بطريقة أكثر هدوءًا من جيرانها في شمال أفريقيا، وعبر صناديق الاقتراع، قضت الجماهير المغربية على حقبة أخرى لحكم الإسلام السياسي. والذي أدار البلاد من خلال أغلبية مجلس النواب ورئيس الحكومة، إلى جوار القصر الملكي، منذ اندلاع ثورات الربيع العربي 2011. وكان قبل يوم واحد فقط يأمل في الحصول على فترة ولاية ثالثة يقود فيها ائتلافًا حاكمًا.

خاض حزب العدالة والتنمية، الذارع السياسية لجماعة الإخوان المسلمين، هذه الاستحقاقات وفق نظام انتخابي جديد، كان قد انتقده كثيرًا. بموجبه يتم تقسيم مجموع الناخبين المسجلين على عدد المقاعد بدلاً من عدد الأصوات الصحيحة.

وعلى عكس عدد الناخبين الذين جددوا الثقة في الحزب ذي المرجعية الإسلامية عام 2016، حين بلغت نسبة المشاركة فيها 42%. جاءت نسبة المشاركة في انتخابات 2021 بين 35 و50% من مجموع الهيئة الناخبة الوطنية. وضع أكثر من نصفهم الحزب الحاكم الذي حصد 125 مقعدًا في الانتخابات الماضية في “المرتبة الثامنة”.

تصدر نتائج انتخابات مجلس النواب حزب التجمع الوطني للأحرار/يمين وسط، بحصوله على 97 مقعدًا. وحزب الأصالة والمعاصرة حل ثانيًا بـ 82 مقعدًا، متبوعا بحزب الاستقلال بـ 78 مقعدًا والاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية بـ35 مقعدًا. بينما مني العدالة والتنمية بحصوله على 12 مقعدًا فقط، بحسب النتائج المؤقتة الخاصة بـــ96% من مجموع المقاعد.

أخنوش.. العمل مع الجميع

بعد ساعات من إعلان وزير الداخلية المغربي عبد الوافي النتيجة، أعلن سعد الدين العثماني رئيس الحكومة السابق والأمين العام للحزب استقالته من منصبه. في الوقت الذي قدمت فيه هيئة الحزب استقالتها. بعدها أعلن عزيز أخنوش، رئيس حزب التجمع الوطني للأحرار أن حزبه “مستعد للعمل بثقة ومسؤولية مع كل الأحزاب التي تتقاطع معه في المبادئ ورؤى البرامج لرفع مختلف التحديات”.

أعلن عزيز أخنوش، رئيس حزب التجمع الوطني للأحرار أن حزبه "مستعد للعمل بثقة ومسؤولية مع كل الأحزاب
أعلن عزيز أخنوش، رئيس حزب التجمع الوطني للأحرار أن حزبه “مستعد للعمل بثقة ومسؤولية مع كل الأحزاب

قبل أيام كان أخنوش، المعروف قربه من القصر الملكي، والذي ظل يشغل منصب وزير الزراعة منذ عام 2007، موضع هجوم من رئيس الوزراء السابق عبد الإله بنكيران، الذي هاجم الأول في مقطع فيديو ناري انتشر على موقع “فيسبوك” الأحد الماضي. قال بنكيران “رئيس الحكومة يجب أن يكون شخصية سياسية نزيهة وفوق الشبهات”. وكان رد أخنوش في مقابلة في اليوم التالي أن الهجمات عليه اعتراف بالفشل من خصومه، وهو ما أقرّته صناديق الاقتراع.

الحماس الدائر بعد نهاية حقبة سيطر فيها الإسلاميون على المشهد الرسمي بأغلبية كبيرة، يجعل الناس تتنفس الصعداء. بانتظار تكليف الملك محمد السادس الأمين العام لحزب التجمع الوطني للأحرار بتشكيل حكومة جديدة، مدتها خمسة أعوام. “الصناديق قالت كلمتها” كما كان يتندر الإسلاميون في مصر، ويتبقى أن يصدر القصر التكليف لبدء صفحة جديدة. بالدولة القابعة في أقصى شمال غرب أفريقيا، ويبلغ عدد سكانها 36 مليون نسمة.

الفرصة الضائعة

لم يستثمر إسلاميو “العدالة والتنمية” في السلطة التي قبعوا فيها لعشر سنوات، رغم أنهم حصلوا على فرصة “مُريِحة”. مقارنة بنظرائهم من التيار نفسه في الفترة ذاتها. ففي تونس تطلب الأمر الكثير من السجال منذ رحيل بن علي بطائرته إلى منفاه بالسعودية. تارة تندمج النهضة وتصوّر نفسها كأحد القوى الدافعة للديمقراطية، وأخرى تكشف وجهًا آخر لم يتم تحجيمه إلا بقرارات استثنائية من الرئيس قيس سعيد. أما في مصر، تطلب الأمر الكثير من البقاء في الشوارع وعشرات التظاهرات من قبل صعود الإخوان إلى منصة الحكم.

