تعد تجربة نوادي المسرح بمسرح الثقافة الجماهيرية التي أسسها الراحل الدكتور عادل العليمي في أوائل التسعينات. شروع تثقيفي مسرحي بالأساس. ومفرخه حقيقية للمبدعين كرافد أساسي للمسرح المصري بوجه عام، وكم من مبدعين تصدروا الساحة الفنية كانوا خريجي هذه التجربة. ووصلت في طفرة منها لأن تحصل على جائزة المهرجان التجريبي بعرض “كلام في سري” لنادي مسرح الأنفوشي للمخرجة ريهام عبد الرازق.
وشهدت تجربة نوادي المسرح منعطفات وتحديات كبيرة عبر مسارها الطويل وتعدد مديري هذا المشروع الكبير والطموح. الذي تولاه الأب الروحي لنوادي المخرج سامي طه عدة سنوات. بعد الدكتور عادل العليمي وانصب اهتمامه على توسع أفقي وورش على هامش المهرجان. وحضور كبير للمبدعين طوال فترة المهرجان لتبادل الخبرات، ثم حادث بني سويف في مهرجانها الثالث عشر ونقطة التحول. ثم التضييقات الرقابية على المشروع رغم أنها تعد من عروض اليوم الواحد والتي تعتمد على التجريب والحرية في التناول.
وعبر سنوات تخطت الثلاثين عام وإطلاق مشروعات للتطوير منها من رأى النور واستمر عام أو عامين كأن لم يبدأ. ومنها من تمت تجربته كمشروع النادي المركزي. ولكن بشكل خاص ولم يمتد لباقي المحافظات، ومنها مشروع الجماعات المسرحية الذي كان مشروعا أوسع أفقا للممارسين ولحق بسابقه. ثم ورش المخرجين ولقاء شباب المخرجين، وغيرها من مشروعات لم تحظى بالوقت الكاف لاختبارها ومعرفة جدواها وأثرها وإن كانت انتزعت من النوادي البريق.
كما شهدت نوادي المسرح تحولات فارقة وتكلسات وصلت لحد استقرارها على اعتماد المخرجين حتى تخلت عن هذه الميزة بضع سنوات. عبر عدة مشاريع استحدثت مثل ورش المخرجين التي لم تكمل عامين إبان تولي الدكتور صبحي السيد إدارة المسرح. ثم لقاء شباب المخرجين الذي سحب البساط تماما عن فكرة الاعتماد عبر نوادي المسرح. وزاحم شباب المشروع أنفسهم كل من يريد الاعتماد مخرجا بالثقافة الجماهيرية، وصولا لمحاولات لعمل لائحة لنادي المسرح وترسيخ وجوده بكل موقع ثقافي إبان تولي المخرج عصام السيد لإدارة المسرح، ولم ترى التجربة النور.
وعبر أراء بعض الفاعلين بالمشروع وعدد من مديريه السابقين والحالين والباحثين والنقاد نتعرف على حكاية نوادي المسرح. ومحاولات التطوير المختلفة والتي لم ير معظمها النور وكيف وصل حال التجربة لتوقف مهرجانها الختامي لعامين متتاليين.
الرعيل الأول لنوادي المسرح
يقول المخرج حمدي حسين “جاءت نوادي المسرح كنتاج للحراك السياسي في بداية الثمانينات وهو ما أتاح بالنسبة للمسرح والأدب والفنون بشكل عام الفرصة لتكوين بعض الجماعات. وقدمت بعض الفرق عروضا من الإنتاج الذاتي منها بالمنيا والبدرشين، بدعم من حسين مهران رئيس الثقافة الجماهيرية عادل العليمي عام 1989 بتفعيل فكرة نوادي المسرح”.
وأضاف “خصصت وقتها ميزانية ألف جنيه منها ثلاثمائة جنيه لنشرة لنادي المسرح، ومن هنا تأسس مجلس إدارة لنادي المسرح، وتم عمل نشرة وورش، ومحاضرات”. ومن بين هذه التجارب نادي المسرح بالمنيا الذي لاقى دعما لوجستيا كبيرا من النقاد من بينهم الراحلون مهدي الحسيني وحازم شحاته وناهد عز العرب وغيرهم. ثم تم عمل المهرجان الأول بدمياط، وكان لكل نادي عرضين مسرح وكانت نوادي المنيا، البدرشين، دمياط، الفيوم، السويس، الإسكندرية، المنيا.
وتابع حسين “بعد الدورة الأولى سافر الدكتور عادل العليمي خارج البلاد وتولى مسؤولية النوادي، المخرج سامي طه الذي أقام المهرجان الثاني وما بعده ولقب بالأب الروحي لنوادي المسرح”.
