من العاصمة الإدارية وفي حفل حضره عدد من الجهات الرسمية ومؤسسات المجتمع المدني والشخصيات العامة، إضافة إلى عدد من السفراء. وممثلون أمميون، أعلن الرئيس عبد الفتاح السيسي إطلاق الاستراتيجية الوطنية لحقوق الإنسان، وهي الاستراتيجية التي تأخر الإعلان عنها أكثر من مرة انتظارا لإطلاقها من قبل الرئيس نفسه.

وبحسب وثيقة الاستراتيجية المكونة من 78 صفحة فإنها تهدف إلى “النهوض بكافة حقوق الإنسان في مصر. من خلال تعزيز احترام وحماية كافة الحقوق المدنية، والسياسية، والاقتصادية، والاجتماعية، والثقافية. المتضمنة في الدستور والتشريعات الوطنية والاتفاقيات الدولية والإقليمية المنضمة إليها مصر. تحقيقًا للمساواة، وتكافؤ الفرص دون أي تمييز”.

وتعد الاستراتيجية “خارطة طريق وطنية طموحة في مجال حقوق الإنسان وأداة هامة للتطوير الذاتي في هذا المجال”. ويمتد الأفق الزمني لتنفيذها حتى سبتمبر 2026.

كلمة السيسي في إطلاق الاستراتيجية الوطنية لحقوق الإنسان
كلمة السيسي في إطلاق الاستراتيجية الوطنية لحقوق الإنسان

وصدرت الاستراتيجية بعد أكثر من 20 شهرا من اجتماعات للجنة الدائمة العليا لحقوق الإنسان، مع جهات مختلفة من الدولة والبرلمان ومؤسسات المجتمع المدني. وهي اللجنة التي تأسست في نوفمبر 2018 بقرار من رئيس الوزراء لإدارة ملف حقوق الإنسان وحدها بدلًا من اللجنة الرئيسية لحقوق الإنسان بوزارة العدل، وكان على رأس اختصاصات اللجنة الدائمة وضع الاستراتيجية وخطط تنفيذها.

الإعلان عن الاستراتيجية سبقه بعض المؤشرات على حلحلة بعض الملفات التي كانت سببا في توجيه انتقادات للدولة متعلقة بالمنظمات الحقوقية والمعتقلين السياسيين. مثل تفكيك القضية رقم 173 المعروفة إعلاميا بـ”قضية التمويل الأجنبي”. وإطلاق سراح عدد من سجناء الرأي، وإن ظل البعض يشير إلى أن هذه التحركات ليست كافية في ظل أن الأعداد المُطلق صراحها قليلة بالمقارنة مع العدد الإجمالي للمعتقلين السياسيين والمحبوسين احتياطيا.

وفي هذا الإطار كانت نشأة لجنة الحوار الدولي -مبادرة مستقلة- برئاسة محمد أنور السادات، رئيس حزب الإصلاح والتنمية. جزءا آخر من الحلحلة إذ أوجدت قناة اتصال مع أجهزة الدولة في ملف سجناء الرأي وخلقت مسارا للحوار مع العالم الخارجي. بحسب حوار السادات مع مصر 360، في وقت سابق.

مرتكزات وتحديات ومسارات 

بالعودة إلى وثيقة الاستراتيجية فإنها حددت المرتكزات التي قامت عليها من: الضمانات الدستورية في مجال حماية وتعزيز حقوق الإنسان. والالتزامات والاتفاقات الدولية والإقليمية بهذا الصدد، واستراتيجية التنمية المستدامة 2030.

وأشارت الوثيقة إلى التحديات التي تواجه الدولة في هذا الصدد، محددةً إياها في أربع نقاط هي: الحاجة إلى تعزيز ثقافة حقوق الإنسان. وتعزيز المشاركة في الشأن العام، والصعوبات التي تواجه التنمية الاقتصادية، والإرهاب والاضطراب الإقليمي.

وقد اتسمت هذه النقاط بديباجات تقليدية لم تناقش جذور هذه التحديات الحقيقية، مكتفية بعبارات عامة كـ”ضعف ثقافة حقوق الإنسان. وبعض الموروثات الثقافية الخاطئة التي تتعارض مع قيمها ومبادئها” و”أهمية معالجة عوامل ضعف مستوى المشاركة في الشأن العام. بما في ذلك ضعف التواجد المجتمعي الفعال للأحزاب السياسية، وعدم انخراط الشباب في العمل الحزبي”.

