يتوجه المغاربة إلى صناديق الاقتراع الأربعاء لإجراء انتخابات برلمانية ومحلية ستحدد مصير حزب العدالة والتنمية. آخر معاقل الإسلاميين في المنطقة. والذي تمسك بمقعد رئاسة الحكومة منذ ثورات الربيع العربي.
هذا وبالرغم من أن الانتفاضات في العالم العربي لم تؤد إلى تغيير جذري في المغرب. كما كان الحال في تونس ومصر وليبيا، حيث بقي النظام على حاله واستطاعت النخبة الحاكمة الحفاظ على السلطة.
فقد كان عامًا مهمًا للغاية بالنسبة للإسلاميين الإصلاحيين المغاربة، حيث فازوا بالانتخابات لأول مرة في تاريخهم وسيطروا على الأغلبية البرلمانية المرغوبة.
وبحسب موقع فريدريش لحقوق الانسان فإن الصعود القوي لحزب العدالة والتنمية في 2011 يعود إلى رغبة المغاربة في تغيير الطبقة السياسية.
إذ اكتسب الحزب الاسلامي منذ ذلك الحين قوة تنظيمية كبيرة سمحت له في نهاية المطاف بإعادة انتخابه عام 2016. والسيطرة على جميع المدن الرئيسية في المغرب.
تُعرف جميع المناطق الحضرية باسم معاقل حزب العدالة والتنمية.
ويأمل حزب العدالة والتنمية الإسلامي. الذي انتخب لأول مرة في عام 2011، في الفوز بولاية ثالثة هذا العام. بعد أن نجح في البقاء في السلطة رغم العديد من المصاعب، طوال العقد الأكثر تعقيدا في المنطقة.
ويتنافس نحو 30 حزبا في هذه الانتخابات، على مقاعد البرلمان، التي تمنحهم حق المشاركة في الحكومة المقبلة، أبرزهم الأربعة الكبار وهم “الأحرار”، “الأصالة والمعاصرة” “حزب الاستقلال” إضافة إلى الحزب الإسلامي “العدالة والتنمية”.
وفيما دعي لهذا الاقتراع قرابة 18 مليون ناخب. 46% منهم نساء، للتصويت لواحد وتلاتين ألف نائب في الانتخابات التشريعية والمحلية والجهوية بيوم واحد. تم حظر التجمعات الانتخابية، نتيجة حالة الطوارئ الصحية التي تمنع تجمع أكثر من 25 شخصا. ما دعا الأحزاب إلى اعتماد وسائل التواصل الاجتماعي في إقناع الناخبين بالتصويت لها.
وتأتي هذه الانتخابات تحت مظلة الدستور الجديد الذي أقر بعد عقود من المطالبات بفصل السلطات. عن دور الملك في إدارة البلاد. ولكن في ظل مرور الحركات الإسلامية في المنطقة بكبوة، كان آخرها في تونس ممثلة في حزب النهضة.
الملك يملك ويحكم
جاءت التعديلات الدستورية كرد فعل على حركة 20 فبراير. التي امتص بها الملك محمد السادس غضب الشعب، والحول دون تحول البلاد إلى النموذج الانتفاضي المصري، أو التونسي، لتصبح البلاد أقرب إلى نظام الملكية الدستورية دون التخلي عن الدور المركزي للملك.
وهو الدور السلطوي الذي جعل الأحزاب بعيدة عن القواعد الشعبية من جهة. ومراكز اتخاذ القرار من ناحية أخرى. كما أن الحزب الإسلامي الذي تصدر المشهد لسنوات بات أمام الجمهور أكثر مراوغة. مستعد لتقديم كافة التنازلات فقط للاستمرار في منصبه.
ظهر ذلك في توقيع الأمين العام ورئيس الوزراء سعد الدين العثماني العام الماضي. على اتفاقية تطبيع المغرب للعلاقات مع الاحتلال. وقبل ذلك إقرار قانون فرنسة التعليم. الذي حظي بانتقادات تحالفه الحكومي. في تناقض صارخ مع مرجعية وهوية ومبادئ وشعارات الحزب.
فبغض النظر عمن يشغل المنصب انتخابيا. تأتي القرارات الرئيسية من القصر. إذ برز ذلك أثناء أزمة فيروس كورونا. كما أن كل الأمور الخاصة بالسياسات الخارجية. وتوظيف موارد الدولة جميعها في يد الملك، فالملك يملك ويحكم.
وبحسب تقرير لـ”رويترز”. فإن المؤسسة الحاكمة هي أقوى المؤسسات في البلد. حيث تطغى على كل اللاعبين السياسيين..
أما السلطة التنفيذية فتظل نابعة من الملك، فخطط التنمية الاقتصادية والمشاريع الكبرى. تبدأ من الملك وليس من رئيس الوزراء الذي يختار من الكتلة التي تفوز بأكبر عدد من المقاعد في البرلمان.
وعادة ما يكون رئيس الوزراء سعد العثماني هو آخر من يعلم بالقرارات الكبرى. ومنها قرار تطبيع العلاقات المغربية مع الاحتلال الاسرائيلي العام الماضي، حيث ظل يؤكد أن أمرا من هذا لن يحدث.
ونجح الحسن السادس في تحجيم الحزب الإسلامي وإحراجه عبر تخطيه العديد من الأزمات بنجاح، كما هو الحال مع الجائحة.
وكان محمد السادس أعلن بالفعل عن خطة لـ “نموذج جديد للتنمية” مع “جيل جديد من الإصلاحات والمشاريع” في السنوات المقبلة.
