مرضى يعانون من أوجاع مختلفة. وبعد عناء كان رأي الطبيب هو ضرورة إجراء عملية جراحية فتمنوا أن تكون هذه العملية نهاية لآلام أرهقتهم، وخضعوا لإجرائها مستسلمين لأيدي أطباء وثقوا فيهم ورؤوا خبرتهم طوق نجاة. إلا أن الأقدار خالفت توقعاتهم وعملية استئصال خاطئة لعضو لم يشكوا منه أبدًا. كانت كفيلة بقلب حياتهم رأسًا على عقب. ليبدؤوا رحلة معاناة جديدة مع مرض جديد وألم أشد قسوة وضراوة.
“مصر 360” ترصد عددا من عمليات الاستئصال الخاطئ التي تعرض لها البعض. وما تسببت به من مضاعفات. وتسلط الضوء على العقوبات القانونية والجهات التأديبية المراقبة للأخطاء التي يقع فيها الأطباء.
بيزنس الاستئصال
“دخلت المستشفى وأنا عندي ضربات قلب سريعة.. خرجت منها بتشنجات وهشاشة عظام ومهددة في أي لحظة بأمراض الكلى”. كلمات قالتها “سارة” – اسم مستعار- لخضت بها رحلتها مع “الاستئصال الخاطئ”. التي بدأت قبل عامين باستئصال الغدة الدرقية التي كانت سبب في عدم اتزان ضربات قلبها. لكن تحول الأمر معها إلى “كابوس” مليء بالأدوية والأجهزة طبية التي باتت تحلم بالتخلص منها كل ليلة، على حد وصفها.
تروي “سارة” قصتها لـ” مصر 360″:”مكنتش بشتكي من حاجة قبل العملية كان عندي بس ضربات قلب سريعة. والدكتور قالي إن عندي نشاط عالي في الغدة الدرقية وتحتاج للاستئصال. وهتقوم بوظيفتها غدد ثانية اسمها الغدد جار الدرقية. وهما عندي شغالين كويس وفقًا للتحاليل والأشعة اللي عملها الدكتور قبل العملية، وبالتالي أنا مش هيحصل لي أي مضاعفات”.
تضيف: “بعد العملية اكتشفت أن الدكتور استأصل الغدد جار الدرقية الأربعة مع استئصاله للغدة الدرقية نفسها، والمستشفى تهربت من الموضوع ولم يكتشف الأمر سوى دكتور من خارج المستشفى، ومن هنا بدأت رحلة العذاب اللي مستمرة من سنتين”.
وعن تفاصيل العملية تقول “سارة”: خرجت من المستشفى وبعد أقل من 24 ساعة جسمي بدأ يأخذ وضع الجنين وتشنجات شديدة في عظام اليد والقدم، رجعت على المستشفى دخلوني بسرعة العناية المركزة وبدأت رحلة ثانية مع الأدوية والأجهزة الطبية الخاصة بضخ الكالسيوم للجسم لكن بدون فائدة، وكل يوم كنت أقضيه في المستشفى كان يكلفني الآلاف حتى دفعت 70 ألف جنيه خلال 7 أيام في عملية تكلفتها في أي مستشفى خاص لا تزيد عن 5 آلاف في أقصى تقدير.
جسم “سارة” لم يتجاوب مع الأدوية وأجهزة ضخ الكالسيوم، وفقًا لما قالته لـ”مصر 360″. فباتت الحالة تسوء يومًا بعد يوم وعدد مرات التشنج أصبحت تسجل رقمًا قياسيًا كل حين وآخر.
الدكتور الخارجي أبلغ سارة ان الغدد الجار درقية الأربعة جرى استئصالهم ما تسبب في خلل في الجسم لأنهم بيعوضوا عمل الغدة الدرقية في ضخ الكالسيوم والماغنيسيوم والفيتامينات، لكن دكتور العملية نفى الأمر. حتى واجهته بالحقيقة وحررت محضرا في قسم الشرطة واتجهت للقضاء.
رحلة “سارة” مع القضاء كما روّتها لم تكن أقل صعوبة من رحلتها داخل المستشفى. فإثبات الواقعة يتطلب العرض على الطب الشرعي وعشرات المشاوير إلى النيابة والمحكمة وغيره. في ظل حالتها التي كانت تتدهور يومًا بعد يوم.