أما فيما يتعلق بمسارات التنفيذ فقد حددتها الوثيقة في ثلاث مسارات: الأول متعلق بالتطوير التشريعي، ثم التطوير المؤسسي. فمسار التثقيف وبناء القدرات في مجال حقوق الإنسان.

جانب من الحضور خلال إطلاق الاستراتيجية الوطنية لحقوق الإنسان
جانب من الحضور خلال إطلاق الاستراتيجية الوطنية لحقوق الإنسان

وفي نقطة التطوير التشريعي قالت الاستراتيجية إنه “لا يزال هناك حاجة إلى استكمال البناء على هذا الزخم التشريعي؛ لتعزيز الاتساق بين القوانين الوطنية. والمبادئ والضمانات الواردة في الدستور، والاتفاقيات الدولية والإقليمية لحقوق الإنسان، سواء من خلال إدخال تعديلات على بعض التشريعات القائمة أو استحداث تشريعات جديدة”.

وتجدر الإشارة في هذا الخصوص إلى أن اللجنة العليا الدائمة لحقوق الإنسان تختص بموجب المادة الثالثة، الفقرة 10، من قرار رئيس رئيس الوزراء المنشئ لها بـ”اقتراح القوانين والتعديلات التشريعية المتعلقة بمجال دعم وتعزيز حقوق الإنسان”، الأمر الذي يساهم في تحقيق ما تستهدفه الاستراتيجية في مجال التطوير التشريعي. ویبقى الإنفاذ الفعال للقوانين على أرض الواقع، وما يرتبط بها من إنشاء آليات لازمة، ومراعاة احترامها والالتزام بها هو الفيصل في تحقيقها لأهدافها، وشرطًا أساسيًا لتعزيز سیادة القانون، بحسب ما جاء في الوثيقة.

وفي مسار التطوير المؤسسي فقد أوضحت الوثيقة أن إنشاء اللجنة العليا الدائمة جاء كتعبير عن إرادة سياسية من الدولة لتفعيل الإطارين الدستوري والتشريعي وتعزيز تنفيذ الالتزامات الدولية والإقليمية ووضع خطة عمل لبناء القدرات الوطنية في مجال حقوق الإنسان، والتنسيق مع الوحدات والإدارات المختصة بحقوق الإنسان التي تم إنشاؤها في كافة الوزارات والمحافظات والجهات ذات الصلة، إضافة إلى المجلس القومي لحقوق الإنسان باعتباره جهة مستقلة، والإدارة العامة لحقوق الإنسان التي أنشأتها النيابة العامة عام 2017.

محاور العمل الأربعة للاستراتيجية 

 حددت الاستراتيجية محاورها الأربعة في: الحقوق المدنية والسياسية – الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية – حقوق الإنسان للمرأة والطفل وذوي الإعاقة والشباب وكبار السن – التثقيف وبناء القدرات في مجال حقوق الإنسان.

محور الحقوق المدنية والسياسية 

تناول هذا المحور ثماني حقوق وهي: الحق في الحياة والسلامة الجسدية – الحق في الحرية الشخصية – الحق في التقاضي – معاملة السجناء وغيرهم من المحتجزين – حرية التعبير – حرية التجمع السلمي – حرية التنظيم – حرية الدين والمعتقد – الحق في الخصوصية.

 الحق في الحياة والسلامة الجسدية: أشارت الاستراتيجية إلى نقاط القوة والفرص في هذا الحق، من خلال الضمانات الدستورية من حيث حرمة الجسد وتجريم الاعتداء عليها وتعذيبها والامتناع عن تقديم العلاج وإجراء التجارب الطبية بالتراضي الموثق، إلى جانب القوانين التي تكفله وتعززه كقوانين العقوبات، تنظيم زرع الأعضاء البشرية، ومكافحة الاتجار بالبشر.

