سيطر الحراك الإقليمي الجاري خلال الأسبوع الماضي على الملف الدبلوماسي في المنطقة، مع استمرار غياب التفاعل الدولي مع أزمة سد النهضة، التي لا تزال تراوح مكانها، مع تأكيد السودان على أن مفاوضاتها وصلت لطريق مسدود بسبب تعنت إثيوبيا، التي تجري تحركات بدورها على المستوى الدولي لوأد أي تحرك محتمل يدين تصرفاتها الأحادية التي تؤثر على مصر والسودان.

رسالة خطية من السودان لروسيا: إثيوبيا أفشلت مفاوضات سد النهضة

الإثنين الماضي، كشفت الخارجية السودانية عن فحوى رسالة خطية بعثها وكيل وزارة الخارجية السودانية، محمد شريف عبد الله، إلى نائب وزير الخارجية الروسي ميخائيل بوغدانوف، يقول فيها إن المفاوضات الثلاثية بين الخرطوم والقاهرة وأديس أبابا وصلت إلى طريق مسدود بسبب تعنت الأخيرة.

وتناولت الرسالة تفعيل المقترح المقدم من السودان والذي أيدته مصر والقاضي بتشكيل وساطة رباعية تقودها الكونغو بصفتها رئيس الدورة الحالية للاتحاد الإفريقي وبمشاركة الأمم المتحدة والاتحاد الأوربي وأمريكا، مؤكدًا موقف بلاده الساعي للتوصل لاتفاق شامل وعادل ومتوازن وملزم قانونا حول ملء وتشغيل سد النهضة.

سد النهضة
سد النهضة

أديس أبابا: تراجع الضغوط الأمريكية

وكانت الخارجية الإثيوبية قد أكدت قبل أيام أن أديس أبابا تنتظر دعوة الكونغو لمواصلة استئناف مفاوضات سد النهضة، مشيرة إلى أنها تتوقع المزيد من الضغوطات الخارجية فيما يخص ملف سد النهضة، وأنها لن تكترث إليها أبدا، معتبرة أن الضغوط الأمريكية بشأن ملف سد النهضة تراجعت بعد نجاح عملية الملء الثاني لبحيرة السد.

يذكر أن وزارة الخارجية الإثيوبية كانت أعلنت أواخر الشهر الماضي (يوليو) أن الملء الثاني لسد النهضة تم وبالكمية التي كانت مقررة من قبل وهي 13.5 مليار متر مكعب، لكنّ مراقبون يشككون في إتمام تلك العملية ويقول إن أديس أبابا فشلت في الملء الثاني وأن ترويجها عدم تأثير مصر والسودان رغم إتمام الملء الثاني “غير حقيقي”، كونها لم تكمل الملء لعدم اكتمال بناء إنشاءات.

السودان يشيد بالمبادرة الجزائرية

في الوقت نفسه، أشاد رئيس الوزراء السوداني عبد الله حمدوك بالمبادرة التي تقدمت بها الجزائر لحل أزمة سد النهضة، متوقعًا أن يتم التوصل “في القريب إلى حل لأزمة السد في إطار القانون الدولي”.

وقال حمدوك في مقابلة تلفزيونية إن بلاده “تقدر جهود القيادات الجزائرية” في المبادرة التي تقدمت بها لحل أزمة سد النهضة”، محذرًا من أن “السودان معرض للخطر الأكبر إذا حدث أي شيء لسد النهضة الإثيوبي”.

رئيس الوزراء السوداني عبد الله حمدوك
رئيس الوزراء السوداني عبد الله حمدوك

حمدوك لا “حل عسكريًا” مع إثيوبيا

ولفت إلى أنه لا “حل عسكريا” للقضايا الخلافية مع إثيوبيا بشأن الحدود والسد، مشددًا على أن “التفاوض والحوار يظلان الحل الأساسي للخلافات مع إثيوبيا”. وقال: “نحن جيران لإثيوبيا وتربطنا الأرض والجغرافيا والتاريخ والعلاقات المشتركة، وأؤكد هذه القضايا نستطيع حلها بالحوار”.

وأطلقت الجزائر مؤخرًا مبادرة تدعو إلى عقد لقاء مباشر بين مصر والسودان وإثيوبيا للتوصل إلى حل لخلافاتها حول الملف. وأعرب الرئيس الجزائري المجيد تبون عن “تفاؤله بنجاح المبادرة الجزائرية بخصوص ملف سد النهضة الإثيوبي”، داعيا الدول المعنية إلى “التجاوب” مع المبادرة الجزائرية و”التحلي بالحكمة والمنطق من أجل إيجاد حل سلمي للأزمة”.

لعمامرة: موقف السودان إيجابي

وقال وزير الخارجية الجزائري رمطان لعمامرة إن الجانب السوداني أبدى موقفًا “جد إيجابيا” للجهود التي تبذلها الجزائر فيما يتعلق بوساطتها في ملف سد النهضة، وفقًا لوكالة الأنباء الجزائرية الرسمية.

و أوضح لعمامرة، في رده على سؤال حول وساطة الجزائر في هذا الملف، خلال مؤتمر صحفي مع نظيرته الليبية، نجلاء المنقوش، في ختام اجتماع دول جوار ليبيا بالجزائر، إن تصريحات رئيس الوزراء السوداني عبد الله حمدوك جاءت “إيجابية جدًا”، حيث أثني على جهود الجزائر في ملف سد النهضة، “ما يشجع الجزائر على مواصلة جهودها” في هذا الصدد إلى أن يتم حسم الخلاف.