تشمل الأهداف الرئيسية للخطة بحسب المعلن تقليص فجوة الثروة في البلاد ومضاعفة الناتج الاقتصادي للفرد بحلول عام 2035.
ولهذا ينظر المراقبون بشك لعودة الحزب الإسلامي إلى سدة الحكم، خاصة بعد تعرضه لموجة انتقادات محلية، على إثر تباطئه في الإنجاز السياسي، والاقتصادي.
خطر العزوف عن الانتخابات
ويعيش قطاع مغاربي كبير حالة من التشكك في جدوى العملية الانتخابية. وفيما إذا كانت الانتخابات ستحدث فرقًا في كيفية إدارة البلاد، والاستجابة لمطالبهم اليومية، حتى بعد الإصلاح الدستوري لعام 2011، الذي لم يؤثر على صلاحيات الملك.
وحظرت السلطان هناك استطلاعات الرأي قرب موعد الانتخابات، لكن مسحًا أجراه المعهد المغربي لتحليل السياسات في فبراير أظهر أن حوالي 64% من الأشخاص يعتزمون الامتناع عن التصويت.
ويؤمل أن يساهم إجراء الانتخابات البرلمانية والمحلية في يوم واحد في تحقيق نسبة مشاركة مرتفعة تفوق المعدل الذي تم تحقيقه قبل خمسة أعوام، إلا أن تراجع دور الحكومة المنتخبة في اتخاذ القرارات المهمة، وانفراد الملك بها يؤثر سلبا على الأمر.
وفي مقابل خفوت النقاشات السياسية في الفترة التي تسبق التصويت، تركز الجدل على المزاعم المتعلقة بالإنفاق المشبوه لبعض الحملات الانتخابية، حيث اتهم مسؤولون في حزب العدالة والتنمية بعض الأحزاب دون تسمية بتوزيع مبالغ ضخمة من المال لمحاولة إفشال إرادة الشعب على حد قولهم.
أما حزب الأصالة والمعاصرة فكان أكثر صراحة واتهم حزب التجمع الوطني بقيادة رجل الأعمال الملياردير ووزير الزراعة عزيز أخنوش بـ”إغراق المشهد السياسي بالمال”.
والعزوف عن الانتخابات أحد المخاوف التي تساور الاحزاب حاليا، خاصة أن الانتخابات الأخيرة لم تحظى بمشاركة إلا نسبة 34% من الناخبين، وهو الرقم الذي إن تكرر فهو بمثابة ضربة حظ بالنسبة لهم، خاصة بعد التعديلات الأخيرة في حصتهم من المقاعد، التي عارضها الإسلاميون بضراوة.
حصص الأحزاب
وسيتم احتساب حصص الأحزاب من المقاعد على أساس الناخبين المسجلين، بدلاً من أولئك الذين أدلوا بأصواتهم بالفعل، في تعديل يُنظر إليه على أنه لصالح الأحزاب الأصغر، ولكنه لا يؤمن لأي حزب الأغلبية المطلوبة لقيادة الحكومة .
وفي حال جاءت نسبة التصويت كما في عام 2016، فإن النظام الجديد سيترك لحزب العدالة والتنمية حوالي 80 مقعدًا، بدلاً من 125 الذي سجله في المرة السابقة، بحسب موقع فرانس 24.
ولكن يعتقد أن مقاطعة الانتخابات فرصة الحزب الإسلامي الكبرى، الذي يعتمد على قواعد شعبية بعينها، تتسم بالانتظام، والخبرة في حشد الأصوات في الانتخابات، بوازع ديني لا وطني سياسي.
تضم الحكومة الحالية 5 أحزاب هي “العدالة والتنمية” بواقع 125 نائبا بمجلس النواب الغرفة الأولى للبرلمان من أصل 395. والتجمع الوطني للأحرار بمشاركة 37 نائبا بقيادة وزير الفلاحة عزيز أخنوش. والحركة الشعبية بنصيب 27 نائبا. والاتحاد الاشتراكي بعدد 20 نائبا، والاتحاد الدستوري 23 نائبا.
على جبهة المعارضة يتهيأ حزب الأصالة والمعاصرة خصوصا، وهو أكبر أحزاب المعارضة لتولي القيادة، وفي السياق ذاته أعلن الأمين العام للحزب عبد اللطيف وهبي أن لحزبه فرصا كبيرة للفوز، مشددا على “إمكانية تحقيق هذا الطموح من خلال العمل الجاد والتواصل الفعال مع الشعب المغربي”.
وجاء حزب الأصالة والمعاصرة في المركز الثاني في الانتخابات التشريعية لعام 2016، بعد حصوله على 102 مقعدا في البرلمان.
ومع ذلك تشوب الشكوك إمكانية تحقيق ذلك في ظل صعود مفاجئ لحزب التجمع الوطني للأحرار، وزعيمه عبدالعزيز أخنوش، رجل الأعمال النافذ ووزير الفلاحة القوي الذي يستمر في منصبه منذ 14 عاما.
وحزب الأحرار مقرب من القصر منذ إنشائه في السبعينات، كما أنه معروف باستقطابه نخب المال والأعمال، كما ان أخنوش أكد نيته مرارا في أن يكون على رأس الحكومة. وفي الطريق إلى ذلك ينفق حزبه بسخاء حاليا على الحملة الانتخابية، كما أن لديه أذرعا إعلامية عديدة تسانده.