“تلف الطعام وارتفعت الأسعار ولا طاقة لنا على التحمل”. عبارة رددها عدد من المواطنين السودانيين تعليقا على أزمة الانقطاع المتكرر. الذي قد يصل متوسطه لنحو 10 ساعات متصلة يوميا.

تتيابين الآراء بشأن أسباب تلك الانقطاعات. ويربطها البعض بأيادي النظام البائد ومحاولته زعزعة استقرار البلاد. فيما يؤكد آخرون أنها ناتجة عن ضعف الإنتاج وترهل المؤسسات. وأن الأزمة تحتاج فقط لبعض الوقت ليتم تجاوزها كما حدث في غيرها من أزمات الوقود والخبز.

أزمة الكهرباء في السودان
أزمة الكهرباء في السودان

التقرير التالي يرصد الوضع في الداخل السوداني من خلال بعض السكان والسياسيين وكذلك وجهات النظر المتعلقة بالأسباب ونتائج استمرار الانقطاعات على هذا النحو لوقت أطول.

مواطنون سودانيون: نعيش أزمة مستدامة

مواطنو السودان يعيشون حالة من الغضب والترقب لمسار الانقطاعات المتكررة للكهرباء. التي أثرت على مختلف نواحي الحياة الاقتصادي منها والاجتماعي والسياسي أيضا.

يؤكد عضو حزب المؤتمر السوداني، عاصم عمر  أن معاناة الكهرباء فاقت قدرة المواطنين على التحمل وجعلتهم يتركون منازلهم من وقت لآخر فالانقطاع لا يحدث بشكل عام ولكنه نظامي ومعلن. ويتغير من منطقة لأخرى لذلك يلجأ البعض للرحيل إلى حيث وجدت الكهرباء لدى الأصدقاء والأهل والأمر أصبح تبادلي للتعايش والهروب من ارتفاع درجات الحرارة.

عاصم عمر عضو حزب المؤتمر السوداني
عاصم عمر عضو حزب المؤتمر السوداني

وتصف لنا مهندس الميكانيكا، هبة آدم، المقيمة في الخرطوم الوضع قائلة: فترة القطوعات تفسد الطعام ما يشكل أزمة حقيقية للأسر ضعيفة الدخل.

وأضافت أن المولدات هي الحل البديل أمام المواطن السوداني خاصة لسكان العمارات والشقق المغلقة. مضيفة أن هناك تداولا أيضا لمراوح الشحن في البيوت الشعبية والمساكن الأرضية، مؤكدة أن مراوح الشحن تعمل بالبطارية لنحو 10 ساعات وتحتاج نحو 4 ساعات لشحنها، وعملها قاصر على التهوية ويعلوها كشاف إنارة ووصلة لشحن الهواتف منها ويصل سعرها حاليا لنحو 40 ألف جنيه سوداني. وتعتبر حل مناسب في مقابل المولدات التي يتراوح أسعارها ما بين 200 لـ 400 ألف جنيه سودانى.

وكشفت آدم عن وجود حالات وفيات في المستشفيات ناتجة عن الاختناق وتوقف الأجهزة. وأن الأسعار بها ارتباك كبير وتتغير من أسبوع للآخر تأثرا بزيادة تكلفة الإنتاج بشكل عام.

وحسب تقرير عن البنك الدولي عام 2019. فإن الكهرباء المتوفرة في السودان تكفي احتياجات ثلث السكان فقط. وأن معدل الطلب على الكهرباء يرتفع في السودان عن أغلب الدول الأفريقية بنحو 11% سنوياً.

نتائج كارثية

مجموعة من النتائج الكارثية الناتجة عن تكرار انقطاع الكهرباء على الأفراد والاقتصاد بشكل عام. يأتي في مقدمتها فتح المجال بشكل أكبر لانتشار الأوبئة والأمراض. بالإضافة إلى تهديد عدد كبير من المرضى بشكل يومي نتيجة تأثر المستشفيات.

وأصبحت المصانع تعاني من ضعف في الإنتاج بشكل عام وارتبطت القدرة على تجاوز بمدى إمكانية الإنفاق على البدائل ما رفع من تكلفة الإنتاج وبالتبعية ارتفعت الأسعار.

وتأثر أيضاً القطاع التعليمي إلى حد كبير. فالطلاب يعانون أثناء تحصيل دروسهم وبعضهم يلجأ لأعمدة الإنارة في الشوارع أثناء الامتحانات في محاولة لتخطى الأمر خاصة أن كورونا حالت دون الانتظام في الدراسة.

انقطاع الكهرباء ألقى بظلاله على الاقتصاد بشكل عام فتعطلت الكثير من الاستثمارات وأصبح مرهون بتخطى أزمة الكهرباء وتحدياتها.

وأشارت آدم، إلى أن الكثير من المنتجات الغذائية ارتفعت أسعارها تأثرا بالانقطاعات المتكررة فضلا عن الزيادة الكبيرة اللصيقة بمنتجات توليد وشحن الكهرباء. متوقعة استمرار الأمر لوقت أطول خلال الفترة المقبلة.

من المسؤول؟

فايز السليك، المستشار السابق لرئيس الوزراء السوداني، الناطق الرسمي باسم الحكومة السابقة. قال إن هناك شحا في إنتاج الكهرباء. وإن متوسط الاحتياج يقدر بنحو 4000 ميجاوات. بينما المنتج منه يتراوح من 2 لـ 3 آلاف ميجاوات.

