“الستر” مصطلح مطاط وأحيانا يتحمل أكثر من معناه، هل الستر مرتبط بالكذب والتدليس؟ أم بالصمت والمداراة؟ أن نعرف ونتجاهل؟ هل لمجرد كون هدف الستر طبيعي أن يبرر “طرمخة ” مجتمع على جريمة؟ هل الرأفة بالشخص الذي سينفضح هو فعل إنساني نبيل حقا أم أنه يحمل  هدفا آخر!.. وهو عدم تحمل المسئولية والهروب من المواجهة؟  ويتم تجميل هذه السلبية باسم ” الستر”، يفعل الناس وكأنهم يتكرمون به على شخص ما وهم في الحقيقة يخذلوه بشكل واضح؟

كلها أسئلة دارت في رأسي وأنا أتابع ردود الفعل على فتوى أحد علماء دار الإفتاء عن إجازة ترقيع غشاء البكارة ولكن بشروط  معينة!

( 1)

صفحة جديدة سوداء

منذ أيام ورد سؤال من طبيبة نساء وتوليد إلى الدكتور أحمد ممدوح، مدير إدارة الأبحاث الشرعية، وأمين الفتوى في دار الإفتاء المصرية، عن قيامها بعمليات رتق غشاء البكارة لفتيات تمّ التغرير بهن، وما إذا كان ذلك حلالاً أم حراماً؟.. رد الدكتور ممدوح على السؤال في حديث مصور بثته صفحة الدار على فيسبوك قائلاً: “في بعض الأحوال الترقيع مطلوب ومشروع مثل أن يكون لفتاة تمّ اغتصابها أو تمّ التغرير بها وتريد أن تتوب وتفتح صفحة جديدة، ودار الإفتاء أفتت بجواز ذلك من باب الستر وليس فيه تغرير بأحد”.

الدكتور أحمد ممدوح أمين الفتوى في دار الإفتاء المصرية
الدكتور أحمد ممدوح أمين الفتوى في دار الإفتاء المصرية

أضاف: “الستر مطلوب وإشاعة الفاحشة في المجتمع أمر مرفوض، والإصرار على إذلال العاصي بمعصيته سد لأبواب الرحمة أمام الناس، وتأييس لهم من رحمة الله، وتشجيع لهم على ممارسة الرذيلة، ولكن هناك بعض الحالات حرام فيها شرعا رتق غشاء البكارة”.

حين استمعت للفتوى استوقفتني عدة مفردات تم استخدامها، بل وكانت مستفزة جدا لي ولكثيرين غيري، حيث قال “ليس فيه تغرير بأحد” و”إشاعة الفاحشة أمر مرفوض” و”إذلال العاصي بمعصيته”

( 2)

ليس فيه تغرير ؟!

حقا؟ كيف ذلك؟ لنتخيل الموقف: أنا فتاة انضحك عليا باسم الحب ووعد بالزواج فقبلت بإقامة علاقة جنسية مع شخص كنت أظنه يحبني ولن يتركني وسيتزوجني.. أو في أسوأ المواقف تم اغتصابي، ثم تقدم لي شخص آخر للزواج مني فاستمعت لفتوى الدكتور ممدوح وذهبت لإجراء عملية ترقيع لغشاء البكارة ثم تزوجت دون مصارحة خطيبي أو زوجي فيما بعد بعلاقتي السابقة أو باغتصابي.. فكيف يكون هذا الكذب  ليس تغريرا  بأحد؟ الزوج هنا يظن أنه أول رجل يلمس زوجته وأنها بكر، وهذا على غير الحقيقة..  لقد تم التغرير به بالفعل يا شيخ ممدوح.

المفترض والإنساني والأكثر منطقية أن نخبر الطرف الآخر ونترك له القرار في الاستمرار في إتمام الزواج أو الانفصال، بدون محاسبة الفتاة.. وأن تنصح الشاب بأن يكون هذا النقاش والتصريح من الفتاة بينهما فقط بدون تبليغ أو ” تسييح” لها بين أهلك وأصدقائك.. ليس لأنها فضيحة تستوجب الستر ولكن لأن هذا حقها في الخصوصية وهي صاحبة القرار فيمن يعرف أو لا.

( 3 )

تدليسُ وإفساد

نهاد أبو القمصان، رئيسة المركز المصري لحقوق المرأة قالت: إن فتوى دار الإفتاء المصرية، بإباحة ترقيع غشاء البكارة به نوع من التدليس لعقد الزواج قانونيًا، ومخالفة لعقد الزواج، مؤكدة أن القانون ينص على أن أي شيء من التدليس في العقد يُفسد العقد.

وأضافت نهاد أبو القمصان، خلال مداخلة هاتفية مع برنامج “حديث القاهرة”، المذاع عبر قناة القاهرة والناس، أنه في حالة زواج أى فتاة وتم في كتابة العقد أنها “بكر” وسبق لها الزواج حتى لو جواز شرعي رسمي، فذلك يعتبر نوع من التدليس في عقد الزواج، قائلة: “إن فساد العقد يبطل الزواج حتى يتراضى الطرفان معًا”.

إذن فالزواج باطل يا شيخ بالقانون والأخلاق والشرع

( 4)

” إشاعة الفاحشة أمر مرفوض”

أي فاحشة يا سيدي تتحدث عنها؟ الاغتصاب أم التغرير بفتاة بالوعد الكاذب بالزواج؟ أي الحالتين؟ كان يجب أن تشرح أكثر وتنورنا.

