هذه الواقعة الغريبة وقعت قبل شهرين؛ فقد توجه خمسة لاعبين إنجليز، اثنان منهم من أصحاب البشرة البيضاء، وثلاثة من أصحاب البشرة السمراء، لتسديد ركلات الجزاء الحاسمة في نهائي بطولة الأمم الأوربية ضد منتخب إيطاليا، وأمام أعين الجماهير الإنجليزية المحتشدة في ستاد ويمبلي الشهير في لندن، نجح اللاعبان الأبيضان (هاري كين وهاري ماجوير) في تسجيل ركلتيهما بثبات، بينما أضاع السُمر الثلاثة (راشفورد وسانشو وساكا) جميعا ركلاتهم بالتتابع، فانفجرت الإهانات العنصرية ضد اللاعبين ذوي الأصول الأفريقية، ولم ترحم حتى أصغرهم ذي الأصل النيجيري بوكايا ساكا (19 عاما) الذي أهدر الركلة الأخيرة.
أما هنا، فيقال، إن جمهورنا لو كان عنصريا، أو لو كانت العنصرية متفشية فيه، لما حصل أحمد الكأس وطه بصري وإبراهيم يوسف وغيرهم من النجوم سُمر البشرة على كل هذا الحب وكل تلك الجماهيرية، وبالتالي فإن الإساءات التي يشكو منها نجم الزمالك محمود شيكابالا، لا تنبع من عنصرية موجودة لدى الجمهور قدر ما هي مجرد رد فعل على تصرفات اللاعب المشاكس. لكن هذا المنطق يتناسى أن الإساءات العنصرية لا تظهر في كل الحالات، بل هي تستخدم عادة كسلاح يتم استحضاره حين تحتدم الخصومة أو يندلع الغضب، ولو لم يضيع اللاعبون الإنجليز السمر الثلاثة ركلات الجزاء الحاسمة ضد إيطاليا، لما انفجرت الإساءات العنصرية ضدهم في ستاد ويمبلي، بل على العكس كانوا سيحملون على الأعناق (بقدر ما تسمح إجراءات كورونا).
إن إضاعة اللاعبين الإنجليز السمر الثلاثة لركلات الجزاء لم تكن صدفة، لقد كانوا خائفين مما سيحدث لهم لو أضاعوها، فأضاعوها فعلا، وفي كل مكان ضحية للعنصرية كان يمكن أن يكون أفضل وأنجح لولا تربص العنصريين.
وبالطبع فإن الإنجليز، على الرغم من تفشي ظاهرة العنصرية لأسباب تاريخية، أو بسبب ذلك التفشي، لا يألون جهدا في مكافحتها، وتحديها كل موسم بل في افتتاحية كل مباراة، واتخاذ الإجراءات الصارمة ضد منتهجيها، بالاستعانة بأدق إمكانات التكنولوجيا لتحديد مرتكبي العنصرية وحرمانهم من دخول الملاعب للأبد، فضلا عن التضامن مع كل لاعب يتعرض لأبسط الإساءات العنصرية، بينما نعيش نحن هنا حالة من الإنكار، تذكرني بالإنكار الطويل الذي مارسناه إزاء جرائم التحرش، ويتم التركيز على وقائع شيكابالا عمدا لاختلاط الإساءات العنصرية فيها بالخلافات الكروية الممتدة بين القطبين، متجاهلين ما يتعرض له سمر البشرة في مصر سواء كانوا من الوافدين اللاجئين أو حتى الرياضيين الزائرين، وقد رأيت بنفسي هتافات عنصرية بالغة الوضاعة ضد فرق ولاعبين أفارقة شاركوا في بطولات أقيمت في مصر، ولم يتم الإشارة إليها في أي وسيلة إعلام.
وإذا كان هذا حال “العوام” من الجمهور فالأكثر إذهالا رؤية ما قد ينحدر إليه كتاب ومثقفون خلال ممارسة تعصبهم الكروي، وقد ألغيت متابعة بعضهم ممن انحدروا إلى درجة إطلاق أوصاف النسانيس والقردة على بعض اللاعبين ذوي البشرة السمراء، ليس غريبا والحال كذلك أن نرى جمهورا أقل “ثقافة” وقد وضع أرقام لاعبين على حيوانات مسكينة، بغرض الإساءة بالطبع وليس الحب، فمن لا يحترم الإنسان لا يحترم الحيوان، ونحن – بحول الله – لا نحترم كليهما.
وعلى الرغم من تعديلات قانونية أخيرة جرّمت التنمر إلا أن العنصرية كإحدى المناطق الرئيسية في التنمر تستحق اهتماما خاصا بها، فكثيرا ما لا يتم ملاحظة العنصرية لأنها مرض يضر بالضعفاء، اللاجئين والفقراء والأقليات، وهذا سر تربصها بلاعبي الكرة إذ أنهم يأتون عادة من الطبقات الأفقر، وهم بذلك يكونون فرصة مناسبة لإلقاء الضوء على تلك الجريمة الاجتماعية، غير أن البعض يختار أن يغمض عينيه.
إن إضاعة اللاعبين الإنجليز السمر الثلاثة لركلات الجزاء لم تكن صدفة، لقد كانوا خائفين مما سيحدث لهم لو أضاعوها، فأضاعوها فعلا، وفي كل مكان ضحية للعنصرية كان يمكن أن يكون أفضل وأنجح لولا تربص العنصريين.