قبل ثلاثة أسابيع تقريبا وصلت حركة طالبان إلى القصر الرئاسي في أفغانستان. تزامنا مع انسحاب أمريكي سريع وفوضوي لتعيد رسم الحسابات الجيوسياسية والإقليمية. ووسط تشكك، بل وذعر، مما يعنيه وصول الحركة الإسلامية الراديكالية للحكم. وما يمكن أن يسببه من تداعيات، حاولت الحركة بث الطمأنينة وانتهجت خطابا هادئا وبراجماتيا في محاولة لاكتساب الشرعية. وأول ما وعدت به كان تشكيل حكومة “شاملة” تضم كافة الأطياف.
والوعد الأول يبدو أنه لم يكن صادقا. على الأقل حتى الآن.
يوم الثلاثاء، وبعد اختفاء متواصل أثار التساؤلات رغم إعلان الحركة انتصارها. طالعنا أخيرا “أمير المؤمنين” هيبة الله آخوند زادة، لكنه حافظ على عادته ولم يطالعنا بوجهه مكتفيا ببيان مقتضب صدر بالإنجليزية. يطالب فيه الحكومة باحترام أحكام الشريعة الإسلامية. ويقول إن طالبان تريد “علاقات قوية وصحية مع جيراننا وجميع الدول الأخرى على أساس الاحترام المتبادل والتفاعل”. مع تحذير من أنهم سيحترمون القوانين والمعاهدات الدولية التي لا تتعارض مع الإسلام والقانون والقيم الوطنية للبلاد.
ومع تلك الكلمات أعلن ذبيح الله مجاهد، المتحدث باسم الحركة. أسماء أفراد الحكومة التي تأخر الإعلان عنها انتظارا للسيطرة على إقليم بانشير حيث آخر التهديدات لمستقبل حكم الحركة. “حكومة تصريف أعمال” هكذا كشف ذبيح الله. موضحا أن هذا التشكيل ليس نهائيا. وأن هناك بعض الوزارات الأخرى التي سيُعلن مسؤولوها بعد دراسة متأنية.
يبدو أن تحليل حكومة تصريف الأعمال تلك لن يكون دقيقا بالوقت الحالي. فذبيح الله عندما سُئل خلال المؤتمر الصحفي عن عدم شمولية الحكومة مثلما وعدوا، أجاب “هذه حكومة مؤقتة”.
لكن الأسماء التي أُعلنها تعطينا مؤشرا واضحا: جميع الوزارات يتولاها قادة في طالبان، وأغلبهم من البشتون إذ لا يوجد سوى اثنين من الطاجيك وواحد من الأوزبك، لتخلو الحكومة من أقلية الهزارة الشيعية أو النساء.
الشخصيات الرئيسية في الحكومة
يبرز على رأس القائمة اسم الملا محمد حسن آخوند رئيس الحكومة. وقد تولى حسن منصبي نائب رئيس الوزراء ووزير الخارجية خلال فترة حكم الحركة الأولى من عام 1996 حتى 2001. وينحدر حسن آخوند من إقليم قندهار معقل طالبان ويعد شخصية معتدلة. بحسب الوكالة الألمانية، ويتردد أنه مقرب للغاية من زعيم الحركة هيبة الله.
ويتمتع حسن، المُقل في ظهوره الإعلامي. بشعبية كبيرة داخل الحركة باعتباره زعيم ديني إضافة إلى ثقله السياسي إذ يرأس مجلس حكم طالبان “ريحباري شورى”؛ هيئة صنع القرار بالحركة وتعرف أيضا بمجلس القيادة. ووصفه تقرير سابق للأمم المتحدة بأنه “مساعد مقرب ومستشار سياسي” للملا عمر مؤسس الحركة.
ويعتقد أن أخوند في منتصف الستينيات من عمره على الأقل وربما أكبر. وجاء في إشعار عقوبات الاتحاد الأوروبي أنه يبلغ من العمر 76 عاما. وأوضح مصدر بطالبان لوكالة رويترز “إنه كبير في السن وهو أكبر شخص في صفوف (كبار) طالبان”.
لا يبدو أن أخوند عالم ديني يتمتع بمكانة الزعيم الروحي هيبة الله أخوند زاده، وفقا لأسفانديار مير، المحلل في معهد الولايات المتحدة للسلام. الذي درس قيادة طالبان عن كثب. وقال: “يبدو أنه شخص سياسي بدرجة أكبر. ادعائه الرئيسي للسلطة هو أنه كان له دور بارز للغاية قبل 11 سبتمبر”.