الفاحشة في الدين هي: سلاطة اللسان والإشراك بالله واللواط والبخل والشح والزنا وكل ما  يشتد قبحه من الذنوب والمعاصي.

فهل كان يقصد الشيخ بالفاحشة فعل الزنا؟ الاغتصاب ليس زنا  ولا التغرير بفتاة زنا.. وهل إخبار الأهل والشاب الذي جاء يتزوجني وأنا مُغتصبَة بما حدث هو “نشر للفاحشة”؟ والكذب عليه ليس نشراً للفاحشة؟ عادي كده؟ نكذب حتى لا ننشر الفاحشة في المجتمع؟ لا سيدي نكذب حتى تتم الزيجة ونخلص من الفتاة وعارها.. صح كدة؟ تمام.. هل هذه هي رؤيتك الشخصية للموقف أم هو رأي المجتمع وبالتالي رأيك حضرتك لأنك أيضا من نسيج هذا المجتمع الذي تربى على أن الاغتصاب عار للفتاة بل إن الكثير من الآباء يقتلون الفتاة الضحية بعد اغتصابها لأنها جابت لهم الفضيحة..

فهل كنت تقصد بذلك نشر الفاحشة وأنه يجب الكذب حتى لا ينتشر معنى دعم المغتصبة والتعامل معها أنها ضحية ولا تُعاقب؟ فنسامحها ولكن لا نخبر الناس أنها اغتصبت أو غُرر بها؟ أليس الله تعالى يقول: “ولا تزر وازرة وزر أخرى”؟

فلماذا تعتبر وأنت رجل دين وعلى رأس المؤسسة الوحيدة التي تُصدر فتاوى في شئون حياة المسلمين أن الكذب والغش مشروع وإعلان أن الفتاة تم اغتصابها والدعوة لتقبل الوضع بدون أن نعاقبها هي -ونبحث عن الفاعل ونعاقبه-  ليس حلا مطروحا بل المطروح والمستحب والواجب هو “الستر” والصمت والترقيع والخداع.

 

(5)

“والإصرار على إذلال العاصي بمعصيته سد لأبواب الرحمة أمام الناس”

هي دي النقطة المهمة فعلا.. فأنت بهذا تعلم أن الناس لا تغفر وأن الفتاة تعيش في ذل وهي الضحية، حتى أنت بنفسك قلت: العاصي بمعصيته، هل لا تزال تتحدث عن فتاة مُغتصَبة؟ أو كانت في علاقة مع شاب وعدها بالزواج؟ أي معصية ارتكبتها فتاة مغتصبة؟ لماذا نحاسبها بدلا من أن ندعمها نفسيا ونجيب لها حقها ونداويها؟ هل الحل هو الترقيع والغش وتعيش كزوجة على باطل؟ لماذا لا توجه حديثك للناس التي لا ترحم وتحاسب وتذل؟ لماذا لا تستغل منصبك وقوته في التأثير على هؤلاء ومحاولة تغيير الكثير من المفاهيم المغلوطة لدى المجتمع.. ولكنني وأنا أسأل هذه الأسئلة اكتشفت أنك –يا شيخنا- من قلب هذا المجتمع ، تعيش فيه وبداخلك ترحيب مستتر بهذه  المفاهيم المغلوطة.

ضحايا الاغتصاب
ضحايا الاغتصاب

( 6)

رؤية الدم ليست دليلا..

غشاء البكارة ما هو إلا أنسجة تكونت بصورة عشوائية على عمق 2 سم داخل المهبل أثناء المرحلة الجنينية – مجرد أنسجة، وحدوث نزيف بسبب الممارسة الجنسية الأولى ليس أمرًا حتميًّا، إذ إنه ببساطة لا يحدث لـ50% من النساء، حسب دراسة نشرتها طالبتا الطب “نينا بروكمن” و”إيلين ستوكن دال” في كتاب حول الصحة الجنسية للأنثى بعنوان “دليل المستخدِم إلى حقيقة الفَرْج”، استعرضتا فيه دراسات عديدة بعض نتائجها صادمة.

تنقل الكاتبتان أن نتائج “كشف العذرية” كانت في بعض الدراسات من الفشل بمكان، لدرجة أنها أثبتت عذرية فتيات يعملن في الخدمات الجنسية، ونفت العذرية عن فتيات عذراوات لم يسبق لهن أن مارسن الجنس قط.

في الحقيقة، هذا ليس كشفًا علميًّا حديثًا بل حقيقة طبية معروفة منذ مئة عام تقريبًا، ويبدو أن الرجال خاصة في بلادنا العربية مهووسون برؤية دماء العذرية ، فلا يجب أن تقود دراجة أو تركب خيلا لأنه سيفض الغشاء حتما، حتى أن المراة المطلقة تجد قيودا حولها أكثر من الفتاة التي لم يسبق لها الزواج، لمجرد أنهم لن يستطيعوا إثبات عفتها لأنها ببساطة سبق لها الزواج.. كما أن الرجال يحبون أن يسبوا بعضهم البعض بعضو المرأة، فهو مدعاة للشرف والعفة وأيضا للسب والعار.. كل شيء يحول المرأة لـ “شيء” تابع للرجل، مفعول به، مجرد متاع ينتظر حكم المجتمع عليه.. ويبرر الستر بدلا عن محاسبة المجرم، ويبرر ترقيع غشاء لا يوجد أصلا عند 50% من الفتيات ولكن أدينا بنعمل اللي علينا عشان نستر على البنت اللي هي أصلا ضحية..

متى ينتهي كل هذا الخداع؟..