحق بالمركب، بعدها انقطعت الأخبار عن المركب، حتى أعلن السمسار بنفسه عن الحادث.
الهجرة بطرق غير رسمية.. طرق الموت
ولكن في واقعة جرت أحداثها في شهر فبراير الماضي، أسفر عن غرق عدد من الأطفال والشباب. حاول المهربون استبعاد طريق السلوم من خطتهم، إذ كانوا يخططون للسفر إلى إيطاليا عن طريق ليبيا. فحاولوا التسلل عن طريق البحر، هربا من الكاميرات والأسلاك الشائكة على الحدود الغربية، وأسفرت الواقعة عن غرق المركب بسبب سوء الأحوال الجوية ووفاة ركابها.
كما أن السفر عن طريق المغرب، يعد مكلفا جدا. وتم التشديد عليه أمنيا، وبعد دخول اللاجئين من جنسيات أخرى على الخط. يحاول المهربون الترويج لطرق جديدة مثل اليونان وتركيا بتأشيرة سياحية ولكن بتكلفة أكبر قد تصل لـ 100 ألف جنيه.
طريق المغرب
وحول طريق المغرب يحكي أحد الناجين قصته قائلا: “اتفقت مع أحد السماسرة على أن يساعدني في السفر إلى إيطاليا مقابل 80 ألف جنيه. عن طريق المغرب، فمن خلال المغرب سنعبر إلى إسبانيا بحرا. وبالفعل عملت الجواز وسافرت من مطار القاهرة إلى المغرب. ثم سافرت إلى مدينة “مليلة”.
ومليلية هي مدينة محل نزاع بين المغرب وإسبانيا. ويلجأ إلى هذه المدينة الكثير من المهاجرين باعتبارها بوابة للدخول إلى أوروبا. ولكن الشرطة الإسبانية لا تتوقف عن مطاردة الهاربين بها.
وبالفعل تم القبض عليه وتم التحقيق معه، بعدها تم رفض طلب لجؤوه، كما أن السلطات المغربية كشفت عن هذا الطريق، فبدأت تطارد المهربين، ولذلك بدأ بعض الشباب يبحث عن طريق آخر وهو السفر إلى النيجر ومنه إلى المغرب.
التقسيم الجغرافي للظاهرة
تقتصر الهجرة غير الرسمية في مصر على محافظات دون غيرها. وبحسب دكتور الجامعة الأمريكية أيمن زهري. فإن هناك 11 محافظة مصرية كانت تضم أكبر عدد من المهاجرين بطرق غير رسمية أغلبها تقع في الدلتا. وهي الشرقية، والدقهلية، والقليوبية، والمنوفية، والغربية، والبحيرة، وكفر الشيخ، والفيوم، وأسيوط، والأقصر، والمنيا.
واعتبر الزهري أن مصر من الدول التي لا تعاني من تفاقم هذه الظاهرة. وأن الأمر قديما كان أكثر محدودية. إذ كان لا يخرج من الناحية الجغرافية عن ثلاث أو أربع قرى.
ولكن في رأيه ساهم الإعلام في انتشار الامر، وكثرة الحديث حوله. ما جعل الكثير من الشباب يحلمون بالهجرة، أملا في حياة أفضل.
ويؤكد الزهري أن الحياة الأفضل، وتحسين المستوى الاقتصادي، هو الدافع الأهم بين الشباب. خاصة في ظل تدهور الوضع الاقتصادي، وارتفاع مستوى الفقر خاصة في الريف عن المدن.
لافتا إلى أن علاج الظاهرة يجب أن يبدأ بالاتصال الشخصي. مع هولاء الشباب والوقوف على أسبابهم، ومحاولة حل مشاكلهم، عبر متخذي القرار. مؤكدا أن الأمر لازال تحت السيطرة، ويمكن القضاء عليه نهائيا.
من ناحية أخرى يؤكد الزهري أن الهجرة، والانتقال من مكان إلى آخر أمر شرعي وحق من حقوق الانسان. يجب أن تعمل دول العالم على تسهيله، في محاولة لتحسين جودة حياة البشر.