أما النائب الأول عبد الغني برادر فقد كان مرجحا توليه رئاسة الحكومة قبل أن تميل الكفة لمحمد حسن، ويُنظر إليه كمهندس سياسة طالبان بالأعوام الأخيرة، منذ ترأسه المكتب السياسي في الدوحة وقيادة المفاوضات مع الولايات المتحدة. وقد عمل نائبا لوزير الدفاع خلال الحكومة الأولى للحركة، وقاد المواجهات العسكرية ضد قوات التحالف قبل اعتقاله عام 2010 (طالع المزيد عن سيرة برادر).
فيما تولى عبد السلام حنفي منصب النائب الثاني لرئيس الحكومة، وقد كان نائبا لوزير التعليم خلال حكم طالبان الأول إلى جانب المسؤولية عن ولاية إقليم جوزجان، شمال أفغانستان، حتى عام 2008، قبل أن يصبح نائبا لبرادر في الدوحة ويرأس فريق المفاوضات مع الأمريكان.
وتظهر سيطرة قيادات الصف الأول على الوزارات “الحساسة”، مع تولي الملا محمد يعقوب، نجل الملا عمر ونائب زعيم الحركة الحالي وقائد تنظيمها العسكري، منصب وزارة الدفاع. ويتمتع يعقوب بشعبية نظرا لمكانة والده، وكان من بين زعماء الحركة الذين ضغطوا لتنفيذ الحملة العسكرية على المدن في الأسابيع التي سبقت سقوط كابول. بينما تولى سراج الدين حقاني، النائب الثاني وقائد تنظيم شبكة حقاني -مازالت الولايات المتحدة تصنفها حركة إرهابية- منصب وزير الداخلية.
وحقاني واحد من أبرز المطلوبين من مكتب التحقيقات الفيدرالية الأمريكي؛ لضلوعه في الهجمات الانتحارية ضد قوات التحالف ولعلاقاته مع تنظيم القاعدة. وعرضت وزارة الخارجية الأمريكية مكافأة عشرة ملايين دولار لمن يقدم معلومات تفضي إلى إلقاء القبض عليه.
وفي وزارة الخارجية حل أمير خان متقي، الذي شغل منصب وزير الثقافة والإعلام في حكومة طالبان السابقة، وكذلك منصب وزير التعليم، وكان أحد ممثلي الحركة في المحادثات مع الأمم المتحدة آنذاك. ولاحقا كان من فريق الحركة بالدوحة، وعُين عضوا في لجنة السلام وفريق المفاوضات.
وتقول مصادر طالبان إنه ليس من القادة المتشددين أو القادة الدينيين لكنه رئيس لجنة الدعوة والإرشاد التي قادت خلال التمرد جهود حث المسؤولين الحكوميين والشخصيات الرئيسية في النظام على ترك مواقعهم.
ويبرز من بين الأسماء الأخرى خليل حقاني، عم سراج الدين والمدرج كذلك على قوائم الولايات المتحدة للإرهاب، الذي تولى منصب وزير شؤون اللاجئين. وقاد خليل جولة مفاوضات وتطمينات مع شيوخ القبائل والمجموعات العرقية في أعقاب سقوط كابول ووعد حينها بدمج الجميع في الحكومة. كذلك يعد المسؤول الأمني الأول في العاصمة.
وفي معرض قراءته للحكومة، يرى مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية أن تواجد أفراد بالحكومة في قائمة الإرهاب الأمريكية “يعكس أحد احتمالين؛ أولهما إصرار الحركة على تحدي المجتمع الدولي ووضعه أمام الأمر الواقع، تمهيدا لإجباره لاحقا على حذف الحركة وأعضائها من على هذه القوائم (..) ثانيهما، عدم امتلاك الحركة كوادر سياسية ومهنية، أو صف ثاني، يمكن الاعتماد عليها في إدارة قطاعات الدولة، الأمر الذي اضطرها إلى الاعتماد على قياداتها المباشرة، بصرف النظر عما إذا كان ذلك يضعها أمام تحدي قوائم الإرهاب”.