أما العدالة والتنمية، فقد حقق الأفق المطلوب في بلد يدين كل من فيه بالولاء لساكن القصر الملكي بالرباط. دخل مستقرًا واستمر لفترتين، لكن بدلاً من وجوده في السلطة لتعزيز شعبيته فقد الكثير من بريقه داخل الطبقات التي كانت تصوت له. وكانت تعتقد أنه يمكن أن يشكل بديلاً حقيقيًا لبقية الأحزاب في قيادة البلاد -إلى جانب القصر- في مرحلة جديدة. نهاية مأساوية للحزب الذي بدأ صغيرًا في عام 1997، ونجح من وقتها في تحقيق اختراقات بالمؤسسات المنتخبة، إلى أن انتزع رئاسة الحكومة عام 2011.

مع ذلك، لا تبدو الخسارة مدهشة، وكأن الحزب يعرف بقدومها ويستعد لمقاومتها. ومنذ البداية انتقد كثيرًا سير العملية الانتخابية قبيل إغلاق مكاتب الاقتراع. وأعلن أنه “سجل استمرار التوزيع الفاحش للأموال في محيط عدد من مراكز التصويت، دون تدخل السلطات المعنية”. و”حصول ارتباك في لوائح التصويت بعدد من المكاتب، مما حرم عددًا من الناخبين من القيام بواجبهم”. بينما أكد وزير الداخلية، ليلة الخميس، أن عملية التصويت “مرت ظروف عادية، باستثناء بعض الأحداث التي لم تؤثر على سيرها”. وشدد على الاحترام التام لسرية الاقتراع ونزاهة عمليات الفرز والإحصاء بحضور ممثلي لوائح الترشيح.

سنوات مُخجلة

رغم الهزيمة القاسية، يُشكك حسام الحداد، الباحث في حركات الإسلام السياسي، بأنها تشكل سقوط آخر معاقل ما يعرف بتيار “الإسلام السياسي”. وذلك بعدما عاقبهم الناخبون، على خلفية ما اعتبروها “حصيلة مخجلة” في تسيير الحكومة منذ انتخابات 2011.

يقول الحداد: “كان الأمر متوقعاً بعد تحويل معركة الإخوان من معركة مع السلطة إلى معركة مع الشارع السياسي. وهذا ما شاهدناه ونشاهده يومًا بعد يوم في مصر وتونس والجزائر. فكانت نهاية الجماعة في مصر بثورة شعبية وفي تونس عن طريق إجراءات دستورية. وانتفض الشارع الجزائري أيضا ضد الجماعة وتنظيمها الدولي، والآن اختار المغاربة، أن يتخلصوا من العدالة والتنمية عن طريق صناديق الاقتراع”.

الجماعة وتنظيمها الدولي استشعروا هذه الهزيمة الكبرى في شمال أفريقيا، فالقارئ لتصريحات بن كيران قبل الانتخابات بيومين يعلم بسقوط الجماعة

يُشير الحداد في حديث لـ” مصر 360″ إلى أن الجماعة وتنظيمها الدولي استشعروا هذه الهزيمة الكبرى في شمال أفريقيا. لكن ما وصفه بـ”الغباء السياسي والاستكبار” دفعها لإكمال الاقتراع، “فالقارئ لتصريحات بن كيران قبل الانتخابات بيومين يعلم بسقوط الجماعة”. وهو يتحدث عن الفيديو الذي خصص القيادي بالحزب حيزًا كبيرًا من تصريحاته لتوجيه انتقادات لاذعة لزعيم حزب التجمع الوطني للأحرار، عزيز أخنوش. الذي ألحق به هزيمة كبيرة في انتخابات الغرف المهنية التي جرت في أغسطس الماضي. “الهجوم اللاذع الذي شنه بنكيران ضد رئيس حزب منافس في الانتخابات، يدل على أن “العدالة والتنمية استشعر الهزيمة في الاستحقاقات التشريعية والبلدية والجهوية”.

يضيف: “لم تفلح محاولات العدالة والتنمية في شق الصف المغربي. اصطدم مشروعهم مع النظام السياسي في المملكة ورفضه الشارع، لأن الحكم في البلاد قائم على البيعة للملك، حتى رغم محاولاتهم الإيحاء بالتفرد بالعاطفة الدينية. كذلك فإن القصر لديه تاريخ في التعامل مع التيارات الراديكالية والتصدي لمشروع الإسلام السياسي. وقبلهم كانت هناك تجربة اليسار التي حاول من خلالها هذا التيار هز استقرار الدولة والقفز على السلطة بتحريك البروليتاريا. لكن فشلهم كان كبير”.