رغم الادعاء المستمر من رئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد بأن دولًا أخرى هي الطرف المتسبب في عدم استقرار إقليم بني شنقول، الواقع به سد النهضة. إلا أن الهجوم الأخير الذي شنته جبهة تحرير تيجراي، يؤكد أن الرجل الحائز سابقًا على جائزة نوبل للسلام، يكاد لا يترك فرصة لتسويق أزمة الإقليم القابع على بعد 45 كيلومترا من الحدود السودانية، وتطويعها لتفتيت الجبهة الداخلية.
كان الجيش الإثيوبي أعلن إحباطه محاولة لعناصر متحالفين مع “الجبهة الشعبية لتحرير تيجراي”، التي تخوض مواجهات دامية مع الحكومة الفيدرالية منذ عام إلا قليلا، التسلل من أراضي السودان إلى المنطقة التي يقع فيها سد النهضة لتعطيل أعمال بنائه.
ويعود التوتر في إقليم بني شنقول إلى مشاحنات تسبق صعود ضابط المخابرات السابق، ابن عرقية الأورمو، إلى السلطة في عام 2018، والذي يبدو أنه يحاول تجاوز أزماته بمبدأ “السد فوق الجميع”!
يسكن “بني شنقول” القبائل الحدودية بين إثيوبيا والسودان، وهى أرض واحدة تعيش عليها مجموعة من قبائل البرتا أو بنى شنقول أو الفونج قبل التقسيم الذى لم يهتم بالحدود القبلية، فتسبب بتقسيم القبائل والجماعات العرقية الواحدة إلى دول مختلفة.
استنفار إثيوبي
آبي أحمد، الذي يواجه معارضة مستمرة نتج عنها تقدم قوات إقليم تيجراي في أراضي الأقاليم المجاورة في أمهرة وعفار، بعد تحرير أرضهم من سيطرة الحكومة المركزية، يعيش نظامه حالة من الاستنفار والتعبئة العسكرية من خلال حلفائه زعماء الأمهرة، حتى أنه قبل وقت قليل توجه إلى إقليم عفار المجاور مرتديًا بدلته العسكرية برفقة رئيس الأركان، وقائد القوات الجوية، ومدير جهاز الأمن والمخابرات، ليكونوا على الجبهات الأمامية للمواجهات مع مسلحي جبهة تحرير تيجراي.
نزاع تيجراي
وبحسب جويس كرم، المحاضرة في جامعة جورج واشنطن الأمريكية، فإن النزاع في تيجراي هو الامتحان الأصعب أمام إثيوبيا بسبب العوامل الإثنية والإنسانية التي تحيط الأزمة، والتي قد تشعل فتيل حرب في البلاد.
وتشير أرقام الأمم المتحدة إلى أن 5.2 مليون من أصل ستة مليون في تيغراي هم اليوم بحاجة ماسة للمساعدات فيما ما يقارب الاثنين مليون هجروا بيوتهم أمام تقارير العنف الجنسي والمجازر وقطع الإمدادات الإنسانية.
الهجمات التي تتم في مناطق متفرقة من البلاد، مع التركيز على إقليم بني شنقول الحدودي، هي زيادة وتيرة الخلافات العرقية نتيجة لسياسات آبي أحمد، فليس الأمر يقتصر على هجمات مُتباعدة على سد النهضة، بل الأحداث المشتعلة في إقليم تيجراي، وتحرك أقاليم أخرى منها إقليم أوجادين الساعي للانفصال هو الىخر عن الدولة، إضافة إلى محاولات أخرى في إقليم أوروميا على خلفية التضييق الأمني لبعض الشخصيات الرمزية وعلى رأسها اعتقال جوهر محمد، الذي ينتمي لنفس عرقية رئيس الوزراء.
وسط كل هذه الاضطرابات تأتي شمّاعة التدخل الخارجي، أحدث ما حمله بيان الجيش الإثيوبي حول الواقعة الأخيرةـ والذي حمل كعادته الأثيرة اتهامًا خفيًا لطرف آخر بدعم مسلحي إقليم تيجراي، في استمرار للتأكيد أمام المجتمع الدولي أن مُناهضي آبي أحمد ليسوا سوى فصيلة يُمكن سحقها لولا الدعم الخارجي.