وبشأن التحديات التي تواجه هذا الحق، فقد لفتت الوثيقة إلى عدة نقاط هامة:

  1. الحاجة إلى وضع إطار لمراجعة الجرائم الأشد خطورة التي توقع عنها عقوبة الإعدام.
  2. خلوّ قانون حالات وإجراءات الطعن أمام محكمة النقض من وجوب انتداب محامٍ للمحكوم عليه بالإعدام غير القادر ماديًا على الطعن، وهو ما يستدعي استحداث تعديل تشريعي.
  3. الحاجة للعمل على الحد من أي شكل من أشكال الممارسات الفردية التي تمثل انتهاكات لحرمة الجسد، سواء كان ذلك في الجهات أو الأماكن العامة أو الخاصة، والتحقيق في الإدعاءات ذات الصلة.
  4. الحاجة إلى تعزيز جهود الحماية من التعدي، والإيذاء البدني، أو سوء المعاملة، لكلٍ من الأطفال بدور الرعاية الاجتماعية ودور الأيتام، ونزلاء المصحات النفسية، ومصحات عاج الإدمان، ودور رعاية المسنين.
  5. عدم كفاية برامج التأهيل النفسي لضحايا العنف، والحاجة لزيادتها وتطويرها.

الحق في الحرية الشخصية: في هذه الجزئية تناولت الوثيقة المواد الدستورية والقانونية المختلفة التي تؤكد أن الحرية الشخصية حق طبيعي وهي مصونة لا تمس، وغيرها من المواد المماثلة في هذا الصدد.

الحبس الاحتياطي جاء على رأس التحديات في هذا الشأن إذ قالت الاستراتيجية إن هناك حاجة إلى “وضع الإطار اللازم لضوابط ومبررات ومدد الحبس الاحتياطي الواردة في القوانين الوطنية. وعدم تضمين قانون الإجراءات الجنائية بدائل متطورة تكنولوجيًا للحبس الاحتياطي. والحاجة إلى وضع نظام قانوني مغاير لمبررات الحبس الاحتياطي إذا كان المتهم طفلا جاوز خمسة عشر عامًا بما يشدد من الشروط الواجب توافرها للحبس. وتعميم مشروع النظر عن بعد في أوامر الحبس الاحتياطي الذي يتيح للقاضي الاتصال مباشرة بالمتهم المحبوس احتياطيًا بحضور محاميه، عبر دائرة تليفزيونية مغلقة ومؤمنة، بما يمكن المتهم من إبداء كل أوجه دفاعه عند النظر في أمر إخلاء سبيله أو استمرار حبسه، دون الانتقال إلى المحكمة”. 

وهنا قالت الوثيقة إن النتائج المستهدفة تسعى إلى “تعزيز الضمانات ذات الصلة بضوابط ومبررات ومدد الحبس الاحتياطي الواردة في القوانين الوطنية”، دون أن توضح ماهية تلك الضمانات أو إمكانية مراجعة قانون الإجراءات الجنائية الذي يشمل هذه المادة، بعدما تحولت إلى عقوبة سالبة للحرية يتم استخدامها بشكل ممنهج.

وكان مركز التنمية والدعم والإعلام (دام) قد قدم 15 توصية لإنهاء أزمة الحبس الاحتياطي في مصر، التي تسببت في توسيع دائرة سجناء الرأي على مدار السنوات الأخيرة، بالشكل الذي تحول معه الإجراء الاستثنائي إلى عقوبة، نتيجة التوسع في استخدام جهات التحقيق كافة الصلاحيات التي منحتها إياها النصوص القانونية من أجل تقييد حرية المقبوض عليهم بمسوغ قانوني.

التوصيات التي طرحها “دام” في ورقة موقف بعنوان”15 توصية تمنع تحول الحبس الاحتياطي إلى عقوبة” تضمنت وقف الحبس الاحتياطي المطول الذي تلجأ إليه النيابة العامة والمحاكم والالتزام بالتعديلات الواردة بموجب القانون 143 لسنة 2006. وكذلك اقتصار حق استخدام الحبس الاحتياطي من قبل النيابة العامة على درجة معينة من أعضائها. وأيضًا إلزام النيابة العامة أو المحاكم بتسبيب أوامرها القضائية بالحبس الاحتياطي.

وفي مارس الماضي، أصدرت 31 دولة بينها الولايات المتحدة، بيانا تدعو فيه مصر إلى رفع القيود عن الحريات والتوقف عن “اللجوء إلى قوانين مكافحة الإرهاب لتكميم أفواه المعارضين والمدافعين عن حقوق الإنسان والصحافيين وإبقاء المنتقدين في الحبس الاحتياطي إلى أجل غير مسمى”.