وزير الخارجية الجزائري، رمطان لعمامرة
وزير الخارجية الجزائري، رمطان لعمامرة

وكان لعمامرة أكد في وقت سابق أن “الجزائر على استعداد لمساعدة مصر والسودان وإثيوبيا على العودة إلى وضع طبيعي في المفاوضات حول سد النهضة”، لافتا إلى أن “واجب الجزائر يتمثل في إظهار الاستعداد والشجاعة والإخلاص من أجل مساعدة هذه الأطراف على تجاوز وضعية صعبة والتوصل إلى التفاهم في إطار وضع طبيعي يسمح للشعوب الثلاثة بالاستفادة من هذا المورد الثمين بشكل منظم وشفاف ومنصف”.

إثيوبيا تتحرك دوليًا

واصلت إثيوبيا تحركها الدولي لإحباط محاولة تونسية جديدة لتقديم مشروع قانون لمجلس الأمن يدين تصرفات أديس أبابا في ملف سد النهضة. وتقدمت تونس، العضو العربي الحالي في مجلس الأمن، بمشروع قرار إلى المجلس الشهر الماضي، يدعو إثيوبيا إلى التوقف عن أي إجراءات أحادية من شأنها الإضرار بدولتي المصب. لكن المجلس الذي ناقش النزاع في جلسة علنية لم يصدر أي قرار أو توصية حتى الآن.

الأسبوع الماضي أجرى دبلوماسيون إثيوبيون لقاءات مع سفراء الدول الأعضاء بمجلس الأمن وسفراء دول حوض النيل، لمطالبتهم برفض مقترح محتمل من تونس أمام مجلس الأمن، ودعم موقف إثيوبيا.

وزير الخارجية الإثيوبي دمقي مكونن
وزير الخارجية الإثيوبي دمقي مكونن

كما أجرى وزير الخارجية الإثيوبي دمقي مكونن، لاحقا، محادثات مع وزير الشؤون الخارجية الهندي س. جايشانكار، أعرب خلالها عن “امتنانه لحكومة الهند لدعمها قضية إثيوبيا خلال اجتماع مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة بشأن إثيوبيا من خلال رفض الضغوط للتدخل في الشؤون الداخلية لإثيوبيا”.

ودعا دمقي الهند إلى “رفض مشروع القرار التونسي المقدم إلى مجلس الأمن الدولي”، الذي اعتبره يُخالف الاتفاقية الثلاثية لحل الأمور وفقاً لبنود إعلان المبادئ، الموقع عام 2015.

وعلى الصعيد المصري، غابت التعليقات الرسمية، لكن مراقبين للموقف تحدثوا عن مآلات الأزمة في ظل التحجر الذي أصابها، تزامنا مع تفاعلات دبلوماسية أخرى تسيطر على المنطقة.

عباس شراقي: إثيوبيا فشلت في الملء الثاني بسبب عدم اكتمال الإنشاءات الهندسية

وقال الدكتور عباس شراقي أستاذ الموارد المائية بجامعة القاهرة، إن منسوب نهر النيل لا يعبر عن إيراد مصر من المياه، لأن المتحكم في كمية المياه التي تمر من بحيرة ناصر هو السد العالي.

وأضاف عباس شراقي في لقاء تلفزيوني: “الجانب الإثيوبي يرغب في إحداث التفرقة بين مصر والسودان بعد التقارب الشديد في وجهات النظر المصرية والسودانية”.  وتابع عباس شراقي: “الملء الثاني لـ سد النهضة توقف يوم 19 يوليو الماضي لأن المياه عبرت من أعلى جسم سد النهضة “. وأكمل عباس شراقي: “الجانب الإثيوبي فشل في الملء الثاني لسد النهضة بسبب عدم اكتمال الإنشاءات الهندسية لجسم السد”.

 

وأضاف: “هناك تخبط شديد في بناء سد النهضة، وكان من المفترض أن ينتهي البناء في 2017، وتشغيل 2 توربينة وتوليد الكهرباء في 2014 ولكن لم يحدث شيء إلى الآن رغم تخزين 5 مليار متر مكعب العام الماضي وتخزين 3 مليار في الملء الثاني”. وتابع عباس شراقي:” هناك حوالي 10 مليار متر مكعب خلف سد النهضة ولم يتم تركيب التوربينات حتى الآن”.

خالد عكاشة: المشهد في سد النهضة متوقف منذ مايو الماضي

أما العميد خالد عكاشة، مدير المركز المصري للفكر والدراسات الاستراتيجية، فقال إن الإضراب الداخلي أوقف تطور بناء عملية بناء سد النهضة، متابعًا: “المشهد في سد النهضة متوقف منذ مايو الماضي، وهناك فشل كبير في عملية استكمال البناء والملء الثاني”.

وأضاف عكاشة، في تصريحات تلفزيونية، أن إثيوبيا خزنت ما يتراوح ما بين 3 إلى 5 مليارات متر مكعب مياه، وهو ما انعكس على عدم الإضرار بمصالح السودان ومصر. وتابع رئيس المركز المصري للفكر أن “إثيوبيا دخلت نفقًا مظلمًا لا ضوء في نهايته حتى اللحظة الراهنة”، مشيرًا إلى أن مسألة التراجع الإثيوبي انسحب على ملف سد النهضة رغم أن أديس أبابا كانت تجنب ملف السد من الدخول في تعثرات اقتصادية.