فأورد الجيش أن الهجوم الذي قتل وأصيب فيه قرابة الـ 120 مسلحًا، يعود إلى مجموعة من المنتمين إلى جبهة تحرير تيجراي اخترقوا منطقة بناء سد النهضة، زاعمًا أنهم “كانوا قادمين من السودان”، بهدف “تقويض عمليات البناء في منطقة سد النهضة”؛ وفق منسق العمليات بمنطقة متكل بإقليم بني شنقول، العقيد سيفي إنجي.
رد سوداني على آبي أحمد
إزاء هذا القول، بادرت السودان بالرد على بيان الجيش الإثيوبي بوصفه بـ”تصريحات لا أساس لها من الصحة”، وظهر المستشار الإعلامي للقائد العام للجيش السوداني، العميد الطاهر أبو هاجة، على شاشة قناة “الشرق بلومبيرج”، ليؤكد أن التصريحات الإثيوبية “تعبر عن الواقع الصعب الذي يعيشه النظام الإثيوبي بسبب انتهاكاته المستمرة لحقوق شعبه”.
الهجوم الذي اعترف به الجيش الإثيوبي، أمس الجمعة، يأتي بعد شهر من إعلان الحكومة الإثيوبية عن مقتل أكثر من 170 وصفهم البيان بـ “عناصر مناهضة للسلام” دخلوا البلاد من السودان أيضًا، مضيفا أن هؤلاء القتلى “مسلحون خططوا لإحداث إرهاب وقتل مدنيين وتعطيل بناء إثيوبيا لسد النهضة الكبير”. رغم أن المنطقة نفسها “بني شنقول-قمز” شهدت، قبل عام، مقتل أكثر من 100 شخص في هجمات استهدفت أفرادًا من مجتمعات أمهرة وأورومو وشيناشا.
ووصفت الحكومة الإقليمية المقاتلين بأنهم “عناصر مناهضة للسلام” و”عملاء لجبهة تحرير شعب تيجراي” في إشارة واضحة إلى أن الجبهة تدعم جماعات في أجزاء أخرى من البلاد ضد نظام آبي أحمد.
حرب الهرم الأسود
وفي مطلع يونيو الماضي، ذكرت وكالة شبكة أمن المعلومات الإثيوبية، في بيان مقتضب، أنها “رصدت محاولات هجوم إلكتروني لنحو 37 ألف جهاز كمبيوتر، مرتبطة بعملية ملء المرحلة الثانية لسد النهضة”، وأضافت أن “مجموعة الحصان السيبراني”، كانت تحاول تنفيذ هجوم إلكتروني على مواقع الويب المختلفة في إثيوبيا، من خلال إطلاق فيروس كمبيوتر جديد يعرف بـ”حرب الهرم الأسود”.
لم تكن هذه هي المرة الأولى، فقد زعمت إثيوبيا في الأعوام السابقة تعرضها لهجمات سيبرانية بهدف تعطيل الأنشطة الاقتصادية والسياسية في أديس أبابا، مع توجيه الاتهامات لقراصنة مصريين دون أن تقدم -أيضًا- دليلًا على تلك الادعاءات.
وقبل أربعة أعوام، شهد السد الإثيوبي في مارس 2017 هجوما لمجموعة مسلحة تقدر بنحو 20 شخصًا تابعة للمعارضة الإثيوبية المتواجدة في إريتريا، والتي دخلت عبر الحدود بين إثيوبيا والسودان. وحاولت اقتحام موقع سد النهضة بالسلاح، لكن القوات الإثيوبية المكلفة بتأمين موقع السد اشتبكت معهم، ما أدى إلى مقتل عدد كبير منهم، وأسر من تبقى ومصادرة الأسلحة والمعدات المستخدمة.
في تلك المرة ألقت الحكومة الإثيوبية اتهامها على حركة 7 مايو الُمعارضة، والمحظور نشاطها، والتي تتهم إثيوبيا إرتيريا بإيوائها رغم النفي الدائم الذي ترد به حكومة أسمرا.