الهجرة بطرق غير رسمية.. عربيا
لا تعد ظاهرة الهجرة غير الرسمية حكرا على مصر. فهي تنتشر في ربوع العالم العربي خاصة الدول ذات الاقتصاد المحدود
وفي هذا الصدد يقول أستاذ الإدارة الحكومية والمحلية دكتور حمدي عرفة، إن بحسب دراسة أعدها بنفسه عن الهجرة غير الشرعية للمواطنين العرب في ٢٢ دولة عربية في ظل جائحة كورونا.
يوجد ما يقرب من ١٤٨٥٠ حالة سنويا تحاول الهجرة غير الشرعية عبر الدول العربية، كما أن كل مركب يستقله ما بين ٢٠٠ إلى 500 افرد، وذلك على حسب حجم مركب الصيد المستخدم والذي لا يتضمن أي درجة من الأمان، كما أن متوسط سعر الفرد ما بين ٢٦٠٠ دولار الى ٤٠٠٠ دولار.
وحول مخاطر الرحلة التي يواجهها هؤلاء يقول عرفة في حال وصول المركب إلى وجهته، يكون متوسط مدة الابحار ١٧ ساعة، بعدها يتم إلغاء جميع من على المركب من خلال عوامات يستخدمها البعض ممن لا يجيدون السباحة على بعد ٢كم في عرض البحر بالقرب من الشواطئ الأوربية، خوفا أن يتم إلقاء القبض على أصحاب مراكب الصيد، أما عدد مراكب الصيد الغير مرخصة وغير مطابقة لمواصفات الأمان تصل الى اكثر من ٦٥٪ من المراكب.
لذا يطالب عرفة بالتنسيق العالمي حيث يتم وضع شرطة دولية من قبل الأمم المتحدة في المياه الإقليمية المشتركة بين الدول المعنية تكون مهمتها القبض على عصابات الهجرة الشرعية من أصحاب مراكب الذين يعرضون الأرواح إلى الخطر.
دول الاقتصاد المنخفض.. المغرب العربي ومصر
أما البلاد التي تتركز فيها الظاهرة فيقول عرفة. إن مواطنين مصر، والمغرب، الجزائر، تونس، وليبيا يتصدرون مشهد الهجرة غير الرسمية وخاصة من قبل الشباب العربي إلى الدول الأوروبية عبر البحر المتوسط خصوصا”.
ووفقا لعرفة: خلال الوقت الحالي يتواجد في أوربا مليون و٦٠٠ ألف مهاجر غير شرعي تنقلهم عصابات محليه واقليميه ودوليه من خلال مراكب الصيد.
لافتا إلى أن مصر وضعت تشريعات تصل إلى الحكم بالمؤبد على متعهدي الهجرة غير الشرعية، ولكن للأسف لا يوجد تنسيق شامل بين تلك الدول للحد من الظاهرة.
ونص قانون رقم 82 لسنة 2016 الخاص بمكافحة الهجرة غير الشرعية وتهريب المهاجرين في مادته السادسة على أن “يُعاقب بالسجن وبغرامة لا تقل عن خمسين ألف جنيه ولا تزيد على مائتي ألف جنيه أو بغرامة مساوية لقيمة ما عاد عليه من نفع أيهما أكبر، كل من ارتكب جريمة تهريب المهاجرين أو الشروع فيها أو توسط في ذلك”.
وتابعت المادة: “العقوبة تكون السجن المشدد وغرامة لا تقل عن مائتي ألف جنيه ولا تزيد على خمسمائة ألف جنيه أو غرامة مساوية لقيمة ما عاد عليه من نفع أيهما أكبر، إذا كان الجاني قد أسس أو نظم أو أدار جماعة إجرامية منظمة لأغراض تهريب المهاجرين أو تولى قيادة فيها أو كان أحد أعضائها أو منضما إليها، أو إذا كانت الجريمة ذات طابع عبر وطني، وإذا كان من شأن الجريمة تهديد حياة من يجري تهريبهم من المهاجرين أو تعريض صحتهم للخطر، أو تمثل معاملة غير إنسانية أو مهينة”.