فرضت التحديات البيئية مجموعة من الأدوات الاقتصادية الجديدة لتحقيق الاستدامة في مواجهة موجة التقلبات الحرارية في الأعوام الأخيرة. واحدة من تلك الاتجاهات هو التحول نحو الاقتصاد الأخضر. وسط مصاعب في التنفيذ بسبب الفقر من جهة وعدم القدرة على الإنفاق على أدوات التحول المرغوبة من ناحية أخرى.
وقال الرئيس عبد الفتاح السيسي في كلمة ألقاها أمام منتدى مصر للتعاون الدولي 2021، إن مصر من أوائل الدول التي وضعت خطة لتحقيق التنمية المستدامة (2030). وذلك للتغلب على آثار التغيرات المناخية، وتحسين معيشة المواطن، وتحقيق التنمية الاقتصادية المستدامة الخضراء.
حديث الرئيس عن الاقتصاد الأخضر طرح عددًا من التساؤلات حول طبيعة هذا الاقتصاد وتأثيره. وحجم ما قامت مصر بإنجازه في هذا الملف والمستهدف خلال الفترة المقبلة.
الاقتصاد الأخضر.. صديق للبيئة ومحفِّز للتنمية
الاقتصاد الأخضر “صديق البيئة” ويعمل على تقليل نسبة الكربون وتوفير الطاقة والانبعاثات الضارة التي تؤثر سلباً على المناخ والغلاف الجوي. بالإضافة للعمل على الحد من الوقود التقليدي وتوفير بدائل له غير ضارة.
“اقتصاد يؤدِّي إلى تحسين حالة الرفاه البشري والإنصاف الاجتماعي، مع العناية بالحدّ على نحو ملحوظ من المخاطر البيئية”. هذا هو التعريف الذي انتقت مفرداته وزارة البيئة مقتبسا من برنامج الأمم المتحدة للبيئة.
اختصارًا يمكن اعتباره اقتصادًا يوجَّه فيه النمو في الدخل والعمالة بواسطة استثمارات في القطاعين العام والخاص. من شأنها أن تؤدي لتعزيز كفاءة استخدام الموارد، وتخفيض انبعاثات الكربون والنفايات والتلوّث ومنع خسارة التنوّع الأحيائي وتدهور النظام الإيكولوجي. وهذه الاستثمارات هي أيضاً موجّهة بدوافع تنامي الطلب في الأسواق على السلع والخدمات الخضراء، والابتكارات التكنولوجية. بواسطة تصحيح السياسات العامة الضريبية، فيما يضمن أن تكون الأسعار انعكاساً ملائماً للتكاليف البيئية.
ويعمل هذا النوع من الاقتصاد بشكل أساسي على الاستفادة من الطاقة المتجددة والحفاظ على الموارد الطبيعية. كما أنه يساهم في ترشيد الاستهلاك ويقلل الآثار السلبية للقطاعات الاقتصادية التي قد تؤجج ارتفاع درجات الحرارة والتغيرات المناخية التي وقع العالم أجمع في قبضتها خلال الفترة الأخيرة.
وزيرة التخطيط الدكتورة هالة السعيد تقول إن القروض الخضراء والسندات تحولت من لا شيء قبل 10 سنوات. إلى ما يعادل 320 مليار دولار هذا العام في مختلف أنحاء العالم.
الاقتصاد الأخضر في مصر
يمثل الاقتصاد الأخضر، طوق النجاة للدول لمواجهة التحديات الكبيرة التي تواجه البيئة. ومن هذا المنطلق تولي مصر الاقتصاد الأخضر أهمية كبرى، من خلال تنفيذ مئات المشروعات في هذا المجال.
وأصدرت مصر في سبتمبر 2020 أول سندات خضراء بقيمة 750 مليون دولار لتمويل مشروعاته، ليكون لها سبق في الأمر. واعتبرتها مؤسسة ستاندر آند بورز العالمية واحدة من بين 3 إصدارات للسندات في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا.
وكشفت وزارة التخطيط أن مصر تعمل على تعزيز ركائز عمل الاقتصاد الأخضر ضمن خطتها الهادفة للتنمية المستدامة في 2030. لذلك قامت بتنفيذ عدد من المشروعات العملاقة في هذا المجال شملت قطاعات الطاقة والكهرباء والنقل والصرف الصحي.
وأكدت وزارة التخطيط أن ما جرى إنجازه حتى الآن في مشروعات الاقتصاد الأخضر يقدر بنحو 30%. وتستهدف وصوله لنحو 50% خلال الـ3 سنوات القادمة.
وجرى إدراج نحو 691 مشروعًا تقدر تكلفتهم بنحو 447.3 مليار جنيه في خطة العام المالي الحالي 2020/2021. ووفق وزيرة التخطيط هالة السعيد فإنّ 15% منها مشروعات خضراء، وتستهدف الحكومة الوصول بتلك النسبة لنحو 50% في عام 2024-2025.
وسبق أنّ أعلنت الحكومة خطة تتوافق مع المعايير البيئية بنسبة 50% لتصل بمشروعاتها في مختلف الوزارات والمؤسسات لنفس النسبة أيضا. وبلغت قيمة محفظة المشروعات الخضراء المؤهلة حتى سبتمبر 2020 نحو 1.9 مليار دولار، منها 39% في مجال مواجهة التلوث. و26% في المياه والصرف الصحي، و19% في النقل النظيف، و16% طاقة متجددة.
