استيقظت أجهزة الأمن الإسرائيلية فزعًا صباح اليوم على هروب ستة أسرى من أحد السجون شديدة الحراسة، بعد أن نجحوا في حفر نفق امتد لعشرات الأمتار، وفق ما نشرت صحيفة هآرتس العبرية. والتي أوضحت أن قوات الأمن الإسرائيلية اكتشفت فتحة الخروج الصغيرة “على بعد أمتار قليلة خارج أسوار السجن”. وهو ما أدى إلى حملات بحث محمومة في كامل الأراضي المحتلة، وقرار بنقل نحو 400 أسير خلال الساعات المقبلة وتوزيعهم على باقي السجون، خوفًا من وجود أنفاق سرية جديدة.

عملية الفرار التي تمت في سجن “جلبوع” الواقع شمال الأراضي المحتلة، وصفتها وسائل الإعلام الإسرائيلية بأنها “محبوكة جيدًا”. بينما نقلت عن مسؤول كبير في الشرطة الإسرائيلية قوله بإنها “إحدى أخطر الحوادث الأمنية بشكل عام”، وتُعيد إلى الأذهان قصص الهروب الجماعي للأسرى الفلسطينيين، والتي مثّلت في كل مرة صفعة للنظام الأمني الإسرائيلي.

4500 فلسطيني في سجون الاحتلال

في أبريل الماضي، وخلال فعاليات الاحتفال بيوم الأسير الفلسطيني، كشفت وكالة الأنباء الفلسطينية “وفا” عن عدد الأسرى الفلسطينيين القابعين داخل السجون الإسرائيلية. والذين يبلغ عددهم نحو 4500 أسير، بينهم 140 طفلًا قاصرًا و41 امرأة موجودين في مختلف السجون الإسرائيلية. بينما يبلغ عدد الأسرى الفلسطينيين القدامى المعتقلين قبل توقيع اتفاقية أوسلو 25 أسيرًا، أقدمهم الأسيران، كريم يونس، وماهر يونس، المعتقلان بشكل متواصل منذ عام 1983.

كذلك هناك عدد من الأسرى المحررين في صفقة “وفاء الأحرار” من الذين أعادت السلطات الإسرائيلية اعتقالهم، وهم من قدامى الأسرى، أبرزهم الأسير نائل البرغوثي. الذي يقضي أطول فترة اعتقال في تاريخ الحركة، والتي وصل مجموعها إلى 41 عامًا، قضى منها 34 عاماً بشكل متواصل. إضافة إلى مجموعة أخرى من الأسرى؛ فيما بلغ عدد الأسرى الذين مر على اعتقالهم 20 عامًا بشكل متواصل 62 أسيرًا، وهم ما يعرفوا بـ”عمداء الأسرى”. وقد صدرت أحكام بالسجن المؤبد بحق 543 أسيرًا، وأعلى حكم أسير من بينهم هو عبد الله البرغوثي ومدته 67 مؤبدًا.

نصف منشار

في الأيام الأولى من شهر مايو عام 1987، تلقى الأسير الفلسطيني مصباح الصّوري هدية غير عادية من أحد أصدقائه، تمثّلت في رغيف من العيش الفينو يحوي بداخله نصف منشار حديدي. تلك الهدية كانت الركيزة الأساسية التي بنى عليها مصباح -المحكوم عليه بالسجن لثلاثين عامًا- خطة كُبرى، عُرفت فيما بعد بـ “الهروب الكبير من سجن غزّة”. وشكّلت صدعًا أمنيًا في كرامة الأجهزة الإسرائيلية.

وضع مصباح خطته بدقة، فاستعان باثنين من الأسرى لمساعدته في قصّ قضبان حمّام الزنزانة، لكنهما لم يشاركا في الهرب كون فترة سجنهما شارفت على الانتهاء. بينما ضم إلى فريقه ستة من أصحاب الأحكام العاليّة، الذين لا فرصَةَ لهم بالتحرر من الأسر إلا بصفقات التبادل أو الهروب. لكن، لم تكن عمليةُ قصّ القضبان سهلةً، ففي الزنزانة رقم 7 التابعة للقسم (ب) كان هناك 26 أسيراً، جميعهم يستخدمون نفس غرفة الحمام، ليضطر الأسرى لاستخدامه خمس مراتٍ يومياً للوضوء، استعداداً للصلاة.

بدأ مصباح الصّوري في التفكير في المعوقات التي يجب التغلب عليها، وكان أولها برج حراسة يبعد عن النافذة 10 أمتار تقريبًا، وكان الجنديّ المسؤول عنه يراقب النوافذ بشكل دائم. ويسلّط كشاف الضوء كل نصف ساعة باتجاه النافذة المراد اختراقها، وهناك برج ثانٍ يبعد عن الغرفة 30 متراً. بينما يقبع مكتب مخابرات السجن في الطابق الأول أسفل الزنزانة التي تم الهروب منها. لذلك عمل مصباح ورفيقيه من أجل قصّ القضبان لمدة تراوحت بين ثلاثة وسبعة أيام -حسب روايات مختلفة- وكانوا يعملون في الحمام لفترة قصيرة بين 10–13 دقيقة في كل مرة، محاولين عدمَ لفت انتباه بقية الأسرى.