تستكمل “سارة”: إثبات الطب الشرعي لاستئصال الغدد الجار درقية رغم سلامتها قبل العملية كان يحتاج لعديد من الأشعة التي خضعت لإجرائها جميعها، إلا الأشعة الأخيرة حيث تطلب لإجرائها الخضوع لنوع من الإشعاع رفضه الطبيب المعالج لي. وحاولت بكل الطرق استثناء هذا النوع من الأشعة التي كانت ستؤثر على حالتي وستصبني بهشاشة في العظام نتيجة نقص الكالسيوم، واستمر الأمر هكذا حتى حُفظت القضية برمتها”.
رحلة علاج
مُعاناة “سارة” مع الاستئصال الخاطئ لم تنته بمجرد حفظ ملف قضيتها. بل بدأت تأخذ محورا جديدا للعلاج بالسفر إلى الدول العربية والأوروبية. ومن بينها الأردن وتايلاند. أملًا في إيجاد طريقة للعلاج تغنيها عن الكم الهائل من الأدوية التي كانت تتناولها يوميًا. حتى سببت لها مشكلات عُضال بالكلى ووظائفها. فضلًا عن هشاشة العظام وكسور الركبة والعمليات الجراحية التي خضعت لها بعد ذلك.
إلا أن أمل “سارة” تعلق في النهاية بـ”هرمون” تم استحداثه مؤخرًا في تايلاند لتعويض الجسم بالكالسيوم دون الخضوع لعلاج مدى الحياة. إلا أن هذا الهرمون المستحدث يخضع حاليًا لعدد من التجارب العليمة قبل استخدامه بشكل موسع.
“الغدد جار الدرقية” الأكثر شيوعًا
حالة “سارة” لم تكن الحالة الوحيدة التي تعرضت لأخطاء خلال عملية استئصال الغدة الدرقية. حيث سبقتها في التجربة “حنان”: “حكايتي مع الاستئصال بدأت من بعد سن 17 سنة. الدكتور رفض إجراء عملية جراحية وطالب أن نسير بأدوية وفعلا تحسنت حالتي. لكن بعد ولادة ابني، الدكتور قرر إجراء عملية الاستئصال، وكنت اتخيل أنها آخر محطة مع الغدة وسينتهي ألمها. لكن اتضح أنها بداية الآلام والمتاعب في حياتي”.
تضيف “حنان”: خرجت من حجرة العمليات إلى العناية المركزة لأنه حصل لي نزيف بعدها. وتدهورت حالتي ولم يخبروني أن خطأ قد وقع. واكتشفت حدوث شلل في الأحبال الصوتية. فضلًا عن أن الدكتور استأصل جميع الغدد جار الدرقية أثناء استئصاله للغدة الدرقية ذاتها. رغم أنه بعد الأشعة والتحاليل أكد لي أننا هنستأصل غدة واحدة بس. كل هذا تسبب في نقص للكالسيوم وعدم القدرة علي الكلام أو الحركة. وعندما طلبت منهم العينة لإجراء تحاليل عليها لمعرفة ما إذا كانت تستحق الاستئصال أم لا رفضوا وأخفوها”.
رحلة “حنان” مع الاستئصال لم تنته عند حد الاستئصال الخاطئ وحسب. فالاستغناء عن جميع الغدد الدرقية وجار الدرقية تسبب لها في صعوبة بالتنفس، فتقول :”لحل الأمر خضعت لعملية “شق حنجري” عام 2005. وركبت جهاز بالرقبة حتى أتمكن من التنفس من خلاله وبعدها بشهر أجريت عملية استئصال لجزء من الحنجرة بالليزر”.
“المضاعفات” و”الأخطاء”.. فرق يحسمه “الإقرار الطبي”
هناك فارق بين الأخطاء الطبية، والمضاعفات كما قال الدكتور باسيل رفقي، استشاري جراحات الأورام: الغدة الدرقية من العمليات الوارد أن يحدث بعدها مضاعفات، لأنها دقيقة وحجم الغدد الجار درقية يُقارب لحباية العدس في صغرها. لكن الخطأ يحدث في حالة أن تكون الغدد ملتهبة أو بجانبها أكياس دهنية أو ما شبه. وهذا الطبيب يكون على دراية به قبل إجراء العملية من خلال الأشعة والتحاليل التي يُجريها.