وتقدر الشبكة العربية لمعلومات حقوق الإنسان أعداد السجناء والمحتجزين بنحو 120 ألف سجين ومحبوس احتياطي ومحتجز، فيما تقول منظمات أخرى إن في مصر 60 ألف محتجز، وهي التقارير التي لا تعترف بها الحكومة المصرية وتؤكد أنه لا يوجد معتقلون سياسيون في السجون.

معاملة السجناء وغيرهم من المحتجزين: اشتمل هذا الحق أيضا على الكثير من الديباجات المتعلقة بمواد الدستور والقوانين، وتوسع الدولة في الرعاية الطبية للسجناء، واستحداث آليات متطورة لتنظيم الزيارات بالسجون، إضافة إلى إنشاء سجون جديدة بهدف تقليل الكثافة وتحسين مستوى إعاشة السجناء.

أما فيما يتعلق بحرية التعبير فقد اعترفت الدولة بعدم وجود إطار قانوني ينظم الحصول على المعلومات والبيانات والإحصاءات الرسمية وتداولها، بالرغم من كونه أحد الحقوق الدستورية، وبالتالي فإن من النتائج المستهدفة إصدار قانون لتنظيم حق الحصول على المعلومات والبيانات والإحصاءات الرسمية وتداولها.

كذلك قالت إنه على الرغم من تعدد وسائل الإعلام وتنوعها؛ إلا أنها لا تعكس بالقدر اللازم تعددية في الرؤى والآراء، مكتفية بذكر ضرورة تعزيز مناخ وثقافة التعددية. فيما تطرقت بشكل سريع إلى حرية التجمع السلمي قائلة إنها تستهدف “تعزيز وتنمية الوعي العام بثقافة وممارسة حق التجمع السلمي بكافة صوره؛ لكونه وسيلة من وسائل تدعيم وتوكيد الديمقراطية”.

وفي الحق في الخصوصية أقرت الاستراتيجية بالحاجة إلى تعديل قانون الإجراءات الجنائية بما يضمن إنفاذ الالتزام الدستوري بحماية حرمة الحياة الخاصة للمجني عليهم والشهود والمتهمين والمبلغين، في ظل عدم صدور قانون لحماية بياناتهم بما قد يعد انتهاكًا لحرمة الحياة الخاصة.

واستعرضت الوثيقة الحقوق المتعلقة بالصحة والتعليم والتثقيف والعمل وحقوق الطفل وذوي الإعاقة والشباب وكبار السن مبرزة جهود الدولة في هذا الإطار والسعي لتعزيزه بشكل أكبر.

وفيما يتعلق بحقوق المرأة فقد أشارت الوثيقة إلى سعيها لصياغة سياسات تهدف إلى التصدى للموروثات الثقافية السلبية المتوارثة التي ترسخ التمييز ضد المرأة ومكافحة التحرش، وتعزيز نهج التخطيط القائم على النوع لتعزيز تمكينها، إلى جانب التوسع في جمع البيانات المتعلقة بها على المستويين القومي والمحلي بصورة دورية للتعرف على الفجوات التي تحول دون تمكينها.

ولفتت إلى “زيادة أعداد النساء المعينات في الوظائف بالجهاز الإدارى للدولة وفي مراكز اتخاذ وصنع القرار سواء في المواقع القيادية أو في مجالس إدارات المؤسسات العامة والخاصة. وتعزيز مشاركتها في عمليات التخطيط ووضع السياسات على كافة المستويات، وإتاحة فرص متساوية مع الرجل في التعيين في الوظائف القضائية”.

وعلى مستوى التثقيف وبناء القدرات في مجال حقوق الإنسان فقد أوضحت الاستراتيجية سعيها لإدماج مفاهيم المساواة والمواطنة وعدم التمييز في المناهج الدراسية إضافة لخضوع أفراد الهيئات الشرطية والقضائية والعاملين بالجهاز الإداري للدولة لدورات تثقيفية وبرامج تدريبية.

ويمكنك الإطلاع على الوثيقة كاملة وتفاصيل محاورها وبنودها من هنــــــــا.