“يارب بارك إكليل السنة بصلاحك” يردد القس في إنجيل عيد النيروز الذى يحتفل به ملايين الأقباط اليوم إذ يمثل عيد رأس السنة القبطية، وهو أيضا ذكرى استشهاد القديسين بطرس وبولس، إذ رفعت صلوات القداس الإلهي فى الكنائس من الصباح الباكر، على أن تختتم بصلوات العشية التى تنتهى منتصف الليل، بدق أجراس الكنيسة وإعلان بدء العام القبطى الجديد.

تشير المراجع القبطية إلى أن عيد النيروز معناه فى اللغة القبطية “الأنهار” فهو موعد اكتمال موسم فيضان النيل سر الحياة عند المصريين وموسم الخير والبركة وخصوبة الأرض.

أما ارتباطه بذكرى استشهاد القديسين بطرس وبولس فيعود إلى عصر الإمبراطور دقلديانوس الذى كان واحدًا من أقسى عصور الاضطهاد ضد المسيحية، الأمر الذى دفع المصريين للعناية بتقويمهم القبطي ضد هذه الموجة من الاضطهاد؛ ومن هنا جاء ارتباط النيروز بعيد الشهداء عند المصريين الأقباط، فكانوا يخرجون فى ذاك التوقيت إلى الأماكن التى دفنوا فيها أجساد الشهداء ليتذكروهم. بينما حافظت الكنيسة القبطية على الاحتفال بهذا العيد حتى اليوم سواء في كنائسها داخل مصر أو في المهجر، كذلك فإن الكثير من الأقباط يربطون احتفال عيد النيروز بتناول البلح والجوافة.

في مدارس الأحد التي تربي الأطفال الأقباط على الطقس القبطي والقعيدة ترنيمة شهيرة لعيد النيروز تقول:

– يا بلح لونك أحمر زي.. دم غزير روى أرضنا ري..دم غزير دم الشهداء

– يا بلح قلبك أبيض زي … قلب نظيف وبيضوي ضي… قلب نظيف قلب الشهداء

– يا بلح بذرك ناشف زي… الإيمان الصلب الحي… اللي كان عند الشهداء

لماذا السخرية من عيد النيروز؟

في المقابل، فإن ربط عيد النيروز بتناول البلح والجوافة كان مثارا لسخرية الكثيرين ممن رفضوا اختزال المعاني الروحية في العيد القبطي في بعض الفاكهة وهو ما يفسره القس فلوباتير عزيز كاهن الكنيسة القبطية بفيرجينا الذى قال لمصر 360 إن الأعياد في المسيحية احتفالات وتذكارات روحية بالأساس وارتباط الأعياد ببعض الممارسات الشعبية مثل أكلات معينة مرتبطة بالعيد أو المناسبة لا علاقة له بالطبيعة الروحية للعيد.

يضرب القس فلوباتير المثل بعيد الغطاس فيقول: عيد الغطاس يتوافق في توقيته مع فصل الشتاء وحصاد محاصيل مثل القصب والبرتقال وكذلك اعتاد الاقباط على تناول القلقاس بسبب طبيعة طهيه مؤكدا أن ارتباط أطعمة بعينها بالعيد لا يفقده معناه الروحي.

وأضاف القس فلوباتير: بنفس القياس توافق عيد النيروز مع توقيت حصاد البلح فاعتاد الأقباط تناول البلح الأحمر ومنهم من قدم تأملات وألف الترانيم للربط بين لون البلح الأحمر بلون دم الشهداء وقلب البلح الأبيض بلون قلب الشهداء وكذا النواية الصلبة داخله تشير إلى صلابة إيمان الشهداء، مشددا أن المشكلة في حرص البعض على الممارسات الشعبوية والعادات والتقاليد الشعبية دون الاهتمام بالمعاني الروحية.

أما عن المعاني الروحية لعيد النيروز، فأوضح القس فلوباتير إنه عيد الاستشهاد في المسيحية وهو بداية رأس السنة القبطية ويحمل معاني روحية عميقة مثل جهاد الإنسان ضد الشهوات والخطايا والتزامه وحرصه على الانتصار على كل حروب الشيطان والعالم والخطية الأمر الذي يساعده في التصدي لكل محاولات التأثير على عقيدته وإيمانه الراسخ حتى لو أدى الأمر إلى سفك دمه. مؤكدا أن الشهيد في المسيحية هو إنسان انتصر على شهواته أولا ونجح في جهاده الروحي ضد الخطية وحينما يتعرض إلى أي مغريات شيطانية للتخلي عن عقيدته أو إيمانه يستشهد بسفك دمه.

أما ديفيد فاروق الباحث المتخصص في اللاهوت الأرثوذكسي فقال إن الصلوات الليتورچية لهذا العيد تشير لبداية السنة القبطية دون أي إشارة لعيد الشهداء مؤكدا أن هذا الربط حدث بسبب عودة التقويم مرة أخرى في عصر دقلديانوس الذى كان عصر استشهاد كبير فتم الربط بين التقويم أو رأس السنة القبطية وبين عيد الشهداء.

فاروق لفت إلى أن المقريزي ذكر أن هناك بعض الأطعمة ترتبط بالأعياد القبطية مثل عيد الغطاس الذى يرتبط بالقلقاس وشم النسيم ويأكل فيه البيض والفسيخ وعيد النيروز ويحتفل به بتناول البلح والجوافة.

الباحث في اللاهوت رفض اختزال العيد في هذه الأطعمة بل يجب التعامل معها بوعي تاريخي يفصل بين الروحانية والعادات الشعبية بالشكل الذى يسمح بتقبل الانتقادات دون أن توجه سهام الانتقادات للرافضين وكأن تناول أطعمة معينة جزء من إيمان آباء الكنيسة بينما هو عادة شعبية.

البابا تواضروس الثاني هنأ جموع الأقباط بعيد النيروز في عظته الأسبوعية الأربعاء الماضي، مؤكدًا أن هذا العيد من أقدم الأعياد القبطية حيث بدأ الاحتفال به سنة ٢٨٤ ميلادية في عصر الطاغية دقلديانوس.

بابا الإسكندرية لفت إلى أن السنة القبطية هي سنة حسابية كل شهر من شهورها ٣٠ يوم لا تزيد ولكنها تقل في بعض الشهور ثم يضاف إليها الشهر رقم ١٣ الذي يسمى بالشهر الصغير أو أيام النسئ وذلك لضبط التقويم حسابيًا.

وأشار بابا الكنيسة القبطية إلى أن كل المناسبات الكنسية قائمة على التقويم القبطي الذي يضبط كل المناسبات والأعياد والأصوام حتى أن الكنيسة تقرأ يوميًا من كتاب السنكسار أي سير القديسين ويقول الكاهن نعيد في هذا اليوم تذكار القديس فلان أو مناسبة كذا أو عيد كذا.

البابا تواضروس شدد على أن العيد له طابع شعبي يتمثل في تناول البلح والجوافة مضيفًا: “كلها أيام فرح حتى يأتي عيد الصليب أول أعياد السنة القبطية الجديدة”.