وأضاف: كما أن في مرحلة التحضير للعملية المريض يخضع لبعض الأدوية والمضادات التي تعالج التهاب الغدة حتى يُمكن استئصالها. وفي هذه الحالة يتم ذكر مضاعفات العملية في الإقرار الطبي الذي يمضي عليه المريض أو ذويه قبل الدخول إلى غرفة العمليات. وفي بعض الأحيان يُطلب من المريض كتابة المضاعفات بخط يده في الإقرار حتى تكون كافة الأمور واضحة، ويجب على الطبيب إخبار المريض بنتيجة العملية بكل تفاصيلها أو مضاعفاتها.
وفاة المولود واستئصال الزائدة وجزء من القولون والمعدة وانسداد الحالب
مأساة جديدة مع الاستئصال الخاطئ. عاشتها “ف. أحمد” بعد توجهها لولادة طفلتها الأولى في إحدى المستشفيات الحكومية الشهيرة. فلم يكتف قدرها العسير بوفاة طفلتها بعد أقل من 24 ساعة من الولادة فحسب. بل إن الحالة الصحية لها تدهورت من مجرد عملية ولادة لاستئصال أمعاء.
تقول “ف. أحمد” في تصريحات صحفية لها: بعد دفن طفلتي عدنا إلى المنزل وخلال ساعات قليلة فوجئت بتورم غريب فى جميع أنحاء جسدي. وتحول لون الجلد للأزرق. وأصبت بحالة إعياء شديدة، وارتفاع حاد بدرجة الحرارة، نقلتني بعدها عائلتي إلى عيادات طبية خاصة قريبة من المنزل إلا أنهم رفضوا أن يقبلوا حالتي، فتوجهوا بي على الفور إلى مستشفى الهرم، وبعد توقيع الكشف الطبي، أكدوا الأطباء أن هناك خطأ طبيًا جسيمًا قد حدث خلال عملية الولادة، ومن بعدها انقلبت حياتي رأسًا على عقب”.
تضيف: الطبيبة التي أجرت لي عملية الولادة قامت بخياطة الأمعاء بجانبي الأيسر، وتسبب هذا الخطأ في انسداد معوي حاد، وطالبوني بالعودة فورًا إلى مستشفى قصر العيني، وبمجرد دخولي هناك أجروا 5 عمليات استكشاف، وإشاعات تليفزيونية. وكانت الصاعقة اكتشافي استئصال جزء من المعدة. وجزء من القولون، وتدبيس 9 سم منه بجانبي الأيسر، واستئصال الزائدة، وانسداد الحالب. وكتلة دموية فى قاع البطن، وتضخم بالرحم، وحاولت حينها التواصل مع الطبيبة التي أجرت لي الجراحة، حسب اسم الطبيب المعالج المدون في تذكرة الولادة، وهى الدكتورة “ش.م” وكانت المفاجأة، حين أنكرت إجراءها العملية”.
تتابع: أصابنا الذهول، لأن اسم الطبيبة مدون في تذكرة الولادة ومن دونه هم المشرفون أو الموظفون في المستشفى ولست أنا، وإذا لم تكن هذه الدكتورة هي التي أجرت لي الجراحة فبالتأكيد المستشفى تعلم جيدا من أجراها، كل هذه التفاصيل دفعتني أنا وزوجي لتحرير محضر على الفور.
“الليزر” يدمر المستقبل أحيانًا
تسبب الاستئصال باستخدام الليزر في أن يفقد طفل لم يبلغ من العمر سوى شهرين، ذكورته إلى الأبد. بعد أن فقد عضوه الذكري خلال عملية “طهارة” باستخدام تقنية “الليزر” في مدينة طوخ في بنها.
“سمير منصور” والد الطفل قال إن زوجته أنجبت طفلين وعندما بلغا شهرهما الثاني، توجه الأب بصحبه زوجته وطفليهما إلى عيادة الطبيب الذي قام بعملية الولادة، في عيادته الخاصة من أجل إجراء عملية “طهارة” للطفلين. قائلًا : الطفل الأول تمت عملية الختان له بطريقة طبيعية وخرج بسلام. أما الطفل الثاني استخدم الطبيب معه “الليزر” وعلى عكس المتوقع استغرقت عمليته وقتًا طويلًا .