وأوضح حسين أن استمرار التجربة ودفعها للاستمرار بسبب تولي أحمد جويلي منصب محافظ دمياط واعطى للمهرجان قاعة، بعدها انتقل جويلي محافظا للإسماعيلية. فاحتضن المهرجان مدة خمس سنوات حتى وصف المهرجان بانه مهرجان لمحافظة الإسماعيلية
وأضاف حسين أن نادي مسرح البدرشين كان يصدر نشرة ومن هنا بدأ توثيق المسرح العربي، عبر إصدارات عديدة. إضافة للورش التدريبية، والمحاضرات، ثم بعد انتقال الرعيل الأول من المخرجين للإخراج بفرق الثقافة الجماهيرية. وضعفت النوادي لأنها لم تعد بنفس الوهج، ولم تحصن التجربة بلائحة لاستمرارها كمشروع للتثقيف. وفكرة الاعتماد في النوادي كانت عامل جذب كبير للمبدعين وأفرزت أغلب المخرجين المتواجدين على ساحة مسرح الثقافة الجماهيرية الآن. لتستقر حركة النوادي على عرضين لكل موقع، وورشة اثناء المهرجان.
محاولة للتطوير والقضاء على كوتة المواقع
قال الدكتور أيمن الخشاب حول مشروع نادي المسرح المركزي: “كلفتني السيدة ليلى فهمي مدير فرع ثقافة الإسكندرية آنذاك. بالإشراف على نوادي المسرح بشكل مركزي على مستوى فرع ثقافة الإسكندرية عام 2004 بعد أن كان مدير الموقع يقوم باختيار عرضين لموقعه. وكان اختيار العروض يتم من خلالها لجنة من المسرحيين السكندريين. تختار التجارب الأفضل من خلال عرض جزء من المشروع امام جميع المشاركين. بل كان يسمح لأي مسرحي بالحضور”.
وأضاف “بعد تولي المخرج الراحل حسن عبده الإشراف على النوادي، رحب بالفكرة وشاركت معه في اختيار مشروعات إقليم غرب ووسط الدلتا. بدون إجراءات إدارية أو مكافآت، واخترنا وقتها عدة عروض، ثم فكرت في تعميم الفكرة وإنشاء نادي مركزي بكل إقليم أو فرع ثقافي. وقدمت الفكرة لإقليم غرب ووسط الدلتا للسيدة حنان شلبي، وكان نشاط النادي يشمل قراءات مسرحية وورش تدريبية وتقديم عروض بلا إنتاج”.
وأوضح الخشاب أنه خلال المهرجان الختامي لنوادي المسرح بالزقازيق، طرح مشروع نادي المسرح المركزي خلال جلسة المقهى المستدير برئاسة الأستاذ سامي طه. وقد حظى المشروع بموافقة شباب النوادي الحاضرين وأوصوا بتفعيله، ثم قامت الإدارة بمخاطبة الأقاليم لتفعيل المشروع. وقد استجاب إقليم غرب ووسط الدلتا لكتاب الإدارة العامة للمسرح الوارد بتاريخ 1/2/2009 وعقدت الانتخابات بتاريخ 24/4/2009. وتشكل مجلس الإدارة من أربعة أشخاص ثلاثة منتخبين وعضو مرشح من الإقليم، وأرسل تشكيل المجلس إلى إدارة المسرح بتاريخ 7/5/2009. وتبقى ترشيح عضو واحد من الإدارة العامة للمسرح، إلا أن الإدارة منذ ذلك التاريخ لم تحدد مرشحها وبدا أنها تراجعت عن المشروع.
طموحات ما بعد بني سويف
يتحدث الناقد عبدالناصر حنفي مدير نوادي المسرح عن النوادي في المرحلة التي أعقبت حريق بني سويف. قائلا: “التجربة تضررت بشدة، وأغلبنا أصابه شرخ كبير في علاقته بالمسرح وبالدنيا. وكثيرون توقعوا ألا تعود النوادي كما كانت. أو حتى أن يمر وقت طويل قبل أن تستطيع معاودة الإنتاج. ولذلك كان التحدي أن نستعيد الاطمئنان والثقة أولا، ثم أن ننقل هذه الحالة إلى شباب النوادي. وقد ساعدنا في ذلك مجموعة كبيرة من كوادر مسرح الثقافة الجماهيرية في المحافظات. والذين تطوعوا بالبحث عن هؤلاء الشباب والتواصل الشخصي معهم لتشجعيهم على معاودة تقديم تجاربهم”.