تحقيق التنمية المستدامة
نائب الأمين العام للأمم المتحدة، آشا روز ميغيرو، تقول في أحد البيانات الرسمية إن هناك حاجة لتعاون دولي حقيقي. فلازالت البلدان ترى أن تطبيق شروط الاقتصاد الأخضر تشكل عائقًا أمام مسيرتها التنموية لرغبتهم في الحصول على الفرص المتاحة. مضيفة أن الأمر أصبح يتطلب تعبئة الإرادة السياسية من أجل الوصول إلى المستهدف بشكل حقيقي.
إزاء ذلك تقول وزيرة التخطيط المصرية إن مفتاح القضاء على الفقر في أفريقيا يتمثل في الاقتصاد الأخضر. فضلاً عن كونه الطريق لتحقيق التنمية المستدامة؛ لأنه يعزز حجم المرونة التي تتطلبها مواجهة الكوارث الكبرى، كما هو الحال في فيروس كورونا. وشددت على أن الحوكمة والتشريعات هي التي تدعم التحول نحو الاقتصاد الأخضر.
وأضافت السعيد أن الاقتصاد الأخضر يعمل على إدارة الموارد البيئية دون الإضرار بها، وهو أداة قوية لتحقيق النمو المستدام بأفريقيا. كما أنه يساهم في إتاحة فرص عمل لائقة، ويعزز البنية التحتية المستدامة. ويساهم في إسراع وتيرة وجهود التعافي من جائحة كورونا.
قطاعات الاقتصاد الأخضر
للاقتصاد الأخضر 6 قطاعات مركزية، في مقدمتها الطاقة المتجددة ومنها الشمسية والرياح، والمباني الخضراء، وإدارة النفايات والمياه والأراضي، والنقل المستدام. وعادة ما يستخدم في الاقتصادات والصناعات الناشئة، حيث يهتم إلى حد كبير بطرق الارتقاء بكفاءة المباني الخضراء وتوفير الطاقة اللازمة من أجل هذا الهدف.
غير أنّ هذا النوع من الاقتصاد مكلف إلى حد ما، خاصة في المستشفيات والرعاية الصحية بشكل عام. ولكن عوائده التي يأتي في مقدمتها القضاء على الغذاء الملوث وحماية الغلاف الجوي، كانت أساس الاهتمام الدولي به مؤخرًا.
وعن مشروعات مصر لتحقيق فرص الاقتصاد الأخضر، أكدت وزارة البيئة عبر موقعها الالكتروني أنها تتمثل في: “تنفيذ برنامج قومي للترويج لتطوير المناطق الصناعية لتصبح مناطق صناعية خضراء صديقة للبيئة. وفرض تعويضات بيئية على كل منشأة صناعية أو تجاري أو خدمية تخالف القواعد والقوانين البيئية تسبب أضرار للبيئة. والتنسيق مع الجهات المعنية للعمل على الاستخدام الأمثل للموارد وترشيد استهلاكها. وبرنامج مشروع الإنارة بالطاقة الشمسية لبعض منشأت الوزارة- ضمن برنامج التنمية المستدامة”.
كيف تمول مصر برنامج الاقتصاد الأخضر؟
جرى طرح آلية لتمويل المشروعات الخضراء للمرة الأولى منذ نحو 20 عامًا تمثلت في برنامج Egypt GEFF. والذي يعمل على تحسين أداء الطاقة المتجددة وكذلك كفاءة الطاقة بشكل عام.
ويعمل البرنامج على دعم مصر في تحولها نحو الاقتصاد الأخضر بتمويل يقدر بنحو 140 مليون يورو. وهو قائم بالشراكة مع عدد من البنوك المحلية ومنها: “العربي الأفريقي، والإسكندرية، وQNB”. كما جرى تطوير البرنامج من خلال البنك الأوروبي لإعادة الإعمار والتنمية بالتعاون مع بنك الاستثمار الأوروبي “EIB “، والوكالة الفرنسية للتنمية “AFD”.
الاقتصاد العابر للقارات
يرى الخبير الاقتصادي الدكتور شريف الدمرداش أن الاقتصاد الأخضر يأتي في إطار إعادة ترتيب الاقتصادي العالمي الجديد، وابتكار أدوات تستخدم في خدمة المجموعة المسيطرة مالياً على العالم.
وأكد الدمرداش أن هذا النمط الاقتصادي يتطلب القضاء على الكثير من الصناعات الموجودة بالفعل، وإيجاد أخرى ناشئة تخدم تلك الرؤية بتكلفة مادية لا يمكن التعاطي معها محلياً ليصنع شبكة سيطرة من الرأسماليين العالميين القادرين على عبور القارات بأموالهم، وبالنظر إلى المشاريع التي تندرج تحت هذا المسمى تحتاج اتفاقات ضخمة واستثمارات كبيرة.
واستند الدمرداش في رؤيته إلى حالة العجز التي تسببت في عدول بعض الدول عن الإيفاء بالالتزامات البيئية المقررة بالفعل. ولم يكن عدم الالتزام في تقديره رفاهية أو لعدم رغبتها في التحول نحو بيئة نظيفة واستحسان التلوث، وإنما لعدم القدرة على الإنفاق من أجل الوصول لذلك الهدف. واعتبر أن أغلب الأفكار التجديدية التي طرحت من بينها العملة الديجيتال والتحول الرقمي والاقتصاد الأخضر تفوق قدرة الكثير من الدول. وتستهدف خدمة أصحاب رؤوس الأموال العابرين للقارات.