وأضاف السليك في تصريح خاص لـ”مصر 360″. أن النظام البائد ترك مؤسسات مترهلة وقديمة لا يمكنها أن تلبي الاحتياج الحقيقي. لكن أكد أن هذا لا يبرر للحكومة تراخيها في إيجاد حلول جذرية حاسمة للأمر. وأن عليها العمل على إيجاد بدائل في مجال الطاقة المتجددة.

وعن ردود أفعال المواطنين. لفت السليك إلى وجود حالة من الغضب بين المواطنين وعدم ارتياح للأداء الحكومي بشكل عام. قائلا: الكهرباء والانقطاعات تعد واحدة من الأسباب التي قللت من أسهم الحكومة وتسببت في تآكل شعبيتها التي كانت مرتفعة وقت توليها لزمام الأمور.

أما عن الوضع القائم والخاص بالانقطاعات الكهربائية فقد أكد الناطق الرسمي باسم الحكومة السودانية السابقة، فايز السليك، أن أغلبها يحدث في فترة المساء. ما يخلق أزمة في التعايش خاصة في ظل المناخ شديد الحرارة الذي تعاني منه البلاد.

تخريب ممنهج 

وعن الدور الذي يلعبه النظام البائد في أزمة كهرباء في الداخل السوداني. لفت السليك إلى وجود مؤشرات تخريب ممنهج وسرقات للمحطات والأجهزة.

وأضاف: هناك عمليات إقالة تمت لفنيين ثبتت تبعيتهم للنظام القديم. ما أثر سلباً على الأداء بشكل عام. قائلا: رغم وجود دلالات تشير بأصابع الاتهام لعناصر تخريبية تتبع النظام البائد ولكنني ضد تعليق الأزمات على شماعة الغير. فالحكومة الحالية عليها تحمل المسؤولية والبحث الجدي عن الحلول.

بينما يرى عضو حزب المؤتمر السوداني، عاصم عمر. أن دور النظام البائد في إحداث أزمة انقطاع الكهرباء الحالية ضعيف ربما يظهر في الخرطوم ومناطق الوسط. إلا أن هناك أسبابا أقوى، منها الإنتاج الزهيد للكهرباء الذي لا يغطى الاحتياج وكذلك صعف الطاقة الإنتاجية لبعض السدود الرئيسية فهناك مناطق لم تصلها الكهرباء من الأساس كما هو الحال بالنسبة لدارفور.

ويضيف عاصم عمر، في تصريحه لـ”مصر 360″. أن الحكومة الحالية تمكنت من تجاوز أزمة الخبز ونقصه وكذلك الوقود وهو الأمر الذي يؤكد قدرتها على تخطى أزمة الكهرباء أيضا. خاصة أن هناك دعم دولي مالي يتم تقديمه في شكل مشروعات كما حدث في مؤتمر باريس ولكن الأمر سيحتاج وقت أطول لتخطى الأزمة.

 السودان يستمد نصف امداداته الخاصة بتوليد الكهرباء من الطاقة الكهرومائية بينما يقتصر النصف الآخر على حرق الوقود.

الموقف الحكومي

أكد رئيس الوزراء السوداني عبد الله حمدوك. أن حكومته ستعمل على توفير مناخ يساعد على إنتاج الطاقة من مصادرها المختلفة للتعامل مع أزمة الكهرباء والوصول إلى حلول جذرية لها.

واعتبر حمدوك أن التعامل مع أزمة انقطاع الكهرباء ضرورة ملحة تطلب مواجهة التحديات المالية والفنية والادارية الخاصة بالقطاع. معتبراً أن المرحلة المقبلة سيتم فيها اللجوء للخبرات الأجنبية خاصة في البلدان التي تمكنت من مواجهة هذا التحدي وتحقيق إنتاج أكبر من الكهرباء.

حمدوك
حمدوك

وكشفت الحكومة السودانية أنها ستعمل على معالجة محطة “قري 3” متوقعة أن يتم الانتهاء منها في موعد لن يتجاوز يونيو 2023.

فيما يرى وزير الطاقة السوداني، جادين على. أن الأزمة تكمن في توفير موارد للقطاع والتمويل اللازم للمشروعات التي يمكنها دعم إصلاح القطاع. مشيرا إلى أن بادرة الأمل التي باتت في الإمكان الآن هي توفير الطاقة البديلة فالربط الإقليمي يتكلف نحو 700 مليون جنيه.

وتقدر الطاقة التصميمية للمحطات الحرارية بما يزيد عن 1200 ميجاوات. إلا أنها لا تنتج سوى 560 ميجاوات، ومن المتوقع أن ترفع شركة التوليد الحراري حجم هذا الإنتاج إلى 750 ميجاوات خلال عام 2022 بعد إتمام العمل في المحطتين الجاري العمل على الانتهاء منهم.

وتسعى الحكومة لتزويد وارداتها من الكهرباء من خلال عدة منافذ. منها التوجه نحو جارتيها مصر وإثيوبيا. وكذلك إبرام الاتفاقات الخاصة بالتوليد على غرار ما حدث في العام الماضي. ومنها التعاقد مع شركة “جنرال إلكتريك. لإنتاج قد يصل لنحو 470 ميجاوات. فضلا عن المشروع التي أعلنت عنه بالتعاون مع شركة سيمنز لتوليد الطاقة في كلا من: “قري وبورتسودان”، واستهدافها إنتاج نحو 900 ميجا وات.