وأضاف “في هذا الإطار تم إلغاء نظام كوتة الإنتاج والذي كان يحدد عددا ثابتا من عروض النوادي لكل محافظة. بحيث يتم انتاج العروض الصالحة في كل موقع أيا كان عددها. وبالتالي أعدنا مرحلة مناقشة ومشاهدة المشاريع وتم تعميمها لتصبح الأداة الحاكمة في اتخاذ قرار الإنتاج من عدمه. وهو ما أدى لزيادة عدد العروض المنتجة من جهة، ولانعاش الحركة المسرحية في بعض المحافظات التي كانت تختنق تحت وطأة النظام القديم من جهة أخرى”.
وتابع حنفي: تم تشجيع شباب النوادي على تشكيل فرق تخصهم لها قوامها ومشروعها الفني. بحيث تصبح شريكا في إنتاج العرض ويسجل اسمها على كافة مطبوعاته ووثائقه إلى جانب هيئة قصور الثقافة.
وقال: بموازاة ذلك قمت أيضا بطرح مشروع الجماعات المسرحية الذي كان يستهدف التوسع في نطاقات تقديم خدمة الثقافة المسرحية على مستوى كافة مواقع الهيئة. فحتى الآن لا يغطي هذا النشاط سوى نسبة 15% من هذه المواقع، ولكن للأسف لم يتم تفعيل هذا المشروع بصورة جدية حتى الآن. واكتفى المسؤولون حينها باصطفاء اقتراح إقامة مؤتمر سنوي لهذه الجماعات على غرار مؤتمر ادباء الأقاليم. وهو ما تم تنفيذه لدورتين تحت اسم “المؤتمر العلمي للمسرح المصري في الأقاليم.
التجربة حادت عن مسارها
قال الكاتب شاذلي فرح والذي أدار نوادي المسرح عدد من السنوات عام 2006: إن “نوادي المسرح بعد الدكتور عادل العليمي والمخرج سامي طه تحديدا بعد التسعينيات. ثم تحولت لإقامة المهرجانات فقط وبعض الجهود الذاتية للورش وموائد مستديرة، لكن كان الاهتمام الأكبر بالإنتاج. رغم إمكانية عمل المحاضرات والورش اون لاين واصدار المجلات أون لاين، حسب ما اصبحت عليه الحياة عبر فيس بوك وتويتر وإنستجرام وبرنامج زووم. لكن المسرحيين أنفسهم لم يتحركوا عبر تلك البدائل التكنولوجية”.
وأضاف “بعد حادث بني سويف الذي يعد ضربة قاسمة للنوادي، توليت إدارة النوادي في 2006 بعد اعتذار الناقد عبد الناصر حنفي. حافظنا على الإنتاج بحيث يصل لمتوسط 250 تجربة، مع وجود موائد مستديرة بالمهرجانات الختامية وبعض الورش. ثم تقلصت بعد ذلك لصالح التجارب النوعية ولقاء شباب المخرجين. إضافة لنوافذ أخرى فتحت وأخذت من نصيب النوادي الكثير من الاهتمام، ومع الوقت حادت التجربة عن مسارها الذي أنشأت من أجله”.
أهمية عودة المهرجان الختامي
المخرج السعيد منسي المدير الحالي لنوادي المسرح، عرف نوادي المسرح بأنها المسرح التجريبي الخاص بالثقافة الجماهيرية، والذي يتبع أسلوب غير تقليدي في تقديم فن المسرح عبر ميزانية بسيطة. حيث تنتج النوادي عروضا بأفكار خارج الصندوق، وقال إن النوادي واجهت تحديات كبيرة أولها تحدي جائحة كورونا مدة موسمين. والذي أدى لأننا لم نستطع إقامة المهرجان الختامي، مما أفرز عدم وجود حافز لشباب المبدعين في المشاركة بتجارب نوادي المسرح.
وأشار منسي إلى أن إلغاء اعتماد المخرجين عبر نوادي المسرح كان ضربة للنوادي ويجب أن يعود اعتماد المخرجين عبر المهرجان الختامي لنوادي المسرح. مع وجود تجارب للمتميزين من النوادي عبر لقاء شباب المخرجين، الذي لم يعتمدوا بالمهرجان الختامي.
وأوضح منسي أن لجنة المشاهدة عليها أن تصنع ورشة للمخرجين وصناع العرض ومن ثم يتم اختيار التجارب عبر الاحتكاك المباشر بين المدرب والمخرج سوف يجعل الأفكار أكثر ثراء وتطورا.
وعن فكرة نادي المسرح كمكان بقصر الثقافة يضم المسرحيين، ويمكن عبره عمل برنامج تثقيفي للورش ومشاهة العروض وإقامة الندوات. ولكن إضافة لعدم اهتمام المواقع إلا أن المسرحيين أنفسهم لا يدركون أن لهم أحقية في نادي مسرح داخل كل موقع ثقافي وعبر آليات يخلقها المبدعين أنفسهم مثل نوادي الأدب يمكنهم أن يطوروا من الحركة ولصيح مهتمة بالتثقيف المسرحي قبل أن تكون مجرد انتاج عروض وهو ما يصب في ثراء تلك الحركة وحركة المسرح في مصر بشكل عام.