القائمة الكاملة لحكومة تصريف الأعمال
ما تعنيه تلك الحكومة
يتضح من إعلان الحكومة المؤقتة أنه لم يتم تعيين مسؤولين لوزارات الصحة والتجارة والزراعة والعمل والشؤون الاجتماعية والتنمية الحضرية وشؤون المرأة حتى الآن. كما أن منصبي رئيس القضاة والمدعي العام شاغرين في القائمة الجديدة لأفغانستان.
ويتبين من القائمة السابقة أن معظم أعضاء مجلس الوزراء الجدد تواجدوا في حكومة طالبان السابقة من عام 1996 إلى عام 2001، أو كرؤساء لجان الجماعة في العقدين الماضيين.
المتحدث باسم طالبان ذبيح الله مجاهد أوضح أن المناصب الوزارية هي في الأساس مناصب سياسية. وأن لديهم خطة لتعيين خبراء فنيين في مناصب وكلاء الوزراء في جميع الوزارات.
وعن انتقادات غياب العرقيات الأخرى في الحكومة. أجاب مجاهد “نحن لا نوزع المناصب الحكومية على أساس الهوية العرقية للشخصيات كما كان الحال في حكومة (حامد) كرزاي و(أشرف) غني”، وبشأن غياب النساء أشار “هذه ليست القائمة النهاية بعد”.
ويعد نائب رئيس الوزراء مولوي عبد السلام حنفي الأوزبكي الوحيد، إلى جانب اثنين من الطاجيك هما: رئيس أركان الجيش القاري فصيح الدين ووزير الاقتصاد قاري الدين محمد حنيف.
وفي قراءته لتشكيل الحكومة الجديدة يقول إبراهيم باحيس، محلل الشأن الأفغاني في مجموعة الأزمات الدولية: “لمدة 20 عاما وعدت حركة طالبان بعدم احتكار السلطة، ووعدت لمدة عامين بحكومة شاملة. لكني لا أعلم أي تعريف للشمولية هذا”.
ويلفت موجب مسحال، مراسل نيويورك تايمز السابق في أفغانستان “يشير مجلس وزراء طالبان إلى الرؤية الضيقة للسلطة حيث تم تقاسم الغنائم حصريا بين المنتصرين بدلا من الاستيقاظ لحكم أفغانستان المعقدة الجديدة. من الصعب أن نرى كيف يتناسب هذا مع أي معايير للمشاركة مع العالم”. مضيفا “الشمولية الوحيدة في مجلس الوزراء بالنيابة -ما يعني أنهم مازالوا في التسعينيات- هي جلب بقايا قيادتهم الأصلية إلى جانب جيلها الجديد”.
ولكن أحمد موفق زيدان، المختص في الشأن الأفغاني ومؤلف كتاب “صيف أفغانستان الطويل” يعتقد أن الحركة في هذه المرحلة الانتقالية بحاجة إلى قوة عسكرية وتماسك الحكومة في ظل الضغط الأمني ولذلك فضلت التماسك الداخلي على إرضاء المجتمع الغربي. “تنافر الحكومة وجلب شخصيات من خلفيات متعددة سيجعل هناك أجندات مختلفة ولن تنسجم الحكومة مع بعضها البعض (..) الدلالة الأهم أنها حكومة انتقالية بمعنى أنه قد يحدث تغيير لاحقا”.
ويشير مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية إلى عدم اتجاه الحركة للتمييز بين طالبان كحركة سلفية دينية ومرحلة إدارة الدولة باعتبارها عملية ذات طابع ووظائف سياسية وإدارية ومهنية بالأساس، أكثر منها عملية “دينية” “فقهية”.
“لاشك أن إدارة جماعية دينية تختلف كثيرا عن إدارة الدولة. إن عدم القدرة على التمييز بين المهمتين سينعكس لاحقا على قدرة الحركة على مواجهة التحديات الضخمة التي تنتظر حكومة طالبان، على المستويين الداخلي (خاصة التحديات الاقتصادية والمالية) أو الخارجي. كما يعكس هذا التوجه من ناحية أخرى الأهمية الكبيرة التي توليها الحركة في هذه المرحلة لعامل الثقة كمعيار رئيسي في إسناد المناصب السياسية”، يوضح التحليل.