وروى الأسير السابق أبو السّرهد في لقاء نشره “الإعلام الحربي لسرايا القدس”، إنه في ليلة الأحد 17 مايو1987، والذي وافق أحد الأعياد اليهودية. ساد الهدوء في السجن في الواحدة والنصف بعد منتصف الليل، ووضع الأسرى الوسائد مكانهم على الأسرّة للإيحاء باستغراقهم في النوم. ثم بدأوا بالخروج من النافذة، وساعدتهم طبقة من الضباب حلّت في تلك الليلة ليصعدوا على سطح المطبخ ثم ينتقلوا إلى سجن المخابرات والشرطة العسكريّة. وصولاً إلى المنطقة الشرقية لمبنى السجن، وهناك ساعدتهم أشجار الكينيا على تجاوز جدار السجن، فقد اعتلوها واستعانوا بأغصانها من أجل القفز إلى ما وراء الجدار والأسلاك الشائكة. كانت أربع ساعات قد مرّت على خروجهم، حتى اكتشفت إدارة السجن عملية الهروب في السادسة صباحاً، عند العدّ الصّباحي للأسرى.

الهروب من سجن نفحة

في العام نفسه، وبعد أشهرٍ قليلةٍ على الهروب الكبير، شهد سجن نفحة الصحراوي، الواقع جنوب مدينة بئر سبع بـ 100 كم. التخطيط لعملية هروبٍ أكثرَ تعقيداً قام بها الأسير خليل مسعود الراعي، والذي استغل الفوضى المؤقتة في السجن بسبب أعمال البناء والتوسيع. بمشاركة رفيقيه شوقي أبو نصيرة وكمال عبد النبي، ارتكز فيها على دراسة السجن ومعرفة الثغرات الأمنية المؤقتة التي خلقتها عمليات التوسعة.

تمكّن خليل من اكتشاف ثغرة أمنية أثناء رصده لتحركات السجانين وعمال البناء، حيث كانت إدارة السجن تقوم بإبعاد كلاب الحراسة عن موقع العمل بسبب وجود العمال نهارًا. وتُعيدُهم في المساء. هكذا عرف أن الموقع يخلوا من الكلاب حتّى الرابعة عصر كل يوم ما عدا السّبت. وكانت عملية جلب الكلاب تستغرق ثلاثين دقيقة ليكونوا في الموقع الساعة الرابعة والنصف، ذلك يعني أن السّاحة تكون خاليةً من العمال والكلاب، وأحياناً الحراس لمدة ثلاثين دقيقة يومياً!

صنع الهاربون مطرقةً من الخشب مكوّنةً من عصي المكانس المتوفرة في الغرف، قاموا تثبيتها بحبل مخفي يُمسِك به أحد الأسرى بحيث يدخل السّجان الغرفةَ، فيُفلِتَ الأسير الحبل. فتسقط المطرقة المعلقة خلف باب الحمام للإيحاء بوجود أسير في داخله؛ في الوقت نفسه، خاط الأسرى لأنفسهم ملابس شبيهة بملابس العمال الذين يتواجدون في محيط السجن. لارتدائها والتخفي بها خلال هروبهم.

ارتكزت الخطّةُ الأساسيةُ على قيام الراعي ورفيقيه بقصّ الباب السلكيّ الشّائك الذي يفصل بين قسمي (أ) و (ب) وبين أعمال البناء الجديد، للهروب خلال الدقائق الثلاثين التي تعود فيها كلاب الحراسة. كذلك قاموا بابتكار مادة لاصقة شبيهة بالغراء، تتكوّن من لبّ الخبز الممزوج بالماء ومعجون الأسنان، للصق القضبان الحديدية من جديد. هكذا، وبعد أن خلتْ ساحة البناء من العمال والكلاب والحراس، انسلَّ ثلاثتُهم منها، ثم أعادوا القضبان إلى مكانها. صاروا في ساحة البناء الممتلئة بالمعدات وأكوام الرمل ومواد البناء، حيث اختبأ الثلاثة حتى حلول المساء.
في صباح اليوم التالي، وبينما جلس الراعي ورفيقاه على قارعة الطريق الرئيسي، وأوقفوا حافلةَ كانت تقلُّ عدداً من الطلاب العرب. بدأ أحد السجانين بالبحث عن الراعي الذي اختفى من ممر السّجن وساحته ثم توجّه إلى إدارة السجن للبحث عن اسمه في سجلات المغادرين إلى مشفى الرملة. لحظاتٌ ودوّت صفارات الإنذار وأعلن الاستنفار داخل السجن وفي محيطه، بحثاً عن الهاربين الثلاثة.