تأهيل شباب النوادي فنيا وثقافيا
وتقول الدكتورة لمياء أنور “عبر متابعتي لبعض المشروعات لنوادي المسرح ولجنة المهرجان الإقليمي أرى أن شباب النوادي يحتاجون بشدة للتعلم والمعرفة والوعي بماهية مشروع نادي المسرح. وأن الهدف من هذه التجربة ليس اعتماد مخرجين فقط، وأن تكون مناقشة المشاريع مناقشة حقيقية وجادة ومفيدة من قبل متخصصين. ولا يمكن أن نفرض على هؤلاء المبدعين أماكن عروض لا تتناسب وتجاربهم المسرحية. فيفترض أن يطابق مكان العرض ما وضعه المخرج بمشروعه الذي وافقت عليه إدارة المكان أو اللجنة التي ناقشته، ويمكن تدارك ذلك عبر فيش تكنيك للعرض يقدمه المخرج ضمن المشروع”.
وتابعت د. لمياء أنور “يحتاج المبدعين للندوات النقدية التقريبية من قبل لجان متخصصة، والتي غابت عن المهرجانات الإقليمية لنوادي المسرح، حتى يضع النقاد أيدي المبدع على نقاط قوة وضعف العرض. والميزات التي لديهم وكيفية تطوير الفكرة وتنفيذها بشكل يفضي إلى ما أراده المخرج، أثناء التفكير في المشروع ومناقشته. ولا يد من عودة المهرجان الختامي النوادي المسرح كي يتاح للمبدعين مشاهدة تجارب بعضهم البعض. وفي النهاية منح هؤلاء المبدعين حرية الانطلاق بأفكارهم ودعمها حتى يستطيع المبدع أن يعبر عن نفسه دون قيود”.
رفع سيف الرقابة عن إبداعات نوادي المسرح
قال المخرج والناقد أحمد عادل: إن “حجم الرقابة التي يفرضها أي نظام على المسرح تتناسب طرديًّا مع حجم الرقابة والقمع التي يمارسها النظام السياسي على المجتمع وأفراده. والمسرح باعتباره فعلًا للتفكير والدياليكتيك يرفض ويأبى أشكال الرقابة التي تحاول أي سلطة فرضها عليه، لذلك نجد أن المسرح يبتكر أساليب عديدة لمقاومة فِعْل الرقابة عليه”.
وأضاف “ينكر كثيرون أن نوادي المسرح خضعت في يوم ما للرقابة، وهذه محض كلمات تلوكها الأفواه دون أن تقارِب الواقع يومًا ما. فعروض نوادي المسرح تخضع للرقابة الإدارية منذ بداياتها وإن تخففت من سيف الرقابة الفنية ظاهريًّا. لكنها خاضعة لها دائمًا في كل مراحلها وأطوارها، وقد زادت في السنوات الأخيرة أكثر مما قبل”.
أحمد عادل: أشكال الرقابة التي يتم ممارستها على عروض نوادي المسرح متعددة. بدءا من الرقابة الإدارية على النصوص التي تمارسها الجهة المنتجة، مرورًا بالرقابة التي تمارسها اللجان المختلفة للإنتاج أو التحكيم. وانتهاءً بالرقابة التي تمارسها الجوائز والندوات في المهرجانات والتسابق.
وقال “أضيف مؤخرًا حضور رقيب من الرقابة على المصنفات الفنية لكافة ليالي العرض ولديه من السلطات والصلاحيات ما نعرفه. وتدفع الجهة المنتجة لعروض نوادي المسرح تكاليف حضوره وأجره”.
ذهبت مع الريح كل دعوات إقصاء سيف الرقابة عن عروض نوادي المسرح، وباتت الرقابة على عروض نوادي المسرح مشددة. هناك تحديات كبيرة للمشروع الذي بلغ عامه الثلاثين ويزيد ومازال يبحث عن مهرجانه الختامي في حالة يرثى لها. ويبحث عن فض الاشتباك مع مشروعات أخرى تزاحمه بنفس الجهة، ومشروعات أطلقت تشابهت في البحث عن العودة للتثقيف وعن لائحة ومكان لنادي المسرح بكل موقع ثقافي وتوسلت بتجارب قديمة لم تسمر او لم تر النور. أرى أن تجربة النوادي بكل ها الزخم تستحق أن نعيد النظر فيها ونأطرها بشكل لائحي يحمي فلسفتها وهدفها.