تضاربت الأنباء المتعلقة بولاية بانشير شمالي أفغانستان، أخر المعاقل المعارضة لعودة حركة طالبان إلى حكم البلاد. بعد اندلاع اشتباكات عنيفة بين الطرفين.

وفيما أعلنت حركة طالبان تقدمها ميدانيا في ولاية بانشير، معلنة احتفالها بقرب النصر. وسيطرتها على مديرية بريان، قالت قوات الزعيم المحلي أحمد مسعود إنها صدّت الهجوم.

وتعني الاشتباكات فشل المفاوضات التي كانت قائمة بين طالبان و”الخلاص الوطني” بقيادة أحمد مسعود نجل القائد الراحل لتحالف الشمال أحمد مسعود شاه، ونائب الرئيس الهارب أمر الله صالح.

طالبان تشن هجوما على بانشير
طالبان تشن هجوما على بانشير

وعلى الرغم من اجتياح طالبان لأنحاء البلاد في فترة وجيزة. إلا أن ولاية بانشير تعد الجيب الأخير للمعارضة. الذي لم تنجح الحركة في استمالة قادته. ويعد بمثابة الشوكة التي تؤرق طالبان، التي تستعد لإعلان تشكيلة حكومتها الجديدة.

في غضون ذلك دعا زعيم طالبان أمير خان متقي. سكان وادي بانشير إلى إلقاء أسلحتهم، مارفضه القادة في الولاية، في وقت تستمر فيه الاشتباكات.

وأعلن السكرتير العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش عن عقد مؤتمر رفيع المستوى خلال أيام لمناقشة الوضع الإنساني في أفغانستان.

ما الذي يحدث في وادي بانشير؟

أصبح الوادي الواقع في شرق أفغانستان موطنًا لجبهة المقاومة الوطنية. وهي مجموعة متعددة الأعراق تتكون من مليشيات وأفراد سابقين في قوات الأمن الأفغانية. تقدر أعدادهم بالآلاف.

وانضم إلى جبهة الخلاص الوطني نائب الرئيس السابق أمر الله صالح. لكن زعيمها هو أحمد مسعود، الذي كان والده يُعرف باسم “أسد بانشير”. كما أن الوادي له رمزيته الخاصة.

ففي الثمانينات من القرن الماضي لم يوقف أحمد شاه مسعود الغزو السوفيتي فحسب. بل استمر في إبعاد طالبان في التسعينيات. ليتم اغتياله على أيدي المتطرفين من الحركة قبل يومين من أحداث الحادي عشر من سبتمبر.

أما ابنه – البالغ من العمر 32 عامًا الذي درس في كينجز كوليدج لندن وخريج أكاديمية ساندهيرست العسكرية مصمم على استكمال مسيرة أبيه وإبعاد طالبان.

وفي الطريق إلى ذلك حاول مسعود الابن طلب المساعدة من الحلفاء الغربيين. كما حذر مسعود في مقابلة مع CNN من أن المسلحين لم يتغيروا. مضيفًا أنه ومقاتليه يؤمنون “ضرورة الحفاظ على الديمقراطية وحقوق وحرية جميع المواطنين بغض النظر عن العرق والجنس.

وبحسب وكالة الأنباء الفرنسية. فإن مقاتلي طالبان الذين يصلون إلى أطراف الوادي سوف يستقبلون أعشاش الرشاشات وقذائف الهاون ومراكز المراقبة المحصنة بأكياس الرمل.

نجل أحمد شاه مسعود
نجل أحمد شاه مسعود

يقول الجانبان إنهما تسببان في وقوع إصابات. لكن من الصعب قياس الأعداد الدقيقة، كما رفضت جبهة الخلاص الوطني مزاعم طالبان بأنها سيطرت على مناطق معينة. وتحاول طالبان قطع خطوط الإمداد في الوادي. على أمل إجبار المقاومة على الاستسلام.

وفي السياق ذاته أعلن المتحدث باسم مقاتلي جبهة المقاومة الوطنية، علي نزاري لـ”بي بي سي”. إن المقاومين أجبروا قوات طالبان على التراجع.

وفي المقابل، قال مسؤولون في حركة طالبان في المنطقة إنهم حققوا نصرا. وقال أحد قادتهم لوكالة رويترز: نحن نسيطر على جميع مناطق أفغانستان بفضل الله، لقد هزم مثيرو الشغب وبانشير تحت سيطرتنا الآن.

المعارضة تتهم باكستان بدعم طالبان

وكان أمر الله صالح نائب الرئيس الهارب أشرف غني، وأحد قادة جبهة المقاومة الوطنية ضد طالبان. ظهر في مقطع فيديو لإثبات أنه لا يزال في وادي بانشير.

وقال صالح، إن هناك ضحايا في صفوف الطرفين، وأضاف: لن نستسلم، نحن صامدون من أجل أفغانستان. ونشر صالح الفيديو ليؤكد أن التقارير التي تتحدث عن مغادرته البلاد غير صحيحة.

كما وجه صالح، الذي أعلن نفسه القائم بأعمال رئيس أفغانستان بعد سيطرة “طالبان” على كابول. اتهامات لباكستان بدعم “طالبان” في منطقة بنجشير.

وقال صالح في كلمته المصورة التي نقلتها وكالة “طلوع نيوز” الأفغانية: الوضع معقد، فقد واجهنا توغلا لـ “طالبان” وحلفائها من تنظيم “القاعدة” والجماعات الإرهابية المحلية التي تدعمها باكستان كالعادة.