ويختم: على الرغم من وصف حركة طالبان الحكومة المشكلة بأنها حكومة تصريف أعمال لكن ليس هناك ما يمنع، أولا، من استدامة هذه الحكومة لفترة عمل طويلة. ويلاحظ هنا عدم حديث الحركة عن مدى زمني محدد لعمل هذه الحكومة. وليس هناك ما يمنع، ثانيا، من اضطلاع هذه الحكومة بعدد من المهام ذات الأهمية الخاصة بالنسبة لطالبان، وعلى رأسها وضع دستور جديد للبلاد يؤكد الهوية الإسلامية لدولة طالبان الجديدة، بدلاً من دستور 2004. أهمية هذه المسائل بالنسبة لطالبان تقتضي وجود حكومة طالبانية نقية، كما تقتضي وجود رجال دين على رأس هذه الحكومة.
ردود الأفعال الدولية
في أول تعليق على حكومة طالبان بدا أن الجارة إيران غير راضية عن هذا التشكيل. وقال وزير الخارجية حسين أمير عبد اللهيان، للرئيس الأفغاني السابق حامد كرزاي في اتصال هاتفي، إن طهران تريد رؤية حكومة شاملة في أفغانستان.
وأضاف أن إيران تريد حكومة تقوم على الحوار بين جميع الفئات، مشددا على ضرورة تشكيل حكومة شاملة في أفغانستان تعكس التركيبة العرقية والمجتمع للبلاد، بحسب تغريدة الوزارة، مُشيرا إلى أن البلاد لا يمكنها تحقيق السلام إلا بهذه الطريقة.
من جانبها قالت واشنطن إنها ليست في عجلة من أمرها للاعتراف بالحكومة الجديدة. وأعلنت المتحدثة باسم البيت الأبيض جين ساكي: الأمر سيعتمد على الخطوات التي تتخذها طالبان. العالم سيراقب ومن ضمنه الولايات المتحدة”.
أعربت وزارة الخارجية الأمريكية عن قلقها إزاء الحكومة المُشكّلة ولكنها قالت إنها ستحكم عليها بناءً على أفعالها وليس أقوالها.
وعلى الصعيد التركي تفاعل الرئيس رجب طيب أردوغان سريعا مع الإعلان الحكومي، خلال ظهور إعلامي مشترك مع رئيس جمهورية الكونغو الديموقراطية فيليكس تشيسيكيدي، قائلا “من الصعب تسميتها (حكومة) دائمة، تم الإعلان عن حكومة مؤقتة. لا نعرف إلى متى ستستمر هذه الحكومة. واجبنا الآن هو متابعة هذا المسار عن كثب”. فيما كان وزير الخارجية التركي مولود جاويش أوغلو قد ذكر في وقت سابق أنه “لا حاجة للمسارعة إلى الاعتراف بحكومة طالبان”.
نهج عدم المسارعة في الاعتراف اتبعته روسيا أيضا إذ قال المتحدث باسم الكرملين، دميتري بيسكوف، لوكالة “تاس”: “من المهم بالنسبة إلينا أن نفهم ما هي الخطوات الأولى واللاحقة لهذه الحكومة وماذا سيحصل في أفغانستان بعد ذلك”.
من جانبه، انتقد مندوب أفغانستان لدى الأمم المتحدة غلام إسحاقزي. التشكيل الحكومي في كلمة ألقاها أثناء اجتماع للجمعية العامة للأمم المتحدة. قائلا: “لقد أعلنت طالبان اليوم تشكيلة الحكومة الجديدة. ويمكن وصفها بأي أوصاف لكنها ليست شاملة. ندعو جميع أعضاء الأمم المتحدة إلى مساعدتنا في دفع ثقافة السلام في أفغانستان. نطلب منكم التمسك برفض الإمارة الإسلامية، كي تتحمل طالبان المسؤولية عن انتهاكاتها للقواعد الدولية في مجال حقوق الإنسان. وكذلك أن تصروا على حكومة شاملة. نطلب منكم رسم خط أحمر لا يتزعزع فيما يتعلق بحقوق النساء والفتيات”.
وعُين إسحاقزي مندوبا أفغانيا لدى المنظمة الدولية من قبل حكومة الرئيس السابق أشرف غني. وقالت الأمم المتحدة سابقا إن طالبان لم تتوجه إليها بطلب تغيير مندوب أفغانستان لديها.
أما الصين فبدت الأكثر ترحيبا بالحكومة الجديدة من بين الجميع. إذ أعلنت وزارة الخارجية الصينية، أن بكين مستعدة لتعزيز التواصل مع حكومة طالبان الجديدة، والتنسيق معها فى مختلف المجالات مستقبلا. وفي هذا إشارة واضحة عن قادم التوجهات.