في اليوم التالي للعملية لاحظت الأسرة تورما شديدا في الأعضاء التناسلية للطفل. وحين توجها للطبيب أعطاه بعض الأدوية المضادة للتورم. لكن الأمر استمر في ازدياد لأسبوع كامل حتى قصدا مستشفى آخر، لتحدث لمفاجأة بأن الأعضاء التناسلية للطفل لابد من بترها.
نقابة الأطباء: الاستئصال الخاطئ محدود.. والتأديب يسبق التعويض
عمليات الاستئصال الخاطئ تحدث عادة للأعضاء الدقيقة من الجسم. وفقًا للدكتور إيهاب الطاهر، الأمين العام لنقابة الأطباء، الذي يقول: الأعضاء كبيرة الحجم من الجسم لا يمكن استئصالها عن طريق الخطأ. وإذا حدث تكون جريمة كبيرة وصداها واسع.
لكن الحالات التي أتت إلينا تكون في الأعضاء أو الأجهزة الدقيقة، أو الصغيرة نسبيًا. وبصفة عامة الأخطاء الطبية واردة وموجودة وهناك نسب عالمية لها على مستوى العالم كله”.
إلى جانب القضاء، فالنقابة تعمل كجهاز رقابي لأداء الأطباء، وفقًا لـ”الطاهر” الذي أوضح لـ”مصر 360″. كيفية تعامل النقابة مع شكاوي الأخطاء الطبية التي تتلقاها قائلًا: في أي خطأ طبي هناك 3 طرق يمكن أن يسلكها المريض المتضرر؛ أولها تقديم شكوى مباشرة لجهة العمل أو المستشفى وتقوم بدورها في إخطار النقابة، ثانيًا يمكنه أن يتقدم بشكوى مباشرة إلى النقابة وتقوم بدورها بمراجعة ملف الطبيب. وممكن أن يتقدم بالشكوى القانونية في النيابة أو المحكمة وهي بدورها تعلمنا وتخطرنا بالأمر، وفي جميع الطرق يتم تشكيل لجنة فتح تحقيق مع الطبيب ومراجعة ملفه وما إذا كان له أخطاء سابقة أم لا.
ويضيف “الطاهر”: نسمع أقوال المريض الشاكي. وأيضًا أقوال الطبيب وموقفه، ونطَّلع بدورنا كأطباء على الملف الطبي للحالة من خلال لجان مستقلة ومتخصصة. ممثل فيها أعضاء من مجلس النقابة وعضو من النيابة الإدارية، وتحقق وإذا رأت اللجنة الطبيب مُدان يُحال إلى المحكمة التأديبية. وهي محكمة بها أعضاء من مجلس النقابة ومستشار من مجلس الدولة، وبدورها تحدد العقوبة اللازمة وفقًا لكل حالة وأضرارها.
لائحة النقابة
لا يوجد في لائحة نقابة الأطباء عقوبة محددة لكل خطأ محدد لأن المحكمة التأديبية هي التي تختار نوع العقوبة بحسب نوع وحجم ودرجة الضرر في كل مخالفة. وفقًا لـ”طاهر” الذي يقول: المخالفات الطبية تختلف درجتها من حالة إلى أخرى، ويختلف الضرر من منظور المريض عنه في منظور الطبيب، فهناك أضرار تكون عبارة عن مضاعفات معترف بها عالميًا بينما يعتبرها المريض أخطاء”.
فالعقوبات التأديبية كما عددها “الطاهر” تبدأ من الإنذار ثم الغرامة المالية ثم الإيقاف عن مزاولة المهنة مدة لا تزيد عن سنة. تنتهي بالشطب نهائيًا من سجلات الأطباء وعضوية النقابة، والنقابة تشهد حالات فصل وإيقاف نهائي عن المهنة تتراوح ما بين 10 إلى 20 حالة.
لا مجال للتعويض المادي لصالح الطبيب في عُرف النقابة، فأمينها العام يقول إن من يرغب في التعويض عليه التوجه للجهات القضائية وهي من تحدد نسبة التعويض من عدمه، فالنقابة في مثل هذه الحالات هي جهة تأديبية فقط تحافظ على سلامة المهنة من المتلاعبين والمخطئين.