وأضاف: هناك بضع مئات من مقاتلي طالبان عالقون في المنطقة وذخيرتهم تنفد تدريجيا، وهم يفاوضوننا حول شروط التسليم.
وفي هذه الأثناء، وصل مدير جهاز المخابرات الباكستاني فايز حميد إلى العاصمة الأفغانية كابول. وكانت باكستان قد نفت بشكل متكرر ادعاءات بأنها ساندت طالبان خلال العقدين الماضيين.

وقال متحدث باسم طالبان. إن وفدا سياسيا التقى السفير الباكستاني في قطر الجمعة لمناقشة الوضع الإنساني والحركة عبر الحدود.

طالبان والجماعات المتطرفة

في المقابل عملت طالبان منذ عودتها على الترويج لفكرة. إن إمارة أفغانستان الإسلامية التابعة لطالبان هي موطن لجميع الأفغان. وتعهدت بعدم دعم المسلحين المتطرفين، او جعل البلاد ملاذا للجماعات المتطرفة.

ولكن أنباء تفيد بعودة قواد ينتمون إلى تنظيم القاعدة. كما أن داعش تبنت عدة تفجيرات جرت في مطار كابول قبيل انسحاب القوات الأمريكية بساعات.

ومن قبل وجد تقرير حديث للأمم المتحدة صادر في العام الماضي، بناءً على معلومات استخباراتية للدول الأعضاء أنه على الرغم من وعود قادة طالبان الأفغانية بقطع العلاقات مع القاعدة ، يبدو أن العكس هو الصحيح.

وخلص التقرير إلى أن نواة طالبان والقاعدة لا تظهر أيّ مؤشرات على قطع العلاقات. مضيفًا أن طالبان تستضيف ربما المئات من عناصر القاعدة في شبه القارة الهندية في مقاطعات قندهار وهلمند ونمروز.

القاعدة

وقد توصل التقرير إلى أن تنظيم القاعدة في بلاد الرافدين جزء لا يتجزأ من تمرد طالبان و”سيكون من الصعب، إن لم يكن من المستحيل، فصله عن حلفائه من طالبان”.

كما أن طالبان لن تمنح دعما مطلقا لـتنظيم القاعدة لكنّها لن تتوانى عن حماية التنظيم الذي أسسه أسامة بن لادن.

وحسب رئيس بعثة الأمم المتحدة لمراقبة المجموعات الإرهابية أدموند فيتون براون، فخلال شهر أكتوبر 2020 “نعتقد أن قيادة تنظيم القاعدة لا تزال تحت حماية حركة طالبان” على حد قوله.

وفي أكتوبر الماضي، أعلنت القوات الأفغانية أنها قتلت “حسام عبد الرؤوف” أبو محسن المصري، الرجل الثاني والعقل المدبر البارز للقاعدة في شبه القارة الهندية، في ولاية غزنة الأفغانية، وضبطت الرسائل المرسلة إلى خلايا المجموعة حول العالم.
وقال مسؤول أفغاني رفيع إن العملية التي استهدفت الرؤوف كشفت رسائل للقاعدة بين أفغانستان وسوريا.

أعقب ذلك ضربتان أميركيتان نادرتان ضد إرهابيي القاعدة في محافظة إدلب السورية في الأيام العشرة التي تلت ذلك، على الرغم من أن المسؤولين الأميركيين نفوا وجود أي صلة بين الغارتين.

وتظهر تفاصيل هذه الغارة مدى تماسك الروابط بين القاعدة وطالبان، وفقا لمسؤول استخباراتي أفغاني كبير تحدث إلى شبكة “سي.أن.أن”، وقال إن الأمر “أعمق بكثير مما نعتقد”.

وأضاف: “ليس هناك الآن ارتباط عقائدي فحسب، بل هو أيضا ارتباط عائلي. هناك زيجات مختلطة. ومن المستحيل على طالبان أن تقف بوجه القاعدة اذا ما أرادت فعل شيء خارج البلاد”.

وأشار المسؤول إلى أن طالبان توفر ملاذا للقاعدة مقابل قيام الأخير بمساعدتهم في جمع الأموال وصنع القنابل.
ويرى أن هذا ما يصعب على طالبان تحديد علاقتها مع القاعدة بعد عودتها إلى السلطة، ولذلك فإن توضيح الكثير من الأمور سيتم على المستوى المحلي أكثر من المستوى الوطني، ويضيف “سيعتمد الأمر كثيرا على العلاقات الشخصية”.

وادي بانشير.. معقل المعارضة

أما بانشير فهي واحدة من أصغر مقاطعات أفغانستان. وهي موطن ما بين 150.000 و200.000 شخص. مختبئين خلف قمم الجبال التي ترتفع 3000 متر فوق نهر بانشير.

ويسكن في الوادي أغلبية طاجيكية كما عرف الوادي بشجاعة سكانه، بفضل محاربته للغزاة، كما أن المنطقة معروفة بوفرة الموارد الخاصة بمجال التعدين، وكذلك الاستثمار، وخلال العقدين الماضيين أقيمت به السدود الكهرومائية، وكذلك مهدت الطرق، واكتسب سمعة جيدة في مجال الأعمال.

كما أن على الأرجح هناك المئات من الوديان المماثلة في أفغانستان. لكن قرب الوادي من الطريق الرئيسي شمال كابول هو ما “يمنحه أهمية استراتيجية كبيرة، إذ أن مدخل الوادي ليس بعيدًا عن الطريق الرئيسي من كابول وممر سالانج. وهو نفق يصل بين مدينتي قندوز ومزار الشريف في الشمال.

كما أنها مخزن كبير للأسلحة حتى فيما قبل هروب قوات الجيش إليها، إذ عمد بعض المسؤولون الأفغان الذين لهم صلات مع بانشير على مدار 20 عاما إلى نقل المزيد من الأسلحة إلى هناك لأنهم كانوا قلقين بشأن الرئيسين كرزاي وخليفته غني.